Take a fresh look at your lifestyle.

البنية العسكرية في الدولة عند الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)

0 1٬350

           

           حينما بويع الإمام علي (عليه السلام) خليفة للمسلمين بدأ أعداء الإسلام يعدّون العدة لمواجهة دولة الإمام ومحاربتها. فقد أخذ أعداء الإمام في داخل الدولة وخارجها يؤلّبون الناس عليه ويحرضونهم على قتاله، متخذين من قميص عثمان شعارًا كاذبًا وحجّةً آثمة لشن الحرب على دولة الإمام العادلة.

           ومن البديهي أنّ يكون عماد كل دولة هو جيشها الذي تذود به عن أرضها وشعبها ومقدساتها، ولم يكن ذلك ليخفى على جندي الإسلام الأول وقائد جيش الرسول(صلى الله عليه وآله) الإمام علي (عليه السلام)؛ لذا شرع الإمام بتنظيم جيشه والاعتماد على خيرة الأصحاب المشهود لهم بالورع والتقوى، أمثال: مالك الاشتر، وعمار بن ياسر، وحجر بن عدي، وسليمان بن صرد الخزاعي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وعدي بن حاتم، وصعصعة وأخيه زيد ابنا صوحان العبدي، وأويس القرني، وغيرهم من أشراف الأصحاب وساداتهم، وأسند إليهم مهام قيادة الجيش.

          وكان لنقل الإمام عاصمة الخلافة من المدينة إلى الكوفة الأثر الكبير في التصدي لجرائم معاوية، حيث إنّ هذا الأخير رفض الامتثال لأوامر الخليفة الشرعي وشقّ عصى المسلمين، فكان لابدّ للإمام من مواجهة هذا الباغي الخارج عن القانون، لذا قام الإمام بنقل عاصمة الخلافة إلى الكوفة بسبب قربها المكاني من الشام ونظرًا لموقعها الاستراتيجي.

           سنحاول هنا بيان بعض الجوانب التي تخصّ الفكر العسكري عند الإمام علي (عليه السلام)وكذلك ما يتعلق بأخلاقيات الحرب عند الإمام علي (عليه السلام)، وسنشير إلى بعض الأمور الهامة التي أوصى بها الإمام (عليه السلام) لكسب الحرب.

 أخلاق الحرب عند الإمام علي (عليه السلام):

          شهد عصرنا الحاضر والعصور السابقة حروبًا مدمِّرة، أُزهقت بسببها ملايين الأنفس، ودمَّرت مدنًا ودولًا بالكامل، فكانت بحق حروبًا قذرة مجردة من القيم والأخلاق.

            نسلط الضوء هنا على بعض القيم والأخلاقيات التي اتسمت بها حروب الإمام علي (عليه السلام) وأوصى بها جميع القادة العسكريين، بل وأفراد جيشه أيضًا:

  1 ـ هداية الناس هي الهدف الأسمى:

             قال(عليه السلام): (فَوَاللهِ، مَا دَفَعْتُ الْحَرْبَ يَوْمًا إِلّا وأَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِي طَائِفَةٌ، فَتَهْتَدِيَ بِي وتَعْشُوَ إِلَى ضَوْئِي، وذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَى ضَلالِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا(1).

              يشير الإمام في هذا النص المبارك إلى أنّ هدفه الأسمى الذي يسعى إليه هو إنقاذ الإنسان وهدايته لا قتله، فكثير من الجيوش التي تساق إلى المعارك هي جيوش ضالة لا تعرف الحقيقة، وربّما لو عرفت الحق لاتّبعته.

  2 ـ مكان القائد في جيشه:

          قال(عليه السلام): في جملة ما أوصى به معقل بن قيس الرياحي حين أنفذه إلى الشام: (فَإِذَا لَقِيتَ الْعَدُوَّ فَقِفْ مِنْ أَصْحَابِكَ وَسَطًا، ولا تَدْنُ مِنَ الْقَوْمِ دُنُوَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُنْشِبَ الْحَرْبَ، ولا تَبَاعَدْ عَنْهُمْ تَبَاعُدَ مَنْ يَهَابُ الْبَأْسَ، حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي ولا يَحْمِلَنَّكُمُ شَنَآنُهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ قَبْلَ دُعَائِهِمْ وَ الإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ)(2).

             ففي هذا النص الشريف يعيّن الإمام (عليه السلام) مكان وقوف القائد في المعركة، بحيث لا يقترب من العدو كثيرًا اقتراب من يريد بدء الحرب، ولا يبتعد ابتعاد من يخاف العدو ويهابه.

