Take a fresh look at your lifestyle.

الزهراء (عليهما السلام) القدوة والأسوة

0 1٬007

     بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد الامين وآل بيته الطاهرين وبعد ..
فقد كانت الزهراء سلام الله عليها نعم الزوجة الصالحة التي آزرت زوجها ونصرته في السراء والضراء، فلم تكن لتحزن إن غاب زوجها للجهاد في سبيل الله، وما كان أكثر غيابه وكانت تهيئ له عدة الحرب ولوازم السفر. كما كانت تبث فيه الشجاعة، وتشدَّ من عزيمته، كما نقلت لنا كتب السيرة المعتبرة، وليس هناك من عجب فقد كانت الزهراء خرّيجة مدرسة الوحي ، وهي تعلم أنّ مكان المرأة من المواقع المهمّة في الإسلام وأنها يجب أن تؤدي دورها الصحيح على كافة الأصعدة والميادين الحياتية سواء في داخل البيت أو خارجه ، لأنها إذا ما تخلّت عن أحد هذه الأدوار وسرحت في الميادين الأُخرى عجزت عن القيام بوظائف تربية الأبناء كما ينبغي .
فقد كانت فاطمة الزهراء(عليها السلام) تبذل قصارى جهدها لإسعاد أُسرتها ، ولم تستثقل أداء مهام البيت ، رغم كلّ الصعوبات والمشاق(1).
وقد كانت الزهراء(عليها السلام) فضلًا عن دورها الأسري تقوم بدور مهم ألا وهو توعية المجتمع، وقد تمثل هذا الدور من خلال خطبة الزهراء(عليها السلام) ( الخطبة الكبرى ) التي اتخذت من التاريخ منفذًا للتحول إلى سياق أدبي مقنع للمتلقين ومؤثر في تكوين طائفة من المتلقين تسترجع خزينها الفكري وتتشكل في انساق تتحقق فيها استجابة القارئ ، ولا شك في أن الصديقة(عليها السلام)
(كانت تعيش في عمق شخصية النبي(صلى الله عليه وآله)وتحتل موقعاً جوهرياً في قلبه الشريف إن لم تكن هي قلبه النابض وروحه النورانية)(2) مما يعني أن الصدّيقة(عليها السلام) مهيمن ديني في عصر ما بعد الرسول(صلى الله عليه وآله) وقد تجسّد ذلك في بكائها الذي كان مؤثرًا دينياً ملفتًا أنظار العالم إليها على أنها هي المخصوصة بالنبي(صلى الله عليه وآله)
وهي بقيته في الأرض(3).
ولا شك في أن بناء الذات البشرية يشكل القاعدة الأساس التي يقوم عليها البناء الحضاري الشامل، وهو أحد الأعمدة الرئيسية لبناء شخصية الإنسان بوجه خاص. ومن هنا فإن الرسول(صلى الله عليه وآله) أولى النفس البشرية أهمية خاصة، وجعلها حجر الزاوية في عملية التغيير، والتي أضحت قاعدة تشمل الجوانب المهمة في حياة الإنسان.. وهكذا أخذ الرسول(صلى الله عليه وآله) يهذب النفس البشرية ويطهرها من رواسب الجاهلية بأسلوب قلّ نظيره، ويعد من أروع أساليب التربية السليمة، ليتسنى لها احتضان الفضائل والقيم العالية والحكمة والعلم. وقد أشارت الآية الكريمة لهذا المعنى، في قوله تعالى: (وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)(4) فإذا تمت القاعدة يقوم البناء العقلي والذهني والعلمي، وبإمكان الإنسان بعد توفر القاعدة توظيف العلم في الخير والسيطرة على مسارات حياته وسلوكه.
النفس أخطر منطقة، وأهم منطقة، كما قال الرسول(صلى الله عليه وآله): (أعدى عَدُوكَ نَفسُكَ الَّتي بَينَ جَنبَيكَ)(5). هناك خطوات مهمة فيما يخص الجانب الاجتماعي الذي أصابه الانهيار قبل البعثة، وتلاشت قيمه، ولكن بولادة الزهراء(عليها السلام)، ظهر إلى الوجود، وأشرقت مفرداته، ذلك عندما أحاط الرسول (صلى الله عليه وآله) الزهراء(عليها السلام) بالرعاية العالية، وشملها بالتكريم والتبجيل(6)،

وكانت معاملته لها تجسد أرفع صور الأخلاق والإنسانية، مما خلق انطباعاً لدى الكثير، أن المرأة تستحق التكريم والاحترام، ومخلوق ينبغي الاهتمام به، وقضى على التصورات التي كانت تعشعش في عقول الكثير حول المرأة. وكما هو معروف في علم النفس الاجتماعي أن الخطوات العملية، تعد العامل الأمثل في التأثير، أي كلما كانت الخطوة عملية وواقعية يكون تأثيرها أكثر عمقاً، أما إذا كانت الفكرة تدور في نطاق الكلام فحسب، فإنها لا تؤثر كثيراً في النفوس، ومن هنا فقد استطاع الإسلام الإجهاز على الكثير من العادات السيئة بفعل الخطوات العملية ودقة معالجة الظواهر الشاذة.
ويعد احترام البنت والمرأة من أفضل الخطوات في هذا المجال، وهكذا فإن احترام الزهراء(عليها السلام) يدخل في هذا الإطار؛ فقد كان عاملاً حيوياً في إعادة الاعتبار للمرأة(7)،

