Take a fresh look at your lifestyle.

السيد محمد صادق القزويني الحائري 1319ـ 1404هـ

0 664

      حفلت مدينة كربلاء منذ قرون خلت بعدد كبير من المعاهد والمدارس الدينية والمساجد والجوامع والبيوتات العلمية والأدبية بالإضافة إلى دور القرآن والحديث النبوي الشريف وحلقات الذكر والمناظرة ومجالس الوعظ والندوات الأدبية والمكتبات العامة والخاصة، فكان الطلبة يتلقون العلم وطلب الدرس، وقد كان لدور العلم في المدارس أكبر الأثر في نقل التراث العلمي والفكري والثقافي العربي والإسلامي إلى العالم المحيط به. ومن يراجع الكتب التاريخية وكتب السير والتراجم يلمس آثار أساطين العلم وقدراتهم الإبداعية في مختلف العلوم والفنون، حيث قاموا برفد الحركة الثقافية بكل ما هو مؤثر ومفيد. وقد سلط الضوء العلامة الشيخ محمد السماوي في أرجوزته المسماة بـ (مجالي اللطف بأرض الطف)(1) على أشهر أسماء البيوتات العلمية والأدبية في كربلاء.
أسرته:
آل القزويني(2) إحدى الأسر العلمية الرفيعة العماد تنتسب إلى الإمام الهمام موسى بن جعفر(عليهما السلام)، اشتغل معظم رجالها بالعلوم والمعارف، فنبغ فيهم رجال تبوّءوا مكانة مرموقة في مجالات العلم والمعرفة وخدموا الإسلام بتصانيفهم القيمة، وكان لهم أثر كبير في الحياة العامة، فورثوا الجاه والمنزلة، وكان دورهم بارزاً في إنعاش الروح العلمية والأدبية والتحلي بالأفكار الحداثوية.
اشتهر من هذه الأسرة السيد باقر الموسوي القزويني الملقب بـ (معلم السلطان) وهو أول من هاجر إلى النجف الأشرف سنة 1185هـ وثَمَّ أناخ ركابه في كربلاء رغبةً في مجاورة الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس(عليهما السلام)، وطلباً للعلم والمعروف وذلك سنة 1198هـ، وهو باني كيان هذه الأسرة ومؤسسها وإليه ينتسب غالب أفرادها المنتشرون في العراق، وكان في معيته أخوه السيد محمد علي القزويني(3).
لقد برزت في هذه الأسرة ذوات من المجتهدين والأعلام الفضلاء، وضعت بصماتهم في فنون العلم والأدب، واجتهدت في تحصيل العلوم والمعارف الدينية وأسهمت بدور كبير في تنمية المواهب لدى الشباب.
1ـ العالم الجهبذ والحبر الكامل السيد إبراهيم بن باقر الموسوي القزويني صاحب الضوابط، أحد أساطين العلم وأعاظم الشيعة المولود سنة 1204هـ المتوفى سنة 1262هـ، نشأ في بيئة اكتظت بالعلماء والرواة والمتكلمين والمؤلفين. جاء في (الروضة البهية) (منهم السيد الرفيق الشفيق الذي بين أقرانه بالتحقيق حري السيد إبراهيم بن السيد باقر القزويني أصلاً والحائري مسكنًا ومدفنًا، فإن هذا السيد بعد أستاذه الشريف قد صار مدرساً في كربلاء وانحصر أمر التدريس فيه، له كتبٌ منها كتاب الضوابط مبسوط والإشارات مختصر في الأصول وكتاب الدلائل في الفقه رضي الله عنه)(4).
وذكره الشيخ حبيب الكاشاني في كتابه (لباب الألقاب) قائلاً: (ومنهم السيد إبراهيم بن السيد باقر الموسوي القزويني صاحب ضوابط الأصول ونتائج الأفكار في الأصول ودلائل الأحكام في شرح شرايع الإسلام وقد كان وحيداً في عصره فريداً في دهره ماهراً كاملاً في الفقه والأصول والرجال وإلى مجلس إفادته يحط الرجال. كان في فقهه من تلامذة صاحب الرياض وفي أصوله ممن يستفيد من شريف العلماء وقد تتلمذ عنده كثير من الفقهاء والفضلاء)(5).
