الشيخ حسن كريم الربيعي
جاء الإسلام بأعظم قانون للبشرية فيه السعادة الدنيوية والأخروية، فهو يهتم بالمصالح والمفاسد فيأمر بما فيه المصلحة وينهى عما فيه المفسدة وهو جوهر أحكامه القانونية وعلى كافة المستويات، فيعد القرآن الكريم والسنة الشريفة مصادر هذه القوانين للدولة الإسلامية. وقد طبق الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) جملة من هذه القوانين على أرض الواقع في البناء الأساس لدولة المدينة المنورة لتبقى نبراساً للأجيال من بعده.
ولما بويع أمير المؤمنين(عليه السلام) سار على نفس النهج الذي خطه الرسول(صلى الله عليه وآله)، فنرى سياسته الإدارية والمالية ممثلة بأجمل صورة من صور العدالة والمساواة للحاكم العادل وخير من نقل لنا هذه الصور صاحب كتاب (الغارات) إبراهيم بن محمد الثقفي (ت283هـ) وهو من الكتب المهمة جداً في التاريخ الخاص الذي يسرد حقبة زمنية قصيرة جداً في السياقات التاريخية فهو يتناول أحداث سنة (38هـ ـ 40هـ) وهي سنة شهادة أمير المؤمنين(عليه السلام) ولأهمية هذا الكتاب سنتعرف على سياسة أمير المؤمنين عليه السلام الإدارية والمالية من خلاله، والغارات من أهم مصادر كتاب نهج البلاغة والذي نقله ابن أبي الحديد(ت656هـ) في شرحه ولم يعرف إلا في الشرح قبل العثور على مخطوطة الكتاب ونشره مستقبلاً بتحقيقين للسيد جلال الدين المحدث وهو تحقيق أهم من تحقيق السيد عبد الزهراء الحسيني الذي اعتمد على تحقيق المحدث، وعلى كل حال إن الكتاب من أهم المصادر التاريخية التي كتبت في القرن الثالث الهجري.
حركة المعصوم منهج يتبع
تعد حركة المعصوم في المجتمع انعكاساً للقانون الإلهي على أرض الواقع، ولو تتبعنا تلك السيرة العطرة للمعصومين عليهم السلام لرأينا جوهر الإسلام الحقيقي في سلوكياتهم الفعلية والقولية والإمضائية على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي فهم مصدر التشريع ومفاهيمه المستوحاة من أنواع السنة الشريفة إذا قورنت بالسيرة لحركاتهم وسكناتهم في حياتهم وهو ما يتناوله كثيراً المنهج التاريخي في سرد الأحداث أو بيان أهمها.
السيرة المالية
كان أمير المؤمنين(عليه السلام) يساوي في العطاء فهو لا يعطي أحداً من الفيء أكثر من حقه(1) ولا يأخذ توزيع العطاء ليوم أو أيام فقد نقل عنه(عليه السلام): (كان خليلي رسول الله(صلى الله عليه وآله) لا يحبس شيئاً لغد)، وكان ينضح بيت المال بالماء ثم يتنقل فيه ويقول: (اشهد لي يوم القيامة إني لم أحبس فيك المال على المسلمين)(2).
ومن هذه النصوص التاريخية يمكن أن نعرف مدى حرص الإمام(عليه السلام) على إيصال المال لأصحابه وبأسرع ما يمكن وهو ما يؤدي بالتالي إلى الحركة التجارية الاقتصادية ورفع الانتعاش المعيشي للمجتمع وذلك لأهمية المال في حياة الناس، ثم إن عمل الإمام فيه دلالة على المسؤولية الملقاة على عاتق الخليفة ومن ينوب عنه في القضية المالية وغيرها.
استخدم أمير المؤمنين(عليه السلام) القرعة لأجل قطع دابر المنازعات وتفشي الإقصاء من التقديم الكيفي في أخذ الحقوق مما يولد الانهيار الاجتماعي من التفضيل وتقديم الناس من دون حل وسط يرضي الجميع وهو ما عمله أمير المؤمنين(عليه السلام) في ظل حكمه.
