على نهر الفرات يغفو قضاء الهاشمية وهو يتنسم عليل الهواء، وشذى البساتين الغنّاء، وتتداخل أحياناً بين قراه ونواحيه.. لازالت رؤى الماضي ماثلة بين جفنيه بكل ما تحمله من أفراح وأحزان.. ففي عهد مضى كان عاصمة لدولة ملكت شرق الأرض وغربها.. وبين ظهور وضمور تنوع دوره وتشكلت أنماط الحياة الاجتماعية فيه…
واليوم أصبح قضاءً تسوده العلاقات الأسرية والعشائرية الطيّبة..
بين الأمس واليوم كانت رحلتنا.. فما حديث تلك الرحلة؟
من يتصفح كتب التاريخ، يجد الكثير الكثير من المدن التي قامت في مكان ما وازدهرت بفعل الكثافة السكانية التي حلت فيها طلباً وتبعاً للخيرات والموقع المميز التي تتمتع بها هذه المدينة أو تلك، إلا أن استمرارها مشروط بتوفر سبل العيش فيها فكم من مدينة بلغت شأناً عالياً في الرقي والتقدم ثم ما لبثت حتى صيرتها الحوادث أطلالاً فلم يبق منها سوى الاسم، ويمضي الزمان وتتعاقب الأجيال إلا أن الاسم هو الشاخص الباقي من الماضي وهذا ما حصل لمدينة الهاشمية،
الأرض التي اختارها أول الخلفاء العباسيين، أبو العباس السفاح، ولم ينزل دمشق عاصمة الأمويين الذين جلاهم عن الحكم، كما لم يتخذ الكوفة ـ عاصمة الخليفة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، ابن العم الذي كان يمتدحه هو وأخوه المنصور ويقتات على ما تبذله الأيدي له حباً لعلي(عليه السلام) وآل علي ـ منزلاً له، فطفق يبحث عن مكان يبعد عن دمشق ويقرب من الكوفة وكان له ما أراد، فقد وجد ضالته على شاطئ الفرات حيث تفيض الخيرات وتنعم الأرض بالبركة وهي تروي ظمأها من هذا النهر الطاهر.
قامت الهاشمية عاصمة لعهد جديد وخليفة جديد واسم منسوب لهاشم الجد الأعلى للخليفة فاستبشر الناس وفاقهم فرحاً آل علي(عليه السلام) حيث أبناء العم أصبحوا يديرون شؤون الأمة إلا أنهم لم يعلموا علام انطوت النيات وماذا سيخبأ لهم القدر!! وهكذا بمرور أشهر أصبحت الهاشمية حبساً مؤبداً لآل الحسن بن علي بن أبي طالب(عليهما السلام) ومن ثم مقبرة جماعية ضمت رفات تلك الأجساد الطاهرة، ثم تنكرت لها الدنيا وأفل نجمها بعد أن حلت محلها بغداد. واليوم عادت مدينة لها وجودها حيث شكلت قضاءً مهماً من أقضية العراق يضم نواح وقرى عديدة زرناه واتخذنا من زيارتنا له مادة لاستطلاع مجلتنا في هذا العدد.
ما قبل نشوء الهاشمية
دبّ الضعف في جسد الدولة الأموية خصوصاً عندما استشرى الظلم والتعسف في المجتمع الإسلامي، ففي الوقت الذي كان فيه الخليفة منغمساً بملذاته وفجوره، يتنقل بين كؤوس الخمر وأحضان الجواري والحفلات الصاخبة كان الشعب يعاني من مرارة العيش وتردي الوضع الاجتماعي العام، لذا فقد أحدث هذا الوضع سخطاً لدى الطبقات الاجتماعية الوسطى والضعيفة فارتفعت الأصوات المنادية بالتغيير بين الآونة والأخرى هذا والعلويون بين الناس،
يرون فيهم حسن الخلق، وطيب السجية وقوة الإرادة إضافة للنسب الوضاح فاشرأبت الأعناق ورنت النواظر نحوهم كي يتسنموا المناصب العليا في دولة العدل التي تهفو لها نفوس الرعية، إيذاناً ببدء عهد جديد يزيح غبار الحكم الأموي الذي خنق الصغير والكبير.
أما العباسيون وهم ذرية (علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب) فقد كانت نفوسهم تتطلع إلى الخلافة وتميل إلى اعتلاء العرش إلا أنهم كانوا يدركون تماماً ميل الناس نحو آل علي(عليه السلام)، فهم الثائرون بوجه الظلم والظالمين، فكربلاء لازالت تلقي بظلالها على أحاديث المجتمع، أضف لذلك ما أفرزته الثورات العلوية المستمرة، في حين لم يسجل التاريخ حركة واحدة قام بها بنو العباس، بل لم تذكر الروايات التاريخية موقفاً لأي عباسي في واقعة الطف عدا موقف ابن عباس المتمثل بإشارته على الإمام الحسين(عليه السلام) في عدم التوجه إلى الكوفة.
لقد وضع الأمويون بني العباس في الحميمة، وهي قرية من أرض الشراة قرب معان، بالبلقاء و(الحميمة هي القرية التي أهداها عبد الملك بن مروان لعلي بن عبد الله بن عباس ـ جد العباسيين ـ لترضيه)(1).
