لسنا بصدد التعريف بمقام ومنزلة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وابنة سيد المرسلين وزوج أمير المؤمنين وأم السبطين الحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين، فهي غنية عن التعريف، ولها منزلة في قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تضاهيها منزلة، فهي سر الأسرار وهي حبيبته وروحه التي بين جنبيه. وهي الأسوة والقدوة لنساء العالمين، فهي سيدتهن على الإطلاق.
والشعر الذي نظم حَولَ فاطمة الزهراء (عليها السلام) كثيرٌ، وفي كلِّ العصور، ابتداءً من صدر الإسلام والعصر الأموي ثم العباسي حتى العصر الحاضر.
لقد برز في العصر العباسي عدد من كبار الشعراء الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) كدعبل الخزاعي، وديك الجن، والسيد الحميري، ومهيار الديلمي، والعبدي الكوفي، والشريف الرضي.. وغيرهم.
ولضيق المقام سنسلط الضوء حول ما قيل من أشعار بحق سيدة النساء (عليها السلام) لثلاثة من شعراء العصر العباسي، وهم: الشريف الرضي، السيد الحميري، ومهيار الديلمي.
اسم فاطمة:
جاء في المعجم الوسيط (فطم العدد أو الحبل فطماً: قطعه، ويقال: فطمَ فلاناً عن عادته: قطعه عنها، والمرضعُ الرّضيعَ: قطعت عنه الرّضاعة فهي فاطمٌ وفاطمةُ)(1)، وهكذا أصبح اسماً تسُمّى به البنات. وقد اشتهر هذا الاسم لبضعة النبي المصطفى الهادي (صلى الله عليه وآله).
كما ولها أسماءٌ أخر مثل: الصديقة، الطاهرة، الطيبة، المباركة، الزكيّة، المحدثّة، البتول، العذراء، و… ومن أسمائها المشهورة، الزهراء، (لقد سُميّت فاطمة (عليها السلام) بالزهراء لِأنّها كانَت تتمتّعُ بوجهٍ مشرقٍ مستنيرٍ زاهر)(2).
ولكنّ الاسم الذّي اشتهرت به هو فاطمة. ولا ننسى أنّ هذه الصيغة على وزن الفاعل بمعنى المفعول، أي: المقطوع.
عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (إنما سميت فاطمة فاطمة لأنها فُطمت هي وشيعتها وذريتها من النار)(3).
(لسيدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) أسماء غير التي مرّت عليك وكلّ اسم يدلّ على فضيلة، ومزيّة امتازت بها السيدة الزهراء، منها: البتول و….)(4)، ويذكر لكلِّ اسم دلالته، على سبيل المثال في باب تسميتها بالحانية، يقول:(الحانية من الحنان بسبب كثرة حنانها على أولادها و ….) (5).
العصر العباسي وميزات الشعر الشيعي والفاطمي فيه:
العصر العباسي عصر ازدهار الأدب العربي وخاصةً الشعر في أهل البيت(عليهم السلام). وبدأ هذا الشعر نشاطه قبل هذا العصر، أي في العصر الأموي وصدر الإسلام. فنرى الشعراء الذين أنشدوا حول فاطمة الزهراء (عليها السلام) هم في الواقع أجادوا في الشعر عموماً في هذا العصر.
وكانت أشعارهم مختلفة باختلاف موضوعاتها، فنلاحظ أنَّ شعراء هذا العصر أشاروا الى جوانب مختلفة من حياتها (عليها السلام) في شعرهم بأساليب مختلفة، منهم من جاء بالوصف والمديح، أو الرثاء و… وأكثرهم أدخلوا وصفها، أو رثاءها في بطن الأشعار التي أنشدوها حول أهل البيت (عليهم السلام)، وبعض منهم اكتفى بذكر اسمها في شعره، وبعض آخر اختصّ شعره كلّه حولها..