2ـ السيد هاشم بن السيد محمد علي بن عبد الكريم القزويني(6) العالم المبرز المقلد كان أحد نوابغ الفقه وأكابر أهل العلم .فقيهاً أصولياً ماهراً في العلوم العقلية والنقلية، تخرج على آية الله الشيخ مرتضى الأنصاري وله منه إجازة اجتهاد. توفي في ذي القعدة سنة 1327هـ عن 83 عاماً ودفن بمقبرة عند السيد إبراهيم صاحب الضوابط. له تصانيف منها: مباحث الألفاظ في الأصول، أصل البراءة، الأدلة العقلية وغيرها.
3ـ السيد محمد رضا(7) بن السيد هاشم بن السيد محمد علي القزويني العالم الزاهد، كان فاضلاً وكنزاً مخفياً يفوق الآخرين في قوة الحجة ووضوح الدليل، مشهوراً بالورع والصلاح والساعي إلى الخير وصدق اللهجة وحسن السيرة، يقيم الجماعة في صحن العباس(عليه السلام) وفي بعض مساجد كربلاء توفي سنة 1384هـ، وخلف ولده العالم السيد صادق ـ مدار حديثنا ـ.
4ـ السيد محمد إبراهيم(8) بن السيد هاشم بن محمد علي القزويني من العلماء المجتهدين، يحذق العلوم الشرعية. نشأ مثل أهله على الصلاح والتقوى والتنسك، قضى عمره في خدمة العلم والدعوة إليه بالقلم واللسان وبالقدوة الحسنة، لا يبالي المصاعب، يتصدق في سر، ويتعبد، ويقيم الصلوات لأوقاتها، رقيق الشعور عف النفس. توفى سنة 1360هـ وخلف ولده الخطيب المجتهد السيد محمد كاظم.
5ـ السيد محمد مهدي(9) بن السيد محمد طاهر بن السيد محمد مهدي القزويني، كان شاعراً أديباً مشهوراً، من أعيان قومه، جيد النظم، عذب الألفاظ، حسن المعاني، يحكم في المسائل الدينية ويتشدد في دينه، توفى سنة1351هـ له ديوان شعر مخطوط باسم (القصائد البهية في النصائح المهدية).
6ـ السيد محمد حسن الشهير بـ(أغا مير)(10) فقيه جليل، حسن السيرة، محمود السلوك، كان من أبرز العلماء والأعلام، يحافظ على بيضة الإسلام، يحث أصدقائه ومعارفه بالاعتناء بالعلم والثقافة دفعهم للدراسة وتحصيل العلوم ونيل الشهادات العالية وخدمة الناس والمجتمع وحل مشاكلهم بالعلم والعمل.
أهم آثاره:
1ـ الإمامة الكبرى ـ يقع في ثمانية أجزاء طبع منه جزءان.
2ـ هدي الملة إلى أن فدك من النحلة ـ مطبوع سنة 1352هـ.
3ـ البراهين الجلية في تشكيكات الوهابية ـ مطبوع سنة 1346هـ.
4ـ شرح اللمعة.
توفى يوم 26 رجب سنة 1380هـ.
7ـ السيد حسين(11) بن السيد باقر بن السيد إبراهيم القزويني صاحب الضوابط المولود سنة 1288هـ والمتوفى سنة 1367هـ أحد رجالات ثورة العشرين(12)، له خزانة كتب جليلة(13) فيها كتب نفيسة مطبوعة، كما اشتملت على عشرات الكتب المخطوطة، ورثها عن جده، يزيد عددها على 200 مخطوط.
8ـ السيد محمد حسين(14) بن محمد طاهر القزويني المولود سنة 1287هـ والمتوفى سنة 1385هـ، اشتهر بطلب العلم والفضيلة والتقوى، كان يقيم الجماعة في صحن العباس(عليه السلام).
9ـ السيد محمد صالح(15) بن السيد محمد مهدي القزويني كان أحد الخطباء المبرزين، معروفاً بالتقى والصلاح مهاباً جليل القدر ذا عقل وافر وذكاء حاد، يحمل بين جنبيه نفساً طيبة وضميراً طاهراً متزناً له صيت طائر وسمعة حسنة، توفي سنة 1375هـ، من آثاره المطبوعة كتاب الموعظة الحسنة وهو (رد على كتاب وعاظ السلاطين) للدكتور علي الوردي.