وبذلك فقد حصل عبد الملك على هدفين برمية واحدة حيث أرضى علي بن عبد الله بما وهبه له، وحصر العباسيين في موضع واحد، بالقرب من عاصمته دمشق، حتى يعد عليهم تحركاته ويكونوا تحت نظر جواسيسه وعيونه، فيأمن شرهم ويسحق تمردهم إذا ما لمح ذلك أو سمع به وهذا ما لمحه مروان بن محمد المعروف بـ(الحمار)،
آخر الخلفاء الأمويين، في إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فقد توجس خيفة من تحركاته حيث استغل إبراهيم ضعف الدولة الأموية فراح يمهد لفكرة خلافة بني العباس، لذا فقد (قبض مروان على إبراهيم في الحميمة وسجنه في حران وتوفي سجيناً وكان قد عهد إلى أخيه ـ حين علم بمصيره ـ أبي العباس السفاح بالإمامة وأمره بالرحيل إلى الكوفة فذهبوا إليها حيث تلقاهم رئيس الدعوة أبو سلمة الخلال وأنزلهم في منزل سري)(2).
لقد مهد لحكم العباسيين شخصان أبو سلمة الخلال وأبو مسلم الخراساني فقد تردد الأول في دعوته بين بني العباس وبني علي(عليه السلام)، إلا أنه وضع أمام عينيه ميل الكوفيين إلى العلويين، ومع ذلك فقد جعل الأمر لبني العباس الذين لن ينسوا موقفه تجاههم ولكن كان جزاؤه منهم القتل!!،
أما أبو مسلم (فقد تولى المركز الرئيسي في خراسان ونجح في إعداد جيش عباسي كثيف، ما لبث أن هزم به جيش الخليفة الأموي الأخير مروان بن محمد عند نهر الزاب ـ فرع من فروع نهر الفرات ـ وانتهى الأمر بمقتل مروان وما لبث أن ظهر السواد شعار العباسيين في الكوفة في العاشر من المحرم سنة (132هـ)، فكان هذا إعلاناً عن سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية)(3) وبويع عبد الله السفاح خليفة للمسلمين يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من شهر ربيع الأول سنة (132هـ).
ويقول الباحث هشام جعيط في تناوله مدينة الكوفة على الصعيد المديني: (تعرضت الكوفة لتغيرات عميقة في العصر العباسي فالخلفاء العباسيون الأوائل كانوا ينوون جعلها عاصمة لخلافتهم فأقاموا فيها فترة وجيزة من الزمن، غير أن تعاطف هذه المدينة العام مع علي والتيار القوي المؤيد له فيها جعلهم يترددون بينها وبين الأنبار، ومدينة الهاشمية الجديدة المتصلة بقصر ابن هبيرة… وهذا يعني أن الكوفة لعبت دور العاصمة الإدارية للخلافة العباسية حتى ولو لم يكن الخلفاء العباسيون يقيمون فيها على الدوام)(4).
ويؤيده في رأيه الباحث قصي الحسين حيث يقول: (ولم يطمئن أبو العباس السفاح إلى أهل الكوفة وهم أصحاب علي ولم يركن إليهم في الأمور فانتقل إلى الأنبار واتخذها مقراً سماه الهاشمية نسبة إلى هاشم جد العباسيين)(5).
الهاشمية العاصمة الجديدة
وكما أسلفنا فإن أبا العباس السفاح لم يطمئن إلى أهل الكوفة ولم يرَ في الابتعاد عن الكوفة صلاحاً فاختار مكاناً قريب من الكوفة حيث يقول ياقوت في معجمه: (انتقل ـ أي: أبو جعفر المنصور ـ إلى الهاشمية وهي مدينة كان قد اختطها أخوه أبو العباس السفاح قرب الكوفة… ثم يضيف: وكان سبب عمارتها ـ أي بغداد ـ أن أهل الكوفة كانوا يفسدون جنده فبلغه ذلك من فعلهم فانتقل عنهم يرتاد موضعاً)(6).
كما ويذكر سبباً آخر في نشوء الهاشمية فيقول عند تعرضه لقصر ابن هبيرة: (ينسب إلى يزيد بن عمر بن هبيرة… كان لما ولي العراق من قبل مروان بن محمد بن مروان بنى على فرات الكوفة مدينة فنزلها ولم يستتمها حتى كتب إليه مروان يأمره بالاجتناب عن مجاورة أهل الكوفة فتركها وبنى قصره المعروف به بالقرب من جسر سورا، فلما ملك السفاح نزله واستتم تسقيف مقاصير فيه وزاد في بنائه وسماه الهاشمية وكان الناس لا يقولون إلا قصر ابن هبيرة على عادة الأولى، فقال: ما أرى ذكر ابن هبيرة يسقط عنه فرفضه وبنى حياله مدينة نزلها أيضاً المنصور واستتم بناء كان قد بقي فيها وزاد فيها أشياء وجعلها على ما أراد ثم تحول منها إلى بغداد…)(7).
وقد حصل خلط كثير في التاريخ فبين من يذكر أن الهاشمية مدينة بناها أبو العباس السفاح وجعلها عاصمة له كما بينا ذلك أعلاه وبين من يذكر أن الهاشمية هو قصر ابتناه السفاح في الأنبار فقد ذكر اليعقوبي في تاريخه: (وانتقل أبو العباس من الحيرة فنزل الأنبار واتخذ بها مدينة سماها الهاشمية سنة (134هـ) واستشرى من الناس أشرية كثيرة بنى فيها واقطعها أهل بيته وقواده)(8).
