Take a fresh look at your lifestyle.

مقـام إبراهيم(عليه السلام) صرح نمرود.. أرض المحرقة أثار المعجزة الإلهية في مدينة بُرس المنسيّة

0 10٬811
                         تفتخر الدول، دول العالم ذات الحضارة العريقة، بما تحويه أرضها ويضمه ثراها وتتزين به مدنها من تراث وشواهد تاريخية كانت ولازالت محطاً لأنظار السياح والزائرين، شواهد باقية شاخصة تنقل المشاهد إلى عمق التاريخ الممتد لمئات بل لنقل آلاف السنين.
وحينما أدركت هذه الدول أهمية المواقع الأثرية لما لها من مردود اقتصادي يؤثر أحياناً بصورة مباشرة في الدخل القومي للبلاد، فقد أولت هذه المناطق عناية فائقة واهتمام منقطع النظير، فبالإضافة للعامل الاقتصادي الأساسي، فقد أصبحت مصدر اعتزاز لدى المواطن باعتبارها العلامة البارزة لجذوره الأولى في أرضه.
والعراق واحد من تلك الدول التي تزخر بالآثار من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه فهو مهد الحضارات الأولى التي عرفتها البشرية ومعقل الديانات التي أثرت تأثيراً مباشراً في معتقدات الإنسان، فمن العراق انطلقت الكتابة وفيه ازدهرت العلوم، فهو بلاد ما بين النهرين (Mesopotimia)، اصطفاها الله تعالى قاعدة لأنبيائه ومثوى لأوليائه، إضافة لكونه متحفاً طبيعياً يقدم نتاجات الإنسان القديم وآثاره، الإنسان الذي عاش على هذه الأرض المعطاء منذ دهور موغلة بالقدم وضاربة بجذورها في عصر الحضارة الأول.
لقد عانت الآثار في العراق أشد المعاناة، ولم تشهد أدنى رعاية وعناية بل كانت نهب الأيدي ومطمع النفوس فهربت تارة وكسرت أخرى فهي اليوم أما رهينة أطباق الثرى أو متناثرة الأجزاء في الفلا أو معروضة بمتاحف الغرب وكأنها جزء من الحضارة الغربية.
ومن هذه الآثار، تلك الشاخصة في أرض برس ذات التاريخ العريق والاسم الذائع الصيت، أرض برس التي تحكي قصة خليل الباري إبراهيم(عليه السلام) إمام الحنفاء الذين أيقنوا بوحدانية الله جل وعلا الخالق المبدع، إبراهيم(عليه السلام) الذي خُص بالخِلّة وحُبي بالكرامة فكان أصلاً لنبوات أتت من بعده، هذا وقد أودع الله صلبه، ماءً مباركاً ونوراً متألقاً، لم يزل (جل وعلا) ينقله من صلب إلى صلب حتى أنزله أرضه طاهراً مطهراً وزاكياً طيباً فسماه محمد(صلى الله عليه وآله) وهو المحمود.
على أطلال برس وقفنا، ومن بين تلعاتها مررنا، حتى زرنا مقام إبراهيم الخليل(عليه السلام) ثم انعطفنا نحو صرح نمرود، وانتهينا إلى أرض المحرقة. سجلنا خلال هذه الجولة استطلاع مجلتنا الخاص بهذا العدد وعليه فسوف يكون مقام إبراهيم(عليه السلام) المدخل وبالله نستعين.
مقام إبراهيم(ع):
قبل أن نسترسل بالحديث عن إبراهيم(عليه السلام) يجب أن نتعرف على بعض القرى والمدن التي سوف ترد في هذا الاستطلاع، فـ(برس، وبورسبا، وكوثى، وكوثاريا، وكوثى ربى) كلها تدل على هذه البقعة والظاهر أن بورسبا الاسم الأقدم للمنطقة ثم أصبح برس. وبرس عبارة عن قرية تقع بالقرب من قرى كوثى وقنطانا وقد ذهبت المسميات اليوم فلم يبق سوى اسم برس يطلق عموماً على منطقة مقام إبراهيم(عليه السلام) والصرح الموجود اليوم.
أولاً: برس.
وهي بضم الباء الموحدة، وسكون الراء، والسين المهملة ناحية بأرض بابل وقال الشيخ علي النمازي: (برس كقُفُل)(1) ومنهم من قال: هي بضم أوله وإسكان الثانية وبالسين المهملة، موضع بأرض بابل به آثار بخت نصر وهو تل مفرط بالعلو يسمى صرح برس وهي قرية معروفة بالعراق بين الكوفة والحلة(2)، وفي الخبر روى شريك عن جابر عن عامر في امرأة أرضعت بنت رجل وجارية أخرى أتحل الجارية للرجل؟ فقال: هي أحل من ماء برس، وماء برس هو ماء الفرات لأن قرية برس واقعة على شفيره(3).
وقد ضبطه المولى خليل القزويني بكسر أوله (بِرس) في شرحه على الكافي(4).
وقال ابن الاثير: برس أجمة معروفة بالعراق وهي الآن قرية، وقد ألزم الإمام علي(عليه السلام) أهل أجمة برس أربعة آلاف درهم وكتب لهم بذلك كتاباً في قطعة آدم، وأهل برس ممن عرفوا بالولاء لآل البيت(عليهم السلام) فقد كانوا يزورون الإمام الكاظم(عليه السلام) في مقابر قريش، فعن علي بن محمد قال خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحير، فلما كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطائي فقال له: ألق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا يزوروا مقابر قريش فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليه، والحير هنا معناه حائر كربلاء(5).
