Take a fresh look at your lifestyle.

الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في آية المباهلة

0 687

 

             وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة تشير إلى إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) وفضله على جميع الخلق بعد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وقد ذكرت المصادر أنه ما نزلت آيات قرآنية شريفة في فضل أحد من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما نزلت في حق وأفضلية أمير المؤمنين (صلى الله عليه وآله) وقد مدحه الله تعالى فيها وذكره بخير، بينما عاتب الصحابة في بعضها، ومن أبرز هذه الآيات الكريمة التي تؤكد إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) بوضوح بعد الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) هي آية: المباهلة:

            قال تعالى: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَّعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)(آل عمران:61).

          جاء في كتب التفاسير والسيرة النبوية والأحاديث للخاصة والعامة، إن رؤساء الكنيسة في نجران ناظروا الرسول محمد(صلى الله عليه وآله) في الدين فأفحمهم ولما أصرّوا على العناد نزلت هذه الآية الشريفة، قال البيضاوي:

           (غدا النبيُّ محتضنًا الحسين، وآخذًا بيد الحسن وتمشي فاطمة خلفه وعليّ خلفها والنبي (صلى الله عليه وآله) يقول لعليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) إذا دعوت فأمّنوا أي قولوا آمين، فقال أسقُفُ النصارى: يا معشر النصارى إني لأرى وجوهًا لو سألوا الله تعالى أن يزيل جبلًا من مكانه لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا، فأذعنوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله)
وبذلوا له الجزية، فقال الرسول (صلى الله عليه وآله) والذي نفسي بيده لو تباهلوا لمسخوا قردةً وخنازير ولأضطرم عليهم الوادي نارًا)(1).

           وفي رواية أخرى (روي أن الأسقف قال لهم (لجماعته) إني لأرى وجوهًا لو سألوا الله أن يزيل جبلًا من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ إلى يوم القيامة. قال النبي (صلى الله عليه وآله)والذي بنفسي بيده لو لاعنوني لمسخوا قردةً وخنازير ولاضطرم الوادي عليهم نارًا ولما حال الحول على النصارى حتى يهلكوا كلهم، قالوا فلما رجع وفد نجران لم يلبث السيد والعاقب (وهما رأس وفد نجران) إلا يسيرًا حتى رجع النبيّ (صلى الله عليه وآله)وأهدى العاقب له حلةً وعصًا وقدحًا ونعلين وأسلما)(2).

             وعن جابر بن عبدالله الأنصاري رضوان الله عليه قال:

           (إن وفدًا من نصارى بني نجران قدم على النبي (صلى الله عليه وآله) وفيهم السيد والعاقب وجماعة من الأساقفة فقالوا يا محمد أخبرنا من أبو موسى؟
فقال: عمران، قالوا: وأنت من أبوك؟ قال عبدالله بن عبد المطلب، قالوا: فعيسى من أبوه، فسكت النبي (صلى الله عليه وآله) ينتظر الوحي فنزل قوله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ)( آل عمران:59) فقالوا إنا لا نجد هذا فيما أوحي إلى أنبيائنا، فقال: كذبتم: فنزل قوله تعالى: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) قالوا أنصفت فمتى نباهلك؟

             قال الرسول (صلى الله عليه وآله): غدًا إن شاء الله، فانصرفوا وقال بعضهم لبعض فلا تباهلوه فإنه نبي صادق ولئن باهلتموه لتهلكن….

            وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) بين يديه والحسن (عليه السلام) عن يمينه والحسين (عليه السلام) عن شماله وفاطمة (عليها السلام) خلفه ثم قال (صلى الله عليه وآله): هلمّوا فهؤلاء أبناؤنا وأشار إلى الحسن والحسين (عليهما السلام) وهذه نساؤنا يعني فاطمة (عليها السلام) وهذه أنفسنا يعني نفسه وأشار إلى عليّ (عليه السلام)، فلمّا رأى القوم ذلك خافوا وجاءوا بين يديه فقالوا: يا محمد أَقلنا أَقالَكَ الله، فقال: والذي نفسي بيده لو ابتهلوا لامتلأ الوادي بهم نارًا)(3).

              وفي رواية أخرى إن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال لأهل بيته (عليهم السلام) وهم عليّ وفاطمة والحسنان (عليهما السلام): (إذا دعوت فأمّنوا، قال أسقُفُ نجران: يا معشر النصارى إني أرى وجوهًا لو سألوا الله أن يزيل جبلًا من مكانه لأزاله فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض إلا مسلم، فرجعوا إلى بلادهم وصالحوا رسول الله(صلى الله عليه وآله))(4).