في النص أعلاه نلحظ ما يلي:
1ـ لم يرد ذكر للكوفة فقد ذكر اليعقوبي أن أبا العباس انتقل من الحيرة ونزل الأنبار وهذا خلاف ما ذكره الرواة والمؤرخون من أن البيعة لبني العباس انطلقت من الكوفة وكانت الكوفة المهد الأول الذي احتضن دولة بني العباس الفتية.
2ـ ركز اليعقوبي على أن الهاشمية كانت موجودة ضمن أراضي الأنبار أي لم تقم مدينة جديدة ببناء جديد بل هي مدينة كانت قائمة إلا أن أبا العباس تملك دورها وأطلق عليها التسمية الجديدة (الهاشمية) نسبة إلى هاشم.
3ـ تم انتخاب أبي العباس في سنة (132هـ) واتخذ الهاشمية عاصمة سنة (134هـ) أي بعد مضي سنتين من حكمه ولم يذكر لنا اليعقوبي أين قضى أبو العباس هذه الفترة من حكمه هل كانت في الحيرة أم في الكوفة؟!.
وحسب متابعتي للروايات فإني أرى (أن أبا العباس كان في الكوفة عند بيعة الناس له ثم انتقل إلى الحيرة ابتعاداً عن الموالين للعلويين والذين زاد سخطهم على تولي بني العباس دست الحكم، ثم ارتأى الانتقال إلى مدينة الهاشمية وهنا يفترق المؤرخون إلى فرقتين، فرقة تقول بموت أبي العباس في الهاشمية ودفنه فيها وأخرى تقول إنه ترك الهاشمية وانتقل إلى الأنبار وبها توفي).
وفي ليلة الأحد لاثنتي عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة (136هـ) توفي أبو العباس السفاح متأثراً بمرض الجدري وعمره اثنان وثلاثون سنة ودفن على تل بالقرب من المدينة الحالية ومازال التل مثبتاً على الخرائط التي رسمها البريطانيون عند احتلالهم للعراق سنة (1917م) يعرف بـ(تل السفاح) وخلفه في أمر المسلمين شقيقه المنصور… الذي قرر ترك مركز الحكم (الهاشمية) والتوجه لبناء المدينة المدورة بغداد قرب طيسفون سنة (145هـ) لتكون عاصمة ملكه فانتقل إليها سنة (145هـ) لتكون عاصمة ملكه فانتقل إليها سنة (149هـ))(9).
لم يحدثنا التاريخ عن نوع الأبنية التي شيدت في الهاشمية ولا عن النسيج الاجتماعي الذي كان يستوطنها ولا عن الحالة الاقتصادية والمعاشية للسكان باعتبارها عاصمة لدولة فتية تضم دوائر الدولة ذات الأهمية الأولى في نظام الحكم، إلا أن مأساة آل الحسن(عليه السلام) والمصير المؤلم الذي لاقوه على أيدي جلاوزة المنصور طغت على تاريخ المدينة فما تذكر الهاشمية إلا ويتبادر إلى الذهن تلك الحادثة المؤلمة.
مآسي الحسنيين في دائرة الضوء
لم يحدثنا التاريخ عن مأساة جماعية حدثت أوائل الحكم العباسي بمثل مأساة أولاد الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط(عليه السلام)، وبالرغم من التعتيم الإعلامي الذي سدل الستار على هذه المأساة إلا أن المؤرخين أثبتوها في كتبهم وتعرضوا لها شرحاً وتفصيلاً لما لها من أثر مؤلم في النفوس ولكنهم اختلفوا في تحديد موضع الحبس الذي لاقى فيه السادة من آل الحسن(عليه السلام)
مصارعهم لذا نجد اليوم موقعين متقاربين نسبياً كل منهما يطلق عليه (القبور السبعة) وهو المكان الذي دفن فيه سبعة نفر من ذرية الإمام الحسن(عليه السلام).
ومجمل الحالة التي على أثرها وقعت هذه المأساة يمكن إدراجها على النحو التالي:
بعد أن استتب الأمر لبني العباس وأصبح أبو العباس السفاح خليفة للمسلمين، بدأت حملة عباسية شعواء من أجل إلقاء القبض على محمد بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط(عليهم السلام) المعروف بـ(محمد ذي النفس الزكية) الذي بايعوه خليفة للمسلمين أيام انحطاط دولة بني أمية إلا أنها باءت بالفشل وعندما تسنم المنصور الحكم زاد طلبه لمحمد وأخيه إبراهيم الذي عاضده في أمره فكان محمد مختفياً في المدينة يتحين الفرصة المناسبة لإرجاع الأمر إليه وكان اخوه إبراهيم في البصرة يعد العدة والعدد للثورة ضد العباسيين،
قدحت في ذهن المنصور فكرة العمل بسياسة أخذ الأقارب بذنب القريب وبالفعل أوعز إلى عامله على المدينة بإلقاء القبض على آل الحسن وإيداعهم السجن لأجل غير مسمى حتى يتبين ما سيؤول إليه أمر محمد وإبراهيم، وكان سيد بني الحسن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط(عليهم السلام) وسمي بالمحض لأن أباه ابن الحسن(عليه السلام) وأمه فاطمة بنت الإمام الحسين(عليه السلام)، وكان أشبه الناس برسول الله(صلى الله عليه وآله) وقد سجنه المنصور طالباً منه ابنيه محمد وإبراهيم، مع بني أبيه بالمدينة عام (142هـ) وبقوا بالمدينة إلى عام (144هـ) حيث حملهم إلى مدينة الهاشمية وقتلهم(10).