من نسب إلى بُرس من العلماء:
وقد نُسب إلى برس جماعة من الفضلاء والعلماء والشعراء منهم الحافظ رجب البرسي، كان حياً سنة (813هـ) وهو رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي المعروف بالحافظ شاعر علم محدث شهير ولد في قرية برس ونشأ بها وانتقل إلى الحلة لقربها من مسقط رأسه ولأنها كانت محط رحال العلماء والأدباء وقد أثنى عليه أرباب السير والتراجم، ومن أشهر مؤلفاته البالغة عشرة مؤلفات كتابه (مشارق أنوار اليقين) الذي ذكر فيه أن بين ولادة المهدي (عجل الله فرجه) وبين تأليف الكتاب 518 سنة(6)، كما ينسب إلى برس أبو عبد الله الحسين البرسي الذي ينتهي نسبه إلى زيد بن الإمام الحسن(عليه السلام)، كان يسكن قرية برس وسكنها من بعده بعض أولاده وأحفاده.

ثانياً: بورسبا.
والظاهر أن كلمة برس مُحرّفة عن كلمة بورسبا وتعني باللغة السومرية قرن البحر لوقوعها على حافة الغدران.
أما كلمات (كوثاريا) (وكوثى) (وكوثى ربا) فستأتي ضمناً خلال الكلام عن مقام النبي إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا وآله أفضل تحية وسلام.
مع النبي إبراهيم(ع):
المتتبع لحياة نبي الله إبراهيم(عليه السلام) يلاحظ كيف حفت به الرحمة منذ ولادته، بل قبل أن يولد حيث كان حملاً، كان موضعاً لعناية السماء، وحينما نتحدث عن سيرة النبي إبراهيم(عليه السلام) فإننا نأخذ ما يهمنا هنا وبما جرى في هذه البقعة.
نسب إبراهيم الخليل(ع):
لعل بُعد عصر النبي إبراهيم(عليه السلام) عن عصر التدوين الإسلامي، أحدث كثيراً من الثغرات والمبهمات خصوصاً وأن الإسرائيليات أخذت مأخذها من هذا التدوين وعموماً سوف ننقل الحقائق والمعلومات كما أثبتت ونحاول قدر الإمكان رصد ما تركه لنا أئمتنا الأطهار(عليهم السلام)، الينبوع الثر الصافي، المصدر الموثوق الأمين.
فإبراهيم(عليه السلام) هو (ابن تارخ بن ناحور بن ساروغ بن ارغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن قينان بن ارفخشد بن سام بن نوح)، أما أمه فهي (نونا بنت كرنبا بن كوثا من بني ارفخشد بن سام)(7).
اختلفت الآراء حول شخصية والد إبراهيم(عليه السلام) فمنهم من قال أن (آزر) هو والده وآخرون قالوا أن والده (تارخ)، وقد ذهب أصحاب الرأي الأول(8) إلى ما ورد في الآية الكريمة: (إذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين)(9) وأما أصحاب الرأي الثاني(10) فقد قالوا (إن آزر عمه وليس أبيه) لأن أباه (تارخ) فقد نقل بعض الأفاضل أنه لا خلاف بين النسابين إن اسم والد إبراهيم(عليه السلام) (تارخ) وهذا غير مستبعد لاشتهار تسمية العم بالأب في الزمن السابق وقد ذكر النبي(صلى الله عليه وآله) ذلك بقوله: (لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات، حتى أخرجني في عالمكم هذا، لم يدنسني بدنس الجاهلية)(11) ولو كان في آبائه كافر لم يصف جميعهم بالطهارة، مع قوله تعالى: (إنما المشركون نجس)(12).
وقد ذكرت بعض الروايات أن (تارخ) والد إبراهيم توفي قبل أن يولد ولده، فانتقلت أم إبراهيم(عليه السلام) إلى دار شقيق زوجها (آزر) وهي حامل بإبراهيم(عليه السلام) كان يوم الأول من ذي الحجة يوماً مميزاً إذ ولد فيه إبراهيم(عليه السلام).
كان بين الطوفان ومولد إبراهيم(عليه السلام) ألف سنة وتسع وتسعون وقيل ألف ومائتا سنة وثلاث وستون وذلك بعد خلق آدم(عليه السلام) بثلاثة آلاف سنة وثلاثمائة وسبع وثلاثين سنة.
وقد روى أبو أمامة أن رجلاً سأل رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فقال: كم بين نوح وإبراهيم؟ فقال(صلى الله عليه وآله): عشرة قرون(13).
محل ولادة الخليل(ع):
أيضاً أصبح محل ولادة الخليل(عليه السلام) موضع اختلاف ونحن هنا نعرض المواضع المختلف فيها:
1ـ غوطة دمشق: قال ياقوت في معجمه: ولد إبراهيم(عليه السلام) في قرية من قرى (الغوطة) يقال لها (برزة)(14) في جبل يقال له (قاسيون) ثم قال والصحيح أنه ولد بـ(بابل)، وإنما نسب إليه هذا المقام لأنه صلى فيه إذ جاء معيناً للنبي لوط(عليه السلام).

