Take a fresh look at your lifestyle.

صفات الشخصية التبليغية

0 1٬126

د. علي خضير حجي
كلية الفقه/ جامعة الكوفة

                تتشابه العملية التبليغية في مهمتها الرسالية من حيث العناصر والأبعاد التعليمية، ومن الممكن صياغة أربعة أسئلة من أجل وضع منهجية علمية للمبلغين وهي كالآتي:
س/ لماذا نبلغ؟
س/ ماذا نبلغ؟
س/ من نبلغ؟
س/ كيف نبلغ؟
ويشير السؤال الأول إلى أهداف العملية التبليغية، أما السؤال الثاني فيشير إلى المعلومات والمادة العلمية المراد تبليغها، أما السؤال الثالث فيشير إلى الأشخاص المراد تبليغهم أي (المبلغين) أما السؤال الرابع فيشير إلى الأساليب والوسائل المستخدمة في عملية التبليغ.
وتتشكل هذه الأسئلة الأربعة عناصر العملية التبليغية التي تتكامل في ثلاثة عناصر هي:
1ـ المبلِّغ.
2ـ المبلَّغ.
3ـ المنهج.

المبلِّغ
ويعد المبلِّغ أول عنصر في العملية التبليغية، ولابد من توافر سمات أو صفات أو خصائص في شخصيته ليستطيع من خلالها القيام بواجبه على أتم وجه، ويجب عليه أن يتسم بصفات أهمها أن يكون تربوي الهدف والتفكير والسلوك قاصداً من كل أعماله التبليغية ودروسه ووعظه وإرشاده ودعواته أن يجعل من المراد تبليغهم ربانيين يرون آثار عظمة الله سبحانه وتعالى، ويهتدون بأقوال المعصومين(عليهم السلام) ويستدلون من الاثار والأقوال في كل جزيئة من جزيئات الحياة قال تعالى: (وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ)(1).

ويمكن أن تعد الشخصية التبليغية من الشخصيات الرسالية وقد وضع المتخصصون في العلوم النفسية عدة سمات للشخصية الرسالية منها: (الذكاء العلم، الاتزان الانفعالي، الثقة بالنفس، التبصر، الإقدام، السيطرة، المحافظة، الواقعية الاطمئنان…..) وهذه السمات توضع ضمن مقاييس الشخصية وباستخدام أدوات لازمة لها.

ولكن من المستطاع تسليط الضوء على بعض صفات الشخصية التبليغية وتوزيعها على أربعة مجالات:
المجال الأول: الصفات الأخلاقية.
المجال الثاني: الصفات المعرفية.
المجال الثالث: الصفات المهنية.
المجال الرابع: الصفات الشخصية.

المجال الأول: الصفات الأخلاقية

الإخلاص في النية
فالنية أساس العمل وهي القصد والإخلاص، ولا يقصد بعمله التبليغي وسعة علمه واطلاعه إلا مرضاة الله تعالى وحده والوصول إلى الحق ونشره في أذهان المبلغين، والإخلاص من شروط قبول العمل، قال تعالى: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ً)(2).
وعن أبي عبد الله(عليه السلام) في تفسير قول الله تعالى: (ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) قال: ليس يعني أكثركم عملاً ولكن أصوبكم عملاً، وإن الإصابة خشية الله والنية الصادقة، ثم قال: الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله تعالى أفضل من العمل، إلا وإن النية هي العمل ثم تلا قوله تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) يعني على نيته(3).

الصبر على المبلَّغين
ينبغي للمبلّغ أن يكون صبوراً في عمليته التبليغية وفي تقريب المعلومات والأحاديث والروايات والمواعظ والحكم والأحكام إلى أذهان الناس، لأن ذلك يتطلب مراراً وتكراراً ومشقة على النفس، بسبب الفروق الفردية بين المتلقين والصبر نتيجة طبيعية للأمل في ثواب الله والإيمان بجزائه يوم الحساب قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)(4).

الرفق بالمبلَّغين
وتعد هذه الصفة أحدى الثمار الطيبة لما تؤدي إليه، وتتركز في حب المبلّغين للمبلّغين، والألتفاف حولهم والاقتداء بهم حالاً ومقالآً، قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ)(5).

بذل النصيحة
إن النصيحة في الدين الإسلامي ذات أهمية عظمى إذ أنها لا تقتصر على عامة المسلمين فقط ولا على ولاة الأمر بل إنها مطلوبة من كل شخص تجاه الآخرين، ولذلك جاء على لسان الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله): (الدين نصيحة).

التواضع ولين الجانب
إن التواضع يجعل الناس والمتلقي يأنسون بالمادة التعليمية ويكون الدرس التبليغي محبب لهم، فينبغي على المبلغ أن يتواضع، وأن يفتح صدره ويتودد للناس، وأن يكون لين الجانب.