ويؤيد ذلك الأصفهاني في مقاتله حيث قال: (إنه لما حج المنصور سنة (144هـ) أمر واليه رياح بن عثمان أن يبعد آل الحسن ـ ومعهم محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان أخو بني الحسن لأمهم إلى الربذة مكتوفين مقيدين بالسلاسل في أرجلهم وأعناقهم وأركبهم على أغلظ مركب بغير وطاء، ولما أخرج بهم من المدينة على هذه الصفة، وقف سيدهم وعميدهم الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)
ينظر إليهم من وراء ستر بحيث لا تراه الناس ـ وهو يتلهف ويبكي ودموعه تجري على كريمته المباركة وهو يدعو الله تعالى ويقول: (والله لا تحفظ لله حرمة بعد هؤلاء))(11).
وقد ذكر الشيخ محمد الخضري ما نصه: (صار المنصور يحتال بأنواع الحيل ليعرف الأخبار عن محمد واستخراج ما عند أبيه عبد الله بن الحسن من أخباره، ولما علم أن عبد الله يعرف نية ابنه حج سنة (140هـ) وسأل عبد الله عن ابنيه فأنكر أن عنده علم بهما فلم يتيقن المنصور كذبه حبسه وصادر أمواله)(12).
أما اليعقوبي فيذكر: (حج أبو جعفر سنة (140هـ) لينظر ما زيد في المسجد الحرام، وقد كان بلغه أن محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن تحرك، فلما قدم المدينة طلبه، فلم يظفر به، فأخذ عبد الله بن حسن بن حسن وجماعة من أهل بيته، فأوثقهم في الحديد وحمله على الإبل بغير وطاء، وقال لعبد الله دلني على ابنك، وإلا والله قتلتك، فقال عبد الله والله لامتحنت بأشد مما امتحن الله به خليله إبراهيم، وإن بليتي لأعظم من بليته لأن الله عز وجل أمره أن يذبح ابنه، وكان ذلك لله عز وجل طاعة، فقال: إن هذا لهو البلاء العظيم، وأنت تريد مني أن أدلك على ابني لتقتله وقتله لله سخط، وقال أبو جعفر: يا ابن اللخناء! فقال وأنك لتقول هذا ليت شعري أي الفواطم لخنت يا بن سلامة؟ أفاطمة بنت الحسين، أم فاطمة بنت رسول الله أم جدتي فاطمة بنت أسد بن هاشم جدة أبي أم فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم جدة جدي؟ قال لا واحدة من هؤلاء، وحمله…)(13).
من النص أعلاه نستنتج:
1ـ أن بوادر حركة محمد ذي النفس الزكية كانت منذ عام (140هـ) وقد تزامن معها إلقاء القبض على أبيه وأعمامه في حين ذكرت المصادر الأخرى أن ذلك حدث عام (142هـ).
2ـ ينقل النص أن أبا جعفر قد حملهم معه إلى عاصمته الهاشمية في حين ذكرت المصادر أن آل الحسن(عليه السلام) سجنوا في المدينة ثم سرح بهم عامل المدينة إلى الهاشمية.
3ـ يكشف النص أيضاً عن شدة طلب أبي جعفر لمحمد عن طريق حدة اللهجة واختيار الكلمات ذات الوعيد مقابل ذلك تمسك عبد الله المحض بسلامة ولده ودفاعه عن مشروعية عدم الإخبار بمحله.
عموماً يمكن ذكر أبناء الحسن(عليه السلام)
الذين تم اقتيادهم إلى الهاشمية على النحو التالي:
1ـ عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط(عليه السلام)، مات في الحبس.
2ـ إبراهيم بن الحسن المثنى بن الحسن السبط(عليه السلام)، مات في الطريق ودفن في الكوفة على أشهر الروايات.
3ـ الحسن المثلث بن الحسن المثنى بن الحسن السبط(عليه السلام)، مات في الحبس.
4ـ موسى الجون بن عبد الله المحض، نجى من الموت.
5ـ يحيى بن عبد الله المحض، نجى من الموت.
6ـ إسماعيل الديباج بن إبراهم الغمر، نجى من الموت وبعض المصادر تذكر وفاته في الحبس.
7ـ محمد الديباج بن إبراهيم الغمر، دفن في اسطوانة وهو حي.
8ـ إسحاق بن إبراهيم الغمر، مات في الحبس.
9ـ علي بن الحسن المثلث المعروف بـ(علي الخير أو علي العابد)، مات وهو ساجد في الحبس.
10ـ العباس بن الحسن المثلث، هدم عليه السجن فمات.
11ـ عبد الله بن الحسن المثلث، هدم عليه السجن فمات.
12ـ سليمان بن داود بن الحسن المثنى، نجى.
