إن خطابات الإمام الحسين (عليه السلام) الإنشائية والبيانية مذ كان في مكة وإلى يوم عاشوراء تعدّ رافداً حياً لمسيرة الإصلاح في كلّ زمان ومكان، وهي ركن من أركان نهضته التي قام بها ضد النظام الأموي الفاسد، فكلماته (عليه السلام) التي اتسمت بالبلاغة والمنطق والفلسفة أضحت تراثاً فكرياً عميقاً ينتهل منه رواد الفكر الإسلامي.
إن الفكر الأصيل الذي طرحه الإمام الحسين (عليه السلام) بمنطقه الرائع في خطاباته المتعددة قابله منطق القوة عند أعدائه الذين ملئت بطونهم من الحرام وصمّت آذانهم عند سماع نداء الحق وعميت قلوبهم وآلوا الركون إلى حطام هذه الدنيا الفانية ونعيمها الزائل.
قال الإمام الحسين (عليه السلام): (وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردَّ عليّ أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم الظالمين وهو خير الحاكمين)(1).
لقد امتزجت كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) بدمائه الزاكية لترسم لنا صورة حية ناطقة باقية ما دام الليل والنهار، صورة تنطق في آذان الدهر بصوت خالد، صوت يلبّي حاجة الإنسانية المستديمة على مرّ العصور كون الظلم والطغيان من الأمراض المزمنة الموجودة في كل زمان فلا يمكن أن يمرّ يوم في هذه الدنيا بلا حسين وبلا صوت للحسين (عليه السلام).
أسباب ودواعي النهضة الحسينية:
إن أشدّ ما ابتليت به الأمة الإسلامية هو خطر المنافقين في داخل الكيان الإسلامي والذين وصلوا إلى سدة الحكم ليعيثوا في الأرض فساداً ويحكموا باسم الإسلام وهم يضربون الإسلام في الصميم. لقد تستروا برداء الدين لطمس ومحو أصل هذا الدين الحنيف والرجوع إلى الجاهلية والقبلية الأولى قبل الإسلام.
ولعلّ خير شاهد على هذا هو يزيد بن معاوية الذي تمثل بأبيات شاعر جاهلي مشرك وهو عبد الله بن الزبعرى، وذلك عندما كان ينكث ثنايا الإمام الحسين (عليه السلام) بمخصرته:
لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل
فهل هناك أعظم من هذا التحلّل وهذا الشكّ برسالة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ولا غرابة في وجود هذا المنطق عند بني أمية وأتباعهم الذين ما عرفوا الإسلام يوماً ولم يسلموا، بل استسلموا بعد انتصار الإسلام وبعدما قويت شكوته، وذلك حقناً لدمائهم.
ومن هذا المنطلق نفهم رفض الإمام الحسين (عليه السلام) لبيعة يزيد عندما عرضت عليه فقال: (إن مثلي لا يبايع مثله) وهذا يعني:
أولاً:
أن من هو مثلي في مقامي الرفيع كابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيد شباب أهل الجنة وأحد الذين نزلت بحقهم آية التطهير وآية المباهلة وغيرها، لا يمكن أن يبايع مثل يزيد في ضعته وانحطاطه، يزيد المنحرف سلوكياً، يزيد الذي قال عنه الإمام الحسين (عليه السلام): (وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براعٍ مثل يزيد)(2).
ثانياً:
إن مثلي كإمام معصوم يقتدى به وفي موقف المسؤولية الدينية والوظيفة الشرعية من المحال أن يبايع فاسقاً ظالماً مثل يزيد، أو يقرّ بسلطته الظالمة والفاسدة، بل يستلزم الوقوف ومواجهة الظلم والطغيان والمنكر.
لذا فقد أعلن الإمام الحسين (عليه السلام) أسباب ودواعي نهضته في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية حيث قال (عليه السلام): (وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً)، والأشر هو المستكبر عن الحق، كما في قوله تعالى: (سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ)(القمر: 26)، والبطر من أبطرته النعمة فأطغته، والمعنى إني لم أخرج مستكبراً أو معانداً عن الحق ولا طاغياً ولا مفسداً ولا ظالماً.
وهذا يعني إنه لم يخرج باحثاً عنه ذاته أو عن حياة البطر. وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أي أن منهجي وهدفي من خروجي هو الإصلاح وإقامة العدل والوقوف بوجه المنكر الأم المتمثل بالسلطة الأموية الحاكمة التي أكثرت الفساد والإفساد ونشرت البدع وجعلت مال الله دولاً وعباده خولاً.