             وهناك روايات كثيرة في تفسير هذه الآية الكريمة بالإضافة إلى الأخبار الواردة فيها لا يخرج عما ذكرنا.

            يتضح من الآية الشريفة إن أهل البيت (عليهم السلام) هم أفضل الخلق بعد أشرف الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله)، وقد اعترف الزمخشري وقال في ذيل تفسير الآية: (وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء (عليهم السلام) وفيه برهان واضح على صحة نبوة النبي(صلى الله عليه وآله)لأنه لم يرو أحد من موافق ولا مخالف: أنهم أجابوا إلى ذلك)(5).

             وأما ما يشير إلى إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) في الآية الشريفة فهو قوله تعالى: (وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُم) فإن المقصود والمراد بالنفس هنا هو الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهذا ما أجمع عليه أئمة التفسير كالرازي في (ج2 ص473) في تفسيرهما وغيرهم، حيث لا يمكن ولا يعقله الفطن أن يكون المقصود والمراد بالنفس هو النبي (صلى الله عليه وآله) لأن الإنسان لا يدعو نفسه ومن البديهي لا يدعوها، وعليه يكون المقصود بالنفس هو الإمام علي (عليه السلام). كما ولا يمكن أيضًا أن تكون نفس عليّ (عليه السلام) مثل نفس النبيّ (صلى الله عليه وآله) حيث يقتضي التساوي من الوجوه كافةً عدا النبوة والوحي، وما عدا ذلك في حق الرسول يبقى معمولًا به في حق الإمام علي (عليه السلام).

          هذا وإنه من المستحيل أن يكون الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد دعا عليًا (عليه السلام) لمجرد الرحم والقرابة، ولو كان كذلك لدعا عمَّه العباس وجعفرًا وعقيلًا وغيرهم. وعليه لزم أن يكون قد اختصّ أمير المؤمنين عليًا (عليه السلام) لكمال فضله، ولما كان النبي (صلى الله عليه وآله) معصومًا، ولما كان النبي (صلى الله عليه وآله)واجب الاتباع فقد وجب ذلك للإمام علي (عليه السلام)،

            ولما كان الرسول (صلى الله عليه وآله) أفضل الأنبياء فضلًا عن الصحابة فقد وجب ذلك للإمام علي (عليه السلام) ولما كان كل ذلك للإمام علي (عليه السلام) وكان الفضل كله قد اجتمع له بمشابهته نفس النبي (صلى الله عليه وآله) فقد وجب أن يكون إمامًا للمسلمين مباشرة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنه الأفضل والأعلم حيث الإمامة لا تكون إلا للأفضل.

           ومن الأخبار الواردة والتي تؤكد أحقية وأفضليه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذه الآية الشريفة ما جاء في تفسير الميزان:

            (.. أمر معاوية بن أبي سفيان سعدًا بن أبي وقاص فقال: ما يمنعك أن تَسُبّ أبا تراب يعني (عليًا) قال:

            أما ذكرت ثلاثًا قالهنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلن أسبّه لأن يكون لي واحدةٌ منهنَّ أحب إلي من حُمر النعم… ولما نزلت هذه الآية: (تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ…)، دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليًا وفاطمة وحسنًا وحسينًا وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي)(6).

             وفي جواهر العقدين ومسلم والترمذي في حديثٍ لسعد بن أبي وقاص…. في جوابه لمعاوية بن أبي سفيان… قال سعد: (ولما نزلت هذه الآية: تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ… دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليًا وفاطمة وحسنًا وحسينًا رضي الله عنهم وقال: اللهم هؤلاء أهلي)(7)

               وفي رواية لغيرهما (أهل بيتي)(8) وأكدت الصحاح على ذلك كما في صحيح مسلم ج 7 ص10 وسنن الترمذي ج9 ص308 ومسند ابن حنبل ج1 ص185 وغيرها.

            وهذه أدلة قاطعة على أفضلية الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في قيادة الأمة الإسلامية بعد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) مباشرة.

 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ تفسير البيضاوي/نقلاً عن التفسير المبين، لمغنية ص64.
2ـ مجمع البيان ج2 ص452.
3ـ نظرية الإمامة ص176 ـ 177.
4ـ المصدر السابق.
5ـ الميزان في تفسير القرآن 3/238.
6ـ الميزان في تفسير القرآن 3/232.
7ـ جواهر العقدين/ ج1 ق2 ص10 .
8ـ جواهر العقدين/ ج1 ق2 ص11.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.