13ـ عبد الله بن داود بن الحسن المثنى، نجى.
14ـ الحسن بن جعفر بن الحسن المثنى، نجى.
15ـ داود بن الحسن المثنى، نجى بدعاء أمه الذي علمها إياه الإمام الصادق(عليه السلام)
المعروف بدعاء أم داود.
16ـ محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان (أخو عبد الله المحض لأمه فاطمة بنت الإمام الحسين(عليه السلام)) قتل في الطريق.
والمشهور مقتل سبعة أشخاص من هؤلاء، وأما الباقي فقد نجوا بأعجوبة فقد ذكر أبو الفرج الاصفهاني (عن يحيى بن عبد الله الذي سلم من الذين تخلفوا في الحبس من بني الحسن، فقال: حدثنا عبد الله بن فاطمة الصغرى عن أبيها عن جدتها فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله): قال: قال لي رسول الله (يدفن من ولدي سبعة بشط الفرات لم يسبقهم الأولون ولم يدركهم الآخرون، فقلت: نحن ثمانية، قال: هكذا سمعت فلما فتحوا باب السجن وجدوهم موتى، وأصابوني وبي رمق وسقوني ماء وأخرجوني فعشت)(14).
أما عن ظروف السجن ومعاناة آل الحسن فقد تنوعت الروايات في ذكر تلك الظروف القاسية التي أحاطت بهم.
ومن تلك الروايات: (… وحمل أولاد الحسن على أقتاب الجمال مكشوفة رؤوسهم والشمس تقرعها وليس تحتهم وطاء ولا غطاء عرايا عطاشا جياعاً فمات عبد الله الغمر في الكوفة فدفن بها وبنى المنصور على محمد بن إبراهيم الغمر ـ وكان يعرف بالديباج لجماله ـ اسطوانة وهو حي فمات فيها ثم مات عبد الله المحض ثم مات علي بن حسن وكان حبسهم بالمطبق تحت الأرض في الأرض وماتوا جياعاً عطاشا يتماوتون، إذا مات أحدهم ترك بينهم بلا دفن وهكذا إلى آخرهم)(15).
في حين يذكر بن عنبة في عمدته ما نصه: (كانوا خمسة عشر رجلاً وقيل سبعة حبسوا بالهاشمية، عند قنطرة الكوفة في سرداب ما كانوا يعرفون فيه الليل والنهار ثم قتلوا، بعضهم دفن حياً وبعضهم بنى عليه اسطوانة وبعضهم سقي السم وبعضهم خنق)(16).
أما أبو الفرج الاصفهاني فيصفهم بقوله: (إن بني الحسن لما طال مكثهم في حبس المنصور وضعفت أجسامهم كانوا إذا خلوا بأنفسهم نزعوا قيودهم فإذا أحسوا بمن يجيء إليهم لبسوها، ولم يكن علي العابد يخرج رجله من القيد فقاله له في ذلك فقال لا أخرج هذا القيد من رجلي حتى ألقى الله عز وجل فأقول: يا رب سل أبا جعفر فيما قيدني؟).
دامت مدة الحبس ستة أشهر وخلال هذه المدة مات من مات من شدة المعاناة.
الهاشمية اليوم
تقع الهاشمية جنوب مدينة الحلة على بعد (28كم)، على الحافة الغربية لنهر الفرات، ويمر بها خط سكة الحديد الذي يربط العاصمة بغداد بالبصرة وفي تلك النقطة أنشأ جسر حديدي على نهر الفرات لعبور القطار، ولم يبق للمدينة القديمة من أثر، ولهذا اختطت بها الدولة سنة (1927م) قرية عصرية مكونة من مجموعة من البيوت والدوائر الحكومية وتجمعت حول بنايات الحكومة أكواخ وبيوتات صغيرة(17).
في اليوم الخامس عشر من شهر ربيع الأول (1428هـ) المصادف 4/4/2007 اتجهنا نحو مدينة الهاشمية منطلقين من النجف باتجاه الحلة ثم أخذنا الطريق الموصل إلى مدينة القاسم، وصلنا إلى الهاشمية الحديثة ووجدناها عبارة عن بضع شوارع تحتوي على محلات تحيط بجانبيها وتطل على نهر الفرات، التقينا السيد زكي المنصوري قائمقام قضاء الهاشمية الذي تفضل بالحديث عن القضاء قائلاً: (يضم قضاء الهاشمية أربع وحدات إدارية وهي ناحية القاسم وناحية الطليعة وناحية الحمزة الغربي ـ المدحتية ـ وناحية الشوملي إضافة إلى مركز القضاء ـ الهاشمية ـ، يبلغ تعداد نفوس قضاء الهاشمية حوالي (375) ألف ساكن، وتبلغ المساحة الإجمالية لقضاء الهاشمية (613،809كم2) تتوزع عليها خمس وسبعون مقاطعة. يمر خلال القضاء الطريق السياحي الذي يربط بغداد بالبصرة).
