Take a fresh look at your lifestyle.

الإحرام.. مواقيته وآدابه

0 1٬430

 

            مكة البلد الحرام التي فيها البيت الحرام، هو أول بيت وضع للناس ليعبدوا الله فيه (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا)، ثم فرض الله حجه على المسلمين، فقال سبحانه: (وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:96ـ97).

             ولحرمة هذا البيت وعظمته، ولترسيخ هيبته في نفوس المسلمين وبيان مكانته عند الله، فرض الله سبحانه الإحرام على المسلم قبل دخول مكة لحج أو عمرة، (فإنّه لا يجوز دخولها إلَّا محرمًا)(1)، إلَّا في بعض الموارد، وقد ذكرها الفقهاء في رسائلهم العملية.

              فالإحرام منسك من مناسك الحج والعمرة، وهو بمثابة الطهارة للصلاة، فكما لا صلاة بلا طهارة، كذلك لا عمرة أو حج بلا إحرام.

 

   حِكمةُ الإحرام

               ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام): وَجَبَ الإِحرامُ لِعِلَّةِ الحَرَمِ(2).

            وكذلك حديث الإمام الرضا(عليه السلام): فَإِن قيلَ: فَلِمَ أُمِروا بِالإِحرامِ؟ قيلَ: لأَن يَخشَعوا قَبلَ دُخولِهِم حَرَمَ اللهِ وأمنَهُ، ولَئَلاّ يَلهوا ويَشتَغِلوا بِشَيء مِن أُمورِ الدُّنيا وزينَتِها ولَذّاتِها، ويَكونوا صابِرينَ فيما هُم فيهِ قاصِدينَ نَحوَهُ مُقبِلينَ عَلَيهِ بِكُلِّيَّتِهِم، مَعَ ما فيهِ مِنَ التَّعظيمِ للهِ عَزَّ وجَلَّ ولِبَيتِهِ، والتَّذَلُّلِ لأَنفُسِهِم عِندَ قَصدِهِم إلَى اللهِ تَعالى، ووِفادَتِهِم إلَيهِ، راجينَ ثَوابَهُ، راهِبينَ مِن عِقابِهِ، ماضينَ نَحوَهُ، مُقبِلينَ إلَيهِ بِالذُّلِّ والاِستِكانَةِ والخُضوعِ(3).

 المواقيت

          المواقيت: جمع ميقات، والميقات: معناه في اللغة موضع الإحرام للحاج أو المعتمر، وهو موافق للمعنى الشرعي. والمواقيت على قسمين: زمانية ومكانية(4):

  المواقيت الزمانية:

               هي الأشهُر المعلومة التي بينها الله تعالى في كتابه العزيز بقول: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ...)(البقرة:197). فيجب على كل مكلف مستطيع للحج أن يحج في هذه الأشهر المعلومات التي هي: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، كما ورد ذلك عن الإمام الباقر(عليه السلام)(5).

             هذا بالنسبة إلى الحج، وأما بالنسبة إلى العمرة المفردة، فقد جعل الله تعالى وقتها أوسع من وقت الحج، وهي طيلة أيام السنة.

  والمواقيت المكانية:

            هي الحدود التي لا يجوز للحاج أن يتعداها إلّا بإحرام منها أو ما يحاذيها، وهذه المواقيت محيطة بمكة المكرمة من جميع جهاتها، فلكل حاج قادم من مصر من الأمصار نحو مكة، هناك أماكن خصصتها الشريعة الإسلامية المطهرة للإحرام منها، فعن الإمام الصادق(عليه السلام): الإِحرامُ مِن مَواقيتَ خَمسَة وَقَّتَها رَسولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله)، لا يَنبَغي لِحاجٍّ ولا لِمُعتَمِر أن يُحرِمَ قَبلَها ولا بَعدَها… ولا يَنبَغي لأَحَد أن يَرغَبَ عَن مَواقيتِ رَسولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله)(6).