المبرزون من الأسرة الذين ذكرهم مؤلف كتاب (البيوتات الأدبية في كربلاء) فهم:
1ـ السيد إبراهيم شمس الدين القزويني (1318ـ 1402هـ)
2ـ السيد رضا محمد صادق القزويني (1359ـ ….)
3ـ السيد محمد صالح القزويني (1320ـ 1375هـ)
4ـ السيد محمد مهدي القزويني (1287ـ 1351هـ)
5ـ السيد مرتضى محمد صادق القزويني (1349ـ ….)
كما دونت ترجمة مفصلة للسيد مرتضى القزويني في موسوعة (معجم الخطباء)(16) وترجمة موسعة للسيد محمد كاظم القزويني في (معجم الخطباء)(17).
ولادته ونشأته:
ولد السيد محمد صادق بن السيد محمد رضا بن السيد هاشم القزويني الموسوي الحائري في مدينة كربلاء سنة 1319هـ ونشأ بها نشأة صالحة، وترعرع بين أحضان الأسرة العلمية الشريفة ليكون أحد أعمدة العلم في المستقبل ليسهم بدورٍ فاعل في كثير من الإمكانات فأكب على دراسة علوم أهل البيت(عليهم السلام) في الأصول والفقه والمنطق.
دراسته وتلمذته:
أخذ العلم عن أئمة أعلام وجهابذة عظام منهم والده السيد محمد رضا وعمه السيد محمد إبراهيم والسيد محمد هادي الخراساني والسيد حسين القمي والشيخ محمد علي سيبويه، وسنحت له الفرصة لارتياده مكتبات الحوزة وما أتيح له من وقت للمطالعة ودأب على العمل، فوهبه الله القدرة على الاستيعاب والاتساع في الثقافة وفطنة في مجال الرأي والإبداع فضلاً عما عاشه من عمر مديد وحياة حافلة، كل ذلك كان جديراً بأن يجعله يتحلى بالعلم والفضيلة والإحاطة بالتقوى والعفاف، ويتصف بأحسن الأوصاف، كانت له مشاركة بجميع العلوم ومعرفة بالمنطوق منها والمفهوم. تولى التدريس في مدرسة الهندية الدينية، وحضر دروسه العديد من الأفاضل في الحوزة العلمية. وأقام الصلاة في مساجد كربلاء، ثم انتقل أخيراً في صحن العباس(عليه السلام)
ليأتم به الناس هناك والقيام بالوظائف الشرعية. كان ناشطاً في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وعرف بقوة البيان وسطوع الحجة، وكان نموذجاً يقتدى به في العلم والحلم والتقوى والتواضع وحسن الخلق.
ذكرياتي عنه:
لعل من المفيد أن أشير إلى أني كنت أقصد سماحته في مدرسة الهندية الدينية بين الفينة والأخرى، مستفسراً عن معلومة، فأنهل من معين علمه الثر ما يزيد من معلوماتي ويغني أفكاري، وكان الحديث بيننا يتشعب ويأخذ جوانب وأبعادًا متعددة، والحق يقال إني خرجت من عنده فما رأت عيني غير الجميل من شمائله. وبتاريخ 19شوال سنة 1396هـ، رحل والدي عن هذه الدنيا إلى بارئها، وشيّعه الأهالي إلى الصحن الحسيني، وهناك وقف سماحته للصلاة على جثمانه الطاهر، وبعد أداء الصلاة والزيارة في المرقد الشريف، ونحن متجهون نحو صحن العباس(عليه السلام)، رجاني سماحته خلال المسير فقال: تسمح لي أن أقصد الدار لأني لا أستطيع مواصلة السير إلى صحن العباس(عليه السلام)
لأني مصاب بانحباس البول، فعذرته وشكرته، وسمحت له بمغادرة التشييع.
