قد يبالغ المرء حينما يمدح شخصًا ويصفه بأوصاف هي غير موجودة فيه أو موجودة بعضها،وذلك نتيجة طبيعية لما يحصل من الحي في تلك الشخصية.
لكن هذا الكلام قد يجري في كل أحد إلا الأنبياء والأوصياء، فإن مفاد كلامهم والثناء على شخص أو إنكار بعض الأفعال فهو بحق، ولا يمكن أن يقع إلا على الصواب.
وذلك لأنهم معصومون من الريب، ولا يمكن للخطأ أن يقع في أفعالهم أو أقوالهم.
ولذا فإن القرآن الكريم يؤكد هذه الحقيقة العظيمة. قال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى).(سورة النجم: 3-4 )
ولأجل ذلك فإن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) الذي به ختمت الرسالات الإسلامية قد نال الدرجة العليا وأكدت السماء على اتباع أوامره واجتناب نواهيه قال تعالى: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا). (سورة الحشر: 7)
كما شدد على ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حينما قال:
حتى أفضت كرامة الله سبحانه إلى نبيه محمد (صلى الله عليه وآله)، فأخرجه من أفضل المعادن منبتاً، وأعزّ الأرومات مغرساً، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه، وانتجب منها أمناءه، عترته خير العتر، وأسرته خير الأسر، وشجرته خير الشجر، نبت في حرم، وبسقت في كرم، لها فروع طوال، وثمر لا ينال، فهو إمام من أتقى، وبصيرة من اهتدى، وسراج لمع ضوؤء، وشهاب سطع نوره وزند برق لمعه، سيرته القصد،وسنته الرشد، وكلامه الفصل، وحكمه العدل، أرسله على حين فترة من الرسل، وهفوة عن العمل، وغباوة من الأمم (1).
كل هذا الحديث العظيم يدلل أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) لم يكن يمدح شخصًا لأجل عاطفة أو دافع نفسي، وإنما لما يستحقه من الثناء والمحبة، ولذا فإن ما أثنى عليه من أحاديث لولده الحسن بن علي (عليهما السلام) يوضح ذلك. وهذا ما ذكره الترمذي في سننه.
فقد ذكر الترمذي في جامعه أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بيّن أن للإمام الحسن بن علي (عليهما السلام)
مكانة يحظى بها في السماء والأرض. ولذا ينبغي أن نؤكد أن هذه الأحاديث الشريفة ليست مجرد ألفاظ وإنما هي من وحي يوحى. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى سمو هذه الشخصية وعلو مكانتها في المجتمع المسلم وغير المسلم.
وهذه الأحاديث الشريفة على ثلاثة أنواع:
النوع الأول:
هي ما اشترك بها الإمام الحسن مع أخيه الحسين(عليهما السلام)، وقد اقتصرناها على ثلاث روايات توخياً للاختصار، وهي:
الحديث الأول:
وبسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة (2).
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
الحديث الثاني:
أخبرني أبي أسامة بن زيد قال: طرقت النبي (صلى الله عليه وآله) ذات ليلة في بعض الحاجة فخرج النبي (صلى الله عليه وآله) وهو مشتمل على شيء لا أدري ما هو، فلما فرغت من حاجتي.
قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه، فكشفه فإذا حسن وحسين (عليهما السلام) على وركيه.
فقال: هذان ابناي وابنا ابنتي اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب(3)
الحديث الثالث:
عن عبد الرحمن بن أبي نعم: أن رجلاً من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب، فقال ابن عمر:
انظروا إلى هذا يسأل عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن الحسن والحسين هما ريحانتي من الدنيا.
قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح(4).
وهكذا يذكر الترمذي في سننه أحاديث في فضل الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام)، يعدها صحيحة وأحيانا يقول: صحيح غريب أو حسن غريب.
النوع الثاني:
فقد ذكرت الأحاديث الشريفة بفضله منفردًا نذكر منها:
الحديث الأول:
عن البراء بن عازب قال: رأيت النبيّ صلى الله عليه وآله واضعًا الحسن بن علي على عاتقه وهو يقول: اللهم إنيّ أحبه فأحبه.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وهو أصح من حديث الفضيل بن مرزوق(5).
