Take a fresh look at your lifestyle.

الحسين بن روح النوبختي ودوره الديني

0 936

              أسرة آل النوبختي من الأسر البغدادية العريقة والتي انتقلت بداية فترة الحكم العباسي من بلاد فارس إلى بغداد حيث مقر الخلافة العباسية، كان أفراد هذه العائلة من المقربين إلى حكام البلاط العباسي لما يمتلكوه من رصيد علمي في التنجيم والإدارة والأدب أهّلهم لأن يحضوا بهذه المكانة عند الحكام آنذاك(1).

             ولعل كلمة نوبخت في الفارسية تعني الحظ الجديد(2)، ولم يقتصر دور أسرة آل النوبختي على نوع واحد من العلوم، فإن لهم دورًا في الكثير من العلوم والفنون، نجمل الكلام طلباً للاختصار في أهم ما اشتهرت به هذه الأسرة وكان لها دور بارز فيه وهي كما يلي:

1ـ التنجيم :

            وهذا العلم هو أشهر ما تميزت به الأسرة وخصوصاً في عهد نوبخت وابنه أبي سهيل(3)، وبعض أبناء أبي سهيل كهارون بن أبي سهل، وأبو العباس الفضل بن سهل(4)، ومن أهم من صنف في هذا العلم هو أبو سهل بن نوبخت فقد صنف النهمطان في المواليد، وكتاب الفال النجومي(5)، وغيرها.

2ـ علم الكلام:

           واشتهرت هذه الأسرة بعلم الكلام من خلال المصنفات التي كتبها بعض أفرادها في خصوص هذا العلم ، ومن خلال المناظرات التي قاموا بها ضد خصومهم، فقد اهتدى الكثير من أحفاد أبي سهل إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، فأول كتاب في الملل والنحل ألفه أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي(6) وأسماه فرق الشيعة وكتب الكثير من الكتب الكلامية غيره(7).

          وكان لأبي إسماعيل بن علي الدور البارز في هذا المجال، ففضلاً عن تصانيفه الكثيرة في علم الكلام، كانت لديه مناظرات مع المعتزلة ومع مدعي السفارة كالحسين بن منصور الحلاج(8)، ولهم ردود على بعض الفرق كالواقفية(9) والغلاة(10) والمجسمة(11)، ومن أقدم الكتب الكلامية للشيعة كتاب الياقوت لأبي إسحاق إبراهيم النوبختي، وقد وصل إلينا هذا الكتاب في ضمن الشرح الذي كتبه عليه العلامة الحسن بن المطهر الحلي ( ت 726هـ ) بعنوان أنوار الملكوت في شرح الياقوت، وسبقه إلى شرحه ابن أبي الحديد المعتزلي ولكن لم يصل إلينا(12).

3ـ الأدب ورواية الشعر:

           وبرز في هذا المجال إسماعيل بن أبي سهل وبعض إخوته ومحمد بن روح وأبي الحسين بن علي وأبو أيوب سليمان فقد كان إسماعيل من الأدباء الذين عاشوا في بلاط المأمون، وكان أبو أيوب سليمان من عداد الشعراء المقّلين. ونقل ابن النديم أن ديوانه يبلغ خمسين ورقه(13)، وكانت لأبي سهل إسماعيل بن علي مراسلات في الشعر وكان من رواة الشعر(14).

4ـ رواية الحديث وصحبة الأئمة:

            كان الكثير من أحفاد أبي سهل النوبختي من أصحاب الأئمة ورووا عنهم الحديث ولعل أبرزهم الحسين بن روح النوبختي الذي توج بمهمة النيابة الخاصة عن الإمام المهدي (عج )، وسوف نفصل الكلام في خصوص سيرته ودوره الديني، ومنهم أيضاً أبو الحسن بن موسى بن كبرياء وأبو سهل وإسماعيل بن علي، فقد عاصر أبو سهل إسماعيل بن علي الإمام الهادي والإمام العسكري والإمام المهدي (عليه السلام)، وكان من أصحاب الأئمة (عليهم السلام)، وعاش الحسن بن موسى بن كبرياء في زمن الغيبة الصغرى، وكان إسماعيل بن إسحاق بن أبي سهل من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) وروى بعض الأحاديث عن الأئمة (عليهم السلام).

             هذا ولهذه الأسرة دور أيضاً أو دور كبير في الترجمة والإدارة وغيرهما لا يسع المقام لذكرها.

    دور الحسين بن روح النوبختي في النيابة الخاصة والسفارة عن الإمام (عج)

            كان للحسين بن روح النوبختي دورٌ دينيٌ كبيرٌ وخصوصاً في فترة سفارته التي تحمل أعباءها، وتعرض في هذه الفترة للكثير من الضغوطات من قبل السلطة والتي دعته للاختفاء ومن ثم السجن.

         وهذا هو ديدن الأولياء والمصلحين من التعرض للضغوطات من قبل الحكومات الجائرة وطواغيت زمانهم، والتعرض للمطاردة والاعتقال والتعذيب والتنكيل، ومع ذلك كله فلم يغفل دوره كسفير ونائب عن الإمام المهدي (عج) فكان في تلك الظروف يمارس دوره من خلال الاتصال بالشيعة مباشرةً أو عن طريق وكيل عنه ويفضح زيف المدعين للسفارة وينقل التواقيع الشريفة إلى عامة الشيعة فقام بمهامه خير قيام. ولم يكن الحسين بن روح النوبختي المرشح البارز لشغل هذا المنصب من جلالة قدره وخاصة بالسفير الثاني إلا أنه من بين عشرة من الشخصيات التي كان بعضهم أكثر قرباً منه ففيهم أبو سهل النوبختي وجعفر بن متيل.

            وهذا أمرٌ في غاية الأهمية، هو أن اصطفاء الله لبعض عباده واختياره لهم لأي أمر تقتضيه مشيئته كالنبوة أو الولاية أو الملك أو السفارة، غير متروك لاختيار البشر وأمزجتهم وأذواقهم وانتخاباتهم، وإنما هي ألطاف إلهية ـ خارجة عن إدراكنا ـ يمن بها على من يشاء من عباده، كما حدثنا القرآن الكريم بذلك عن بعض الأمم السابقة،

            قال تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(البقرة: 247)، فالله سبحانه هو الذي يصطفي من عباده من يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة. وهناك آيات كثيرة تتضمن هذا المفهوم، وغالبًا ما تتم عبر الوصية من السابق على اللّاحق، وهكذا كانت الوصية من السفير الثاني محمد بن عثمان العمري على السفير الثالث أبي القاسم حسين بن روح النوبختي، وكما سيتبين ذلك من خلال الروايات اللاحقة.

          روى الشيخ الطوسي بسنده عن جعفر بن أحمد بن متيل القمي يقول: (كان محمد بن عثمان أبو جعفر العمري(رضي الله عنه) له من يتصرف له ببغداد نحو من عشرة أنفس وأبو القاسم بن روح (رضي الله عنه) فيهم، وكلهم كانوا أخص به من أبي القاسم بن روح حتى أنه كان إذا احتاج إلى حاجة أو إلى سبب ينجزه على يد غيره لما لم يكن له تلك الخصوصية، فلما كان وقت مضي أبي جعفر (رضي الله عنه) وقع الاختيار عليه وكانت الوصية إليه)(15)؛

            لذا توجب على السفير الثاني أبي جعفر العمري ترسيخ فكرة سفارة الحسين بن روح عند عوام وخواص الشيعة قبل وفاته وتمثل ذلك بعدة أساليب:

1.جعله السفير عن الإمام في حياته وتقريبه منه, وكان أول تكليف للحسين بن روح بالسفارة قبل أكثر من سنتين من وفاة السفير الثاني(16).

2.أمر السفير الثاني الشيعة في حياته وخلال فترة تسلم الحسين بن روح السفارة ولو بشكل غير رسمي بإعطاء أموال الحقوق للحسين بن روح حتى يمهد لسفارته.