  3 ـ عدم البدء بالقتال:

           وقال (عليه السلام) مخاطباً جنده قبل لقاء العدو في صِفِّين: (لا تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدَؤوكُمْ فَإِنَّكُمْ بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى حُجَّةٍ وتَرْكُكُمْ إِيَّاهُمْ حَتَّى يَبْدَؤوكُمْ حُجَّةٌ أُخْرَى لَكُمْ عَلَيْهِمْ)(3).

            يذكر المؤرخون أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام)عندما خرج لمحاربة معاوية في صِفِّين، وكان جند معاوية قد غلبوا جند الإمام إلى شريعة الفرات؛ بغية منع الماء عنهم حتى يموتوا عطشًا، رفض الإمام أن يعامل العدو بالمثل بعدما أزاحه عن الفرات، مع قدرته على ذلك.

            وهكذا كان الإمام في كل معاركه على أعلى درجة من النبل والكمال الإنساني؛ لأنَّه كان واثقًا من نفسه أنَّه على الحق ويقاتل من أجله، ولذلك كان يتقدَّم نحو خصمه بقَدم ثابتة وبرباطة جأش، لا يأبه معها بالجيوش التي تريد النيل منه، والتي لا تجد حرجًا في منع الماء عنه وعن جنده، وتتَّبع سياسة الغدر والخداع، وتستفيد من الممارسات الدنيئة كملاحقة الأسرى والمدنيين والمدبرين من المعركة وإيذاء الجرحى.

           وكانت الجيوش تلجأ إلى مثل تلك الأمور عند الإحساس بالهزيمة، أو بقصد إدخال الرعب والقلق النفسي في قلوب المقاتلين للسيطرة على أرض المعركة عند بدئها.

  4 ـ عدم قتل المدبر، والإجهاز على الجريح:

             قال(عليه السلام): (فَإِذَا كَانَتِ الْهَزِيمَةُ بِإِذْنِ اللهِ فَلا تَقْتُلُوا مُدْبِرًا، ولا تُصِيبُوا مُعْوِرًا، ولا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ)(4).

         ولم تقف جرائم الأعداء عند الاعتداء على المجروحين والأسرى فحسب، بل تعدّت جرائمهم حتى شملت النساء والأطفال والشيوخ، مع أنّ النساء والأطفال والشيوخ لا حول لهم ولا قوة، ومن الدناءة بمكان الاعتداء على الضعيف، وليس هذا من خُلق المقاتل والفارس بغض النظر عن دينه ومعتقده، فكيف بمن كان يدّعي الإسلام!! كيف يجيز لنفسه ترويع وقتل النساء والأطفال.. وجرائم عاشوراء ضد النساء والأطفال تطفح بها كتب التاريخ والسير.

  5 ـ عدم التعرّض للنساء:

           أشار الإمام (عليه السلام) إلى هذا الأمر في الوصية الرابعة عشرة، حيث قال: (ولا تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأَذًى وإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ وسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ؛ فَإِنَّهُنَّ ضَعِيفَاتُ الْقُوَى والأَنْفُسِ والْعُقُولِ، إِنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْكَفِّ عَنْهُنَّ وإِنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ وإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالْفَهْرِ أَوِ الْهِرَاوَةِ، فَيُعَيَّرُ بِهَا وعَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ)(5).

            يحذّر الإمام (عليه السلام) ـ في هذا النص المبارك ـ جنده وأتباعه من المساس بالنساء تحت أية حجة وذريعة كانت، حيث يوصي جنده ويذكّرهم بأنهنّ (ضعيفات)، ويذكّرهم (عليه السلام) أيضًا بأنّ عدم التعرض للنساء كان من أخلاق الجاهلية، فكيف اليوم والناس مسلمون! حيث كان ذلك يعدّ سُبّةً ومنقصةً وعارًا لمن يعتدي على المرأة في الجاهلية، بل يبقى ذلك العار يلاحقه أبناءه وأحفاده.


 وصايا مهمة من الإمام (عليه السلام) لكسب الحرب:

  1 ـ انتخاب المقاتلين:

            لانتخاب المقاتل والقائد أثر عظيم في إدارة شؤون الحرب، فالمقاتل الشجاع المقدام له تأثير على من حوله من الجند، وبالتالي التأثير على سير المعركة، ولبيان ذلك نذكر هنا قول الشهيد عمار بن ياسر وعقيدته القتالية في معركة صفين حيث يقول: (والله لو هزمنا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل)(6)، فهذه العقيدة الراسخة والإيمان الثابت والبصيرة الثاقبة ترفع من المعنوية القتالية لدى الجند وتحفزّهم، بعكس المقاتل المتخاذل الذي يقدّم رجلًا ويؤخر أخرى.

