Take a fresh look at your lifestyle.

الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)

0 585

بعث الله سبحانه سيد رسله وخاتم أنبيائه محمد (صلى الله عليه وآله) برسالته الخاتمة في شبه الجزيرة العربية، في مجتمع جاهلي قبلي، وكانت تحمل أهدافًا سامية وثقافة إلهية أكبر من كل الثقافات الدينية التي عرفها العالم يومئذٍ، فهي جاءت مكملة لرسالات الأنبياء السابقة ومصححة لما أصابها من انحراف.
أراد النبي (صلى الله عليه وآله) وبوحي من الله عزوجل أن يقيم المثال الإلهي في شبه جزيرة العرب، ومن ثم ينطلق منها إلى العالم كله، فالإسلام لم يكن مختصًا بقوم دون آخرين، إنما نزل نوره ليضيء العالم أجمع، ويخرج الناس من الظلام إلى النور ومن الجهل إلى العلم ومعرفة الحقيقة والإيمان بها. فالإيمان بالله عزوجل إيمانًا صادقًا يتكفل بإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ويساعد في دفع الإنسانية نحو وجودها الحقيقي، ومن ثم تحقيق حلم الإنسانية بالوصول إلى مستوى من التكامل يسمح بإقامة الأطروحة الالهية دون أن تقدر الطغاة على تشويه تجربتهم قال تعالى: (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) (البقرة:257).
وكان متوقعًا من طغاة قريش أن يرفعوا شعار الرفض لدعوة النبي (صلى الله عليه وآله) التي زلزلت عروشهم وسفهت أحلامهم وهدت قوانينهم وعقائدهم الزائفة، وأن يعملوا بما أوتوا من قوة من أجل إجهاض هذه الدعوة الكريمة، مستعملين مختلف الأساليب البشعة، وأقسى ما عرفته الإنسانية من صور القمع لوأد الرسالة في مهدها، فقد صعب عليهم أن تسلب امتيازاتهم باستغلال الضعفاء والمعوزين، وتصرع أصنامهم ويتلاشى نظام حياتهم الزائف. لذلك وقفوا في وجه الرسول (صلى الله عليه وآله)
فيحدثنا التاريخ أنه (مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب. فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل إباءنا. فإما أن تكفّه عنا وإما أن تخلي بيننا وبينه…)(1).
هذه الرواية تؤشر لنا بداية الصراع بين النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ومن آمن به وبين قمم الشرك زعماء قريش الذي أذهلهم هذا المساس بسلطتهم، بين عقيدة التوحيد وعبادة الله الواحد الأحد وبين عقيدة الشرك وعبادة الأصنام، فكان هذا الصراع طبيعياً ولابد منه بين النقيضين الإسلام والشرك، وكان لابد في النهاية من أن ينتصر الحق وتعلو رايته، ويطمس الباطل ويمحى أثره.
ولقد صور القرآن الكريم حيثيات هذا الصراع، وما ألحقه المشركون بالرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين به من أذى، ولم يكتف المشركون بالأذى المادي من تعذيب للمؤمنين وضرب بالسياط والحبس ومنع الطعام، إنما تجاوزوه إلى الأذى المعنوي، ومحاولة الحط من مكانة الرسول (صلى الله عليه وآله) والسخرية منه والاستهزاء بمقامه الشريف، فخاطبه الله عزوجل مواسيًا وناصرًا في قوله تعالى: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (الحجر:95).
وقد اتهموا الرسول (صلى الله عليه وآله) بعدد من التهم، فمرة قالوا شاعر ومرة مجنون وأخرى ساحر.. وغيرها، وكما يحدثنا القرآن الكريم: (وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ) (الصافات: 36)، (وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) (ص: 4).
واشتد الصراع في مستقبل الرسالة لاسيما بعد هجرة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) ومن آمن معه إلى المدينة المنورة، ووقعت المعركة الأولى ـ معركة بدر ـ بين المعسكرين، معسكر الرسول (صلى الله عليه وآله)، الذي يدعو إلى توحيد الله عزوجل ونبذ الشرك في كل أشكاله وإقامة دولة العدل المرتبطة بالسماء وبين معسكر المشركين الذي يصرون على الجاهلية والشرك وعبادة الأصنام، وتعددت الحروب بين المعسكرين، وكان نتيجتها أن فتح الرسول (صلى الله عليه وآله) مكة المكرمة، ودخلها منتصراً رافعاً راية لا إله إلا الله، ودخل الناس في الإسلام أفواجاً أفواجاً.
