Take a fresh look at your lifestyle.

الإصلاح .. في مدرسة الإمام الحسين(عليه السلام) الحسين(عليه السلام) أبي الضيم أنموذجاً ..

0 1٬176

          أبي الضيم:
الأصل اللغوي: الفعل الثلاثي (أبى) يشتق منه الإباء، وهو يعني: الامتناع يقال: رجلُ إباءٍ إذا أبى أن يضام(1)، ويوصف الشخص بأنه ذو إباء شديد، إذا كان ممتنعًا(2).

وعلى المعنى: يطلق على سيد الشهداء(عليه السلام) هذا اللقب، أي ممتنع عليه أن يضام ببيعة ظالم في عصره وزمنه، ويبقى هو الأصل الشامخ، والمتعالي والممتنع عن دنس بيعة الظالمين.

ولمّا آلت إليه الإمامة والولاية، وأبى أن يبايع لمعاوية بعد غدر الصلح ونقضه منه، وهلاكه وإتيان يزيد، صدر روح الإباء منه. فروح الثورة وهمة الثوار عاشت معه وصارت في دمه إلى يوم شهادته.
هدف اللقب
تتشابه الأسماء في كل مجتمع، لأنها في الغالب نابعة من ثقافة واحدة: ثقافة ذلك المجتمع، وتأريخ المشترك بين الشعوب.
وكذلك تشترك الكنى في كل مجتمع، وهنا تبرز الحاجة إلى ما يميز بين مسمى وآخر، فتظهر أهمية الألقاب في الميدان الاجتماعي.

والألقاب تنقسم إلى قسمين: لقب حسن وجميل ومحبوب، ولقب سيِّيء وقبيح ومكروه.
وقد نهى الإسلام عن التنابز بسيئ الألقاب قال تعالى: (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ، بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(3).

ومن المعروف أخلاقيًا أن الألقاب والأوصاف قد تطلق على الشخص في حياته وينادى بها، وقد يطلق عليه لقب بعد وفاته وشهادته من قبل المؤرخين والناس.

وأبي الضيم، أطلق على الحسين(عليه السلام) بعد شهادته، ونتج ذلك من أقواله ومواقفه وأحواله، فقد اتخذ الحسين(عليه السلام) الإباء وصفًا له وإعدادًا وتنظيمًا وتوجيهًا وإعلامًا في حياته.

ويمكن للمتأمل في سلوك الأولياء أن يجد ظاهرة اجتماعية ذات رؤية إيمانية متأصلة في تلك الشخصية الطيبة والطاهرة، أعطت انطباعًا رائعًا عن هذه الأوصاف والكمالات. ومن هؤلاء الأولياء سيد الشهداء

أبو عبد الله الحسين(عليه السلام)، إذ أعطت شخصيته الرائعة مجموعة من الدروس الإيمانية والروحية في الثورة والإباء، بل امتدت روح النضال لأنصاره وأحبائه وشيعته حتى استبسلوا ووقفوا معه، وتنور لهم الطريق، وبذلوا مهجهم دون الحسين(عليه السلام). وستأتي الإشارة لهذه الفكرة تفصيلًا.

هدف وغاية الإباء
الهدف الأسمى عند الحسين(عليه السلام)، هو إحقاق الحق وإقامة العدل الواقعي الناصع، لا ما يزعم أعداء الدين المعادون أنه عدل، وفي الواقع هو الظلم والجور بعينه.

الصورة في كربلاء حسينية، هي عدم التسليم ولا الاستسلام لحومة الجور والضلالة. على ما قال الإمام الحسين(عليه السلام) (لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل..)(4).

وهي صورة التغيير نحو الأفضل والأحسن لا لظلم جديد بثوب ولون آخَرَين.
فإقامة العدل بمستوياته كافة، الأدنى والأعلى، هو الهدف الإسلامي الحر النبيل.
وهناك غاية وهدف بل غايات وأهداف أخرى، هو أن إباء الحسين(عليه السلام) مدرسة للأجيال والشعوب لتربية النفوس، وإحياء حس الإيمان في القلوب، وتوظيف كل القوى نحو تطبيق الحق والعدل، والتصدي بالقول والفعل للانحراف الاجتماعي، والظلم، والاستبداد، والاستعمار بكل أساليبه. ولابد من الالتفات إلى إضافة أخرى: هي خوف الظالمين من شعار الطلب (يا لثارات الحسين)، وهذا الصوت يقضي على عروشهم بل قضى به عليهم.