          ففي عهده (عليه السلام) لمالك الأشتر يقول: (فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِله ولِرَسُولِه ولإِمَامِكَ وأَنْقَاهُمْ جَيْباً وأَفْضَلَهُمْ حِلْماً مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ ويَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ ويَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ ويَنْبُو عَلَى الأَقْوِيَاءِ ومِمَّنْ لَا يُثِيرُه الْعُنْفُ ولَا يَقْعُدُ بِه الضَّعْفُ ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِي الْمُرُوءَاتِ والأَحْسَابِ وأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ والسَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ والشَّجَاعَةِ والسَّخَاءِ والسَّمَاحَةِ)(7).

  2ـ المشاركة الميدانية مع الجيش:

            إمامنا أمير المؤمنين (عليه السلام) وفي كل حروبه وغزواته كان مع جيشه، يشاركهم في كل شيء، ويتفقد عسكره، ويدلي بوصاياه في كبير الأمور وصغيرها، وهو معهم يتفقدهم ويواسيهم، بل كان أكثرهم عناءً، وهمًّا، وتضحيةً، وقد وصفه صعصعة بن صوحان بالتالي: (كان فينا كأحدنا)(8)، وقد كان هكذا في كل أموره صلوات الله عليه.

  الأسرار العسكرية:

           قال(عليه السلام): (أَلَا وإِنَّ لَكُمْ عِنْدِي أَلَّا أَحْتَجِزَ دُونَكُمْ سِرّاً إِلَّا فِي حَرْبٍ)(9)، يبين الإمام صلوات الله عليه في هذه الجملة المختصرة أنّه لا يحجب شيئًا عن جنده ومقاتليه، إلا ما كان من الأسرار العسكرية، والتي من شأنها تغيير سير المعركة فيما لو عُرف أمرها. وكتمان مثل هذه الأسرار العسكرية فيه مصالح كبيرة وكثيرة، أولها الحفاظ على حياة الجند، وثانيها ضمان كسب المعركة، وثالثها عدم وصول الخطط والاستراتيجيات الهامة إلى العدو، حيث لا يستبعد أن يكون بعض المندسين من هم في جيش الإمام (عليه السلام).

  وصايا ثابتة:

من جملة ما أمر به الإمام (عليه السلام) جيشه هو:

    حملة الراية:

            يوصي الإمام بأن يكون حملة الرايات في الحرب من الشجعان الأكفاء، المعروفون ببسالتهم ونجدتهم، لأنّ الراية رمز الجيش وعنوانه، وهي من الأزل وإلى اليوم تمثل عزّ الدولة وشرفها، لذا يوصي الإمام (عليه السلام) بأن يتولّاها الكماة الذين يحيطونها ويحمونها بأنفسهم، يقول (عليه السلام):

           (وَرَايَتَكُمْ فَلاَ تُمِيلُوهَا وَلا تُخَلُّوهَا، وَلا تَجْعَلُوهَا إلَّا بِأَيْدِي شُجْعَانِكُمْ، وَالمَانِعِينَ الذِّمَارَ مِنْكُمْ، فَإِنَّ الصَّابِرِينَ عَلَى نُزُولِ الْـحَقَائِقِ هُمُ الَّذِينَ يَحُفُّونَ بِرَايَاتِهمْ، وَيَكْتَنِفُونَهَا حِفَافَيْهَا، وَوَرَاءَهَا، وَأَمَامَهَا، لا يَتَأَخَّرُونَ عَنْهَا فَيُسْلِمُوهَا، وَلا يَتَقَدَّمُونَ عَلَيْهَا فَيُفْرِدُوهَا)(عليه السلام).

    المقاتل المتدرّع:

          (فَقَدِّمُوا الدَّارِعَ، وَأَخِّرُوا الْـحَاسِر)(11) فالمقاتل المتدّرع أثبت في القتال، وأكثر هيبة في عيون العدو. وكذلك لعدم إعطاء العدو فرصة لإيقاع الخسائر في صفوف المسلمين، حيث أنّه من المسلّم أنّ المقاتل المتدرّع يقي نفسه عند النزال بعكس المقاتل الحاسر.

    التناصر والتعاون:

          يحث الإمام (عليه السلام) على أن ينصر القوي الضعيف ويؤازره، ويذّكر المقاتل الشجاع بأن ذلك فضلٌ من الله سبحانه قد أنعم به عليه، فلا يدع نصرة أخيه الضعيف لكي يظهر نفسه ويتعالى على غيره، فالقصد والغاية التي جاؤوا لأجلها هي الجهاد ونشر دين الله، وليس التباهي والغرور، يقول (عليه السلام):

           (وَأَيُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رَبَاطَةَ جَأْشٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَرَأَى مِنْ أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِهِ فَشَلاً، فَلْيَذْبُب عَنْ أَخِيهِ بِفَضْلِ نَجْدَتِهِ الَّتي فُضِّلَ بِهَا عَلَيْهِ كَمَا يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَهُ مِثْلَهُ)(12).