ونظراً للانفتاح الذي حصل في هذا العصر على الأمم والشعوب مما جعل (من ميزات الدولة العباسيّة، تعدّد الفرق، وشيوع المقالات المختلفة في الإلحاد والسياسة وتكاثر الجواري والغلمان، والاسترسال في الخلاعة والمجون، والتأنّق في الطعام واللباس، والتنافس في البناء والرياش، وفي محل ذلك أثر بيّنٌ في اللغة وآدابها)(6)،
فكان للشيعة دورهم المميز في إظهار عقيدتهم وحبهم لأهل البيت (عليهم السلام) ومنهم الشعراء والأدباء، وقد تناولوا في أشعارهم مختلف الأغراض رغم ما يحيطهم من مخاطر من قبل السلطات الحاكمة.
وهكذا دخلت في الأدب العربي فنون وأغراض ومعانٍ لم يألفها من قبل، وكان أدب الشيعة في العصر العباسي أعمق أثراً وأكثر نتاجاً، وأحرّ عاطفة، وأشدّ تغلغلاً في الحياة الشيعية والقضية الشيعية، عنه في العصر الأموي؛ إذ كان ظلم العباسيين للعلويين أبلغ في النفس، وأوقع على القلب من ظلم الأمويين للعلويين.
وطوال التاريخ نجد أنّ الحكام العباسييّن والأمويين مارسوا أبشع الوسائل والأساليب في مطاردة الأئمة (عليهم السلام)
وشيعتهم، كالقتل، والتشريد، والتهجير، والتجويع، والسجن و… . وهذه المشاهد الفجيعة دفعت أتباعهم إلى رثائهم وتصوير شهادتهم، ما أدى إلى َدخول هذه الروح الباكية الموجعة في الشعر الشيعي. وأصبح هذا النوع من الشعر وسيلة لنشر ظلامتهم (عليهم السلام) ونقلها إلى الأجيال اللاحقة.
شعراء نظموا في فاطمة الزهراء (عليها السلام):
الشريف الرضيّ
وُلدَ أبو الحسن محمّد بن الطاهر الشريف الرضي في بغداد سنة 359هـ، الموافق 970م وينتهي نسبه إلى الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) وتُوفّيَ في 1 محرم سنة 406 هـ الموافق سنة 1015م، له مؤلفات كثيرة منها: الرسائل، نهج البلاغة، تلخيص البيان في مجازات القرآن، المجازات النبويّة، حقائق التأويل في متشابه التنزيل.
يكاد شعر الشريف الرضي أن يكون من أجود ما كتب في رثاء أهل البيت (عليهم السلام) ونجد في ديوانه قصائد كثيرة تجعله في المرتبة الأولى بين الشعراء في هذا المضمار، ولأنَّ هذا العصر بطبيعته كان من أغنى العصور من حيث الشعر وخاصة شعر الرثاء الذي أظهر الشريف براعته فيه وصبغها بصبغة الألم والمرارة وبالأخص فيما يتعلق بأهل البيت (عليهم السلام)(7)،
وقد أنشد هذا الشاعر في موضوعات ومضامين مختلفة، كالرثاء، والمدح و… ولكن يبدو أنّه لم يذكر في رثائه ومدحه شيئاً حول فاطمة الزهراء (عليها السلام)،
ولكن في فخرياته التي تغنى بها بمكارم الأخلاق والفروسية توجد أبيات متفرقة حول فاطمة الزهراء (عليها السلام).
وبدأ ينشد هذا النوع من الشعر في طفولته، حين كان في العاشرة من عمره، وكان أبوه قابعاً في السجن.
في هذا النوع من الشعر يفتخر الشريف بجديه النبي محمّد (صلى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام) وبجدتّه فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ويقول:
قومي هم النّاس لا جيلٌ سواسيةٌ الجـودُ عندهـم عـارٌ إذا سُئلُـــوا
أبي الوصـي وأمـي خـير والــدةٍ بنت الرسول الذّي ما بعدُه رسُلُ
وفي قصيدة أخرى يقول: