كتب ميخائيل باريشيف المختص في الطب النفسي مقالة تحت هذا العنوان قال فيها إن موجة الإرهاب والعنف أخذت تنتشر في العالم بسرعة ووصلت الفوضى والقتل إلى أوروبا الهادئة والمتخمة.
وطرح المختص السؤال الذي أثار حيرة الكثيرين: ما الذي يجعل الرجال والنساء من مختلف الأعمار ومن مختلف البلدان يتوجهون لقتل وقتل الكثير من الأشخاص الذين لا يعرفونهم ولا توجد أي علاقة تربطهم بهم؟ ما الذي يجعل هؤلاء الذين كانوا حتى الأمس مطيعين للقانون، يتحولون إلى القتلة والمجرمين؟
الأسباب الجيوسياسية
ليس سرا أن العالم يشهد في السنوات الأخيرة صراعا على الموارد لأن من سيملك موارد العالم سيتحكم به في العقود القريبة المقبلة. العالم يشهد ما يسمى بالحرب الهجينة، التي تشنها الولايات المتحدة ضد الجميع وخاصة ضد خصمها الرئيس، روسيا. يمكن تصديق ذلك أو عدم تصديقه ويمكن النظر إليه بشك وريبة ( وهو أمر يمكن ملاحظته خلال بعض البرامج الحوارية في قنوات التلفزيون) ولكن هذه الحرب جرت وتجري وستجري حتى يتحدد المنتصر ومن المعروف أن التاريخ يكتبه المنتصرون دائما.
وعمليا مع ظهور الحرب الهجينة ظهرت في الولايات المتحدة “نظرية الفوضى” السيئة السمعة وخلال هذا المجال السياسي المدمر للفوضى، ظهرت داعش.
الأسباب الآيديولوجية والدينية
اختار داعش الإسلام الوهابي كأساس عقائدي له ولذلك تلقى وتتلقى هذه الجماعة الإرهابية التمويل الضخم من دول الخليج العربية. وبفضل الترويج الدعائي القوي توجه الكثيرون لتعزيز صفوف داعش وخاصة من مسلمي آسيا ودول أوروبا ومن روسيا وشمال أفريقيا. قدم إلى صفوف داعش أشخاص من مختلف المهن والأديان والأعمار والمؤهلات التعليمية، بل وحتى من مستويات مختلفة من الدخل المادي.
الأسباب النفسية
اعتقد أن من بين مجموعة الأسباب هذه تختبئ الألغام والقنابل الموقوتة التي تنفجر حاليا في هذا المكان أو ذاك من أوروبا والعالم الغربي على شكل أعمال شغب واحتجاجات وهجمات إرهابية مختلفة ويقوم بها المهاجرون وكذلك بعض السكان المحليين.
تذكروا، إطلاق الرصاص في المجمع التجاري في ميونيخ وقع في يوم الذكرى السنوية الخامسة للمجزرة التي وقعت في النرويج وقتل فيها 77 شخصا. هل هذا محض صدفة؟ لا أعتقد. عند تفتيش غرفة الشاب المجرم في ألمانيا عثرت الشرطة على كتب تروي عمليات القتل الجماعي في المدارس وكذلك على مسدس من نوع Glock-17 وهو نفس النوع الذي استخدمه المجرم النرويجي. اللافت للنظر أن مجرم ميونيخ كان مواطنا ألمانيا ولد في ميونيخ وترعرع فيها ضمن أسرة من إيران. تصرفه لم يكن عفويا أو مفاجأة بل خطط له على مدى عام ولما حان الوقت تحول هذا الشاب “الهادئ واللطيف” إلى متوحش أخذ معه 300 طلقة وفتح النار على المارة بالقرب من مطعم للوجبات السريعة في العاصمة البافارية وقتل خلال ذلك تسعة أشخاص وأصاب 16 شخصا آخرين ثم انتحر.
لقد تمكن هذا الفتى لوحده من نشر الرعب والخوف في ثالث أكبر مدينة في ألمانيا (1.4 مليون نسمة). أنظروا إلى صور شوارع ميونيخ مساء يوم الجمعة – صورة من الفراغ. وخلف هذا الفراغ، يختفي ليس فقط ذعر سكان المدينة بل كل سكان البلاد. هل يمكن لهذه الجريمة المريعة أن تغير فهم ووعي السكان؟ ربما نعم، وربما لا.
قد يدرك الناس أن بلادهم ألمانيا ليست محصنة، وأنها تحت المرمى كما كان الأمر في فرنسا وبلجيكا. ولكن الأكثر احتمالا هو أن السلطات ستلقي باللوم على الوضع النفسي المضطرب للمجرم وقد يعتبرونه مريضا وبالتالي لا علاقة لسياسة السلطات الألمانية الفاشلة والضارة في مجال الهجرة.
نعرف جيدا الآن أن كل الهجمات الإرهابية الأخيرة في أوروبا، خططت بعناية وبشكل مسبق ونفذت على أيدي أوروبيين محليين سواء كان ذلك فرنسا، بلجيكا أو ألمانيا. تبين أن هناك حدود داخلية بين السكان الأصليين والوافدين الجدد.
وفي الواقع، يبدو واضحا أنه من الصعب على الغريب أن يتأقلم وينمو في مجتمع لا يقبله ويفرض عليه قيمه الغريبة. ولذلك نرى المهاجر يحاول الإقامة بين أبناء جلدته في أحياء منعزلة شبيهة بالغيتو. ومع انعدام القدر المطلوب من التعليم والدخل المادي لا يتمكن أبناء المهاجرين عادة من الارتقاء في الهرم الوظيفي وفي بعض الأحيان يعيشون سنوات طويلة دون أن يتعلموا لغة الدولة التي يقيمون فيها بشكل جيد.
من البيئة الهامشية الموجودة على أطراف المجتمع الأوروبي المزدهر، يخرج أنصار المنظمات المتطرفة الذين وعند التجهيز النفسي المحترف وغسيل الدماغ، يتحولون إلى إرهابيين انتحاريين.