والجدير ذكره أن الإمام الحسين (عليه السلام) عندما أعلن عزمه على الخروج لغرض الإصلاح، لم يعيِّن نوعاً معيناً من الإصلاح، لأن الفساد الذي استشرى في الأمة هو فساد شامل من قبيل الفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والفكري.
(أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب).
إن هذه العبارة تشير إلى الجانب الاجتماعي في نهضته، هذا الجانب الذي يتمثل بالالتزام بمنهج التصدي للمنكر وشجب الانحراف وعدم الركون إلى العافية وإلى السلامة. وذلك إن عدم ردع المنكر والفساد سيؤدي إلى انتشاره في جسم الأمة، وكما قال أحد الشعراء:
آمن الكفر بأسنا فتمادى وسكتنا عن الفساد فسادا
لقد بيّن الإمام الحسين (عليه السلام) هذا الجانب في خطاب آخر له بعد قتل رسوله وسفيره إلى أهل الكوفة مسلم بن عقيل (رضي الله عنه)، وذلك عندما التقى (عليه السلام) بجيش الحر في البيضة فقال: (أيها الناس إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
(من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيروا عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله…
ألا وأن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّو حرام الله وحرموا حلاله، وأنا أحق من غيّر، قد أتتني كتبكم، وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن تممتم عليّ بيعتكم تصيبوا رشدكم،
فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهليكم ولكم فيّ أسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم، فالمغرور من اغتر بكم، فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه وسيغني الله عنكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)(3).
لقد وضع الإمام الحسين (عليه السلام) في خطابه هذا النقاط على الحروف، مبيناً ما يقتضيه الواجب الديني والمسؤولية الشرعية من عدم الإقرار للسلطان الجائر وضرورة مناهضته والجهاد ضده. وبهذا يعلن الإمام الحسين (عليه السلام) موقفه الحاسم بالتصدي للمنكر والانحراف وهو (عليه السلام) الأولى بهذا الموقف الجهادي الذي يستلزم التضحية بكلٍ غال ونفيس من أجل تغيير الأوضاع الفاسدة آنذاك والتي تنذر بالخطر على الإسلام.
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أهم مرتكزات النهضة الحسينية، بل إن كل أسباب ودواعي النهضة تلتقي عنده. بصفته من أعظم الواجبات الدينية، حيث قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(آل عمران:104).
(وقد ورد عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) إنه بالأمر بالمعروف تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب، وتمنع المظالم وتعمر الأرض، وينتصف للمظلوم من الظالم، ولا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزعت منهم البركات وسُلّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في
السماء)(4).
في المقابل نجد أن هناك من يروج لفكر مضاد لهذا الفكر الذي أقرّه القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. كما في قوله تعالى: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ) (هود:113)، وقوله جلَّ وعلا: (فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ)(التوبة:12)، وفي السنة النبوية ما ورد في بداية خطبة الإمام الحسين (عليه السلام) في البيضة وقد مرّ ذكرها.
إن الفكر المضاد لمنهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدعو إلى الركون إلى الظلمة وعدم الخروج عليهم وشجب انحرافهم وظلمهم حتى ولو سحقوا الإسلام تحت أقدامهم. رغم إن خطرهم أعظم من خطر الكافر الصريح كونهم يتسترون بالدين لضرب الدين، يبطنون كفرهم ويظهرون الإسلام وهو النفاق بعينه. وخير شاهد على ذلك هو يزيد بن معاوية الذي يتمثل بأبيات الشاعر الجاهلي عبد الله بن الزبعرى نافياً الرسالة المحمدية كما مر بنا سابقاً.
لذا نقول: إذا أجاز القرآن الكريم الخروج على الحاكم الجائر لكفر بواح، فمن باب أولى الخروج على الحاكم الذي يتلبس بلبوس الإسلام ويغطي تصرفاته بغطاء ذي مسحة شرعية أمام الأمة، لأن فتنته أعظم وأخطر.
ومن هنا يتبين لنا أن خروج الإمام الحسين (عليه السلام) هو امتثال لكتاب الله تعالى وسنة نبيه الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله).