وأهل الإيمان ضحوا بالدماء الطاهرة الزكية للقضاء على ظلم الظالمين. ونالوا الدرجات العالية من مراتب الشهداء (أَحياءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون).
روي عن النبي(صلى الله عليه وآله) يخاطب الحسين(عليه السلام): (إن لك درجة لن تنالها إلا بالشهادة)(5).

بل هو واجب شرعي أدوه، وبأسلوب فقهي حسيني من الواجب الشرعي على كل مسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(إني لم أخرج أشرًا، ولا بطرًا، ولا مفسدًا، ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي(صلى الله عليه وآله) وأبي، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر..)(6).

وكما قال الحسين(عليه السلام) في كلمته: (أيها الناس، إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: من رأى سلطانًا جائرًا مستحلًا لحرم الله ناكثًا عهده، مخالفًا لسنة رسول الله(صلى الله عليه وآله) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقًا على الله أن يدخله مدخله، ألا إن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتولوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله..)(7).

إباء الحسين(عليه السلام) علاج لأمراض المجتمع
إن المجتمع الإسلامي والإنساني يصاب بأمراض اجتماعية وتربوية تحتاج لعلاج ومناعة تدفع بقوة عن الإصابة بهما.
المرض الأول: موت الضمير الواعي، وضمير ساكن وصامت.

فقدان الإرادة والإقدام والتضحية.
فإذا أصيب الكيان الإنساني بفقدان الضمير الواعي، والإرادة العالية والأبية فلا يتقدم نحو الخير والسعادة ولا يصل لأهدافه وغاياته.

فواجه إباء الحسين(عليه السلام) هذا الخطر المحيط بالأمة في زمنه، وكل زمن، ومن أهم أسبابه: الإعلام الظالم والدعاية وتخدير الشعوب وسكوتها.
ولذا خَلَّدَ الحسين(عليه السلام) قوله: (مثلي لا يبايع مثله)(8)، فعلى من يقتدي بهدى الحسين(عليه السلام)الاستفادة من حركة الحسين(عليه السلام) في إيقاظ ضمير الأمة وإحيائها. وقد فعل الثوار ذلك أمثال زيد بن علي بن الحسين(عليه السلام) في الكوفة، والحسين صاحب وقعة فخ، وغيرهم الكثير، ممن ترجم لهم ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة(9).
شعار الحسين(عليه السلام)

إباء الحسين(عليه السلام) وصف لازم، وقد بين في علم الحكمة والمنطق، أن الأوصاف منها ما تزول وتفنى، ومنها ما تبقى وتدوم، وأما وصف الإباء عن الضيم فهو دائم، ولازم لا ينفك عن حقيقة حركة الحسين(عليه السلام)، وكان من أهم ألقابه.
قال الشيخ باقر شريف القرشي: (الصفة البارزة من نزعات الإمام الحسين(عليه السلام) الإباء عن الضيم حتى لقب (بأبي الضيم)، وهي من أعظم ألقابه ذيوعًا وانتشارًا بين الناس، فقد كان المثل الأعلى لهذه الظاهرة فهو الذي رفع شعار الكرامة الإنسانية ورسم طريق الشرف والعزة، فلم يخنع، ولم يخضع لقرود بني أمية، وآثر الموت تحت ظلال الأسنة)(10).

ووصفه المؤرخ الشهير اليعقوبي: (بأنه شديد العز)(11). ويمكن أن تنطبق الآية الشريفة، قال تعالى: (.. وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)(12).
فحدد القرآن العزة لله تعالى والرسول(صلى الله عليه وآله) والمؤمنين ومن أبرز مصاديق الإيمان الأئمة ومنهم سيد الآباء الحسين(عليه السلام) فلا يبقى لغيرهم إلا الذلة والجهالة(13).