2ـ الوركاء: قال ياقوت أيضاً: هو موضع بناحية (الروابي)(15) ولد بها إبراهيم(عليه السلام) وهو من حدود (كسكر) و(كسكر) هذه هي واسط القصبة التي بين الكوفة والبصرة وقيل قرب البصرة والظاهر اليوم يطلق عليه آثار (الوركاء) بين السماوة والناصرية.
3ـ أور: قال حرز الدين في مراقد المعارف(16): (إن مولده ـ أي إبراهيم (عليه السلام) ـ كان بـ(ذي قار ـ المقيّر ـ أور) في قرى ومدن الكلدانيين واليوم هو من سواد العراق قرب مدينة الناصرية، أحد ألوية العراق في أراضي (المنتفك)) وهنا تجدر الملاحظة إلى أن الكلدانيين لم يسكنوا يوماً تلك الأراضي فـ(أور) كانت مسكناً للسومريين، وقد ذكر لنا الدكتور حسن الحكيم: أن (أور) كان يطلق على مدينتين أور الكلدانيين وتقع بالقرب من بابل وأور السومريين التي أشار إليها حرز الدين آنفاً، والذي يذهب إليه الدكتور أنه أور الكلدانيين هي الأقرب إلى المكان الذي ولد فيه إبراهيم(عليه السلام)، على أن عبد الوهاب النجار يذكر: (وكانت رحلته إلى أور الكلدانيين ـ أي (كوثى) ـ ثم حاران (حران) فقد تبرأ إبراهيم(عليه السلام) من أبيه ولم يطب له المقام بين أهله وقومه فذهب إلى أور الكلدانيين وهي مدينة كانت قرب الشاطئ الغربي للفرات)(17).
وهنا نلاحظ الخلط حيث إن إبراهيم(عليه السلام) ولد وتبرأ من الأصنام وألقي في النار في نفس المنطقة، ثم بعدها هاجر إلى (حران) فكيف ترك أهله وقومه أصحاب الأوثان وجاء إلى أور الكلدانيين (كوثى) وفيها أُلقي في النار؟!
عموماً فقد ورد ذكرها ـ أي أور ـ في (العهد القديم) كونها ميلاد (تارخ) وهو أبو إبراهيم الخليل(عليه السلام) ومنها نزح الخليل(عليه السلام) إلى فلسطين.
3ـ حران: قال الزبيدي في معجمه: وهي بلدة بالجزيرة بناها (هاران) أخو إبراهيم(عليه السلام) ووالد لوط النبي(عليه السلام) (وبه ولد سيدنا إبراهيم الخليل(عليه السلام))(18) وهي مدينة عظيمة مشهورة في الشام، على طريق الموصل ـ الشام.
وهناك إشارة أخرى لمدينة إبراهيم في العراق وهي: (كان إبراهيم فتى من أهل (فدان آرام) بالعراق كما في التوراة وكان قومه أهل أوثان)(19).
4ـ كُوثى: نصت أغلب كتب التاريخ والآثار والبلدان على أن مدينة (كوثى) هي محل ولادة النبي إبراهيم(عليه السلام) والتي تعرف اليوم بـ(قرية إبراهيم الخليل) والواقعة ضمناً تحت اسم (آثار برس) وهناك عدة أقوال نعرض لها في ذكر هذه المدينة.
(كوثى، كوثى ربا، كوثاريا) وهذه الأسماء كلها تدل على نفس المنطقة وقد سكنها (النبط) فعن ابن عباس قال: (نحن معاشر قريش من النبط من أهل كوثى)(20)، وقد بيّن البحراني قائلاً: لأن إبراهيم الخليل ولد بها وكان (النبط سكانها) وقال آخر: كوثى سرة السواد بها ولد إبراهيم الخليل(عليه السلام)(21).
أما الحموي فيشير قائلاً: كوثى بالعراق في موضعين كوثى الطريق وكوثى ربا وبها مشهد إبراهيم الخليل وهما قريتان، بينهما تلول من رماد، يقال أنها رماد النار التي أوقدها (نمرود) لإحراقه وعليه فإبراهيم ولد في قرية (كوثى ربا)، وأما كوثى الأخرى فهي بالقرب منها، على أن (كوثى ربا) قد صحفت وأصبحت في بعض الكتب (كوثاريا) وعليه فإن الاحتمال الأقرب للصحة كون المقام الموجود الآن بالقرب من مدينة الحلة هو مقام ولادة إبراهيم الخليل(عليه السلام)، كما أن هذه القرية ـ أي كوثى ربا ـ كانت تقسم إلى مناطق أصغر حيث تنقل الرواية (قيل أن أول من تكلم بالعبرانية إبراهيم الخليل(عليه السلام) بعد أن خرج من قريته المعروفة بـ(أوركشد) من بلاد (كوثى) من (خنيرث) وهو إقليم بابل)(22) وفي (أوركشد) دلالة على أور الكلدانيين.