موقفه من السلطة الحاكمة:
لقد جاهد المترجَمُ له بقلبه ولسانه أعداء الله والمارقين على الدين، وهنا لابد من الإشارة إلى حقيقة ثابتة هي موقفه من الحزب الحاكم آنذاك، فقد تعرض لضغوط ومضايقات، كما تعرض ولده المجاهد السيد مرتضى القزويني أيضاً، ومارست السلطة الحاكمة ضدّهما أشد أنواع التنكيل، فقد كان السيد المترجم وولده يفضحان أساليب الحزب والحزبيين وأعمالهم الإجرامية الشريرة ضد الأهالي مما أدى ذلك إلى اعتقال سماحته برغم شيخوخته، فأودع السجن منذ سنة 1983م /1404هـ ولمدة لا يعرف أمدها حتى يومنا هذا وهو مجهول التاريخ. وقد نظم السيد مرتضى محمد صادق القزويني وهو في مهجره قصيدة في الذكرى الثالثة لاعتقال والده بدأها بقوله:
أبي قد مضت فيك السنون طوالا
وأنت تعاني قسوة ونكالا
أبي يا سجيناً ليس يوجد مثله
بأكبر سنّاً أو بأسوءِ حالا
أبي لست أدري أنت حيٌ فترجى
وهل أنت ميتٌ لا تجيب سؤالا؟
ويا غائباً عنا، أهل لك عودةٌ
فتسعد مكروباً وتسعد بالا؟
ففي أي سجن يا أبي أنت قابعٌ
و في أي ذنبٍ حمّلوك وبالا؟
وما لك ذنبٌ غير أنك مسلمٌ
ترى طاعة الحزب العميل محالا(18)
صفاته:
كان السيد المترجم يتألق أمامنا رجلاً واسع الأفق، نيّر العقل، رحب الثقافة، غزير العلم، وأبرز ما يميزه أنه يتحلى بالأخلاق الحميدة والتهذيب العالي، وقد يطول بنا الأمر إذا عمدنا إلى رصد تعاليم السيد محمد صادق في موضوع الأخلاق والآداب. يقول ابن المقفع: (إن أخوان الصدق هم خير مكاسب الدنيا زينة في الرخاء، وعدة في الشدة ومعونة في المعايش والمعاد).
آثاره العلمية:
ترك السيد محمد صادق العديد من المؤلفات القيمة التي تنم عن أسلوب متين الحبك، الخالي من التكلف، فهو يبني أسلوبه على التراث الإسلامي المستمد من القرآن الكريم، وهذه الآثار هي كالآتي:
1ـ استشهاد الحسين(عليه السلام).
2ـ تفسير سورة النور.
3ـ رسالة في الحجاب.
4ـ تقريرات أستاذه.
5ـ الحسين الخالد.
6ـ الحوادث المهمة(19).
وإذا أردت أن أختم هذه السطور، فأنا خليق أن أختمها برجائي إلى علمائنا الأعلام ليتكرموا على كربلاء فيعيدوا ما عودوها عليه من العلم والأدب والبيان، فيكرّموا علماءنا الماضين ويحتفلوا في إحياء ذكراهم ويجددوا آثارهم، فهل نحن فاعلون؟

نشرت في العدد 61


1) مجالي اللطف بأرض الطف ـ الشيخ محمد السماوي ط2 ص571.
2) عشائر كربلاء وأسرها ـ السيد سلمان هادي آل طعمة.
3) تراث كربلاء ـ السيد سلمان هادي آل طعمة ط3 ص153.
4) الروضة البهية ـ السيد شفيع الجابلاقي ص260 .
5) لباب الألقاب ـ الشيخ حبيب الله الشريف الكاشاني ص69 .
6) الكرام البررة ـ الشيخ أغا بزرك الطهراني ج5 ص570 .
7) تراث كربلاء ـ ص99 .
8) أعيان الشيعة ـ السيد محسن الأمين ج10 ص352 .
9) شعراء من كربلاء ـ السيد سلمان هادي طعمة ج1 ص245 .
10) سلسلة الأعوام في وفيات الأعلام ـ الشيخ حسين البيضاني ج1 ص15 .
11) نقباء البشر ـ الشيخ آغا بزرك الطهراني ج1 ص536 .
12) كربلاء في ثورة العشرين ـ السيد سلمان هادي آل طعمة ص89 .
13) خزائن كتب كربلاء الحاضرة ـ السيد سلمان هادي آل طعمة ص8 .
14) معجم رجال الفكر والأدب في كربلاء ـ السيد سلمان هادي آل طعمة ص 198 .
15) خطباء المنبر الحسيني ـ الشيخ حيدر صالح المرجاني ج5 ص134 .
16) معجم الخطباء ـ السيد داخل السيد حسن ج2 ص229 .
17) معجم الخطباء ـ ج2 ص51 .
18) معجم الخطباء ـ ج2 ص229 .
19) من أعلام كربلاء ـ الشيخ أحمد محمد رضا الحائري ص202 .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.