Take a fresh look at your lifestyle.

اهتدُوا بهديِّ عمّار

0 841

       لقد أثبت رسول الله(صلى الله عليه وآله) بأمر الله سبحانه خلافة أمير المؤمنين(عليه السلام)
بنصوص كثيرة وطرق متعددة وإشارات لطيفة غير مباشرة، ومن هذه الإشارات ما يخص الصحابي الجليل عمار بن ياسر(رضي الله عنه).
فقد بينت الآيات الكريمة والروايات الشريفة وإقرار الصحابة أن عماراً لا يفارق الحق وهو الدليل إليه وأُمرنا بالاهتداء به، وعندما نرجع إليه نراه قد سلك وادي علي(عليه السلام)
من السقيفة إلى صفين وبهذا يكون عمار الهادي إلى الخلافة والدال على الولاية. وهذه شذرات من حياة هذا الصحابي الجليل الذي يعد ركنًا من أركان التشيع وعَلَماً من أعلامه :
أ: نسبه ونشأته
قال ابن عبد البر في الاستيعاب (عمار بن ياسر..العنسي ثم المذحجي أبو اليقظان حليف لبني مخزوم، وقال الواقدي وطائفة من أهل العلم.. إن ياسرًا والد عمار عرني ـ نسبة إلى عرنة بن نذير بطن من بجيلة
(اللباب) ـ قحطاني مذحجي من عنس في مذحج، إلا أن ابنه عمارًا ولي لبني مخزوم، لأن أباه ياسرًا تزوج أمَةً لبعض بني مخزوم فولدت له عمارًا وذلك أن ياسرًا والد عمار قدم مكة مع أخوين له أحدهما يقال له الحارث والثاني مالك في طلب أخ لهم رابع فرجع الحارث ومالك إلى اليمن وأقام ياسر بمكة فحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم فزوجه أبو حذيفة أمَةً له يقال لها سمية بنت خياط فولدت له عمارًا فأعتقه أبو حذيفة، فمن هذا عمار مولى لبني مخزوم وأبوه عرني كما ذكرنا لا يختلفون في ذلك.)(1).
وقال: (قال إبراهيم بن سعد: بلغنا أن عمار بن ياسر قال كنت تربًا لرسول الله (صلى الله عليه وآله)في سنه لم يكن أحد أقرب به سنًا مني)(2).
وبهذا يتبين أنه ولد في عام الفيل الذي ولد به النبي(صلى الله عليه وآله) أو بتقدم أو تأخر قليلاً فنشأ مع النبي(صلى الله عليه وآله) في مكة وفي سنه فلم يكن بعيدًا عن النبي(صلى الله عليه وآله) في الجاهلية ولا في الإسلام.
نقل الهيثمي في مجمع الزوائد: (يقول عمار: أنا من أعلم الناس بتزويج رسول الله إياها -أي خديجة- كنت من إخوانه فكنت له خِدناً وإلفاً في الجاهلية، وإني خرجت مع رسول الله ذات يوم حتى مررنا على أخت خديجة وهي جالسة على أدمٍ لها فنادتني فانصرفت إليها، ووقف رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقالت: أما لصاحبك في تزويج خديجة حاجة؟ فأخبرته فقال: بلى لعمري، فرجعت إليها فأخبرتها بما قال رسول الله، قال اغد إلينا إذا أصبحت غدًا، فغدونا عليهم..)(3)، فهنا يبين عمار أنه كان أخاً للنبي(صلى الله عليه وآله) وخِدناً له وإلفًا في الجاهلية وكان النبي يألف له، وهذا الشرف لم يحصل عليه إلا القليل من الصحابة في هذا القرب المكاني والزماني والنفسي.
ب: إسلامه وإيمانه
قال ابن حجر: (كان من السابقين الأولين هو وأبوه، وكانوا ممن يعذب في الله، فكان النبي(صلى الله عليه وآله) يمر عليهم فيقول: صبرًا آل ياسر موعدكم الجنة. واختُلف في هجرته إلى الحبشة وهاجر إلى المدينة وشهد المشاهد كلها ثم شهد اليمامة فقطعت أذنه… عن عبد الله إن أول من أظهر إسلامه سبعة فذكر منهم عماراً)(4).
