Take a fresh look at your lifestyle.

المكتبات العامة بين الواقع وآفاق المستقبل

0 667

                إن المتتبع لواقع المكتبات العامة العربية يرى أن هناك جملة مشكلات وصعوبات تعاني منها هذه المكتبات على مختلف الأصعدة.. ويصعب للمتتبع أيضاً أن يضع تصوراً واضحاً لواقعها، بسبب اختلاف ظروف دولة عن ظروف دولة أخرى.
فما هي المشكلات التي تعاني منها المكتبات العامة؟ هل ثمة مشكلة تتعلق بقلة العاملين المؤهلين في هذا المجال في الوقت الذي تشهد فيه الدول بطالة بين خريجي هذا الاختصاص؟

ولما كان للمكتبات العامة دور هام في عملية التنمية، وفي إرساء مجتمع المعرفة وتنمية ثقافة المعلومات بين أفراد المجتمع، إذ لم تعد مواقع لتخزين أوعية المعلومات وعرضها بصورة تقليدية أو لقضاء وقت الفراغ والتسلية، بل أصبح لها أثر كبير في العملية التثقيفية والإعلامية والتعليمية، وفي دعم الإنتاج الفكري مثل الأطروحات الجامعية والكتب والدراسات المنشورة في الدوريات والمواد المتاحة على الإنترنيت وإنتاج عدد من المطبوعات والمنشورات كما تفعل بعض المكتبات العربية.

فللمكتبة تأثير كبير في محيطها الاجتماعي، لطالما هي ملجأ لطلاب المعرفة الذين لا تسعفهم أوضاعهم الاقتصادية في اقتناء الكتاب في مكتباتهم الخاصة، وهي طرف فاعل في مجتمع المعلومات لأنها تتيح لكافة شرائح المجتمع مختلف مصادر المعلومات دون تمييز، وتضمن للجميع الحق في المعلومة الدقيقة والمفيدة، وتكفل للقارئ حرية التعبير، وتعد واحدة من أهداف المكتبات العامة العصرية.

فكيف يمكن وضع أسس للنهوض بالمكتبات العامة العربية، وكيف يمكن جمع المختصين في المكتبات والمعلومات المسؤولين عن المكتبات العامة، وما هو دور الأنظمة والقوانين في تنشيط وتفعيل دور هذه المكتبات.. وهل المختصون في مجال المكتبات ليس لديهم اهتمامات حقيقية بالتخصص.

إن الحاجة ماسة إلى وعي مجتمعي معلوماتي شامل لتذليل هذه العقبات، والحاجة ماسة إلى مزيد من الاختصاصيين في علوم المكتبات والمعلومات، ولن تستطيع أقسام علوم المكتبات سد هذه الحاجة خلال العقود القادمة.. والبطالة الظاهرية إنما هي نتيجة لقلة عدد المكتبات العامة، ولخلل في التوظيف في الوظائف الموجودة، ثم لقلة اعتماد الوظائف في هذا القطاع.

ولمواجهة التحديات واستشراف آفاق مستقبلية فاعلة للمكتبات العامة العربية لا بد من العمل بداية على توضيح مفهوم المكتبة العامة الغائب عن ذهن الكثيرين ومحو الأمية المعلوماتية والتكنولوجية في الوطن العربي، والعمل على رقمنة مقتنيات المكتبات العربية ونشرها على الإنترنيت، وحث الجهات العربية المختصة للتحول السريع إلى المكتبة الرقمية، وأن تقوم المكتبات العامة العربية بربط خطط تطوير مقتنياتها وتنمياتها باحتياجات المستفيدين،

بحيث تتوافق مع النظم الحديثة، وزيادة الاهتمام بالتكنولوجيا المتطورة للنشر الإلكتروني، لدوره المميز في التحول نحو مجتمع المعلومات، وبناء شبكات تعاونية متطورة لتسهيل عملية الإعارة المتبادلة.

كما تحتاج المكتبات العامة إلى تفعيل دورها والارتقاء بمستوى خدماتها والتكامل فيما بينها والاهتمام برعايتها، مما يتيح لها تلبية احتياجات ورغبات المستفيدين، والعمل على رسم سياسات عامة معتمدة لتطوير هذه المكتبات والنهوض بها، مثل تطبيق المعايير والضوابط التي أقرتها الهيئات والمنظمات الدولية، وإتاحة هذه الخطط والسياسات بمواقعها على شبكة الإنترنيت، وأن يكون لها مواقع نشطة على الشبكة، وأن يكون هناك تفاعل نشط بينها وبين المكتبات المدرسية والجامعية والخاصة والأجنبية، وتنمية مواردها البشرية والعمل بمبدأ التدريب المستمر، والاستفادة من المتخصصين في المكتبات والمعلومات وإشراكهم في عمليات التطوير المنتظرة.

ولكي تحقق المكتبات العامة أهدافها وغاياتها في عصر التقدم التقني الهائل لا بد أن تتكامل ركائزها من موارد بشرية ومادية وتكنولوجية وأن تعيد صياغة سياساتها وأهدافها لتواكب معطيات هذا العصر التقني عبر توفير البرامج والخدمات التي تدعم التوجه نحو ثقافة المعلومات وتقويته، وأن تواصل المكتبات أنشطتها الثقافية لتشجيع ثقافة الحوار، وتنمية الوعي المعلوماتي، والثقافة الرقمية، وتطوير خدمات الإعارة الخارجية، وزيادة عدد الحواسب المتاحة للباحث في الفهارس الآلية، ودعم التعاون بين المكتبات العامة والسعي للارتقاء بمعارف العاملين فيها ومهاراتهم، وأن يقوم أخصائيو المكتبات بجذب المستفيدين إلى المكتبة وتشجيعهم على القراءة بجميع الوسائل، إلى جانب ذلك القيام بحملات توعية ثقافية مكثفة واسعة النطاق في هذا المجال لخلق جيل عربي مثقف وواع يستطيع أن يواجه التطور الهائل في المعلومات وتقنياتها. وصدقت الحكمة حين قالت: (خير جليس في الدهر كتاب)

نشرت في العدد المزدوج 30-29

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.