لما تهيأت الظروف المناسبة لقيام الإمام الحسين(عليه السلام) بنهضته المباركة، بدأ(عليه السلام) بتحشيد الرأي العام وتعبئة الطاقات في الحواضر الإسلامية للمشاركة الفعالة في تصحيح الواقع الذي كانت تعيشه الأمة آنذاك، فلم يأل(عليه السلام) جهداً في دعوة الناس والتعريف بمضمون النهضة وهدفها السامي، وقد تنوعت صور هذا الجهد فتارة نراه(عليه السلام) يلتزم منهج الخطاب المباشر مع من يفد إليه أو حينما تحين فرصة لقاء له مع عموم الناس، وأخرى نراه يلتزم أسلوب المراسلة للتواصل مع الآخرين.
وكانت البصرة البلد الوحيد الذي راسله سيد الشهداء(عليه السلام)، من تلقاء نفسه دون أن يكتب أهلها إليه، عكس الكوفة التي راسله أهلها طالبين منه صراحة السير إليهم.
لنحاول الإجابة عن السبب الذي حدا بالحسين(عليه السلام) أن يراسل البصريين ويطلب منهم النصرة، لماذا البصرة بالذات وواقعة الجمل لا زالت تلقي بظلالها على المجتمع البصري الذي ألف العداء لعلي وآل بيته(عليهم السلام)؟ حتى عُدّ مجتمعاً عثماني الهوى والميل، ما الذي كان(عليه السلام) يتوقعه من رد على رسالته، هل يستجيب البصريون لطلبه، أم أنه(عليه السلام) أرسل رسالته لشيعة البصرة حصراً دون الآخرين؟.
لابد لنا من معرفة نص الرسالة التي بعث بها الحسين(عليه السلام) لتكون مداراً للبحث وسوف نورد هنا نصين أولهما نقله الطبري في تاريخه، والنص الثاني نقله الشيخ ابن نما في مقتله (مثير الأحزان) والسيد ابن طاووس في (اللهوف).
النص الأول:
(كتب حسين مع مولى لهم يقال له سليمان وكتب بنسخة إلى رؤوس الأخماس بالبصرة وإلى الأشراف فكتب إلى مالك بن مسمع البكري وإلى الأحنف بن قيس وإلى المنذر بن الجارود وإلى مسعود بن عمرو وإلى قيس بن الهيثم وإلى عمرو بن عبيد الله بن معمر فجاءت منه نسخة واحدة إلى جميع أشرافها ..
أما بعد : فإن الله اصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم على خلقه وأكرمه بنبوته واختاره لرسالته ثم قبضه الله إليه وقد نصح لعباده وبلغ ما أرسل به صلى الله عليه وسلم وكنا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحق الناس بمقامه في الناس فاستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه وقد أحسنوا وأصلحوا وتحروا الحق فرحمهم الله وغفر لنا ولهم وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فإن السنة قد أميتت وإن البدعة قد أحييت وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد والسلام عليكم ورحمة الله.
فكل من قرأ ذلك الكتاب من أشراف الناس كتمه غير المنذر بن الجارود فإنه خشي بزعمه أن يكون دسيساً من قبل عبيد الله فجاءه بالرسول من العشية التي يريد صبيحتها أن يسبق إلى الكوفة وأقرأه كتابه فقدم الرسول فضرب عنقه)(1).