وقد تضافرت الروايات والأخبار في تعذيبه هو وأبواه في الصدر الأول من الإسلام وشهادة أبويه ونجاته ونزول القرآن فيه، فقد رافق النبي(صلى الله عليه وآله) في طفولته ولازمه في شبابه وآمن به في دعوته وكان من السابقين لهذا الأمر، وكان أبواه أول شهيدين في الإسلام وقد رسما للأمَّة طريق التضحية والفداء في سبيل المبدأ الذي آمنا به ورأيا فيه إنقاذ البشرية من براثن الشرك والظلم والجهل إلى معرفة الله والعدل والسعادة في الدارين، وإذا كان أبوَا عمار أول من استشهد في الإسلام وكان عمار معهم لكنه اختار الأرشد من الأمر-كما في الرواية- وإن كان كلا الأمرين رشيداً فينقذه الله بـ (التقية)لكي تمتد حياته بالجهاد ويأبى عمار إلا أن يشارك أبويه في وضع أساس الفضيلة لهذه الأمة كما شاركهم في التعذيب في سبيل الله فهما أول شهيدين، وقد بنى أول مسجد في الإسلام. قال الحاكم في مستدركه: (قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله)
المدينة أول ما قدمها، فقال عمار بن ياسر: ما لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بد من أن نجعل له مكانًا إذا استيقظ من قائلته استظل فيه وصلى فيه، فجمع عمار حجارة فسوى مسجد قباء، فهو أول مسجد بُني وعمار بناه). وقال: (أول من بنى مسجدًا فصلى فيه عمار بن ياسر)(5).
هكذا يلهم الله سبحانه هذا العبد الصالح ليبني أول مسجد في الإسلام ويسبق الأمة بهذا الفضل الجسيم ويكون مسجد قباء ذلك المسجد الذي أسس على التقوى ويكون المعمر عمارًا، ويبقى قباء إلى اليوم مسجدًا مقدسًا يصلي به المسلمون ويتوجهون للصلاة فيه من كل حدب وصوب، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يقصده ليصلي فيه، ولم تنتهِ قصة عمار مع المساجد بهذا بل يشارك في بناء مسجد المدينة، وإذا كان الصحابة يحملون لبنة لبنة فهو يحمل لبنتين كما في الروايات.
ج: جهاده وشجاعته
يعد عمار من الطليعة الأولى من المجاهدين، ومن المقاتلين الشجعان الذين يندر أن ترى مثلهم من الصحابة؛ وذلك لطول حياته التي امتدت بالجهاد فمن تعذيب مكة إلى غزوات النبي(صلى الله عليه وآله) واليمامة وانتهاءً بمجاهدة علي(عليه السلام) للناكثين والقاسطين حيث كان عمار من القادة فيها. جاء في الاستيعاب:
(وهاجر إلى أرض الحبشة وصلى القبلتين وهو من المهاجرين الأولين ثم شهد بدرًا والمشاهد كلها وأبلى ببدر بلاءً حسنًا ثم شهد اليمامة فأبلى فيها أيضا ويومئذ قطعت
أذنه)(6).
ومما روي: هبط جبرائيل على رسول الله(صلى الله عليه وآله)
يوم أُحد وكان يسأل عن الصحابة إلى أن قال: (من هذا الذي بين يديك يتقي عنك قال: عمار بن ياسر)(7). وأيضًا: (عن ابن عمر قال رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرون أنا عمار بن ياسر أمن الجنة تفرون أنا عمار بن ياسر هلم إلي وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت فهي تذبذب وهو يقاتل أشد القتال)(8).