معجزة الولادة:
قال المؤرخون: لم يكن بين نوح وإبراهيم النبي عليهم السلام إلا هود وصالح عليهم، فلما أراد الله تعالى إظهار إبراهيم(عليه السلام) قال المنجمون لنمرود(23) إنا نجد في علمنا أن غلاماً يولد في قريتك هذه، يقال له إبراهيم يفارق دينكم ويكسر أوثانكم في شهر كذا وكذا فلما دخلت السنة المذكورة بعث نمرود إلى كل امرأة حامل بقريته، فحبسها عنده ولم يعلم بحمل أم إبراهيم(عليه السلام) فجعل لا يولد غلام في ذلك الشهر إلا ذبحه فلما وجدت أم إبراهيم(عليه السلام) الطلق، خرجت ليلاً إلى مغارة وفيها ولدت إبراهيم(عليه السلام)، فأصلحت شأنه ثم جعلت على باب المغارة صخرة، ثم رجعت إلى بيتها وكانت تطالعه في المغارة لتنظر ما فعل فتجده يمص إبهامه ـ قد جعل الله رزقه في ذلك ـ.

وجعل يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة ويشب في الجمعة كما يشب غيره في الشهر ويشب في الشهر كما يشب غيره في السنة فلما تكلم إبراهيم(عليه السلام) قال لأمه: أخرجيني أنظر وقال: إن الذي رزقني وأطعمني ما لي رب غيره ثم رأى كوكباً ثم رأى القمر ثم رأى الشمس فقال ما قصه الله تعالى علينا بقوله تعالى: (فلما جن عليه الله رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فكر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين)(24).
وإن كانت هذه القصة قد لا تتفق مع ظاهر القرآن الكريم لأن الآيات المذكورة واردة في محاججة إبراهيم(عليه السلام) لقومه، وهذا معناه بالغ مبالغ النبوة والمحاججة، لأن الآية التي بعدها (وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان)(25) وعلى كل حال فمن الصعب جداً تحديد بعض الخصوصيات التاريخية لمثل هذه القرون القديمة وفقدنا للمصادر الصحيحة غير المبتنية على الإسرائيليات وغيرها من الموضوعات.
نحن ومقام إبراهيم(ع):
قبل أن نتحدث عن رحلتنا إلى هذا المقام الطاهر لابد لنا من تبيان الاختلاف في كون هذا المقام هو محل ولادته أم مكان إقامته أم سجنه الذي سجنه فيه (نمرود) بعد أن كسر الأصنام وعاب على من يعبدونها كما يتحدث البعض عن هذا المقام بنسبته إلى إبراهيم(عليه السلام) دون تخصيص للمكان، فيذكر الشيخ حمود الساعدي قائلاً: (يوجد اليوم في سفح تل (برس) من جهته الشرقية قبر تعلوه قبة بيضاء ينزل إليه بعدة سلالم ينسب إلى إبراهيم الخليل(عليه السلام))(26).
أما حرز الدين فيقول: (هو مقام يؤثر لإبراهيم(عليه السلام) وهو الذي وجد فيه بعد خمود نار نمرود قائماً يعبد الله تعالى في روضة ويقع هذا المقام على تل عال بالقرب من تل (نمرود ـ البرج).
ثم يضيف قائلاً: وقفت عليه وكان عليه قبة صغيرة شبه السرداب، ينزل عن مستوى أرض الموضع بستة درجات وكان بناؤه شبه القديم كما يبدو منه ولم نجد فيه أثراً تاريخياً ظاهراً للعيان مثل الصخور والكتابة وشبهها، ثم يضيف كذلك: حيث يذكر الرأي القائل بأن هذا المقام هو محل ولادة إبراهيم(عليه السلام)، ويروى أن هذا المقام هو رسم لموضع الغار الذي ألقته فيه أمه، وكانت الغزالة تأوي إليه ترضعه حتى ترعرع وجاءت إليه أمه على العادة فتعلق بها فأخذته معها وكان من أمره ما كان(27).
واليوم قصدنا إلى هذا المقام المبارك، سواء أكان مقاماً لولادته أو محلاً نَزَله، أو موقعاً سقط فيه أو حبس، فهو مهبط للرحمات، فيه أنفاس الخليل تصاعدت بحمد الله وثنائه.
من النجف اتجهنا نحو مدينة الحلة وقبل أن ندخلها، انعطفنا إلى اليسار خلال طريق ضيق معبد تحيطه الأراضي الزراعية، مررنا واجتزنا مرقداً ينسب إلى محمد الأصغر بن الإمام علي(عليه السلام) الملقب بـ(أبي بكر بن علي) وبمسافة تقدر بـ(5) كيلومترات وصلنا إلى مرتفعين أحدهما عال جداً والآخر عبارة عن تل، يقع على قمته مقام النبي إبراهيم(عليه السلام)، وقد صعدنا التل متجهين إلى هذا المقام بواسطة سيارتنا، وفي القمة لاحظنا مسافة مساحة دائرية كبيرة يتوسطها المقام، والمقام عبارة عن مجمع متكامل حيث الصحن ذو الفسحة الواسعة، يمكن الدخول إليه من خلال المدخل الذي يتوسط الواجهة الأمامية للمقام.
يتركز موقع المقام في منتصف الصحن ويحتوي موقع المقام على رواق يحيط بمركز المقام من جوانبه الأربعة يغطي مساحة (256م2)، وتطل منه على الصحن بابان أحداهما المدخل الرئيس لمركز المقام والأخرى تقع في الجهة المقابلة لهذا المركز.
