مفهوم النصر والهزيمة… بين إسلام آل البيت (عليهم السلام) وإسلام بني أمية… لكل قوم سُنّة وإمام..
فالشيعة إمامهم الحسين بن علي (عليهما السلام) ثار على يزيد…
وأتباع المدرسة الأخرى (مدرسة الخلفاء) إمامهم عبد الله بن عمر بايع يزيد ورفض الحسين(عليه السلام)،
واختاره علماؤهم سلفًا وتركوا الحسين (عليه السلام) الذي اختاره شيعة آل البيت (عليهم السلام) إمامًا.. استجابة لأمر النبي(صلى الله عليه وآله).
فهناك ثقافة مختلفة ـ سالت أودية بقدرها ـ منها ما نتحدث عنه الآن وله تأثيره الكبير في سلوك الفرد والمجتمع. فمفهوم النصر والهزيمة مختلف عند الشيعة، فالقرآن يقرر – أن المنطق السائد قبل إرسال الأنبياء(عليهم السلام)، أن المنتصر هو المتغلب بالقهر والقوة والتسلط وفقًا لشريعة الغاب، وحكم الجاهلية، فلما أرسل الله الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) أعلمهم أن الدنيا ليست نهاية المطاف، وأنها شوط قصير جدًا، وأن الآخرة خير وأبقى، وان الفائز هو من فاز في الآخرة، فمن فاز في الآخرة فاز فوزًا عظيمًا، وأن من خسرها خسر خسرانًا مبينًا، بغض النظر عما حدث له في الدنيا، تمكن أم قُتِل، انتصر أم هُزِم.
ومن هنا نجد القرآن يؤكد على أن الانتصار للمبادئ والقيم وليس للسيف والغلبة، فهاهو يتحدث عن أصحاب الأخدود ومؤمن آل فرعون الذين قُتِلوا وأعلى الله ذكرهم، وتحدث عن الذين يُقتلون في سبيل الله وأن لهم الدرجات العُلى، ومن هنا قال النبي(صلى الله عليه وآله): (سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر أمره ونهاه فقتله)(1).
فهو لم يغير شيئًا وقُتل إلا أنه فاز لأنه كان في الموقع الصحيح، وهاهو الإمام علي(عليه السلام) تُشَجُ رأسه فيقول: (فزت ورب الكعبة)… لأنه يعلم أنه على الحق. وهذا الإمام الحسين(عليه السلام) يذهب للشهادة وللموت المحقق إلا أنه يعلم أنه الفوز والفتح، (من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح)(2).
وها هو عمار بن ياسر تلميذ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) يهددوه بالقتل لاتّباعه الإمام علياً(عليه السلام) بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، تنفيذًا لوصيته (صلى الله عليه وآله) فيقول: (والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى بلغنا سعفات هجر لعرفت إنا على الحق وإنهم على الباطل)(3).
فلا ينظر لمن ينتصر في الدنيا ولكنه ينظر لمن كان على الحق، ومن كان على الباطل لأنه يعلم أن الفائز هو من فاز بالآخرة لا من نال هذه الحياة الفانية بابتعاده عن الخط المستقيم للإسلام المحمدي..
ومن هنا تختلف الثقافتان فيتردد الكثيرون ممن ورثوا ثقافة بني أمية في الخروج على أئمة الجور، وينظرون لمن يقتل على أنه خسر المعركة، ويعترفون بشرعية المتغلب،
وهذا ابن عمر رفض بيعة الإمام علي (عليه السلام) وانتظر حتى تنتهي معركته مع معاوية ثم بايع معاوية، ثم مرة أخرى يرفض الإمام الحسين (عليه السلام) ونهضته ويبايع يزيدَ، ومنه تأخذ أبناء العامة، وتقرر أنه من خرج علينا بالسيف ثم صار إمامًا للمسلمين كان حقًا على الناس أن تبايعه..
وانظر للمفارقة ففي حال خروجه على ولي الأمر يكون مجرمًا محاربًا لله وللرسول (صلى الله عليه وآله) يستحق حد الحرابة أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، فإن انتصر بالسيف والغلبة تكون له الشرعية ويتحول بين عشية وضحاها إلى ولي الأمر تجب طاعته، ومن هنا كانت ثقافتان مختلفتان تأثر بهما أتباع كل ثقافة ولكل قوم سُنّة وإمام .