وبما أن الرسول الكريم رسول الإنسانية جمعاء، وبما أن الإسلام يجب أن يكون دين الناس جميعاً، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) (سبأ:28)، لذا توجب على الرسول (صلى الله عليه وآله) نشر الإسلام في باقي أرجاء الجزيرة العربية، ومن ثم الانطلاق إلى كل أرجاء العالم. وتبع ذلك صراع جديد وحروب جديدة مع يهود الجزيرة العربية وبعض القبائل العربية التي لا زالت مصرة على الكفر، وانتهت هذه المعارك بانتصار المسلمين.
لقد جاهد الرسول (صلى الله عليه وآله) طيلة مدة حياته لإقامة الحكم الإلهي على وجه الأرض، وتوفي روحي له الفداء، وهو في خضم هذا الصراع، وبنى دولة إسلامية قوية، وقد كان مقدرًا لهذه الدولة الكريمة أن تسود بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، وأن تكون تطبيقًا واقعيًا للمثال الإلهي بقيادة ولي الله ووصي رسوله (صلى الله عليه وآله) إلّا أن المنافقين وبعد وفاته (صلى الله عليه وآله) مباشرة بادروا إلى حركة انقلابية على ما أمر به الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله)، وكما تنبأ القرآن الكريم بذلك من قبل: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران: 144)، حركة انقلابية ضد الخلافة الشرعية التي أرادها الله للإمام علي (عليه السلام) (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة: 55) وأخذ منهم النبي (صلى الله عليه وآله) البيعة له (عليه السلام) في غدير خم بقوله: (يا أيها الناس، إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه ـ يعني علياً ـ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)(2). ثم نصب (صلى الله عليه وآله) خيمة لمبايعة أمير المؤمنين (عليه السلام) بالخلافة، ودخل الصحابة وبايعوا علياً خليفة لرسول الله(صلى الله عليه وآله) من بعده. وعلى رأسهم الشيخان كل يقول: (بخ بخ لك يا علي، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة)(3)، وأنزل الله سبحانه في ساعتها: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة: 3) كل ذلك جرى قبل وفاته (صلى الله عليه وآله) بسبعين يومًا فقط. إلّا أن أهل النفاق وأصحاب النفوس الجاهلية المريضة أبوا ذلك وأوقفوا هذه المسيرة بالانقلاب على مبادئ الإسلام فأخرجوا الأمر عن أهله، وبذا فقد المثال الإلهي زمناً بعد زمن فاعليته بسيطرة أمراء الجور وأهل الفسق والكفر، فخسرت الإنسانية فرصة حقيقية للتكامل، وليس لنا إلّا أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل.
دور الأئمة (عليهم السلام) في حمل الرسالة وتبليغها:
بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، وبعد الانقلاب على الشرعية، ما كان من الإمام علي (عليه السلام) خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأول الأئمة إلا أن يصبر حفاظًا على الإسلام وخوفًا من اختلاف المسلمين وفرقتهم، وقد عبر عن ذلك في إحدى خطبه أحسن تعبير وهو يصف المرحلة التي أعقبت وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)
بقوله: (وطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ، يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ ويَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، ويَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّه، فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى، فَصَبَرْتُ وفِي الْعَيْنِ قَذًى وفِي الْحَلْقِ شَجًا)(4).
لقد كانت فرصة تحقيق المثال الإلهي كبيرة جدًا لو أن المسلمين التزموا بوصايا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما كان ليصيبهم التفرق والتشرذم والتيه والضلال والانحراف، فقد أمرهم بالتمسك بكتاب الله، والعمل بما فيه، والتمسك بالعترة الطاهرة وعلى رأسها سيدها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض)(5). بعد هذه المحنة العظيمة التي أصابت الأمة الإسلامية، اقتصر دور الإمام علي (عليه السلام) على المعونة والمشورة طيلة المدة التي سبقت خلافته، وكان هدفه الحفاظ على الإسلام من الأخطاء التي مصدرها الأهواء والرغبات والجهل بحقيقة الإسلام.