أما الحرم الداخلي للمقام فهو عبارة عن حجرة يتم الدخول إليها بعد أن نرتقي أربعة درجات تقع في الجهة الداخلية للحرم المقابلة للمدخل سلم ذو سبعة عشرة درجة تؤدي بك نزولاً إلى المغارة التي ولد فيها إبراهيم الخليل(عليه السلام)، والمغارة بنفس مساحة الحجرة التي تعلوها بأبعاد (42م2) وفي أحد جوانب المغارة، المقابل للسلم نلاحظ صندوق خشبي ملاصق للحائط يطل بشباكين على وسط المغارة، وبشباك واحد على الجانبين الآخرين، أما أبعاده فهي (1م) عرضاً و(2،5م) طولاً و(3م) ارتفاعاً، يوجد بداخله صخرة (0،5م × 0،5م) تحوي على ثقوب صغيرة، يقال إنها الصخرة التي ولد عليها إبراهيم(عليه السلام) كما أخبرنا بذلك الأخ إبراهيم التميمي أحد القائمين على خدمة هذا المقام المبارك.
وقيل هي الصخرة التي أغلقت بها أم إبراهيم(عليه السلام) المغارة، بعد أن وضعت ابنها في داخلها وعلى مسافة مترين أو أقل من هذا الصندوق لاحظنا عند السقف فتحة تطل على الرواق الموجود في الأعلى بأبعاد (0،5م × 0،5م) وعندما استفهمنا من الأخ التميمي قال لنا: إن هذه الفتحة معروفة عندنا عن طريق أجدادنا أنها طريق الملائكة الذين هبطوا لحماية إبراهيم(عليه السلام) من كيد الكائدين).
كما تعلوها قطعة من القماش كتب عليها (غار النور ولادة نبي الله إبراهيم الخليل) وفي الجهة المقابلة لهذا الصندوق في الزاوية اليمنى البعيدة من الغار، أشار مرشدنا الأخ التميمي قائلاً: إن تحت هذه الزاوية قبر لعالم من العلماء وعندما استفهمنا عنه عرفنا أنه قبر الحافظ (رجب البرسي) الذي ذكرناه آنفاً.
وقد أكد لنا أحد من التقينا من أهل تلك المنطقة (إن ترميمات جرت قبل عشرين أو ثلاثين سنة في هذا المقام) وعندما وصل العمال إلى هذا الزاوية وجدوا قبراً فعندما فتحوا القبر وإذا الشيخ وكأنه دفن منذ ساعة، طري الجسد وقد تتبعنا محل وفاته في الكتب فلم نعثر عليه.
تعلو الحرم الداخلي قبة خضراء بارتفاع عشرة أمتار وبقطر (5م)، كتب على طوقها آية (وإذ يرفع إبراهيم القواعد…) حدثنا الأخ التميمي عنها، أنها بنيت عام (1963م) وهي اليوم بوضع غير جيد، تحتاج إلى إزالة كلية وإنشاء جديد، ومن خلالنا يطلب الأخ حسن من المحسنين مد يد العون في المساعدة بتشييد قبة جديدة تليق بمقام الخليل(عليه السلام)، كما طلب منا أن نشير إلى بعض الظواهر السلبية عند طلبة الجامعات خلال زيارتهم لهذا المقام، فتبدأ منهم سلوكيات لا أخلاقية، بعيداً عن روح الإسلام وتعاليمه التي تحث على احترام الأماكن المقدسة.
كما طلب إلينا رجال حماية المنشآت أن نبين معاناتهم فهم يتقاضون أجوراً قليلة بالرغم من حمايتهم المستمرة للمقام والتي قد تمتد اليوم كله مع قلة في تجهيزاتهم من قبيل السلاح والعتاد.
وأنت تقف بالقرب من هذا التل تأخذك الخاطرة حيث إبراهيم الخليل(عليه السلام)، النفحة القدسية والومضة النورانية تستذكر مواقفه الخالدة في الدفاع عن العقيدة ولو ببذل النفس.
صرح نمرود:
على بعد كيلومتر تقريباً أو أقل من ذلك يتراءى لك صرح نمرود الذي سنبين ما قيل فيه قبل أن نعرض ما شاهدنا على قمته.
من هو نمرود؟
هو نمرود بن كنعان بن سنحاريب
ابن نمرود بن حام بن نوح، وقد ولد إبراهيم(عليه السلام) في عهده، وكان نمرود قد ملك الشرق والغرب، رابع أربعة ملكوا هذا المُلْك، وهم (ذو القرنين، وسليمان
ابن داود، وبخت نصر).
أما نمرود فقد استعبد أهل (كوثى) وفرض عليهم نفسه رباً، ولضعف ثقافتهم وسخافة عقولهم وقلة تفكيرهم اتخذوه مع أصنام لهم أرباباً من دون الله، توجهوا إليه والى أصنامهم بالعبادة وراحوا يؤدون إليهم الخضوع والخشوع(28).