د: صفته وعلاقته مع القرآن
إن كانت علاقته مع النبي(صلى الله عليه وآله) حميمة ومع المسجد قديمة فلابد أن تكون علاقته مع القرآن عظيمة، فقد حدث ابن الجارود وهو يصف لنا جيش الإمام حين توجه إلى البصرة قال: (..ثم مر بنا فارس آخر على فرس أشهب عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد سدلها من بين يديه ومن خلفه شديد الأدمة عليه سكينة ووقار رافعًا صوته بقراءة القرآن متقلدًا سيفًا متنكباً قوسًا معه راية بيضاء في ألف من الناس مختلفي التيجان، خلفه مشيخة وكهول وشباب كأنما أوقفوا للحساب، أثر السجود قد أثر في جباههم، فقلت: من هذا؟ فقيل: عمار بن ياسر في عدة من الصحابة من المهاجرين والأنصار وأبنائهم..)(9). إن هذه الكتيبة من جيش الإمام التي يقودها عمار، وهم بهذه الصفة ورائدهم عمار الذي أثر بهديه وتقواه عليهم حتى أصبحوا في جو ملكوتي يخترق هذه القرون ليؤثر على القارئ وهو يتمعن في هذه اللوحة الفنية التي رسمها عمار وكتيبته، وصوت القرآن يعلو من هذا الشيخ الذي عايش نزول الرسالة ورسولها وفهم القرآن ووعى آياته وطبق أحكامه.
و: فقهه وحكمته
لم يكن في فقهه أقل شأنًا من سابقته وجهاده، بل كان من فقهاء الصحابة وحكماء المسلمين وكان معلماً وداعيةً من دعاة النبي (صلى الله عليه وآله)
يعلم الناس شرائع الإسلام ويوضح لهم آيات القرآن، فقد نقل عن عمار بن ياسر قوله: (بعثني رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى حي من قيس أعلمهم شرائع الإسلام قال فإذا قوم كأنهم الإبل الوحشية طامحة أبصارهم ليس لهم هم إلا شاة أو بعير فانصرفت إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)
فقال: يا عمار ما عملت؟ فقصصت عليه قصة القوم وأخبرته بما بهم من السهوة، قال(صلى الله عليه وآله):
يا عمار ألا أخبرك بأعجب منهم، قوم علموا ما جهل أولئك ثم سهوا كسهوهم)(10).
ز: عفوه وتسامحه
1- قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج5 ص340: (إن أهل البصرة غزوا نهاوند فأمدهم أهل الكوفة وعليهم عمار بن ياسر فظهروا فأراد أهل البصرة أن لا يقسموا لأهل الكوفة فقال رجل من بني تميم أو من بني عطارد أيها العبد الأجدع تريد أن تشركنا في غنائمنا… فقال: خير أُذنيَّ سببت!. رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح)، كان عمار أميرًا على الكوفة في زمن عمر وكذا كان أميرًا على الجيش، وكان من الصحابة السابقين الذين لهم مكانة خاصة عند الصحابة فضلًا عن المسلمين المتأخرين الذين لم يدركوا النبي(صلى الله عليه وآله)، فكان في هذا الوقت يملك كل الإمكانات للتنكيل بهذا الشخص الذي سبَّه هذا السب اللّاذع، ولكن بماذا استقبله عمار! استقبله بعبارة هادئة تبين له خطأه، هي قوله: إنك سببت أذني المقطوعة في سبيل الله وهي خيرٌ من أُذني الباقية.
2- وفي التمهيد لابن عبد البر عن ابن عباس ( إن عمار بن ياسر أخذ سارقًا فقال ألا أستره لعل الله يسترني).
ح: استجابته للنبي(صلى الله عليه وآله) واستباقه للخيرات
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ...) (الأنفال: 24) نذكر قصتين في سرعة استجابة عمار للنبي(صلى الله عليه وآله) وتطبيقه آيات القرآن الكريم:
1- نقل الحاكم النيسابوري في مستدركه رواية طويلة عن جابر، نقتبس منها محل الشاهد: (.. خرجنا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) في غزوة ذات الرقاع….. فنزل رسول الله(صلى الله عليه وآله) منزلًا فقال من رجل يكلأنا ليلتنا هذه؟ فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، فقالا نحن يا رسول الله، قال: فكونا بفم الشِعب. قال: وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله)
وأصحابه قد نزلوا إلى الشعب من الوادي…..)(11) (هذا حديث صحيح الإسناد)، وذكر ابن حجر العسقلاني في فتح الباري أن الأنصاري عباد بن بشير والمهاجري عمار بن ياسر.