وبعد أن طوت الخلافة أرداءها عمّن سبق الإمام علي (عليه السلام) سنحت فرصة تاريخية أخرى لإنقاذ البشرية وإقامة المثال الإلهي. لقد بويع الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) خليفة للمسلمين، وابتهجت الأرض بعدله، وطفق المؤمنون يرتلون آيات الشكر لله عزوجل، إلّا أن يد الظالم لم تقطع، وأذناب الكفر لم توتر، فتحركت من جديد لتقف في طريق الحق والنور.
يا لسوء حظ البشرية، أو كلما أُشعل سراج الكمال ثارت الزوابع التي لا تهدأ حتى تطفئه. أو كلّما أشرقت شمس الحق عارضتها مزن الضلال.
وكانت هذه المرة من الطليق ابن الطليق معاوية بن أبي سفيان، فأثار الفتن على دولة الحق، لأجل أن تؤول الخلافة له. ودخل أمير المؤمنين في صراع مرير من الناكثين في حرب الجمل، ومع القاسطين في حرب صفين، ومع المارقين في حرب النهروان.
وكأن الأمر لم يحن بعد، وكأن الناس في تلك الحقبة لم تكن نفوسهم مستعدة لتقبل المثال الإلهي، فنجح معاوية في نهاية المطاف في عرقلة جهود أمير المؤمنين (عليه السلام)
الرامية لإنشاء دولة الكمال الإلهي، وحصل على ما تمناه بعد أن استغل النفوس الضعيفة ومنّاها بالأموال والمناصب.
إن غدر الأمويين بعلي (عليه السلام) ـ تحت زعامة معاوية ـ قد أصاب روح الإسلام، فقد انفسح باغتيال الإمام المجال واسعًا أمام قوى الشر التي حبسها علي (عليه السلام) في نطاق ضيق(6).
وباستشهاد الإمام (عليه السلام)، اختفى فيء الشجر الحنون، التي أراد من ثمرها أن يكون في متناول أهل الأرض جميعًا، وجفت سيقانها وذوى لونها.
وبعد استشهاد أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام)، كان دور الأئمة من بعده الحفاظ على الإسلام ورعاية مصالح المسلمين، وبناء القاعدة الصالحة ومحاولة إقامة المثال الإلهي على أرض الواقع، بينهم وبين محبيهم وتابعيهم، والعمل على نشر العلم ليرفع مستوى النفوس حتى تكون مستعدة لتقبل الإسلام ومفهومه بشكله الواسع الذي يسمح بإقامة المثال الإلهي.
لذا كان الصراع حتميًا بين الأئمة(عليهم السلام)
وبين الدول التي نشأت كمظهر من مظاهر الإسلام وهي بعيدة عنه، وأول الصراع كان مع دول بني أمية، ولم يهدأ في لحظة من لحظاته، وكان من نتائجه أن دُسّ السُمَّ للإمام الحسن(عليه السلام)، وقتل الإمام
الحسين (عليه السلام) وأهله وأصحابه في أرض كربلاء بأبشع صورة، بعد أن أبى الإمام (عليه السلام)
الرضوخ والاستسلام لحكم الطليق ابن الطليق يزيد عليه لعائن الله.
فكانت النهضة الممزوجة بدم سيد الشهداء هي التي أضاءت ظلمة النفوس وهي التي أوقدت الأمل وأشعلت سراج الرجاء في ليل الأرض الطويل، ولا يزال هذا السراج المتقد ينير الطريق لملايين المسلمين، ويرسم لهم نهجهم الصحيح.
ولم يدخر الأئمة (عليهم السلام) من بعد الإمام الحسين (عليه السلام) جهدًا، فقد عملوا سرًا وعلنًا ليلًا ونهارًا من أجل تصحيح الانحراف الذي أصاب الأمة الإسلامية وإرجاعها إلى رشدها وقد عانوا في سبيل ذلك ما عانوا، لأن أهل الكفر والنفاق كانت لهم السلطة والنفوذ وكانوا مستعدين لفعل أي شيء للحفاظ على دولتهم المتسمية بالإسلام. وهذا ما حدث فعلًا، فقد سم الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك الإمام علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام)، وابنه إبراهيم بن الوليد سم الإمام محمد بن علي
الباقر (عليه السلام).
كان عصر الدولة الأموية مثالاً حقيقياً للصراع بين الحق والباطل، بين من يريد أن يقيم حكم الله في الأرض وبين كفار فسقة لا يهمهم إلا ملكهم، أخرجوا الناس من دينهم، ووضعوا الأحاديث الكاذبة ونسبوها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجعلوا سب إمام المؤمنين (عليه السلام) على المنابر سُنَّة، وسلكوا إلى ذلك كل طريق، وبذا أصبح تحقيق المثال الإلهي صعبًا في عهدهم.
وبعد سقوط الدولة الأموية نشأت الدولة العباسية مستغلة شعار نصرة أهل البيت (عليهم السلام)، وهي أبعد ما تكون عن مُثل الإسلام العليا فما أن استقر بها المقام بدأت تناجز أهل الإسلام، وتظهر العداوة لهم، وكان نهج أهل البيت (عليهم السلام) واحدًا، ودعوتهم واحدة، لذا لابد أن ينشأ الصراع بين الخلافة العباسية وبين أئمة أهل
البيت (عليهم السلام).
وكان من نتائج هذا الصراع أن قام المنصور الدوانيقي بدس السم للإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، ومثله فعل ابنه هارون حينما دس السم للإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)، وقام المأمون باغتيال الإمام علي بن موسى (عليه السلام) مستعملًا الأسلوب نفسه ودس له السم بالعنب، وسار المعتصم على نهج آبائه بعد أن سم الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام)، وسم المتوكل والمعتضد كلاً من الإمامين علي بن محمد الهادي (عليه السلام) والإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام).
هذه كانت نتائج الصراع بين من يريد أن يقيم حكم الله في الأرض مثالًا ليسود العدل والإنصاف بين الناس جميعًا، وبين الكيانات الوضعية التي تريد أن تسوس الناس بما تشتهي وبما تشاء.
لقد مرت الأمة الإسلامية في عهد الأئمة (عليهم السلام) بمحن كثيرة نتيجة لتسلط أهل الجور، وقد عملوا (عليهم السلام) في مختلف الظروف وأقساها من أجل هداية البشرية وإنقاذها من الزيغ والضلال، ولكن الظلم الذي وقع عليهم وإعراض أكثر الناس عنهم فوت الفرصة على البشرية وقلل من احتمالية تحقيق الحكم الإلهي في زمنهم.
وبعد استشهاد الإمام الحسن
العسكري (عليهم السلام) اتجه طموح المؤمنين إلى ابنه الإمام الحجة المنتظر عجل الله فرجه الشريف، وهو الإمام الثاني عشر الذي أخبرنا الرسول (صلى الله عليه وآله) بأنه سوف يخلص العالم من البؤس والشقاء، وأنه سوف يقيم دولة الحق دولة العدل الإلهي. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أبشركم بالمهدي يبعث على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض يقسم المال صحاحا)(7)، وبقي هذا الطموح متقدًا في نفوس المؤمنين على الرغم من الغيبة الصغرى، ومن ثم تبعتها الغيبة الكبرى، وفي هاتين الغيبتين بعد أن تنفد جميع التجارب البشرية، وتبوء بالفشل في إحداث الإصلاح على وجه الأرض، تشرئب أعناق الناس باتجاه المنقذ، في ذلك الحين يتحقق الوعد الإلهي الذي ما زال ينتظره المؤمنون، قال تعالى: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص:5

 

نشرت في العدد 71


1) السير والمغازي: 147ـ 148، وسيرة ابن هشام: 1/ 287.
2) الصواعق المحرقة: لابن حجر الهيثمي:25.
3) رسائل الشريف المرتضى/ج4ص131.
4) نهج البلاغة/تحقيق صبحي الصالح/ص48.
5) السنن الكبرى/النسائي/ج5ص45.
6) ينظر الصراع بين الأمويين ومبادئ الإسلام: د. نوري جعفر.
7) مجمع الفوائد/الهيثمي/ج7ص313.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.