وقد نسب هذا الصرح إلى نمرود والظاهر أن هذا الصرح كان بناءً مشيداً على طراز (الزقورة) المعروفة عند السومريين وكانت مركزاً لمدينة (برس)، قال الحموي: (واجمة (برس) بحضرة الصرح، صرح نمرود بن كنعان بأرض بابل)(29)، أما القرطبي فقد قال: (إن نمرود بنى صرحاً طوله ثمانون ذراعاً وعرضه أربعون ذراعاً)(30)، يذكر الشيخ حمود الساعدي عند ذكره أخبار مدينة (برس)(31): (و(برس) تل أثري كبير يبلغ ارتفاعه عن سطح الأرض زهاء (44م) ثم يقوم فوق ذروته بناءً آجري منتصب إلى علو (50ـ12) متراً) يمثل خرائب زقورة تعود إلى معبد (إيزيدا) المكرس للإله (نابو) ابن إله البابليين (مردوخ)، ويرجح أن تاريخ إنشاء هذا المعبد يرجع إلى عهد نبوخذ نصر، يقع هذا التل التاريخي المسمى (برس) على بعد (15) كيلومتراً جنوب غربي الحلة على يمين الذاهب من الحلة إلى الكوفة، وفي الحديث الوارد لم نلحظ ذكراً لنمرود ولعل المراد بـ(نابو) هو نمرود نفسه.
وبعدما أدينا زيارة مقام النبي إبراهيم(عليه السلام) اتجهنا نحو هذا التل وقد اصطحبنا الأخوة سعد محمد الشمري، ورائد صالح التميمي، وهما من شرطة حماية المنشآت، اللذين أرشدنا إلى معالم هذا التل والذي ارتقيناه مشياً حتى بلغنا قمته، وفي القمة شاهدنا كتل ضخمة من البناء المهدم، بعض منه محترق والآخر أخذت منه الحرارة كل مأخذ حتى وصل إلى درجة الذوبان.
أخبرنا الأخ رائد التميمي أن هذا البناء كان صرحاً قائماً وقد حل به الدمار إثر صاعقة ضربته ولازالت قمته تحتفظ ببعض أقسامها بقطع من الطابوق الفرشي بأبعاد (20سم × 20سم) وقد ختم ببعض الأختام المربعة والمستطيلة دلالة على اهتمام معمل الطابوق آنذاك بإنتاجه وخصوصاً أنه سوف يستخدم في بناء قصر الملك.
لاحظنا أيضاً ثقوباً في مناطق مختلفة من الصرح فسألنا الأخ رائد التميمي، فقال لنا أن نمرود كان قد أوهم الناس أنه إلههم وقد أمر البنائين بأن يجعلوا مجرى الماء الرئيسي للمدينة يمر خلال قصره من هذه الفتحات التي تلاحظوها فإذا غضب على أهل المدينة سد الماء عليهم فيأتون إليه، معتقدين أنه منع الماء باعتباره إله النماء والخصب لديهم فيقدمون القرابين إليه، وقيل أن هذه الثقوب قد وضعت لغرض معماري حيث تمر خلالها الرياح مما يؤدي إلى تطييب الهواء داخل البناء وانتعاشه.
وللعقاد رأي في هذا البناء فيقول(32): إن نمرود أراد أن يتحدى إله إبراهيم فبنى لنفسه برجاً عالياً وصعد عليه ليناجز الله في سمائه، ثم طفق يرمي السماء بالسهام حتى عاد إليه سهم منها وقد اصطبغ بالبخيع الأحمر، فخيل إليه أنه أصاب مرماه ولكنه لم يلبث أن سقط على الأرض وسقط معه قومه ونهضوا من سقطتهم يتصايحون بكلام لا يفهمونه، لأن السماء أرسلت عليهم سهاماً زلزلت البرج وقوضت أركانه وتركتهم في بلبال حائرين لا يدرون ما يفعلون.
يطل هذا البرج على بقايا بيوت تحيط به يبدو أنها كانت مبنية من الطين وهي تابعة لحاشية نمرود وزبانيته.
أرض المحرقة:
كان سبب إحراق إبراهيم(عليه السلام) كما تذكر الروايات(33) أن نمرود خرج وجميع أهل مملكتهم إلى عيد لهم وكره أن يخرج إبراهيم(عليه السلام) معهم، فوكله نمرود ببيت الأصنام، فلما ذهبوا عمد إبراهيم(عليه السلام) إلى طعام فأدخله بيت أصنامهم، فكان يدني صنم من صنم فيقول له كل وتكلم فإذا لم يجبه، اتخذ القدوم فكسر يده ورجله، حتى فعل ذلك بجميع الأصنام، ثم علق القدوم (الفأس) في عنق الكبير منهم الذي كان في الصدر، فلما رجع الملك وقومه، نظروا إلى الأصنام متكسرة، فقالوا: من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين، فقالوا: ها هنا فتى يذكرهم، يقال له إبراهيم وهو ابن (آزر)، فجاؤا له إلى نمرود، فقال: نمرود لـ(آزر) خنتني وكتمت هذا الولد عني،
فقال: أيها الملك هذا عمل أمه، فدعا نمرود أم إبراهيم(عليه السلام)، فقال لها: ما حملك على أن تكتميني أمر هذا الغلام حتى فعل بألهتنا ما فعل؟ فقالت: أيها الملك نظراً مني لرعيتك، فقال: وكيف ذلك؟ قالت: لأني رأيتك تقتل أولاد رعيتك، فكان يذهب النسل، فقلت إن كان هذا الذي يطلبه دفعته ليقتله، ويكف عن أولاد الناس، وإن لم يكن ذلك فبقى لنا ولدنا، وقد ظفرت به، فشأنك، فكن عن أولاد الناس بصواب رأيها، ثم قال لإبراهيم(عليه السلام): من فعل هذا بآلهتنا؟ (قال فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون)، قال الإمام الصادق(عليه السلام): (ما فعله كبيرهم وما كذب إبراهيم لأنه إنما قال فعله كبيرهم هذا، إن نطق فلم يفعل كبيرهم هذا شيئاً)، فاستشار نمرود قومه في إبراهيم(عليه السلام) فقالوا: له احرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين.
