حقوق الشيعة.. قضية مصيرية تستدعي اهتمام الحقوقيين

381

9-9-2014-1-d

يمثل الشيعة أقلية في العالم الإسلامي ـ وباستثناء إيران ـ فإنهم لا يملكون دولة خاصة بهم، حتى النموذج العراقي لا يمكن اعتباره حكومة شيعية لأن نظامه السياسي يقوم على أساس الديمقراطية التوافقية بين المكونات، كما أن الكتل السياسية السنية تتعامل بتوجهات طائفية صرفة، حيث تحاول على طول الخط إهمال مواد الدستور وطرح مطالب تعتمد على الطائفية، والخطاب التحريضي.
ويتعرض شيعة العراق إلى مخططات محلية وإقليمية تستهدف وجودهم الاجتماعي والعقائدي والسياسي، حيث يواجهون حملات قتل منظمة على يد الجماعات الإرهابية المدعومة من حكومات إقليمية طائفية التوجه. وتنطلق هذه الجماعات من فتاوى تكفيرية يصدرها رجال الدين المتطرفون في عدد من الدول العربية حيث يدعون إلى قتل الشيعة، مبشرين القتلة بأن لهم الجنة.
إن هذا التوجه العدائي من المتطرفين ضد الشيعة، يعود إلى جذور قديمة، ترتبط بمسائل عقائدية، فمنذ مرحلة صدر الإسلام انتهج الحكام الأمويون والعباسيون والعثمانيون سياسة التطهير المذهبي، والذي كان يعني قتل الشيعة والتنكيل بهم وتشريدهم ومنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية وغير ذلك.
أما النظام السابق في العراق فقد رفع شعار (لا شيعة بعد اليوم) وكتب ذلك على آلياته العسكرية وهي تقتحم المدن الشيعية لتقتل سكانها، مخلفة آلاف المقابر الجماعية في مختلف مناطق العراق.
وبمجرد أن تم الإعلان عن التشكيلة السياسية التي خلفت نظام صدام، انطلقت حملات القتل والتهجير ضد الشيعة، ووصلت ذروتها في فترة ما بعد سقوط الموصل، والمجازر البشعة التي حدثت في قاعدة سبايكر وتلعفر وآمرلي وغيرها.
وإذا كان الحال على هذا النحو في العراق رغم إقرار النظام الديمقراطي، فان الدول العربية الأخرى يتعرض فيها الشيعة لإقصاء معلن من قبل الحكومات ومضايقات واعتقالات وإجراءات منافية لمبادئ حقوق الإنسان.
ففي البحرين تنتهج حكومة آل خليفة سياسة قمعية مفرطة، حيث تمنع حق التظاهر السلمي للشيعة الذين يشكلون الأغلبية السكانية في البلاد. وتواجههم بالآليات العسكرية وبالقنابل السامة وإطلاقات الرصاص الحي، كما وثقت ذلك اللجان الإنسانية الدولية، بعد مقتل العشرات من الأهالي العزل، واعتقال الآلاف وإصدار أحكام بالسجن وفصل من الوظائف، إلى جانب انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان. كل ذلك في مواجهة مطالب الأكثرية الشيعية في اعتماد الحياة الدستورية ورفض الطائفية وتحقيق العدالة والمساواة بين أفراد الشعب البحريني.
ومن أجل المزيد من القمع، فإن الحكومة البحرينية استعانت بقوات من المملكة العربية السعودية مجهزة بالأسلحة والمعدات الحربية لمواجهة التظاهرات السلمية، وتقديم المزيد من الدعم الميداني لعناصر الأمن والشرطة في عمليات القمع والملاحقة والتعذيب.
وقد استعانت حكومة البحرين أيضًا بأفراد من جنسيات باكستانية وأردنية في أجهزتها الأمنية لتعزيز سلطة العائلة الحاكمة، هذا إضافة إلى منهج السلطة في تغيير التركيبة السكانية عن طريق ما يعرف بالتجنيس الطائفي، حيث يتم منح الجنسية البحرينية للوافدين من آسيا وأفريقيا لزيادة نسبة الأقلية السنية في البلاد في مواجهة الأغلبية الشيعية.
وعلى مقربة من البحرين يعيش شيعة المملكة العربية السعودية أقسى الظروف على مستوى التعامل الإنساني، حيث تتعامل حكومة آل سعود مع الشيعة على أنهم مواطنون من درجات متدنية، وتمنعهم من تبوأ أي مراكز مهمة في أجهزة ووزارات ودوائر الدولة، وتشن بين فترة وأخرى حملات هدم لمساجدهم في المنطقة الشرقية حيث يشكل الشيعة أغلبية تلك المنطقة الغنية بآبار النفط. وهكذا يجد الشيعة أنفسهم فوق بحار النفط، لكن الحكومة تحرمهم من أبسط الامتيازات المدنية والقانونية. فلا يحق لهم ممارسة شعائرهم الدينية إلا في أجواء مغلقة ضيقة.