الحديث الثاني:
عن ابن عباس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
حامل الحسن بن علي على عاتقه فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غلام.
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ونعم الراكب هو قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه (6).
وهناك نوع ثالث من الروايات التي تشير إلى الشبه بين النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وبين الحسن بن علي (عليهما السلام) يذكرها الترمذي في سننه، فعن أبي جحيفة، قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكان الحسن بن علي يشبهه.
وعن علي (عليه السلام) قال: الحسن أشبه برسول الله(صلى الله عليه وآله) مابين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه برسول الله ما كان أسفل من ذلك.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب(7).
نظرات حول النوع الأول
1- إن هذا النوع ذكر الترمذي فيه هنالك أحاديث صحيحة، كما أن فيه أحاديث حسنة لكن فيها غريبة على حد تعبيره ولم تعرف الغرابة فيها.
2- إن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ذكر خصوصية للإمامين لم توجدا في أحد من المسلمين بل وضمن لهم شيئًا من صغرهما حتى استشهادهما وهي أنهما سيدا شباب أهل الجنة كما في حديث أبي سعيد الخدري وحذيفة.
3- إن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد دعا رب العالمين بالمحبة لهما مادام أحبهما رسول الإسلام، وهذا معناه أن كل من ينكر حقهما أو يبغضهما فهو لا إشكال فيه ممن أبغضته السماء وكان مأواه جهنم وساءت مصيرًا.
4-الإشفاق عليهما – الحسن والحسين (عليهما السلام)
من قبل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)- ليس بداعي عاطفي فقط بل عاطفة النبي الأكرم لم تدعه إلى أن يدعو على عدوهم بالعذاب، ولم يكن ذلك خافيًا على أحد، بل بمرأى ومسمع المسلمين.
5- بيّن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أن الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام) ريحانتاه من الدنيا، وهذا يدل إلى أن كل من أراد أن يكون عمله ذا منظر عظيم لابد أن يسعى نحو هذين الإمامين(عليهما السلام) كي يوافقا على أعماله وتكون مقبولة في الدنيا وفي الآخرة.
6- ميّز الرسول الأمين (صلى الله عليه وآله) أن الحسن والحسين هما سيدا شباب أهل الجنة، وهذه شهادة من خاتم الأنبياء والمرسلين بأنه لم يكن قبلهما ولا بعدهما سادة شباب أهل الجنة.
فإن السيادة لا يمكن أن يؤهل لها إلا من قبل الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ولذا كانت لهم هذه المكانة العظيمة.
نظرات حول مكانة الإمام الحسن (عليه السلام).
1- ذكر الترمذي أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)تحدث عن الإمام الحسن(عليه السلام) بأنه سيد. وقد صححه الترمذي وقال: إنه حديث حسن.
لكن يا ترى هل السيادة كانت خافية على المسلمين، وقد نبه عليها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أم أن هنالك شيئًا قد جهله المسلمون فحاول النبي الأكرم التأكيد عليه ؟
ثم إن الأحاديث السابقة التي دلت على كون الإمامين الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ألا يكفي ذلك حتى يؤكدهما بهذا الحديث؟
2- تحدث الترمذي حول الإمام الحسن (عليه السلام)
في حديثه حينما حمله الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)
على عاتقه وأكد على محبته.
لكن أحاديث الاشتراك بينه وبين أخيه الحسين (عليهما السلام) قد ذكرت حديث المحبة، فلماذا ذكره الترمذي وقال عنه حديث حسن صحيح ؟
ثم إن هذا الحديث الشريف هل لبيان أهمية الإمام الحسن (عليه السلام) ومكانته الجليلة لدى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أم لبيان تلك المكانة عند المسلمين ؟
ثم لماذا يؤكد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) على تلك المحبة هل هنالك ممن يظهرون له المحبة ويضمرون له العداوة؟
3- وأفصح الترمذي عن الحديث الخاص بالأمام الحسن (عليه السلام) حينما حمله الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) على عاتقه ومدحه النبي الأمين (صلى الله عليه وآله) بقوله: نعم الراكب هو.
وذكر الترمذي بأنه حديث غريب.