قال المؤرخون: ثم أجمع نمرود وقومه على تحريقه فقالوا احرقوه، قال شعيب بن الجبائي: (أن الذي قال احرقوه خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة).
والظاهر أن القوم لما أجمعوا على إحراق إبراهيم(عليه السلام) في مكان ولعل المكان الذي زرناه ـ أي المقام هو المكان الذي حبس ـ ففي قصة فتح العراق قال ابن الجوزي: (وأقام سعد ببابل أياماً ثم جاء إلى (كوثى)، ورأى المكان الذي حبس فيه إبراهيم وكان ذلك عام 16هـ).
استقرت فكرة إحراق إبراهيم(عليه السلام) فكان على القوم أن يهيؤا الحطب اللازم لإشعال النار والإدارة الخاصة بإبقاء إبراهيم(عليه السلام) وسطها، فتمثل لهم إبليس وأمرهم باتخاذ المنجنيق، فعن المجلسي(قدس سره) قال: (أول منجنيق عمل في الدنيا، منجنيق عمل لإبراهيم(عليه السلام) بسور الكوفة في نهر يقال له (كوثى)، وفي قرية يقال لها (قنطانا)).
بدأت بعدها مهمة جمع الحطب وأعدوا المكان اللازم لاستيعاب هذه الكميات الهائلة، موقد لم يحدد سعته وارتفاعه ولكنه من دون شك كبير وكبير جداً بحجم الانتقام الذي يغلي في الصدور ففي حين أن إحراق إبراهيم(عليه السلام) لا يحتاج إلا إلى كومة صغيرة من الحطب، فإن القوم إرهاباً لغيره وزيادة في النكاية، أوقدوا ناراً ضخمة لا يستطيع الطير أن يمر فوقها خوفاً من أن تحرقه، فكان يتجنبها على مسافة فرسخ، وعندها اخرجوا إبراهيم(عليه السلام) من سجنه (وكان له من العمر يومئذ ست عشرة سنة)(34) واتجهوا به نحو المكان الذي وضع عليه المنجنيق كي يضعوه فيه. ومن خلال الروايات يمكن التخمين بأن المنجنيق وضع في أعلى الصرح، صرح نمرود.
ولما أصبح اليوم الذي أجمعوا فيه على إحراق إبراهيم(عليه السلام) قالت الخلائق: (أي ربنا إبراهيم ليس في أرضك أحد يعبدك غيره أيحرق بالنار؟ فأذن لنا في نصرته، فقال رب العز جل وعلا: فإن استغاث بشيء منكم فأغيثوه، وإن لم يدع غيري فأنا وليه، قال الراوي فالتقى معه جبرائيل(عليه السلام) في الهواء وقد وضع في المنجنيق فقال له: يا إبراهيم هل لك إليّ من حاجة؟ فقال له إبراهيم(عليه السلام): أما إليك فلا وأما إلى رب العالمين فنعم، وقد اختلفوا في الكلمة التي قالها إبراهيم(عليه السلام) حينما طرح في النار فمنهم من قال أنه دعى بسورة الإخلاص، ومنهم من قال أنه (أول كلمة قالها إبراهيم حسبي الله ونعم الوكيل)(35)، وأما السدي فقال: رفع إبراهيم رأسه إلى السماء وقال: (اللهم أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض، ليس في الأرض، أحد يعبدك غيري حسبي الله ونعم الوكيل)(36).
فقذفوه فقال عز وجل: يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم، قال ابن عباس: لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من بردها ولم يبق يومئذ نار في الأرض إلا وأطفئت، ظنت أنها هي التي تعنى(36).
فلما انطفأت النار، نظروا إلى إبراهيم(عليه السلام) فإذا هو ورجل آخر معه ورأس إبراهيم(عليه السلام) في حجره، يمسح عن وجهه العرق وذكروا أن ذلك الرجل هو مَلَك الظل، فأخرجوا إبراهيم(عليه السلام) وأدخلوه على الملك قال ابن إسحاق: بعث الله ملك الظل، فقعد مع إبراهيم يؤمنه، ومنهم من قال أن جبرائيل هبط على الخليل وجلس معه يحدثه في النار وهما في روضة خضراء، والمروي أيضاً أن جبرائيل أتاه بقميص من الجنة وألبسه إياه وجلس معه يحدثه.
فمكث نمرود أياماً لا يشك أن النار قد أكلت إبراهيم(عليه السلام)، ثم ركب فنظر إلى إبراهيم والى جنبه رجل جالس، فناداه نمرود: يا إبراهيم كبير إلهك الذي بلغت قدرته أن حال بين ما أرى وبينك، هل تستطيع أن تخرج منها؟
فقام إبراهيم يمشي حتى خرج فقال له نمرود: من الرجل الذي رأيت معك؟ قال مَلَك الظل أرسله ربي ليؤنسني، فقال: إني مقرب إلى إلهك قرباناً لما رأيت من قدرته، فقال: إنه لا يقبل منك ما لم تكن على دينه، فقال: لا أستطيع ترك ملكي، وعندها استجاب لإبراهيم رجال من قومه لما رأوا تلك الآية على خوف من نمرود فآمن له لوط وكان ابن أخيه.