            وقد حدد لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه المواقيت، فعن الإمام الصادق(عليه السلام): مِن تَمامِ الحَجِّ والعُمرَةِ أن تُحرِمَ مِنَ المَواقيتِ الَّتي وَقَّتَها رَسولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله)، ولا تُجاوِزَها إلاّ وأنتَ مُحرِمٌ، فَإِنَّهُ وَقَّتَ لأَهلِ العِراقِ – ولَم يَكُن يَومَئِذ عِراقٌ – (بَطنَ العَقيقِ) مِن قِبَلِ أهلِ العِراقِ، ووَقَّتَ لأَهلِ اليَمَنِ (يَلَملَمَ)، ووَقَّتَ لأَهلِ الطّائِفِ (قَرنَ المَنازِل)، ووَقَّتَ لأَهلِ المَغرِبِ (الجُحفَةَ) وهِيَ مَهيَعَةُ، ووَقَّتَ لأَهلِ المَدينَةِ (ذَا الحُلَيفَةِ) ـ مسجد الشجرة ـ(7).

           هذه هي المواقيت الرئيسة، تضاف اليها مواقيت أخرى ذكرها الفقهاء لمن يتعذر عليه المرور بتلك المواقيت المذكورة. وهي(8):

1ـ مكة:

           وهي ميقات حج التمتع.

2ـ المنزل الذي يسكنه المكلف:

           وهو ميقات من كان منزله دون الميقات إلى مكة، فإنه يجوز له الإحرام من منزله ولا يلزم عليه الرجوع إلى المواقيت.

3ـ الجعرانة:

           وهي ميقات أهل مكة لحج القران أو الإفراد.

4ـ محاذاة مسجد الشجرة:

           فإن من أقام بالمدينة شهرًا أو نحوه وهو يريد الحج، ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة، فإذا سار ستة أميال كان محاذيًا للمسجد، ويحرم من محل المحاذاة.

5ـ أدنى الحِل:

            (يعني قبيل الدخول إلى منطقة الحرم المحيطة بمكة، وهي المنطقة التي لا يجوز لحاج دخولها إلّا مُحرمًا)(9). (وهو ميقات العمرة المفردة بعد حج القران أو الإفراد، بل لكل عمرة مفردة لمن كان بمكة وأراد الاتيان بها، والأفضل أن يكون من الحديبية أو الجعرانة، أو التنعيم)(10).

               وبذلك تكون مجموع المواقيت عشرة بحسب الرسائل العملية لدى الفقهاء.

  كيفيَّة الإحرام

            يبدأ الإحرام بارتداء ثوبي الإحرام (الإزار والرداء)، والنية للإحرام، ثم تعقبه التلبية، وقد بين لنا أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كيفية الإحرام، فعن الإمام الصادق(عليه السلام): (لا يَكونُ إحرامٌ إلّا في دُبُرِ صَلاة مَكتوبَة، أحرَمتَ في دُبُرِها بَعدَ التَّسليمِ. وإن كانَت نافِلَةً صَلَّيتَ رَكعَتَينِ، وأحرَمتَ في دُبُرِهِما. فَإِذَا انفَتَلتَ مِن صَلاتِكَ فَاحمَدِ اللهَ وأثنِ عَلَيهِ، وصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ(صلى الله عليه وآله)

             وقُل ـ استحباباً ـ : (اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ أن تَجعَلَني مِمَّن استَجابَ لَكَ وآمَنَ بِوَعدِكَ واتَّبَعَ أمرَكَ، فَأنّي عَبدُكَ وفي قَبضَتِكَ، لا أُوقى إلاّ ما وَقَيتَ، ولا آخُذُ إلاّ ما أعطَيتَ، وقَد ذَكَرتَ الحَجَّ فَأَسأَلُكَ أن تَعزِمَ لي عَلَيهِ وعَلى كِتابِكَ وسُنَّةِ نَبِيِّكَ، وتُقَوِّيَني عَلى ما ضَعُفتُ عَنهُ، وتَسَلَّم مِنّي مَناسِكي في يُسر مِنكَ وعافِيَة، واجعَلني مِن وَفدِكَ الَّذي رَضيتَ وارتَضَيتَ وسَمّيتَ وكَتَبتَ. اللّهُمَّ فَتَمِّم لي حَجَّتي وعُمرَتي. اللّهُمَّ إنّي أُريدُ التَّمَتُّعَ بِالعُمرَةِ إلَى الحَجِّ عَلى كِتابِكَ وسُنَّةِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ، فَإِن عَرَضَ لي شَيءٌ يَحبِسُني فَخَلِّني حَيثُ حَبَستَني، لِقَدَرِكَ الَّذي قَدَّرتَ عَلَيَّ، اللّهُمَّ إن لَم تَكُن حَجَّةً فَعُمرَةٌ، أحرَمَ لَكَ شَعري وبَشَري ولَحمي ودَمي وعِظامي ومُخِّي وعَصَبي مِنَ النِّساءِ والثِّيابِ والطِّيبِ، أبتَغي بِذلِكَ وَجهَكَ والدّارَ الآخِرَةَ).

            ويُجزيكَ أن تَقولَ هذا مَرَّةً واحِدَةً حينَ تُحرِمُ. ثُمَّ قُم فَامشِ هُنَيئَةً، فَإِذَا استَوَت بِكَ الأَرضُ – ماشِيًا كُنتَ أو راكِبًا – فَلَبِّ(11).

  التَّلبيَة 

             إن ارتداء ثوبي الإحرام وما تلاه من نية للإحرام مع الأذكار والأدعية المسنونة، ليس كافيًا ليكون الحاج أو المعتمر مُحرِمًا، إلّا بعد أن يجهر بالتلبية، وهو قوله: (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك)، فإذا لبّى كذلك، أصبح مُحرِمًا، وحرمت عليه أشياء معينة كالمقاربة الجنسية للنساء، والطيب، ولبس الثياب المخيطة والتدهين، والصيد وغير ذلك(12).

             فالتلبية في الإحرام، بمثابة تكبيرة الإحرام في الصلاة، فكما لا يدخل في الصلاة إلّا بعد تكبيرة الإحرام، ولا يجوز لمن أتى بها ـ تكبيرة الإحرام ـ، أن يأتي بمنافيات الصلاة، فكذلك (لا ينعقد إحرام حج التمتع وإحرام عمرته، ولا إحرام حج الإفراد، ولا إحرام حج العمرة المفردة إلّا بالتلبية)(13)، فلا يجوز لمن لبس ثوبي الإحرام ثم لبّى، أن يأتي بمنافيات الإحرام.

             عن سُلَيمانُ بنُ جَعفَر: سَأَلتُ أبَا الحَسَنِ الرضا(عليه السلام) عَنِ التَّلبِيَةِ وعِلَّتِها، فَقالَ: إنَّ النّاسَ إذا أحرَموا ناداهُمُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ، فَقالَ: عِبادي وإمائي، لأحَرِّمَنَّكُم عَلَى النّارِ، كَما أحرَمتُم لي، فَقَولُهُم: (لَبَّيكَ اللّهُمَّ لَبَّيكَ)، إجابَةٌ للهِ عَزَّ وجَلَّ عَلى نِدائِهِ إياهُم(14).

  كيفيَّة التَّلبية

            لقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) كيفية التلبية، فقال(عليه السلام): إنَّ رَسولَ اللهِ(صلى الله عليه وآله) لَمَّا انتَهى إلَى البَيداءِ – حَيثُ المَيلُ – قُرِّبَت لَهُ ناقَةٌ فَرَكِبَها، فَلَمَّا انبَعَثَت بِهِ لَبّى بِالأَربَعِ، فَقالَ: (لَبَّيكَ اللّهُمَّ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ لا شَريكَ لَكَ لَبَّيكَ، إنَّ الحَمدَ وَالنِّعمَةَ لَكَ وَالمُلكَ، لا شَريكَ لَكَ)(15).

             وفي رواية أخرى عنه(عليه السلام): لَمّا لَبّى رَسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) قالَ: (لَبَّيكَ اللّهُمَّ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ لا شَريكَ لَكَ لَبَّيكَ، إنَّ الحَمدَ والنِّعمَةَ لَكَ والمُلكَ، لا شَريكَ لَكَ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ ذَا المَعارجِ لَبَّيكَ. وكانَ (صلى الله عليه وآله) يُكثِرُ مِن ذِي المَعارِجِ، وكانَ يُلَبّي كُلَّما لَقِيَ راكِبًا، أو عَلا أكَمَةً، أو هَبَطَ وادِيًا، ومِن آخِرِ اللَّيلِ، وفي أدبارِ الصَّلَواتِ(16).

              وقد ورد أيضًا عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: (التَّلبِيَةُ: لَبَّيكَ اللّهُمَّ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ لا شَريكَ لَكَ لَبَّيكَ، إنَّ الحَمدَ والنِّعمَةَ لَكَ والمُلكَ، لا شَريكَ لَكَ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ ذَا المَعارِجِ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ داعِيًا إلَى دارِ السَّلامِ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ غَفّارَ الذُّنوبِ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ أهلَ التَّلبِيَةِ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ ذَا الجَلالِ والإِكرامِ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ تُبدِئُ والمَعادُ إلَيكَ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ تَستَغني ويُفتَقَرُ إلَيكَ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ مَرهوبًا ومَرغوبًا إلَيكَ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ إلهَ الحَقِّ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ ذَا النَّعماءِ والفَضلِ والحَسَنِ الجَميلِ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ كَشّافَ الكُرَبِ العِظامِ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ عَبدُكَ وابنُ عَبدَيكَ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ يا كَريمُ لَبَّيكَ)….

            وأكثِر مَا استَطَعتَ واجهَر بِها، وإن تَرَكتَ بَعضَ التَّلبِيَةِ فَلا يَضُرُّكَ، غَيرَ أنَّ تَمامَها أفضَلُ. واعلَم أنَّهُ لابُدَّ لَكَ مِنَ التَّلبِياتِ الأَربَعِ في أوَّلِ الكَلامِ، وهِيَ الفَريضَةُ، وهِيَ التَّوحيدُ، وبِها لَبَّى المُرسَلونَ. وأكثِر مِن ذِي المَعارِجِ، فَإِنَّ رَسولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) كانَ يُكثِرُ مِنها، وأوَّلُ مَن لَبّى إبراهيمُ (عليه السلام)، قالَ: (إنَّ اللهَ يَدعوكُم إلى أن تَحُجّوا بَيتَهُ) فَأَجابوهُ بِالتَّلبِيَةِ، فَلَم يَبقَ أحَدٌ أخَذَ ميثاقَهُ بِالمُوافاةِ في ظَهرِ رَجُل ولا بَطنِ امرَأَة إلاّ أجابَ بِالتَّلبِيَةِ(17).

 ثوابُ التَّلبيَة

              لقد وردت عدة روايات عن ثواب التلبية، منها:

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما مِن حاجٍّ يُضحي مُلَبِّيًا حَتّى تَزولَ الشَّمسُ، إلاّ غابَت ذُنوبُهُ مَعَها(18).

وعنه (صلى الله عليه وآله): ما من مسلم يضحّي للهِ يلبّي حتّى تغيب الشمس إلَّا غابت بذنوبه، فعاد كما ولدته أمّه(19).

كذلك قوله(صلى الله عليه وآله): مَن لَبّى في إحرامِهِ سَبعينَ مَرَّةً إيمانًا واحتِسابًا، أشهَدَ اللهُ لَهُ ألفَ ألفِ مَلَك بِبَراءَة مِنَ النّارِ وبَراءَة مِنَ النِّفاقِ(20).

  آدابُ التَّلبيَة

             وردت عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) عدة آداب للتلبية، أهمها:

* الخُشوع:

           ـ عن سُفيان بن عُيَينَة: حَجَّ زَينُ العابِدينَ(عليه السلام)، فَلَمّا أحرَمَ واستَوَت بِهِ راحِلَتُهُ اصفَرَّ لَونُهُ ووَقَعَت عَلَيهِ الرِّعدَةُ، ولَم يَستَطِع أن يُلَبِّيَ. فَقيلَ: ألا تُلَبّي؟ فَقالَ: أخشى أن يَقولَ لي: لا لَبَّيكَ ولا سَعدَيكَ! فَلَمّا لَبّى خَرَّ مَغشِيًّا عَلَيهِ وسَقَطَ عَن راحِلَتِهِ، فَلَم يَزَل يَعتَريهِ ذلِكَ حَتّى قَضى حَجَّهُ(21).