لكن هل مفاد الحديث غريب أم ما فعله الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) تجاه ولده غريب؟
ثم إن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) كان دائما يلّعب الإمام الحسن (عليه السلام) فلماذا يعتبر ذلك الحديث غريبا ؟
ثم لماذا لم يسم الحديث الرجل الذي قال للإمام الحسن (عليه السلام) نعم المركب ركبت يا غلام؟
ثم هل أراد الرجل مدح الإمام الحسن (عليه السلام)
أم مدح النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)؟
ثم هل الإمام الحسن (عليه السلام) لم يكن مؤهلًا بحيث لا يكون له الحق أن يلعب مع الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أم إن ذلك الرجل رآه عملاً غريباً فمدح النبي الأمين(صلى الله عليه وآله) ؟
نظرات حول أحاديث التشابه
1- ذكر الترمذي في حديث أنس بن مالك أن الإمام الحسن (عليه السلام) كان يشبه جده، وقال عن ذلك حديث حسن صحيح.
لكن أشار الحديث إلى شيء مهم وهو أنه لم يكن من المسلمين ولا من الهاشميين أحد أَشْبَهَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) سوى الإمام أبي محمد (عليه السلام).
ولكن لم يعف من المسؤولية الملقاة على عاتق الأمة الإسلامية وتترك الإمام الحسن (عليه السلام) وتوالي عدوه بعد ما بينا من الأحاديث السابقة أن من أحب الإمام الحسن فقد أحبه الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) وكان محبوبًا من قبل السماء.
ثم إن الذي ذكره أنس ينبغي أن لا يهملوا هذه الشخصية العظيمة لأنه الامتداد ما بين السماء والأرض وليس مجرد بوفاة أو استشهاد النبي (صلى الله عليه وآله) تترك الأمة إمامها لتبرر ذلك بشتى الأعذار.
2- أما الحديث الثاني الذي رواه عن علي (عليه السلام) بأن الإمام الحسن (عليه السلام) شابه جده ما بين الصدر والرأس.
وذكر الترمذي عنه حديث صحيح غريب لكن لم يذكر وجه الغرابة في ذلك. هل من سند الحديث أم متن الحديث ؟
ثم إن كان سنده لم يذكر وجه تضعيف الحديث؟
وإن كان متن الحديث فإن حديث أنس قد أكد أنه لم يكن أحد يشبه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)
عدا الإمام الحسن بن علي (عليه السلام).
ثم إن التشابه بين هاتين الشخصيتين العظيمتين لا ينبغي اعتبارهما كباقي الشخصيات من المسلمين وإنما لهما ميزة خاصة.
خاتمة
مما تقدم يظهر أن الترمذي قد أظهر للإمام الحسن بن علي (عليه السلام) ميزات لا يمكن أن توجد إلا فيه وفي أبيه وأخيه وجده العظيم.
كما أن الترمذي قد اعمل اجتهاده في الأحاديث الشريفة لتظهر آثاره هذا مما دعا إلى أن يكون للحديث عدة درجات يمكن قبولها أو رفضها.
كما ينبغي أن نهتم بالشخصيات الإسلامية لبيان عظمتها وجهادها في سبيل إعلاء راية الإسلام، وكان من بينهم الإمام الحسن (عليه السلام) الذي عبّرت عنه الأحاديث الشريفة بأنه محبوب السماء وسيد شباب أهل الجنة.
ولذا كان على الأمة الإسلامية أن تستذكر هذه الشخصية المهمة كي تبرز سماتها لتسير على خطاه.
فسلام عليك يا بن رسول الله يوم ولدت ويوم ظُلمت ويوم تبعث حيا .
نشرت في العدد59
1ـ نهج البلاغة: جمعه الشريف الرضي: ص167ـ168 ـ خطبة رقم 93
2ـ سنن الترمذي: محمد بن عيسى بن سورة الترمذي – ص913ـ ح رقم 3768
3ـ المصدر نفسه: ح ـ رقم 3769
4ـ المصدر نفسه: ح ـ رقم 3770
5ـ المصدر نفسه: ص915ـ ح ـ رقم 3783
6ـ سنن الترمذي: محمد بن عيسى بن سورة الترمذي – ص915ـ ح ـ رقم 3784
7ـ سنن الترمذي: محمد بن عيسى بن سورة الترمذي – ص915ـ ح ـ رقم 3779