أعار أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) أهمية كبيرة للعائلة لأنها اللبنة الأساسية في بناء المجتمع،وهي التي تقرر صلاحه.
وتعد الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين علي بن الحسين(عليهما السلام) من النماذج الحية الدالة على اهتمام آل بيت الرسول (عليهم السلام) بوعظ الناس وحثهم على الصلاح. وهي مجموعة من الأدعية يركز بعضها على التربية الأسرية ولاسيما علاقة الآباء بأبنائهم.
في مطلع الدعاء (رقم 25) من (شرح الصحيفة السجادية) للسيد محمد الشيرازي طبعة النجف الأشرف/1967، نقرأ قول الإمام السجاد(عليه السلام):
(اللهمَّ مُنَّ عليَّ ببقاء ولدي وبإصلاحهم لي وبإمتاعي بهم)، وواضح من النص أنه يدعو لأبنائه بالبقاء في الحياة وأن يكونوا صلحاء، وصلاحهم يكون بإرشادهم من الأب وتوجيههم التوجيه السلوكي الصحيح القائم على كتاب الله وسنة نبيه، ليتم صلاحهم له وتمتعه بهم.
ثم يدعو الإمام السجاد (عليه السلام) لهم بقوله: (وأصلح لي أبدانهم وأديانهم وأخلاقهم) هنا يؤكد إصلاح البدن بالرياضة والمحافظة عليه من الأمراض، لأن اختلال الجسد يعني اختلال كل العمليات البيولوجية، ومن ثم ضعف الإنسان. ثم يدعو لهم بإصلاح الاعتقاد لكي لا ينحرفوا، ثم إصلاح (الأخلاق) كي يبتعدوا عن الرذيلة.
وإصلاح الأبناء يشمل كل النواحي المادية والاعتقادية والمعنوية حتى يكونوا سالمين من كل آفة، قادرين على التأثير الجاد في المجتمع وإدراك الأشياء التي حولهم والحكم عليها. وهذا يكون عادة في المرحلة الأولى ضمن منهج الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) القائل: (لاعب ولدك سبعاً وصاحبه سبعاً ثم اترك له الحبل على الغارب).
ثم يستطرد قائلاً (وعافهم في أنفسهم وفي جوارحهم وفي كل ما عُنيت به من أمورهم). وهنا يؤكد الإمام (عليه السلام) التربية النفسية للأولاد وكل ما يحيط بهم. وإن الأمراض النفسية تجعل الأبناء غير مؤثرين في المجتمع، بل قد تجعل أثرهم سلبياً، فتنقية النفس وتوجيهها والإرشاد الصحيح يجعل الأولاد إيجابيين في المجتمع (واجعلهم أبراراً أتقياء بصراء سامعين مطيعين لك، ولأوليائك محبين)،
وهنا يحث الإمام (عليه السلام) على تربية الأولاد على البر والإحسان والخير والعمل الصالح وتجنب المعاصي وأن يبصروا طريق الحق ويفرقوا بينه وبين طريق الباطل. ويدعوهم إلى محبته ومحبة أوليائه ليكونوا سامعين ومطيعين للإرشادات والتوجيه الذي يقدم لهم، وهذا بكل تأكيد يرتبط بصلاح الآباء كما في حديث الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله): (إن الله ليصلح بصلح الرجل ولده).
ويضيف الإمام (عليه السلام) (ولجميع أعدائك معاندين ومبغضين، آمين) أي أن يكون للأولاد موقف سلبي من أعداء أبيهم. وأنهى الإمام (عليه السلام) هذه الفقرة بلفظة (آمين) وهي تعني طلب الاستجابة من الله (عز وجل). وهذه هي مرحلة الإعداد السليم المتمثل بالمصاحبة على منهج الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) وهي المرحلة الثانية في قول الرسول(صلى الله عليه وآله) (وصاحبه سبعاً).
أما المرحلة (الثالثة) أي (ترك الحبل على الغارب) فهي دعوة ليعيش حياته ويمارس واقعه ويحل مشاكله بنفسه بعدما استوثق وتمكن ومنح الثقة وتأكدت أهليته، وهذه المرحلة تأخذ الحيز الأكبر من الدعاء ولاسيما موقف الأبناء من الآباء في شد العضد وتقويته وإصلاح ما اعوج منه، ويفرح الآباء بأبنائهم في المجالس ويحيي الأبناء ذكر آبائهم بعد الممات. ثم يسترسل الإمام (عليه السلام) فيدعو للمسلمين والمؤمنين بمثل دعائه لولده في عاجل الدنيا وآجل الآخرة.
وهذا غيض من فيض أدعية الإمام السجاد (عليه السلام). وما أحوجنا إلى أن ندرس التاريخ ونجذر تراثنا الإسلامي، ونستظهر الجوانب الإيجابية ولاسيما في التربية الأسرية.