وعن أهم المراقد الموجودة في القضاء يقول الأستاذ المنصوري: (يعتبر مرقد الحمزة الغربي ومرقد القاسم عليهما السلام من أهم المراقد التي يؤمها الناس في كل وقت وخصوصاً ليالي الجمعة وفي المناسبات الدينية حيث تقام المراسم الدينية، وإضافة إلى وجود هذين المرقدين فهناك عدة مراقد متوزعة هنا وهناك أغلبها لذرية أهل البيت عليهم السلام فقد اهتم الناس بها وبنوا عليها قباباً خضراء تراها متناثرة هنا وهناك، مع القبور الخمسة لذرية الإمام الحسن عليه السلام الذين لقوا مصرعهم في سجن أبي جعفر المنصور من المزارات التي يقصدها الناس).
يخترق شط الحلة الهاشمية من الوسط ثم يتجه نحو مدينة الديوانية ومع جود هذا النهر إلا أن المدينة تعاني من شحة في مياه الشرب فقيمة المياه الصالحة للشرب تقدر بحوالي (20%) من وارد المياه العام والباقي يمثل ضائعات مائية وقد يتداخل الماء مع المياه الجوفية نتيجة لحدوث تكسرات في شبكة الماء الصافي التي تعاني هي الأخرى من الإهمال، يمكن القول أن قضاء الهاشمية يحتاج إلى تحديث وصيانة في كل المجالات الخدمية والاجتماعية، أما شبكة المبازل فشبه معطلة الأمر الذي أثّر سلباً على الواقع الزراعي الذي تتغير به المنطقة وحديث الأستاذ المنصوري: (إن هذه السلبيات ليست وليدة اليوم بل هي نتيجة لتراكم الإهمال المتعمد الذي كان سائداً في المدن الوسطى والجنوبية من العراق أيام العهد المباد، واليوم لازلنا نتحمل تبعات الأمس، الأمر الذي أرهق المواطن شأنه في قضاء الهاشمية شأنه في باقي المدن العراقية.
أما عن الطرق فقد تقرر تبليط بعض الشوارع الخدمية خصوصاً للقرى التي تعاني من صعوبة الوصول إليها عبر الطرق الحالية واليوم ينصب الاهتمام على إنشاء طريق القاسم ـ الكفل، وقد تحدث السيد المنصوري عن النشاط الزراعي قائلاً: (تم الاتفاق بين مجلس قضاء الهاشمية والقائمقامية والسيد المحافظ) على الاهتمام بالنشاط الزراعي للقضاء وذلك من خلال دعم الفلاح والمزارع وهذا الدعم سوف ينتج عنه ما يلي:
1ـ تحديد هجرة الفرد من الريف إلى المدينة.
2ـ تشغيل عدد أكبر من أبنائنا في مجال الزراعة.
3ـ تنشيط القطاع الزراعي وبالتالي القضاء على مشاكل التربة المتمثلة بالملوحة والتصحر.
أما معاناة الواقع الصحي للقضاء فهي مستمرة حيث توجد في مركز المدينة مستشفى واحدة فقط تقدم خدماتها المتواضعة والبسيطة وفي النية استحداث مستشفيين في كل من ناحية الشوملي وناحية القاسم.
وبالنسبة لقطاع التعليم فالقضاء يحتاج إلى الكثير من المدارس خصوصاً مع ارتفاع معدل النمو السكاني ولحد الآن توجد مدارس بدائية لا تفي بأدنى احتياجات الطالب ومع ذلك فإننا نعمل جاهدين على استحصال الموافقة بصرف مبالغ لإنشاء مدارس وعمل ملاحق لمدارس موجودة في القضاء.
أما عن المساجد فيوجد في مركز القضاء مسجدان أحدهما مسجد وحسينية الهاشمية تقع بالقرب من الشط والآخر مسجد وحسينية آل الرسول وتقع في حي العسكري، تمثل حسينية الهاشمية مركز تجمع المواكب التي تتمركز بها في أداء مراسم عزاء سيد الشهداء والمحافل الأخرى وقد أعيد افتتاح مكتبة الإمام الحكيم الواقعة في الحسينية لتقدم خدماتها للقراء الكرام بعدما تم إغلاقها لسنين طويلة إبان الحكم البعثي.
وعن النسيج الاجتماعي لقضاء الهاشمية تحدث لنا الأستاذ المنصوري قائلا: (المواطنون في قضاء الهاشمية متحابون ومتعاونون ومع وجود القبلية فالاحترام متبادل بين أبناء القضاء كما أن الفضل في استتباب الحالة الأمنية المستقرة نسبياً في القضاء يعود للتفاهم المشترك بين أبناء العشائر).
أما الباحث عبد الرضا عوض فيقول: (لم تقفل الهاشمية عشائرياً على فئة معينة فموقعها متوسط بين آل سلطان في الشرق ومع الجبور في الغرب واستوطنها السادة الشرفاء (الشرفة) وكذلك السادة آل بو سعبر الذين اتخذوا من القصبة مركزاً لنشاطهم التجاري ثم توسعت تدريجياً إلى ما هي عليه الآن وبقي اسم القصبة يتراوح بين الجربوعية والهاشمية إلى أن ثبت رسمياً بـ(قضاء الهاشمية) تيمناً بهاشم جد النبي الأكرم محمد(صلى الله عليه وآله))(18).
التوجه نحو موقع (القبور الخمسة)
توجهنا نحو موقع القبور الخمسة منطلقين من النجف نحو الحلة ومنها نحو الهاشمية، في أثناء الطريق بين النجف والحلة وجدنا قطعة تشير إلى (القبور السبعة) ذرية الإمام الحسن(عليه السلام)، فلم نعر لها اهتمام واتجهنا نحو مقصدنا.