كانت الكوفة آنذاك مقسمة على نظام الأسباع وعليهم الأمراء وكان نظام القرعة هو الحل الذي اتبعه الإمام(عليه السلام) في توزيع المال بينهم (دعا أمراء الأسباع فاقرع بينهم أيهم يعطيه أولاً)(3)، وبهذه السياسة المالية الصارمة قسم أموال أصفهان في إحدى الروايات فوجد فيه رغيفاً فكسره سبع كسر ثم جعل على كل جزء منه كسرة(4) وأعطاه مع المال المقسم على الأسباع بإضافة هذا الجزء، هذه الحركة المعصومية ترشدنا إلى التحرز في أموال الرعية وإعطاء الحقوق لأهلها وهذا النظام الحقوقي من أرقى الأنظمة لحفظ البنية الاجتماعية، فلا يجوز سلب حقوق الآخرين ولو بكسرة خبز يابسة.
ومن صرامته المالية أنه كان يوزع العطاء في أغلب الأحيان ويرجع إلى أهله لا يحمل منه شيئاً، فقد روى في كتاب (الغارات) أنه كان يقسم المال بين الناس: (حتى لم يبق منه شيء ورجع ولم يحمل إلى بيته منه شيئاً)(5)، مع استحقاقه على أقل تقدير المساواة في العطاء مع غيره ولكنه يؤثر الناس على نفسه وعياله وهي المسؤولية لمن يتصدى المنصب الذي يوسوس به الناس فيخدم من خلاله لا أن يستغله لأغراضه الخاصة، وكثيراً ما كان قنبر مولاه يقول لأمير
المؤمنين(عليه السلام): (إنك لا تترك شيئاً إلا قسمته)(6).
هذه السياسة المالية في المال العظيم والحقير سواء فهو يقسم الأموال مهما كانت ويساوي في الجميع ويرضي الجميع في استخدامه القرعة في الابتداء في التوزيع، ولم يفضل أرحامه على المسلمين، وقصة عقيل معه مشهورة ومسلم بها، ونقل أيضاً عن عبد الله بن جعفر الطيار أنه قال: (يا أمير المؤمنين لو أمرت لي بمعونة أو نفقة فوالله ما عندي إلا أن أبيع بعض علوفتي (الناقة أو الشاة)، قال له: لا والله ما أجد لك شيئاً إلا أن تأمر عمك أن يسرق فيعطيك)(7).
ومن هذا النص نفهم أن الأخذ من بيت مال المسلمين خيانة وسرقة وحكمه الحرام لقوله(عليه السلام): (تأمر عمك أن يسرق…)، وهنا يحذر الإمام من ائتمان الخائن وتسلطه على رقاب الناس لذلك كان يقول لأهل الكوفة: (يا أهل الكوفة إذا أنا خرجت من عندكم بغير رحلي وراحلتي وغلامي فأنا
خائن)(8)، وينقل الثقفي أن نفقته كانت تأتيه من غلته بالمدينة من ينبع وهي أرض له بالحجاز فيها عين ماء احتفرها أمير المؤمنين(عليه السلام)(9)، ومنه يفهم عدم أخذه من بيت المال واعتماده على ما يأتيه من المدينة المنورة وهي أموال كانت له قبل البيعة.
ومن زهده قوله(عليه السلام): (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا تنطوي ثميلتي على قلة من خيانة ولأخرجن منها
خميصاً)(10)، إن هذا الاهتمام الشديد بالسياسة المالية الصارمة وفق العدل والمساواة في السر والعلانية مع الرعية ومع النفس لجديرة بالدراسة والتحليل لاعتمادها في سياسة الشعوب واتخاذها منهجاً ينير الدرب ويبسط العدالة في ربوع المعمورة وبه تحفظ الشعوب كيانها وحريتها وحقوقها.
حاول بعض أصحابه أن يثنيه عن هذه السياسة العادلة وان يبذل الأموال للإشراف دون غيرهم ليكسب ودهم فأجابه أمير المؤمنين(عليه السلام) عن عدله وسيرته بقوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) وأما من فارقنا ليس عن جور بل ليلتمس الدنيا الزائلة ثم يسأل الجميع (الدنيا أرادوا، أم لله عملوا)(12)، ثم بين أمير المؤمنين(عليه السلام) صفات الحاكم العادل بقوله: (أتأمروني أن أطلب النصر بالجور والله لا أفعل ما طلعت شمس وما لاح في السماء نجم، والله لو كان مالهم لي لواسيت بينهم فكيف وإنما هي أموالهم)(13).