كذلك فإن من دواعي نهضته (عليه السلام) هو إقامة الإمامة الإلهية التي تدعو إلى نشر العدالة الاجتماعية والحريات والدفاع عن المظلومين والمضطهدين وإحلال السلام في الأمة. ويمكن القول إن نهضته (عليه السلام) هي تجسيد للإمامة الإلهية العظمى، وهذا واضح في كلمته (عليه السلام) عندما قال:
(إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي وآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي) وهذه العبارات تعني إحياء حقهم (عليهم السلام) في الإمامة وولاية أمر المسلمين وإبطال شرعية من غصب الخلافة منهم.
أساليب توهين النهضة الحسينية:
رغم كل ما ذكرناه من أسباب ودواعي نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) لكننا ومنذ زمن بعيد نجد أن هناك من يروج لتذويب وتوهين هذه النهضة المباركة بجملة من الأساليب منها:
أولاً:
قالوا إن الإمام الحسين (عليه السلام) قد خرج على إمام زمانه وأرادوا به يزيد بن معاوية. كيف يمكن أن يكون هذا الفاسق الفاجر إماماً للأمة وبأي ملاك؟ أبنصٍّ أم بشورى؟ وهما المعياران المعتمدان عند المسلمين في قضية إمامة الأمة بعد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).
فإذا جئنا إلى النص فنقول: هل جاء نصّ بإمامة يزيد؟ نحن نتحدى كل علماء المسلمين أن يأتوا بنصٍ في هذا المعنى أو نصّ فيه مدح ليزيد. بل العكس من ذلك فقد وردت تصريحات عن النبي (صلى الله عليه وآله) في ذم يزيد منها:
(يزيد لا بارك الله في يزيد)(5).
(لا يزال أمر أمتي قائماً بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد)(6).
(يزيد لا بارك الله في يزيد الطعّان اللعّان)(7).
(أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له: يزيد)(8).
ولكننا نقول إن من بدّل سنة النبي (صلى الله عليه وآله) هو من سبق يزيد بن معاوية وهو الذي مكنه من الوصول إلى سدة الحكم كما ذكرت السيدة زينب (عليها السلام) في خطبتها في الشام، حيث قالت: (وسيعلم من سوّل لك ومكّنك من رقاب المسلمين) وهي (عليها السلام) تشير إلى المقدمات الفاسدة في تنحية أمير المؤمنين (عليه السلام) عن مقامه الشرعي في خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، مما أدى هذا الأمر إلى هذه النتائج الفاسدة في وصول بني أمية إلى سدة الحكم. وبهذا يتبين أن لا نص قد جاء بحق يزيد يبرر وصوله للحكم.
وأما الشورى فلم يكن هناك وجود لها. فقد تمت بيعة يزيد بصورة غير شرعية عن طريق المال والقهر، كما روى المسلمون ذلك في كتبهم، حيث أن معاوية أراد أن يجعل الحكم وراثة في عقبه فأخذ يدبّر لذلك كما ذكر ابن عبد ربه: (ولم يزل يروض الناس لبيعته أي بيعة يزيد سبع سنين. يشاور ويعطي الأقارب ويداني الأباعد)(9).
وكان شأنه في ذلك في تشييد الملك لنفسه في بادئ أمره. ففي كلتا الحالتين كان يغري بالإمرة والمال، وإن أعيته الحيلة لم يتورع عن أي شيء حتى القتل والاغتيال، ومن المؤرخين الذين ذكروا كيف تمت بيعة يزيد بالقهر والأموال الطبري وابن الأثير وآخرون.
فأي ملاك للشورى جاء به يزيد إلى السلطة؟!
فإذا كانت هناك عدم صلاحية ومشروعية ليزيد في الحكم، فأي بغيٍ في خروج الإمام الحسين (عليه السلام) عليه؟ والمتفق عليه عند المسلمين أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا) وفي لفظ آخر: (الحسن والحسين إماما حق قاما أو قعدا وأبوهما خير منهما)(10)
يقول العلامة المجلسي في بحار الأنوار أنه من المشهور وذكر أن أهل القبلة اجتمعوا عليه(11). فقد ذكره أحمد في مسنده(12) والترمذي في سننه(13) والمتقي الهندي في كنز العمال(14) والبغدادي في تاريخ بغداد (15).
