د.عادل عبد المهدي … عندما بدأت التظاهرات السلمية في درعا، وجدت تأييداً شعبياً لها، بل تفهماً من اوساط الحكم ايضاً. وغلبت لهجة الاصلاح وتلبية المطالب ما عداها.. وسواء بدأ النظام العنف، ام بدأته القوى المتطرفة، لكن المعارك سرعان ما اخذت بعداً عنيفاً وطائفياً من جهة، واقليمياً ودولياً من جهة اخرى. فوقفت مع النظام دول ومنظمات كانت ترى فيه محوراً لاستراتيجيتها.. ووقفت ضده دول ومنظمات رأت ان هذه هي اللحظة للانتقام من نظام تعتبره اما عدواً تاريخياً.. او انه احد محاور “جبهة المقاومة”. وهنا برزت حقيقة مهمة.. وهي ان الملفات التي كانت بيد المعارضة لتطويق النظام، تراجعت كلها امام حقيقة واحدة، وهي ان “جبهة النصرة” و”داعش” وقفت في جبهة المعارضة. وراجت مقولة نقولها مجازاً وهي “جهنم الدولة ولا جنة داعش”، بعد تجربة مريرة للشعب الجار الصديق. لا يمكن فهم تصويت الملايين للرئيس سيسي، دون العودة للملايين التي صوتت لمرسي، والتي تقدمت بقليل على ملايين منافسه.. وبدل ان يرى الرئيس السابق تيارات المجتمع المختلفة في إعداد الدستور، وادارة السلطة، فانه اعتقد ان مجرد تحقيق الاغلبية ستعني تفويضاً مطلقاً يسمح له بالسيطرة على كل شيء.. متناسياً حقائق اساسية.. اولها ان الانتخابات هي قناعة ومزاج الشعب في ظرف محدد، والتي قد تتغير بعد فترة قصيرة لنقيضها.. وثانيهاً ان الديمقراطية لا تعني 50 زائد فقط، فيكون لها حق تشكيل الحكومة.. بل تعني 50 ناقص ايضاً، فيكون لها حق تشكيل المعارضة بكل حقوقها وحصاناتها واملها في ان تكون الحكومة القادمة.. واخيرها وليس اخرها، ان الاغلبية لا تعني السيطرة على المجتمع والدولة، بل مساحتها الحكومة والبرلمان فقط.. فعندما لا تحترم الديمقراطية من قبل الحاكم، فانها لن تحترم من قبل الاخرين ايضاً.. فاذا كان التحرك العسكري خرقاً، فان مواقف الرئيس السابق قد غذاه وشجعه. وفي العراق لدينا اشياء نتعلمها من تجربتي الانتخابات السورية والمصرية.. تسمح بالاستنتاج انه سيخسر حقه اي فريق يتعكز على “داعش” او يتحالف معها.. وستنتصر القوى المعادية للارهاب، رغم كل الملاحظات عليها.. وفي العراق لن ينجح من يعتقد ان الديمقراطية هي رقم فقط.. بل الديمقراطية هي سلوك وموقف لاحتواء الاخر، لا لعزله وتهميشه.. ومن يخادع الديمقراطية، تخادعه الديمقراطية بدورها.