    الاستعداد للمعركة:

            هناك أمور هامة تسبق المعركة، ويجب على القائد الحذق مراعاتها، حيث إنّها من جملة الأمور التي تؤدّي إلى كسب المعركة إذا ما رُوعيت بالشكل الصحيح، أو على الأقل إن لم يُكتب النصر، فلا أقلّ من تقليل الخسائر في صفوف الجيش.
وهنا سنذكر بعضها باختصار شديد، من جملة تلك الأمور:

أولًا: الاستطلاع

           ومعناه كسب المعرفة التامة بحال العدو، وعسكره، وعدده، وعدّته، ونوع أسلحته، وقيادته، وكل المعلومات العسكرية الهامة، وبالتالي يكون القائد على دراية تامّة بعدوّه، وهذا ما يُعتمد إلى اليوم في الحروب والمعارك، حيث يجري الاستطلاع وجمع المعلومات الكاملة قبل الدخول في أيّة حرب. ولقد استخدم الإمام (عليه السلام) أربعة طرق في ذلك من خلال:

     الأفراد القريبين من العدو.

     أمراء الولايات والمدن.

     نشر العيون.

ثانيًا: اختيار الموقع العسكري:

           (فَإِذَا نَزَلْتُمْ بِعَدُوٍّ أَوْ نَزَلَ بِكُمْ فَلْيَكُنْ مُعَسْكَرُكُمْ فِي قُبُلِ الأَشْرَافِ أَوْ سِفَاحِ الْجِبَالِ أَوْ أَثْنَاءِ الأَنْهَارِ كَيْمَا يَكُونَ لَكُمْ رِدْءاً ودُونَكُمْ مَرَدًّا ولْتَكُنْ مُقَاتَلَتُكُمْ مِنْ وَجْه وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ واجْعَلُوا لَكُمْ رُقَبَاءَ فِي صَيَاصِي الْجِبَالِ ومَنَاكِبِ الْهِضَابِ)(13).

           نلحظ في هذا النص الشريف من كلام الإمام (عليه السلام) النظر الثاقب له وكيف يولي الموقع العسكري أهمية بالغة، بل ويعيّن وبدقّة مختلف الحالات، فإن كان الموقع جبليًا، أو قرب الأنهار، أو في الهضبات، حيث نلاحظ عبارات (الأشراف)، (سفاح)، (صياصي الجبال)، (مناكب الهضاب).

ثالثًا: الحيطة والحذر:

(واعْلَمُوا أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْقَوْمِ عُيُونُهُمْ – وعُيُونَ الْمُقَدِّمَةِ طَلَائِعُهُمْ وإِيَّاكُمْ والتَّفَرُّقَ فَإِذَا نَزَلْتُمْ فَانْزِلُوا جَمِيعاً – وإِذَا ارْتَحَلْتُمْ فَارْتَحِلُوا جَمِيعاً – وإِذَا غَشِيَكُمُ اللَّيْلُ فَاجْعَلُوا الرِّمَاحَ كِفَّةً – ولَا تَذُوقُوا النَّوْمَ إِلَّا غِرَاراً)(14).

            كم من جيش أُخذ على حين غرّة، وكم من سرايا تم الفتك بها لغفلتها؛ لذا نجد الإمام (عليه السلام) يوصي جيشه بأن يكون (العيون) و(الطلائع) في المقدّمة، لاستطلاع الأمور واستكشاف الطريق. ويحذّرهم من التفرّق حين الحل والترحال. وإذا جنّ عليهم الليل يوصيهم بأن يجعلوا رماحهم (كفّة)، أي بمثابة السور الحامي للجيش، ومع هذا كلّه يجب أن يكون نومهم في الليل (غرارًا)، أي قليلًا جدًا، لكي لا يُؤخذوا على حين غرّة.

            ختامًا، بات واضحًا من خلال ما مر أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) سعى إلى وضع أسس ودعائم الدولة القوية بجيشها ومقاتليها، المستقرة بعدلها وإنصافها، التي تقوم على احترام حقوق الإنسان واحترام إنسانية الإنسان، وقد سعى الإمام (عليه السلام) سعيًا حثيثًا في سبيل تحقيق ذلك، الأمر الذي كلّفه حياته الشريفة.

 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة ، الخطبة : 55.
(2) نهج البلاغة/تحقيق صبحي الصالح/ص372.
(3) ن.م/ص373.
(4) ن.م.
(5) ن.م.
(6) الاختصاص/الشيخ المفيد/ص14.
(7) نهج البلاغة: ص433.
(8) نهج البلاغة/ج1ص25.
(9) نهج البلاغة: ص424.
(10) ن.م/ص180.
(11) ن.م.
(12) ن.م.
(13) ن.م/ص371.
(14) ن.م.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.