هذه هي قوانين الإسلام العدل والعدالة بالقول والفعل، وقد طبقها أمير المؤمنين(عليه السلام) على أرض الواقع العملي معبراً عن أصالة الإسلام وتعاليمه ومبيناً دور الإمام الذي يقود الأمة وما الدولة إلا مؤسسة خدمية للأفراد عليها السير بهدى المعصوم الذي جسد النظرية الإسلامية وأقصد بالنظرية هنا القانون لا الفرضية، إن أحداث الحكم المعصومي هو المعبر عن أصالة القانون الإلهي (القرآن والسنة)، إن الأحداث التاريخية ودراستها تبين لنا الحركة الفعلية بعد توثيق رواتها وكل ذلك يحتاج إلى دراسة مستفيضة حسب المنهج العلمي للتحليل والاستنتاج للوصول إلى الحقيقة التاريخية واعتمادها.
إن المنهج التاريخي المستمد من علم الحديث قبل استقلاله يمكن أن نطبق عليه الجرح والتعديل كما هو المنهج عند المحدثين وبالأخص المصادر التاريخية القديمة فأغلبها دونت بطريقة السند كما هي الروايات الحديثة.
إن الأسوة برسول الله(صلى الله عليه وآله) يمكن نعرفها من علم التاريخ بدراسة الأفعال الصادرة من أصحابه وعليه يمكن الجزم بالموافقة أو المخالفة ومن أروع ما نقله المؤرخون وربما المحدثون أيضاً
قوله(عليه السلام): (فإن أنا لم آخذ بما أخذ به (صلى الله عليه وآله) خفت أن لا ألحق به)(14)، ومن سيرته كان يحمل متاعه بنفسه وهو خليفة ويقول: (أبو العيال أحق
بحمله…)(15)، ومع هذا كان يعمل بيده فقد أعتق ألف رقبة (بما مجلت يداه وعرق جبينه)(16).
هذا بعض ما أورده الثقفي في كتابه (الغارات) من سياسته المالية مع الرعية ومع نفسه وهو من أروع التطبيقات لقانون الإسلام (القرآن والسنة) والاقتداء بالرسول(صلى الله عليه وآله) وتجسيداً للواقع الإسلامي فيما يراه في الحكم بالعدل والعدالة والمساواة وهذه هي ركائز هذا القانون في إدارة الدولة وقد جسدها كلها أمير المؤمنين(عليه السلام) في سياسة حكمه لجميع البلدان الخاضعة لسيطرته آنذاك.
ومن كل هذه النصوص يتبين لنا أهمية المال وكيفية انتقاله بين الناس كما طبق ذلك أمير المؤمنين(عليه السلام) فقد حرص كل الحرص أن يوزع سريعاً وبالحق والعدل والمساواة ويضمن الناس حقوقهم محفوظة عند السلطان أو الحاكم أو الخليفة العادل، وكان
يحرص(عليه السلام) على السير بخطى واثقة بسيرة وسنة رسول الله(صلى الله عليه وآله) كاملة غير ناقصة لا يحيد عنها أبداً مهما كلفه الأمر ليرسم سياسة الإسلام على المستوى التطبيقي الفعلي.
السياسة الإدارية
اهتم أمير المؤمنين(عليه السلام) بالقضية الإدارية للدولة وبناء هيكلها من جديد بعد تسنمه منصب الخلافة إثر قتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، فأبدل جميع الولاة بولاة جدد، وكان لا يعطي الولاية لحريص عليها ثم أعاد القطائع إلى بيت المال، إن أهم ما قام به أمير المؤمنين(عليه السلام) لإحداث تغيير جذري في السياسة العامة هي كما يلي:
1ـ مسألة توزيع الأموال.
2ـ إرجاع القطائع (الأراضي) لبيت مال المسلمين.
3ـ تغيير الولاة(17).
ولو تفحصنا سياسته الإدارية بشكل أدق نجدها لا تختلف قيد شعرة عن ساسة رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلا ما استجد من أحداث، كان للإمام(عليه السلام) رأيه النابع من رأي القرآن الكريم وسنة النبي(صلى الله عليه وآله).
ويمكن إجمال الأعمال الإدارية في ظل حكم المؤمنين عليه السلام:
1ـ نقل مركز الخلافة إلى الكوفة.
2ـ وزع العطاء بالسوية بين الرعية.
3ـ لم يفرق بين العرب والموالي في العطاء وتولي المناصب وغيرها من الأمور.
4ـ لم يميز نفسه عن الرعية في العطاء بل ساوى جميع أهل بيته ومواليه.
5ـ عمل على استقلال القضاء ليحقق العدالة بين جميع المسلمين وغيرهم والخليفة حاله حال الرعية أمام القضاء.
6ـ بناء السجن الإصلاحي أي إصلاح السجين لا مجرد عقوبته.
7ـ أسس بيت القصص وهو ما يعرف اليوم بصناديق الشكاوى.
إن الشريعة الإسلامية وثوابتها تمثلت بما قام به أمير المؤمنين(عليه السلام) في شؤون إدارة البلاد الإدارية والأحكام القضائية وأحكام الحرب والصدقات ومعاملة أهل الذمة وغيرها نابعة من صلب الرسالة الإسلامية الخالدة.
لقد أغنى الدولة الإسلامية بما قام به من أعمال في كافة النواحي وبنى الفقهاء على كثير من أقواله وأفعاله في الحكم والقضاء والحرب.
كان أمير المؤمنين(عليه السلام) يرد مظالم الناس فيكتب إلى ولاته بما يرشدهم إلى طريق الإسلام ورغم تقسيم الولايات إلى كبرى وصغرى تابعة كان يكتب للاثنين في حالة وجود خلل في الإدارة(18)، فقد كتب لابن عباس وعثمان بن حنيف ومحمد بن أبي بكر وغيرهم يبين لهم كيفية إدارة الولايات وسياسة الناس وعماد ذلك العدل والمساواة ثم أنه يراقبهم مراقبة شديدة فكانت تصل إليه أخبارهم وعلى أثر ذلك يرسل الرسائل بالمدح تارة والتوبيخ والعتب تارة أخرى.
ومن أهم اهتماماته في إدارة الدولة استقلال القضاء وإبعاده عن جميع المؤثرات الداخلية والخارجية فقد أبقى القاضي شريح في منصبه مع أنه أقضى الصحابة باعترافهم، ولكي يبقى القضاء نزيهاً عادلاً أعطى أمير المؤمنين(عليه السلام) شريحاً راتباً من بيت المال تبلغ خمسمائة درهم، ولا يعني أن القضاء باستقلاله هذا والدعم المادي والمعنوي كان بدون رقيب بل كان يراقب القضاء ويتعرف على أحكامه فإن وافق الشريعة أمضاه وإن خالفها أعاده واستأنف القضية من جديد.
وكان العلماء والقضاة يتعلمون من قضائه فإن له استعمالات عديدة لكشف الحقيقة ومعرفة الجريمة وبعدة وسائل علمية من أهمها الآثار النفسية الظاهرة على المجرم وكان يطلب من القاضي التسوية بين الجميع في النظرات ويقسمها بالعدل بين المتخاصمين.
كان سلام الله عليه يرى تهذيب وإصلاح المجرم لا تحقيره ولا تعذيبه لكن لا يمكن التهاون في حدود الله عز وجل التي شرعت لصيانة المجتمع وحفظ الحقوق وكان يقيم الحد على الجميع فقيل له وما شأن اليهودي والنصراني ـ هذا في شرب الخمر ـ قال: (ليس لهم أن يظهروا شربه…)(20)، وأقام الحد على الشاعر قيس بن عمرو المعروف بالنجاشي عندما شرب الخمر في شهر رمضان ثم عزره بعشرين جلدة فضلاً عن الثمانين لتطاوله على شهر الله المبارك(21)، وعاقب من هو من شرطة الخميس.
اهتم أمير المؤمنين(عليه السلام) بالسوق وكان يراقب الحركة فيه ويدعو التجار بعكس آثار النظام والقانون فكان يقف في وسطه وينادي: (يا معشر التجار إياكم واليمين الفاجرة فإنها تنفق السلعة وتمحق البركة)، ويقف على سوق القماش ليشتري فمن عرفه لا يشتري منه وإذا اشترى القماش لا يكفه بل يقطع ما زاد وكان يقول: (الأمر أسرع من
ذلك)(22).