تقع (القبور الخمسة) على بعد (3)كم جنوب شرق الحلة، محاذية للشارع العام حلة ـ هاشمية والموقع عبارة عن صحن كبير يحيط به جدار آيل للسقوط، وقد سقط جزء منه بالفعل، يقترب من الزاوية الغربية والبناء عبارة عن قاعتين تلاصق أحدهما الأخرى على هيئة الحرف اللاتيني (L) يمكن الدخول لكل قاعة عن طريق منفذ خاص بها تضم القاعة الأولى مرقدين يتوسطانها كتب على الأول مرقد إسماعيل بن الحسن ولعله إسماعيل الديباج تعلوه قطعة قماش خضراء، يرتفع عن الأرض بمقدار (0،6) متر ويبلغ طوله (2) متر تقريباً، ويعلوه صندوق من الألمنيوم والى جانبه مرقد إبراهيم بن الحسن، وقد تم وضعه في قفص من الحديد المطلي باللون الأخضر، القاعة بسيطة من الداخل خالية من الأثاث، تبلغ مساحة القاعة (35) متر مربع.
أما القاعة الأخرى فكبيرة نسبة إلى الأولى يواجهك وأنت تدخل قبر مكتوب عليه هذا مرقد علي بن الحسن، وأظنه هو قبر علي الخير، يطل على هذه القاعة مدخلان أحدهما يقع على يمين الداخل، والمدخل يفضي إلى حجرة تبلغ مساحتها حوالي (25) متراً مربعاً يتوسطها قبر القاسم بن الحسن، ولا نعلم من يكون القاسم هذا، وربما يكون هو أبو القاسم العباس بن الحسن المثلث، تعلو هذه الحجرة قبة مطلية باللون الأخضر يبلغ محيطها (5)م وارتفاعها (5)م أيضاً والبناء كما وصفناه سابقاً بسيط للغاية،
حيث يمكن القول أن هذا الموقع المقدس لم تمد له أي يد أعمار ماعدا القاعة الرئيسية التي كانت مبنية بجذوع النخيل، وقد رممت وأصبحت مبنية بالشيلمان كما أخبرتنا بذلك سادنة المرقد التي لم تزودنا بمعلومات تخص هذا المزار لأنها لا تعرف سوى أن هؤلاء هم أبناء الحسن(عليه السلام)!!
أما المدخل الآخر فيقع أمام الداخل إلى المرقد على الجهة اليسرى ويفضي أيضاً إلى حجرة تعلوها قبة خضراء، يبلغ ارتفاعها تقريباً (5)م، وقطرها (4)م، أما مساحة الحجرة فتبلغ (16) متراً مربعاً يتوسطها قبر مكتوب عليه محمد إبراهيم الديباج وهو الديباج الذي بنى عليه المنصور اسطوانة وهو حي فمات في داخلها.
وعن هذا القبر يتحدث المرحوم الشيخ محمد حرز الدين بقوله: (مرقد بـ(الهاشمية) عاصمة المنصور الدوانيقي ـ عند قنطرة الذهب ـ واشتهر قبره في عصرنا هذا في البقعة المعروفة بالقبور الخمسة تقع على يسار الذاهب من الحلة إلى مرقد القاسم(عليه السلام) قرب الطريق العام، حولها تلال كانت مدينة مندرسة واقعة على صدر نهر الجربوعية اليوم،
بمدينة سورا(19). على أننا لم نجد في ذلك المزار مرقداً لشيخ بني الحسن المقتول هناك السيد عبد الله المحض، والظاهر أن التسمية أطلقها الأعراب على هذه القبور دون تمحيص أو بحث، وقد أخبرتنا السادنة أن قبرين آخرين يقعان في الصحن فوجدنا أحجاراً يعلوها بعض الأشرطة الخضراء ولا ندري لمن هذا القبر، إنها دعوة للبحث والتحري ومن ثم مد يد المساعدة لأعمار هذا المزار.
هنالك عدة أدلة تقطع بكون هذه القبور هي عينها سجن أبي جعفر المنصور منها:
1ـ قربها من نهر الفرات حتى الآن والروايات كلها تجمع على أن آل الحسن قتلوا في حبسهم عند قنطرة الفرات وكما ذكرنا ذلك في حديث فاطمة (سيقتل سبعة من ولدي…).
2ـ تقع اليوم على مسافة (3)كم من الحبس منطقة تسمى السفاح وعندما ذهبنا إليها وجدنا تلاً عالياً ويبدو عليه أنه بقايا قصر كان مشيداً في الماضي ووجدنا آثاراً لقطع من الخزف المزخرف والمزجج.
3ـ عدم توزيع القبور بطريقة انتظامية يدل على حالة من عدم الاطمئنان عند الأشخاص الذين تولوا دفن تلك الأجساد الطاهرة إلا أننا نثبت استغرابنا من تعيين خمسة قبور فقط دون الاثنين الباقيين الذين يثبتان عبارة (القبور السبعة).