ثم أمر نمرود بنفي إبراهيم(عليه السلام) وإخراجه من بلاده وأن يمنعوه من الخروج بمواشيه وأمواله فحاجهم إبراهيم(عليه السلام) وطلب محاكمتهم فحكم قاضي نمرود برد أمواله وخرج إبراهيم(عليه السلام) من بلدته وموطنه قاصداً (حران) التي تزوج فيها (سارة) بنت عمه هذا ما يهمنا من الخبر، وتستمر قصة إبراهيم(عليه السلام).
عموماً فقد عاش إبراهيم(عليه السلام) مائة وخمساً وسبعين سنة كما روي عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام). وتوفي(عليه السلام) في القدس بفلسطين، في قرية تسمى (حبرون).
وأرض المحرقة باقية آثارها حتى اليوم وقد عرفت باسم (الحرقة) بسبب سوادها إذ يقول الشيخ الساعدي: (وأهل تلك المنطقة يعتقدون أنها هي الأرض التي أحرق فيها إبراهيم الخليل(عليه السلام)، أما (كي سترنج) فيقول في كتابه (بلدان الخلافة الإسلامية): (في قرية (كوثى ربا) ثلاث تلال رماد عظيمة، قالوا هي رماد نار نمرود).
وقفنا اليوم على تلك المنطقة بعد أن قطعنا شوطاً طويلاً في السؤال والتنقل بين الطرق والقرى، وقد يئست من الوصول إليها لولا صبر سائقنا وأمله في العثور على هذا الموقع والحمد لله فقد وصلنا إليها، تقع اليوم هذه المنطقة في قرية (آلبو شيخ سعيّد) فيما يعرف أيضاً بـ(الإيشان) وبعد أن وصلنا إليها، استقبلنا الأخ السيد سلام الزاملي ممن يسكن بجوار المنطقة والمنطقة عبارة عن ساحة دائرية يقدر قطرها بـ(100متر) تقريباً خالية من الزرع والأشجار، في حين تحوطها البساتين وحينما سألنا الأخ الزاملي عنها قال لنا: (إن عدداً من الزائرين وخصوصاً الباكستانيين يأتون إلى هذه الأرض وقد كنا نعاني في الزمن السابق من تدخل السلطات في منعنا من التعريف بهذه المنطقة فكان على القاصدين أن يبذلوا جهداً للوصول إلينا، ومما لاحظناه أن تربة هذه الأرض تبدو عادية، ولكن حين تأخذ قبضة منها وتفركها باليد تلاحظ حبيبات سوداء تكاد تميز بالعين وكأنها آثار للرماد).
طلب إلينا السيد الزاملي أن نوصل صوته في المطالبة من ذوي الاختصاص بالاهتمام بهذه المنطقة باعتبارها منطقة أثرية ذات علاقة بمعجزة خالدة، معجزة إلهية جعلت من النار برداً وسلاماً، كما لا ننسى الطلب المشترك من القائمين على خدمة مقام الخليل(عليه السلام) والسيد الزاملي بمد طريق يوصل بين المقام والصرح والمحرقة كي يتسنى للزائر أو السائح الوصول إليهم بسهولة.
اللهم صل وسلم وبارك على محمد وآل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
نشرت في العدد 12

(1) مستدرك سفينة البحار، 1/324.
(2) الحموي، معجم البلدان، 1/384.
(3) البكري، معجم ما استعجم، 1/241.
(4) محمد صالح المازندراني، شرح أصول الكافي، 7/356.
(5) الكليني، الكافي، 1/525.
(6) الخاقاني، شعراء الحلة، 2/368.
(7) ابن الجوزي، المنتظم، 1/148.
(8) العلامة الحلي، الرسالة السعدية، ص83.
(9) سورة الأنعام/ الآية:74.
(10) العلامة الحلي، الرسالة السعدية، ص83.
(11) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، 15/117.
(12) سورة التوبة/ الآية:28.
(13) الريشهري، ميزان الحكمة، 4/ 304.
(14) الحموي، معجم البلدان، 1/383.
(15) المصدر السابق، 5/372.
(16) مراقد المعارف، 1/23.
(17) النجار، قصص الأنبياء، ص103.
(18) الزبيدي، تاج العروس، 3/136.
(19) النجار، قصص الأنبياء، ص99.
(20) المحقق البحراني، الحدائق 3/ 175.
(21) الكليني، الكافي، 8/370.
(22) المسعودي، التنبيه والإشراف، ص69.
(23) ابن الجوزي، المنتظم، 1/149.
(24) سورة الأنعام الآية:67ـ79.
(25) سورة الأنعام الآية: 80.
(26) الأمين، دائرة المعارف الشيعية، 8/69.
(27) مراقد المعارف، 1/24.
(28) الجزائري، قصص الأنبياء، ص80.
(29) معجم البلدان، 1/103.
(30) القرطبي، تفسير، 11/303.
(31) الأمين، دائرة المعارف الشيعية، 8/70.
(32) إبراهيم أبو الأنبياء، ص24.
(33) العاملي، قصص الأنبياء، ص102.
(34) ابن كثير، البداية والنهاية 7/ 71.
(35) العلامة المجلسي، البحار 12/ 25.
(36) العاملي، قصص الأنبياء ص:103.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.