وفي مصادرنا فليراجع علل الشرائع(16) ومناقب ابن شهر آشوب فالإرشاد للمفيد وكفاية الأثر وغيرها من مصادر الخاصة والعامة، بحيث أن الحديث متواتر عند الفريقين، ولا يشترط كتاب الله عز وجل أنهم (عليهم السلام) أولو الأمر، كما في قوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)(النساء:59). فإذا كان الأمر كذلك فكيف يكون الإمام الحسين (عليه السلام) باغياً وخارجاً على إمام زمانه؟!
ثانياً:
قالوا إن الإمام الحسين (عليه السلام) بخروجه أثار الفتنة وشق عصا المسلمين. ونحن نقول: ليس كل تقسيم للساحة هو باطل، لأن أي دعوة إصلاح أو رسالة حق لابد وأن تقسم الناس فريقين: فريق مع الحق وآخر مع الباطل، فالأنبياء أرسلهم الله تعالى إلى الناس وهم أمة على الكفر فدعوهم إلى توحيد الله سبحانه فانقسموا ما بين مؤمن وكافر، فليس مطلق التقسيم يقال عنه إثارة فتنة وشق عصا.
نعم إذا جاء من يفرق الأمة وهي جميع وبلا مبرر فهذا التقسيم يعد باطلاً، وإلا فمثل الإمام الحسين (عليه السلام) كان خروجه شرعياً ولم يخالف فيه كتاب الله تعالى وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) وكانت له (عليه السلام) أهداف ودوافع لخروجه وعلى رأسها طلب الإصلاح في أمة جده محمد (صلى الله عليه وآله) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذه الفريضة التي كادت تموت بين المسلمين وأحياها الإمام الحسين (عليه السلام).
ثالثاً:
حاول البعض التشويش على النهضة الحسينية من خلال الترويج بأن يوم عاشوراء هو يوم فرح وسرور وبركة ينبغي الاحتفال به وصيامه، فهو اليوم الذي أنجى الله تعالى فيه نبيه موسى (عليه السلام) وأغرق فرعون، وهو اليوم الذي تاب الله تعالى فيه على آدم (عليه السلام) وفيه استوت سفينة نوح على الجودي فصام نوح وموسى شكراً لله، وكذلك فهو اليوم الذي أنجى الله فيه نبيه يونس (عليه السلام) من بطن الحوت.
وذكروا إن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أمر بصيام يوم عاشوراء تأسياً بموسى (عليه السلام) واليهود لما لصيامه من فضل عظيم، كما ذكر أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه والبخاري والألباني الذي صحح حديث صيامه يوم عاشوراء في صحيح الترغيب والترهيب(17) إلى غير ذلك من الأحاديث والروايات المكذوبة على رسول الله (صلى الله عليه وآله). وكل هذا أرادوا منه تطويق وتمييع نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) المباركة.
رابعاً:
محاربة الشعائر الحسينية بمختلف الأساليب ونعتها بعدم المشروعية من قبيل إقامة المآتم والحزن والبكاء على مصاب سيد الشهداء (عليه السلام).
وهنا نقول هل في هذه الشعائر غير ذكر الله عز وجل؟ وهل إن الحزن والبكاء ليست لهما مشروعية في الإسلام، وقد حدثنا القرآن الكريم عن نبي الله يعقوب (عليه السلام) الذي احدودب ظهره من شدة الحزن وفقد بصره من البكاء على ولده يوسف (عليه السلام) حيث قال تعالى: (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ)(يوسف: 84).
ثم ألم يبك نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) عند فقده لولده إبراهيم، حيث قال (صلى الله عليه وآله): (… إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلّا ما يرضي ربنا، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)(18).
وكذلك بكاؤه (صلى الله عليه وآله) على عمه حمزة عند استشهاده يوم أحد. حيث روى ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة حمزة بسنده عن جابر بن عبد الله قال: (لما رأى النبي (صلى الله عليه وآله) حمزة قتيلاً بكى، فلما رأى ما مثّل به شهق)(19).
وذكر بكاء النبي (صلى الله عليه وآله) على حمزة كل من الطبري في تأريخه وابن الأثير وعلي بن برهان الدين في السيرة الحلبية.
إن الشعائر الحسينية هي التي حفظت أصالة النهضة وحفظت حرارتها وهذا ما يرهب الظلمة والطغاة على مر العصور، لأن صوت الشعائر هو صوت الحسين (عليه السلام) الذي يقض مضاجع الظالمين ويهدد عروشهم.
نشرت في العدد 72