والمؤمن عزيز النفس، وينبغي أن لا يذل نفسه وتبقى أبية عن الضيم والدناءة، فهنا جانبان مهمان: عزة النفس، فقد ورد عن
أبي عبد الله(عليه السلام) قال: (إن الله تبارك وتعالى فوض إلى المؤمن أموره كلها، ولم يفوض إليه أن يذل نفسه، ألم تر قول الله سبحانه وتعالى هاهنا (.. وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)(14).

والمؤمن ينبغي أن يكون عزيزًا، ولا يكون ذليلًا)(15).
فتقول: هل يذل الإنسان نفسه، نعم وله موارد كثيرة في الحياة ومنها: أن يقول شيئًا وبعدها يعتذر منه ويتأسف عليه، فلا يذل نفسه، روي عن أبي عبد الله(عليه السلام): (لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، قلت: بما يذل نفسه؟ قال: يدخل فيما يعتذر منه)(16).
وقال ابن أبي الحديد: (سيد أهل الإباء الذي علم الناس الحمية، والموت تحت ظلال السيوف اختيارًا على الدنيَّة..عرض عليه الأمان هو وأصحابه فأنف من الذل، .. فاختار الموت على ذلك)(17).

فقد علَّم أبو الأحرار الناس نبل الإباء وفداء التضحية،فقال مصعب بن الزبير: (واختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة)(18).
ولا نذهب بعيدًا لما قيل فيه، بل نتبرك بكلماته يوم الطف فهي من أروع ما أثر من بلاغة الخطاب والكلام العربي في تصوير العزة والمنعة. (ألا وإن الدعي ابن الدعي ـ عبيد الله بن زياد ـ، قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت، وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام)(19).

فهذه الكلمات تعبر عن أعلى مواقف المبادئ، والقيم التي تعني العزة والإباء وتعلمها البشرية حتى ترقى إليها. ويؤكد الحسين(عليه السلام) ثباته على المبدأ مؤثرًا في سبيله القتل والفداء والتضحية على الحياة.
وقف الحسين(عليه السلام) مناديًا أمام هؤلاء الأشرار: ( والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفر فرار العبيد، إني عذت بربي وربكم أن ترجمون)(20).

ونبين بعض النقاط:

– الاختلاف في ألفاظ الرواية (أقر أو أفر) فهي بين عزة المؤمنين وإقرار العبيد، فهنا خط للحياة والعمل هو إذا أراد أن يبايع شخصًا آخر، ويضع يده بيده أن يكون في موضع العزة والكرامة -، وهنا مصطلح بيعة – عهد، عقد، انتخاب، كلها عناوين لهدف واحد.
فقال سيد الشهداء(عليه السلام): ( إني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برمًا)(21).
وهناك أقوال أخرى منها: (مثلي لا يبايع مثله)(22).
الثبات على المبدأ (إباء) وعقيدة:
وهناك وصف يتحد معنىً مع هذا الوصف (أبي الضيم)، وهو الثبات على المبدأ،وهو بحث أخلاقي بيِّنْ في كتب الأخلاق.
للنظم والمبادئ أهمية كبرى، وأثر بالغ في حياة الأمم والشعوب، لذا كان الثبات على المبدأ الحق من أقدس واجبات الأمة وفروضها الحتمية، ولم يوجد في البشرية أكمل وأفضل من مبادئ الإسلام لأنها مع الفطرة، وتكفل السعادة في الدنيا والآخرة.
ومدح القرآن المؤمنين الذين تمسكوا بالقيم والمثل العليا في الإيمان، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ)(23).