وكان له الأثر الكبير في إصلاح العديد من جوانب الحياة والتي تخص حياة الإنسان بالصميم ومنها البيت، فقد قامت بيوت المسلمين على قواعد صحيحة ومتينة، وأضحى لبنة أساسية في جدار المجتمع وتحول إلى راحة وسكن لنشر السكينة والدفء وتوفير والاستقرار والطمأنينة؛ فهو يعتبر عاملاً أساسياً في تغيير القوى المعنوية داخل الإنسان.
ومن جملة الأصول قيام المرأة بدورها البنّاء داخل الأسرة، ويرتبط بإعطائها الاعتبار اللازم واحترام مكانتها، فإذا تم احترامها وتقدير جهودها، فإنها تقوم بدورها وتخلص في مهمتها وهذه قاعدة حياتية؛ إذ الاحترام والتقدير يدفع الإنسان إلى العمل الخلاق ويعمق فيه الإخلاص والحب، والعكس صحيح.
نقرأ حياة أو سلوك الرسول (صلى الله عليه وآله) حيث نجد احترامه البالغ للسيدة خديجة(عليها السلام) والسيدة الزهراء(عليها السلام)، ففي الحديث: (وكانت إذا دخلت عليه الزهراء أخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قبلته وأخذت بيده فأجلسته في مكانها)(8)،
وقد ساهم هذا الاحترام في صياغة شخصيتها المباركة بشكل كامل، ومن جانب آخر كان الاحترام يدفع الزهراء إلى تمثل صفات الرسول (صلى الله عليه وآله)، وتجسيد الخلق الإسلامي الرفيع مع زوجها أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ فولادة الزهراء(عليها السلام) بعد البعثة شكل عاملاً حيوياً هاماً في إظهار الجانب الاجتماعي، وتأكيد مفرداته في الحياة الاجتماعية، وكانت إحدى مفرداته ترتيب البيت الإسلامي، فقد أثرى البيت بمفاهيم عالية وغرس فيه مُثُل الإسلام فأورقت المُثُل وأخذت تظلل البيت الإسلامي.
وإذا كانت الأسرة هي النواة والبذرة الأولى لعملية التنشئة الاجتماعية والتنشئة الأسرية والتي تتولى تنشئة أطفالها وفلذات أكبادها في الإعداد التربوي لمراحل التنشئة العمرية المختلفة، كذلك العوامل التي تؤطر الأخلاق بأنساق مختلفة، فالمؤسسات التعليمية من رياض الأطفال إلى المدارس الابتدائية وصعوداً تقوم بوظيفة التربية بكافة مجالات الحياة والصقل الاجتماعي مرادفاً لدور الأم في الأسرة والمؤسسات الاجتماعية المتنوعة الدينية أو المدنية، فلها الدور الكبير في عمليات الضبط الاجتماعي ..
والرقابة.. والتنشئة الاجتماعية..
والمؤسسات الاقتصادية الصناعية،
والزراعية، والتجارية ..تقوم بجوانب هامة من الوظيفة الاقتصادية التي أصبحت الأسرة الإنسانية تعجز عن القيام بها .بعد تعدد حاجات الفرد النفسية وازدياد التنوع الحياتي الإنساني، هنا مكمن الخطر، فإذا كانت المؤسسات التربوية الدينية في تعليمها تقوم على إلغاء الآخر المختلف عقائدياً ستؤدي دوراً سلبيًا كارثيًا في التربية والتنشئة كالفكر السلفي التكفيري أنموذجًا للعزل الاجتماعي وتخصيب الكراهية ضد الآخر وزرع بذور التفرقة الطائفية.. وإذا كانت المؤسسات تعمل بجد مرادف لدور الأم والأسرة في بناء المواطنة واحترام الآخر المختلف عقائديًا تسمو بالبناء الأسري الذي لبنته وميدان عمله الأولى هي مفقس الفضيلة -الأم- ذات الدور الأهم في صناعة الأجيال . إن مسايرة التقدم،

والمدنية، والأخطبوط الصناعي، ومسايرة عصر السرعة ،والمحاولات الحميمة للقفز على العادات القديمة والتقاليد الموروثة في البناء الأسري ودور الأم الريادي فيه من خلال خروج المرأة للعمل وابتعادها عن بيتها وتربية الأولاد واستمرار الرجل في العمل ليلًا ونهارًا وانقطاعه عن تواجده في الإعداد الأسري ربما تغير مسار الأخلاق الفاضلة للأبناء، وطريقة تفكيرهم، وسلوكهم السوي ، فضلًا عن ما يعانية الأزواج من ضغوط نفسية وعصبية في الحياة العامة فضلًا عن التمرد والمراهقة والتأثر بالصرعات والموضات والرغبة في إثبات الذات من قبل المراهقين تعد من العوامل الدالة على انفصام البناء الأسري، ومن ثم إهمال مسؤوليات الآباء تجاه أبنائهم لكن لو تذكر الرجل و المرأة قول الرسول علية الصلاة و السلام: (كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته )(9)،
إذ إن هذا الحديث الشريف يحمل بين طياته معاني سامية ويشكل قاعدة للسلوك الحسن في التعامل مع الرعية من مطلق المسؤولية التي يتحملها كل فرد وحسب حجم تلك المسؤولية، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

نشرت في العدد 61


1) من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج 1، ص 320، ط مؤسسة النشر الإسلامي.
2) عظمة الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء(عليها السلام)،
فاضل ألفراتي : 46 .
3) فاطمة الزهراء(عليها السلام) قدوة واسوة: السيد محمد تقي المدرسي: 59 .
4) سورة الجمعة: آية 2
5) الزهد الكبير للبيهقي – فصل في ترك الدنيا ومخالفة النفس والهوى حديث: ‏351‏.
6) فاطمة الزهراء شهاب النبوة الثاقب: 127.
7) كتاب شعاع من نور فاطمة(عليها السلام): 41.
8) المستدرك 2: 122، والاستيعاب:1: 176.
9) صحيح البخاري: 538.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.