العمل بالعلم
ولكي يكون المبلغ صادقاً مع الله عز وجل، صادقاً مع نفسه، صادقاً مع الناس، يجب عليه أن يكون عاملاً بعلمه، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (من علم وعمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم)(6).
وبذلك إن التمسك بهذه الصفة فلا يناقض قوله فعل ذلك منع الرشد، قال تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)(7).
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)(8).

المجال الثاني: الصفات المعرفية

المعرفة التخصصية

إن المعرفة هي العدة التي تمكن المبلغ من القيام برسالته التبليغية على الوجه الصحيح، فتعلم العلم يحتاج إلى المعرفة الشمولية، وهذا لا يعني بالضرورة أن يكون المبلغ عالماً جمعاً، ولكن يحتاج من التحصيل المعرفي العلمي ما يؤهله للقيام بمهمته منها إجادة أحكام القرآن تلاوة وقراءة وتفسيراً، حفظه للكثير من أحاديث آل البيت(عليهم السلام)، اتقانه لقواعد النحو العربي، إطلاعه على العلوم الإسلامية فقهاً وأصولاً وفكراً.

المعرفة التربوية
تعد الوسيلة الفاعلة في تحقيق الأهداف، لأنها تعين المبلغ على معرفة طبائع الناس واستعدادهم وميولهم واتجاهاتهم وفروقهم الفردية، وهذا يتطلب من المبلغ الاطلاع على العلوم التربوية والنفسية وأهمها علم النفس الإسلامي، نظريات التعلم، علم نفس الشخصية، وأساليب التعليم.

المعرفة العامة (الثقافة)
لابد أن يمتلك المبلغ سعة الاطلاع والثقافة وأن يلم من كل علم ومن شيء ينفعه، فالمتخصص هو من يعرف كل شيء عن شيء أما المثقف هو من يعرف من كل شيء شيئاً ولذلك فالمبلغ يجب أن يكون متخصصاً ومثقفاً فعليه أن يطلع ويتابع بصورة مستمرة حياة الناس وواقعهم السياسي والأدبي والفكري، ومعرفة ما يواجه الفكر الإمامي من تحديات على الساحة الفكرية أمثال العولمة، التطرف الديني، الإعلام الغربي، تغيير المناهج.

المجال الثالث: الصفات المهنية

حب العملية التبليغية
فمن أحب عملاً أتقنه وأبدع فيه (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).

قوة الشخصية
وتظهر من خلال قدر المبلغ على حسن التعامل مع المتلقين واتصافه بالهيبة والوقار والحزم في غير عنف والصبر والحلم والتواضع في غير ضعف ودقة العبارة، وضبط المواعيد، والإلتزام الدقيق لما يدعو إليه فلا يخالف فعله قوله، والحرص على أسباب القوة ومنها قوة البدن فإن (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) وكذلك قوة القلب والشجاعة في قول الحق من غير غيبة ولا تجريح.

المجال الرابع: الصفات الشخصية
لما كانت شخصية المبلغ تنعكس على سلوك المتلقين ونفوسهم إيجابياً وسلبياً، مما يعزز جانبه الشخصي حسن هيأته، في حدود الاعتدال ودون تكلف، ومن أهم مقومات صفاته الخارجية.

حسن الملبس
لأنها أهم ما في مظهر المبلغ، ومنها العطر (الطيب) فإنه محبب إلى النفس ويترك أثراً حسناً.

سلامة النطق وحسن البيان
إن من أهم صفات المبلغ الناجح، جودة نطقه، وحسن بيانه، وابتعاده عن اللحن حين قراءته للقرآن أو روايته للحديث، والحرص على التكلم بالفصحى والبعد عن العامية جهد الإمكان. وخلو الكلام من التكلف والتقصير والتشدق وحسن التعليل، والاسترسال في الحديث والمقدرة على صياغة الأفكار.

الوجه المشرق المبتسم
إن البشاشة تزرع الأمن في نفوس المتلقين وتنمي مشاعر الود بين المتلقين مما ينعكس على إقبالهم على المادة العلمية المراد تبليغها فكيف بكلام الله الذي بذكره تطمئن القلوب!!!
لذا رتب الإسلام على الابتسامة الصادقة أجراً فقال(صلى الله عليه وآله): (تبسمك في وجه أخيك صدقة)

نشرت في العدد 21


(1) سورة آل عمران، الآية: 79.
(2) سورة الكهف، الآية: 110.
(3) أصول الكافي، 2/16.
(4) سورة الزمر، الآية: 39.
(5) سورة آل عمران، الآية: 159.
(6) بحار الأنوار 40/128.
(7) سورة البقرة ، الآية: 44.
(8) سورة الصف، الآية: 2ـ3.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.