القبور السبعة في موقع آخر
كما ذكرنا عندما اجتزنا الكوفة واتجهنا نحو الحلة وقبل منتصف الطريق لفتت انتباهنا لافتة منتصبة على الطريق تشير إلى (مرقد أبناء الحسن ـ القبور السبعة ) وكنا نظن أنها تشير إلى مقصدنا، باعتبار وجود طريقين يؤديان إلى نفس المكان إلا أننا فوجئنا بوجود مرقد آخر ينسب أيضاً إلى أبناء الحسن(عليه السلام)
فقررنا الذهاب إليه.
يبعد هذا الموقع عن الشارع العام كوفة ـ حلة حوالي (3)كم في منطقة يقال لها (أبو سميج) عند قبائل خفاجة، وقد التقينا سادن المرقد وهو الحاج رسمي عبد الحسين الخفاجي الذي أوضح لنا ذلك قائلاً: (هذه الأرض هي أرض أجدادنا وقد ولدوا وولدنا فيها ونعرف أن هذا المزار هو مزار أولاد الحسن(عليه السلام) الذين قتلهم المنصور في السجن ودفنهم فيه وعندما سألناه عن دليله قال: إن هذه المنطقة التي تضم المزار كانت تدعى بالمضيق وكان نهر الفرات يجري في هذه المنطقة وفيها توجد قنطرة الكوفة التي عندها حبس السادة من آل الحسن(عليه السلام) إلا أن نهر الفرات وبمرور الأيام حول مجراه).
المزار عبارة عن صحن كبير تتوسطه بناية المرقد والبناية عبارة عن حجرتين حجرة تضم ضريحاً تعلوه قبة زرقاء والأخرى تضم ضريحاً أيضاً تعلوه قبة زرقاء وحسب ما ينقل السادن فإن الضريح الأول يضم رفاة أربعة ممن ذكرناهم والأخرى تضم رفاة ثلاثة، ومما أثار استغرابنا عدم البت بهذا الموضوع وتعيين الموقع الحقيقي للقبر من قبل المرحوم الشيخ محمد حرز الدين حيث يثبت لأبناء الحسن(عليه السلام) قبراً في الهاشمية التي أسلفنا القول عنها ثم يعود ليذكر المكان الذي نتحدث عنه الآن بوصفه مرقد آل الحسن(عليه السلام)، حيث يقول: (مرقده ـ أي عبد الله المحض ـ وآل الحسن في الهاشمية عند قبائل خفاجة اليوم وكانت قبورهم في بنية واحدة مستطيلة تعرف بالقبور السبعة، وقفنا على قبورهم رضوان الله عليهم وكان في العهد العثماني الحاكم في العراق)(20).
وقد علق على ذلك حفيد المؤلف الشيخ محمد حسين حرز الدين حيث قال: (وقفت على القبور السبعة سنة 1386هـ/1967م فكانت تقع على مرتفع من الأرض شبه التل الكبير المنبسط فيه الحجارة القديمة وهي ظاهرة فيه، وكان بناء المرقد مستطيلاً بثلاث اسطوانات فالاسطوانة الأولى الشرقية وهي أكبرهن ومنها مدخل المرقد وعليها القبة البيضاء وفي وسطها الشباك الخشبي الذي كان كل من أبعاده الثلاثة حدود المترين وعليه بردة خضراء فهي رسم لقبور أولاد الحسن المثنى، كما تشير إلى ذلك لوحة الزيارة المعلقة على شباك المرقد فقد كتب عليها هذا العنوان (هذه زيارة أولاد الحسن المثنى الذين توفوا بالحبس سنة 145هـ)، والاسطوانة الثانية ليس فيها رسم قبر والثالثة وهي الغربية صغيرة في وسطها دكة قبر عليها بردة خضراء وفوقها قبة بيضاء أصغر من تلك)(21).
والظاهر أن البناء هو نفسه ما عدا صبغ القبة باللون الأزرق.. إنها ظاهرة ينبغي التوقف عندها، ظاهرة تعدد الأماكن للمزار الواحد وربما في هذا التعدد حكمة حيث تبقى هذه المزارات ماثلة للعيان شواهد باقية تدل على مظلومية العترة الطاهرة، عترة الزهراء والمرتضى(عليهما السلام).
نشرت في العدد 18
(1) الشهرستاني، وضوء النبي، ص338.
(2) شمس الدين، أنصار الحسين، ص208.
(3) قصي الحسين، موسوعة الحضارة العربية ـ العصر العباسي، ص80.
(4) نشأة المدينة الإسلامية ـ الكوفة، ص353.
(5) موسوعة الحضارة العربية ـ العصر العباسي، ص87.
(6) الحموي، 1/134.
(7) المصدر السابق، 4/365.
(8) تاريخ اليعقوبي، ص293.
(9) عوض، الدرة البهية في تاريخ المدحتية، ص10.
(10) العسكري، معالم المدرستين، 2/313.
(11) مقاتل الطالبيين، ص230، الكامل، 4/374.
(12) محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية، الدولة العباسية، ص59.
(13) تاريخ اليعقوبي، ص301.
(14) مقاتل الطالبيين، ص193.
(15) تاريخ الطبري، 4/414ـ421.
(16) مقاتل الطالبيين، ص182.
(17) عوض، الدرة البهية في تاريخ المدحتية، ص10.
(18) المصدر السابق، ص11.
(19) حرز الدين، مراقد المعارف، 2/261.
(20) المصدر السابق، 2/16.
(21) المصدر السابق، 2/17.