وهنا يراقب الإمام(عليه السلام) المراقبة المادية والمعنوية ويعطي الدروس لمن يسمع كلامه في السوق لأن البيع والشراء في نظره تطبيق لروح الإسلام وتعاليمه الأخلاقية والابتعاد عن الغش وأكل أموال الناس بالباطل لينشأ الاقتصاد الحر الإسلامي الخالص فيردد عليه السلام: (يا أهل السوق اتقوا الله…). ثم يصف التاجر بالفجور إلا من أخذ الحق وأعطاه، ويقول للقصابين: (يا معشر اللحامين من نفخ منكم في اللحم فليس منا…)(23)، كان أمير المؤمنين(عليه السلام) عندما يخرج إلى السوق معه الدرة ويقول: (إني أعوذ بك من الفسوق ومن شر هذه السوق)(24).
هذا الاهتمام بالسوق من أهم شؤون الإدارة للسيطرة عليه وقطع دابر المتلاعبين به ثم معرفة النشاطات التجارية والضرب على الأنشطة المحرمة فإن هم أمير المؤمنين(عليه السلام) تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي المتمثل والمتداخل مع النظام الأخلاقي لذلك كان يوصي بتقوى الله كما يوصي عماله على الصدقات في كيفية أخذها بقوله لأحد عماله وقد بعثه إلى بادية الكوفة: (عليك يا عبد الله بتقوى الله ولا تؤثرن دنياك على آخرتك وكن حافظاً لما ائتمنتك عليه، وراعياً لحق الله…)(25).
وكان يكتب للأمصار بما يهم الدولة والدين فقد كتب لمحمد بن أبي بكر بما يشرح له بعض العبادات أو أنه كتب له السنة كما ذكره الثقفي في كتابه إلا أن هذه الكتب قد أخذت بعد شهادة محمد بن أبي بكر ونقلها عمرو بن العاص إلى معاوية وأعجب معاوية بهذه الكتب وأشار عليه الوليد بن عقبة بحرقها ودار بينهما حوار يذكره الثقفي في كتابه الغارات في نهايته قول معاوية لجلسائه: (إن هذه كتب أبي بكر الصديق كانت عند ابنه محمد فنحن نقضي بها ونفتي)(26).
ويذكر أيضاً أن هذه الكتب بقيت في خزائن بني أمية إلى عهد عمر بن عبد العزيز (99ـ101)هـ وهو الذي أظهر أنها من أحاديث علي بن أبي طالب(عليه السلام).
ولما سمع أمير المؤمنين(عليه السلام) باحتلال مصر وذهاب كتبه اشتد ذلك عليه وسمع منه قوله: (إني استعملت محمد بن أبي بكر على مصر فزعم أنه لا علم له بالسنة فكتبت إليه كتاباً فيه السنة فقتل وأخذ الكتاب)(27).
ورجح ابن أبي الحديد أن الكتاب الذي أسف عليه أمير المؤمنين(عليه السلام) هو عهده إلى مالك بن الأشتر فمنه تعلم الناس القضايا والأحكام والسياسة فكان معاوية يعجب منه وينظر فيه(28)، ولكن يبدو للباحث أن أمير
المؤمنين(عليه السلام) كتب السنة وأحكامها وحدودها بكل أبوابها لذلك كان معاوية يحتاج إليها لعدم معرفته بدقائق السنة وكيفية الافتاء بها، أما سياسة العباد فطريق الغلبة والغدر والمكيدة أيضاً من أنواع السياسة كما يفهمها الكثير ممن تسلطوا على رقاب الناس، فكتب محمد بن أبي بكر فيها التفاصيل وهي لا تقل أهمية من كتابه العهد الذي يعبر عن دستور الحكم لمن أراد العدل والعدالة وسياسة العباد بما يرضي الله عز وجل.
إن ما سطرناه هنا لا يفي بمضمون السياسة المالية والإدارية بل هي ملامح سريعة من بعض التطبيقات، فالموضوع بحاجة ماسة أعمق وأوسع من هذا البحث، نأمل دراسته من قبل الباحثين للحاجة الماسة إليه وحتى يعرف الجميع عدالة الإسلام وسماحته ونظراته إلى الحاكم الذي يقود الأمة فإن سياسته المالية والإدارية وغيرها يجب أن تنبع من أصالة تطبيقات الرسول(صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين(عليه السلام) >
—————————————————————————————————–