           روى الصدوق والطوسي بسندهما قالا: (حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود (رضي الله عنه) قال: كنت أحمل الأموال التي تجعل في باب الوقف إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) فيقبضها مني، فحملت إليه يومًا شيئًا من الأموال في آخر أيامه قبل موته بسنتين أو ثلاث سنين فأمرني بتسليمه إلى أبي القاسم الروحي (رضي الله عنه) وكنت أطالبه بالقبوض فشكا ذلك إلى أبي جعفر العمري (رضي الله عنه) فأمرني أن لا أطالبه بالقبض، وقال: كلما وصل إلى أبي القاسم وصل إلي، قال: فكنت أحمل بعد ذلك الأموال إليه ولا أطالبه بالقبوض)(17).

           نلاحظ أن إجراء السفير الثاني هو عملية تمهيد وتمرين لمن سيخلفه بالسفارة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ترويض للشيعة على الإذعان والتسليم والطاعة لأمر سفير الإمام وقبوله دون تردد أو تلكؤ.

3.قام بترسيخ تلك الفكرة بشكل عملي عند خواص الشيعة وأعيانهم في المجلس الذي جمعهم قبل وفاة السفير الثاني بأيام، أن أخذ بيد الحسين بن روح وأجلسه بقربه وأوصى له بالسفارة.
          روى الطوسي بسنده عن جعفر بن أحمد بن متيل قال: (لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) الوفاة كنت جالسًا عند رأسه أسأله وأحدثه، وأبو القاسم بن روح عند رجليه. فالتفت إلي ثم قال: أُمرت أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح. قال: فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحولت إلى عند رجليه)(18).

4.ما قام به ذكاء خادم السفير الثاني من تسليم ما أوصاه سيده إلى السفير الثالث ما هو إلا أسلوب من أساليب ترسيخ فكرة السفارة للحسين بن روح عند الشيعة.
          روى ابن طاووس في مهج الدعوات بسنده أنه: (لما مضى سيدنا الشيخ أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه وأرضاه وزاده علوًا فيما أولاه وفرغ من أمره جلس الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر زاد الله توفيقه للناس في بقية نهار يومه في دار الماضي رضي الله عنه فأخرج إليه ذكاء الخادم الأبيض مدرجًا وعكازًا وحقة خشب مدهونة فأخذ العكاز فجعلها في حجره على فخذيه وأخذ المدرج بيمينه والحقة بشماله فقال الورثة في هذا المدرج ذكر ودائع فنشره فإذا هي أدعية وقنوت موالينا الأئمة من آل محمد (عليهم السلام))(19).

5.تقريبه إليه وجعله وكيلاً عنه ينظر في أملاكه ويلقي بأسراره لرؤساء الشيعة.

6.كان لتوقيع الإمام المهدي (عج) الذي خرج على يد السفير الثاني وكان فيه دعاء من الإمام للحسين بن روح بالغ الأثر في علو مكانة الحسين بن روح عند عوام الشيعة وخواصهم(20).

         وهنا جاء التوقيع من الناحية المقدسة لدعم السفير وتأييده من جانب، وحسم الأمر للشيعة من جانب آخر من أجل زيادة الاطمئنان وإزالة أي ريب أو شبهة وكذلك إكمال الحجة عليهم.

سبب اختياره للسفارة

          قال الشيخ الطوسي في غيبته: (وقال مشايخنا: كنا لا نشك أنه إن كانت كائنة من أبي جعفر لا يقوم مقامه إلا جعفر بن أحمد بن متيل أو أبوه لما رأينا من الخصوصية به وكثرة كينونته في منزله، حتى بلغ أنه كان في آخر عمره لا يأكل طعاما إلا ما أصلح في منزل جعفر بن متيل وأبيه بسبب وقع له، وكان طعامه الذي يأكله في منزل جعفر وأبيه، وكان أصحابنا لا يشكّون إن كانت حادثة لم تكن الوصية إلا إليه من الخصوصية به، فلما كان عند ذلك ووقع الاختيار على أبي القاسم سلموا ولم ينكروا، وكانوا معه وبين يديه كما كانوا مع أبي جعفر (رضي الله عنه) ولم يزل جعفر بن أحمد بن متيل في جملة أبي القاسم (رضي الله عنه) ( جملة أصحاب، أو خدمة أبي القاسم – ظ) وبين يديه كتصرفه بين يدي أبي جعفر العمري إلى أن مات (رضي الله عنه)، فكل من طعن على أبي القاسم فقد طعن على أبي جعفر، وطعن على الحجة صلوات الله عليه.

           روى أيضًا بإسناده عن ابن نوح قال: وسمعت جماعة من أصحابنا بمصر يذكرون أن أبا سهل النوبختي سئل فقيل له: كيف صار هذا الأمر إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح دونك؟ فقال: هم أعلم وما اختاروه، ولكن أنا رجل ألقى الخصوم وأناظرهم. ولو علمت بمكانه (عليه السلام) كما علم أبو القاسم وضغطتني الحجة على مكانه لعلّي كنت أدل على مكانه (عليه السلام)، وأبو القاسم فلو كانت الحجة تحت ذيله وقرض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه أو كما قال)(21).

            من الملاحظ أن جواب سهل النوبختي حين سئل: كيف صار الأمر إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح دونك؟ فأجاب: هم أعلم وما اختاروه، وهذا جواب كامل شافٍ وكافٍ لمؤمنٍ عالمٍ مسلِّمٍ أمرهُ لمولاه وما يختار، ولكنه يستدرك في جوابه ليذكر قضية الكتمان والسرية، وهذا الاستدراك هو تعبير عن وجهة نظره لما يفهمه من أهمية الكتمان والسرية وممارسة التقية التي لابد لحامل الأمانة أن يتصف بها ليؤدي دوره على أكمل وجه.

           وبعد رحيل السفير الثاني استلم الحسين بن روح المهمة بشكل مستقل وكان ذلك في (عام 305هـ) في عهد وزارة آل فرات في زمن المقتدر العباسي حتى عام (326هـ) الذي توفي فيه فأوكل أمر السفارة للسفير الرابع محمد بن علي السمري بأمر من الإمام (عج) فكانت مدة سفارة الحسين بن روح رضوان الله عليه (21سنة).

 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1)ينظر تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي: 10/ 56، وينظر تاريخ دمشق، ابن عساكر: 32/ 304.
2)آل نوبخت، عباس اقبال اشتياني: 23.
3)أبو سهل بن نوبخت غير أبي سهل الذي عاصر الحسين بن روح، نوهنا لذلك لأنه سوف يكثر ذكر أبي سهل عند الحديث عن الحسين بن روح.
4)ينظر آل نوبخت: 25، 30، 38.
5)الفهرست، ابن النديم البغدادي: 333.
6)الشيعة وفنون الإسلام، حسن الصدر، 80.
7)آل نوبخت: 145 وما بعدها.
8)ينظر الغيبة للطوسي: 255.
9)ينظر رجال النجاشي: 32.
10)ينظر الفهرست، ابن النديم: 225.
11)ينظر رجال النجاشي: 32.
12)ينظر آل نوبخت: 199- 200.
13)الفهرست، ابن النديم: 192.
14)ينظر آل نوبخت: 131، 132.
15)الغيبة للطوسي: 234.
16)ينظر الغيبة للطوسي: 235.
17)كمال الدين للصدوق: 501،الغيبة للطوسي: 235.
18)الغيبة للطوسي: 235.
19)مهج الدعوات، ابن طاووس: 46.
20)ذكرنا نص التوقيع فيما سبق من البحث عند الكلام عن مكانته وأقوال الأئمة فيه.
21)عن كتاب (تهذيب المقال في تنقيح كتاب رجال النجاشي / السيد محمد علي الأبطحي /ج2ص405).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.