2- عن جرير بن عبد الله قال :خرجنا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) فلما برزنا من المدينة إذا راكب يوضع نحونا فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله):
كأن هذا الراكب إياكم يريد، قال: فانتهى الرجل إلينا فسلم فرددنا عليه فقال له النبي(صلى الله عليه وآله): من أين أقبلت؟ قال من أهلي وولدي وعشيرتي، قال(صلى الله عليه وآله):
فأين تريد؟ قال أريد رسول الله(صلى الله عليه وآله)،
قال(صلى الله عليه وآله): فقد أصبته، قال: يا رسول الله علمني الإيمان، قال: تشهد أن لا الله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت. قال: قد أقررت..قال: ثم إن بعيره دخلت يده في شبكة جرذان فهوى بعيره وهوى الرجل فوقع على هامته فمات، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله):
عليَّ بالرجل. قال: فوثب إليه عمار بن ياسر وحذيفة فأقعداه، فقالا: يا رسول الله قُبض الرجل قال: فاعرض عنهما رسول الله(صلى الله عليه وآله)،
ثم قال لهما رسول الله(صلى الله عليه وآله) أما رأيتما إعراضي عن الرجلين، فإني رأيت ملكين يدسان في فيه من ثمار الجنة، فعلمت أنه مات جائعًا، ثم قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): هذا والله من الذين قال الله عز وجل: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ….) (الأنعام: 82)(12) فنرى عمارًا يبادر أيضاً ويسبق غيره استجابة للنبي(صلى الله عليه وآله) وطاعة له.
ط – تواضعه وزهده
1ـ أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن زيد بن وهب قال أقبل طلحة والزبير حتى نزلا البصرة فقبضا على عامل علي(عليه السلام) عليها ابن حنيف وأقبل علي(عليه السلام) حتى نزل بذي قار فأرسل عبد الله بن عباس إلى الكوفة فأبطأوا عليه، فأرسل إليهم عمارًا فخرجوا إليه… فصعد المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه وقام عمار أسفل من الحسن(13)… فالملاحظ من الرواية أنّ عماراً يكبر الحسن(عليه السلام) بأكثر من نصف قرن لكنّا نراه يرفع الإمام الحسن(عليه السلام) أعلى منه معترفًا بمنزلته، وتواضعًا منه وهذا ما لا يفعله الكثير.
2-نقل البيهقي في شعب الإيمان ج7ص399: (مرَّ عمار بن ياسر على ابن مسعود وهو يؤسس داره فقال: كيف ترى يا أبا اليقظان؟ قال عمار: أراك بنيت شديدًا وأملت بعيدًا وتموت قريبًا).
3- عن أبي مريم قال: (سمعت عمار بن ياسر يقول سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول ما تزين الأبرار في الدنيا بمثل الزهد في الدنيا)(14)، وكان عمار مطبقًا لما سمع.

نشرت في العدد 62


1) الاستيعاب/ابن عبد البر ج3 ص1136.
2) ن.م. ص1137.
3) مجمع الزوائد/الهيثمي ج9ص221.
4) الإصابة/ابن حجر العسقلاني ج4ص473.
5) المستدرك/الحاكم النيسابوري ج3ص385.
6) الاستيعاب/ابن عبد البر ج3 ص1136.
7) المستطرف في كل فن مستظرف/الأبشيهي/ ج1 ص 243.
8) المستدرك/الحاكم النيسابوري ج3ص385.
9) مروج الذهب/ المسعودي ج2 ص360.
10) مجمع الفوائد/الهيثمي ج1 ص185.
11) المستدرك/الحاكم النيسابوري ج1ص156.
12) مسند أحمد بن حنبل ج4ص359.
13) المصنف/ابن ابي شيبة الكوفي ج8 ص720.
14) مسند أبي يعلى ج3ص191.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.