وترفض حكومة آل سعود مطالبهم في تحقيق المساواة والحرية، متمسكة بنظامها الملكي المستبد، وبطائفيتها المتزمتة.
ويعيش شيعة السعودية في خوف دائم نتيجة الفتاوى التكفيرية التي تصدرها المؤسسة الدينية المتطرفة المتنفذة في الدولة، والتي تستمد قوتها من حكومة وأمراء آل سعود الذين يحملون نفس الفكرة التكفيرية بحق الشيعة.
وتمنع الحكومة السعودية وسائل الإعلام وأي نشاط علني في المناطق الشيعية، ويعد الخروج في تظاهرات سلمية جريمة كبرى تقود المشاركين إلى السجن والتعرض لأبشع صنوف التعذيب.
ويتوسع نشاط السعودية في العدوان على الشيعة إلى خارج حدودها، فهي تدفع بالإرهابيين والمتطرفين إلى قتلهم أينما كانوا، وترسل المال والسلاح لجماعات سلفية وتنظيمات إرهابية في اليمن للهجوم على المناطق والقبائل الشيعية وقتلهم والتنكيل بهم.
كما أن التورط السعودي والقطري والتركي في تمويل ودعم الجماعات المتشددة والتكفيرية في العراق ولبنان وسوريا وغيرها أصبح قضية مكشوفة لا تحتاج إلى بحث وتحليل.
إن الاضطهاد الطائفي بحق الشيعة هو سياسة مشتركة في طول دول المنطقة وعرضها، ولا تكتفي السلطات الحاكمة باضطهادهم والتضييق عليهم، بل أنها تدعم الجماعات السلفية والمتطرفة في الاعتداء عليهم، كما حصل في مصر في ظل حكومة الإخوان المسلمين حيث شجعت الحكومة الجماعات المتطرفة على القيام بهجوم بشع ضد العوائل الشيعية وقتل مجموعة منهم والتمثيل بجثثهم.
ويصل الاضطهاد إلى الشمال الأفريقي، حيث يعيش الشيعة في الجزائر في خوف متواصل نتيجة دعوات الجماعات المتطرفة لقتل الشيعة وتطهير البلاد منهم على حد زعمها.
إن هذه التحديات التي يواجهها الشيعة، والتهديد المستمر بالقتل والاعتداء، وتعمد الحكومات والجماعات المتشددة في تهميشهم وإقصائهم ومنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية، هو مما يتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان المعتمدة في العالم.
وفي مقابل التزمت الطائفي وروح العداء هذه، فإن الشيعة يتمسكون بالتسامح والسلام واحترام قيم الإنسانية وفقاً لتعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
إن هذه الورقة نختار لها عنوان (حقوق الشيعة) وهي ورقة مستقلة تماماً عن أي كيان أو جهة أو تشكيل سياسي أو تنظيمي، وهي ورقة مطلبية حقوقية، ندعو فيها جماهير الشيعة في كل مكان إلى دعمها وتأييدها، عبر موقع (الراية.. الصحيفة الدولية للشيعة) التي تمارس دورها الإعلامي لتكون لسان حال الشيعة في كل منطقة ودولة يتعرض فيها الشيعة إلى التهديد أو الاضطهاد أو التهميش أو غير ذلك من مظاهر الظلم، مؤكدين على أن الجهة الوحيدة التي لها القرار في هذا الخصوص هو المرجعية الدينية فهي الراعية والقائدة والموجهة لجماهير الشيعة في العالم.
إن الشيعة بحاجة إلى تشكيل صوت مسموع يطالب بحقوق الشيعة في البحرين والسعودية ومصر والجزائر ولبنان وسوريا وتركيا وغيرها من الدول التي تضطهد الشيعة، وفي المقدمة بطبيعة الحال شيعة العراق الذي يتعرضون للقتل على يد الجماعات التكفيرية، ويواجهون الإبتزاز الطائفي من قبل بعض الكتل السياسية للاستحواذ على استحقاقاتهم الدستورية بحكم الأغلبية السكانية التي يمثلونها في العراق. والله الموفق.

الراية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*