ولقد كان الرسول(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام)، المثل الأعلى في الثبات على المبدأ وحمايته، والتضحية في سبيله، بأعز النفوس والأرواح.
وهذا سيد الشهداء(عليه السلام) وأبي الضيم يرفع لواء الشهادة يوم عاشوراء ويعلن شموخه بكلماته الخالدة في مسامع الدهر.
وهكذا اتبعه أهل بيته وأنصاره على نهجه ومثاله في الثبات على المبدأ والصمود، والفداء بالنفوس والشواهد على ذلك كثير في يوم عاشوراء حتى الأطفال والنساء. ولو نسمع ما قال: علي الأكبر(عليه السلام) (.. لا أراك الله سوءًا ألسنا على الحق؟
قال: بلى والذي إليه مرجع العباد، فقال: يا أبت إذن لا نبالي أن نموت محقين!
فقال(عليه السلام): جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدًا من والده..)(24).

ويقدمون أروع مفاهيم البطولة والشهادة حتى كانوا المثل الباقي على مر الدهور والأزمان.
الأدب يؤرخ الإباء له

قد أرخ كثير من الشعراء والأدباء إباء الحسين(عليه السلام)، بل أن الإمام الحسين(عليه السلام) نفسه خَلَّدَ ذلك بأقواله.
وقال الحسين(عليه السلام): (موت في عز خير من حياة في ذل)(25).

وفي أرجوزة الحسين(عليه السلام)
الموت خير من ركوب العار.. والعار أولى من دخول النار.. والله ما هذا وهذا جاري(26).
وقال(عليه السلام):
سأمضي وما بالموت عار على الفتى
إذا ما نوى حقًا (خيرًا) وجاهد مسلماً
وواسى الرجال الصالحين بنفسه
وفارق مثبورًا وودع مجرما(27)
فإن عشت لم أندم (أذمم) وإن مت لم أُلم
كفى بك ذلًا أن تعيش وترغما(28)
النتيجة: أن سيد الشهداء ربى الأمة على شيم الأخلاق ومعالي الأمور ومنها: الإباء عن الضيم، والوقوف ضد الظالمين، ورفع صوت المطالبة بالحقوق للمستضعفين في كل مكان وزمان.

نشرت في العدد 54


الهوامش:
(1) لسان العرب: 1/42 مادة أبى.
(2) مجمع البحرين: 6/105.
(3) سورة الحجرات: 11.
(4) مقتل المقرم: 275.
(5) بحار الأنوار: 44/125.
(6) مقتل العوالم: 54؛ مقتل الخوارزمي: 1/188 فصل 9؛ مقتل المقرم: 151.
(7) بحار الأنوار: 44/328؛ أمالي الصدوق: 142؛ حياة الإمام الحسين: 1/13.
(8) بحار الأنوار: 44/325.
(9) شرح نهج البلاغة: 1/203.
(10) حياة الإمام الحسين: 1/113.
(11) تاريخ اليعقوبي: 2/293.
(12) سورة المنافقون: 8.
(13) الميزان في تفسير القرآن: 19/327.
(14) سورة المنافقون: 8.
(15) أصول الكافي: 2/243.
(16) أصول الكافي: 2/243.
(17) شرح نهج البلاغة: 1/302؛ المجالس السنية: 3/345.
(18) تاريخ الأمم والملوك: 6/273؛ حياة الإمام الحسين: 1/114.
(19) الاحتجاج: 2/24؛ مقتل الخوارزمي: 2/6؛ أعيان الشيعة: 1/603؛ مقتل الحسين – المقرم: 282؛ نفس المهموم:121.
(20) تاريخ الأمم والملوك: 6/275؛ إعلام الورى: 1/459؛ أعيان الشيعة: 1/602؛ مقتل المقرم: 280؛ بحار الأنوار: 45/7/37.
(21) بحار الأنوار: 44/192.
(22) بحار الأنوار: 44/192.
(23) سورة فصلت: 31-31.
(24) تاريخ الأمم والملوك: 6/231؛ مقتل الخوارزمي: 1/226؛ مقتل المقرم: 225.
(25) بحار الأنوار: 44/192.
(26) بحار الأنوار: 44/192.
(27) فارق مذموماً وخالف مجرماً اختلاف في ألفاظ البيت. مقتل المقرم: 216.
(28) مناقب آل أبي طالب: 4/68؛ بحار الأنوار: 44/192؛ معالي السبطين: ق186.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.