            ـ عن مالِك بن أنَس: حَجَجتُ مَعَهُ (أيِ الإِمامِ الصّادِقِ(عليه السلام)) سَنَةً، فَلَمَّا استَوَت بِهِ راحِلَتُهُ عِندَ الإِحرامِ كانَ كُلَّما هَمَّ بِالتَّلبِيَةِ انقَطَعَ الصَّوتُ في حَلقِهِ، وكادَ أن يَخِرَّ مِن راحِلَتِهِ، فَقُلتُ: قُل يَا ابنَ رَسولِ اللهِ، ولابُدَّ لَكَ مِن أن تَقولَ. فَقالَ: يَا أبنَ أبي عامِر، كَيفَ أجسُرُ أن أقولَ: (لَبَّيكَ اللّهُمَّ لَبَّيكَ) وأخشى أن يَقولَ تَعالى لي: لا لَبَّيكَ ولا سَعدَيكَ؟!(22)

 * الإكثار:

             من آداب التلبية تكرارها والإكثار منها، فقد ورد: إنَّ النَّبِيَّ(صلى الله عليه وآله) كانَ يُكثِرُ مِنَ التَّلبِيَةِ (23).

  رَفعُ الصَّوتِ لِلرِّجالِ:

          يستحب للرجال رفع صوتهم في التلبية، فقد روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قوله: أتاني جَبرَئيلُ(عليه السلام) فَقالَ: إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ يَأمُرُكَ أن تَأمُرَ أصحابَكَ أن يَرفَعوا أصواتَهُم بِالتَّلبِيَةِ، فَإِنَّها شِعارُ الحَجِّ(24).

              وعن الامام الصادق(عليه السلام): لَيسَ عَلَى النِّساءِ جَهرٌ بِالتَّلبِيَةِ(25).

* قَطعُ التَّلبيَة عندَ رؤيَة بُيوتِ مكَّة:

               فقد ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام): المُتَمَتِّعُ إذا نَظَرَ إلى بُيوتِ مَكَّةَ قَطَعَ التَّلبِيَةَ(26).

               وعنه (عليه السلام) أيضًا: إذا دَخَلتَ مَكَّةَ وأنتَ مُتَمَتِّعٌ فَنَظَرتَ إلى بُيوتِ مَكَّةَ فَاقطَعِ التَّلبِيَةَ(27).

  ما لا يَجوزُ للمُحرِم

             لقد حددت الشريعة المقدسة التروك (ما يحرم على المحرم) التي ينبغي للمحرم الالتزام بها، وذلك من خلال آيات القرآن الكريم والسنة الشريفة، فقد قال تعالى:

             (يا أيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَقتُلُوا الصَّيدَ وأنتُم حُرُمٌ ومَن قَتَلَهُ مِنكُم مُتَعَمِّدًا فَجَزاءٌ مِثلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحكُمُ بِهِ ذَوا عَدل مِنكُم هَديًا بالِغَ الكَعبَةِ أو كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكينَ أو عَدلُ ذلِكَ صِيامًا لِيَذوقَ وَبالَ أمرِهِ عَفَا اللهُ عَمّا سَلَفَ ومَن عادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنهُ واللهُ عَزيزٌ ذُو انتِقام * أُحِلَّ لَكُم صَيدُ البَحرِ وطَعامُهُ مَتاعًا لَكُم ولِلسَّيّارَةِ وحُرِّمَ عَلَيكُم صَيدُ البَرِّ ما دُمتُم حُرُمًا واتَّقُوا اللهَ الَّذي إلَيهِ تُحشَرونَ ) (المائدة: 95 ـ96) .

            وقد روي عن الإمام الصادق(عليه السلام): لا تَمُسَّ شَيئًا مِنَ الطِّيبِ وأنتَ مُحرِمٌ، ولا مِنَ الدُّهنِ، واتَّقِ الطّيبَ، وأمسِك عَلى أنفِكَ مِنَ الرّيحِ الطَّيِّبَةِ، ولا تُمسِك عَلَيها مِنَ الرّيحِ المُنتِنَةِ؛ فَإنَّهُ لا يَنبَغي لِلمُحرِمِ أن يَتَلَذَّذَ بِريح طَيِّبَة. واتَّقِ الطّيبَ في زادِكَ، فَمَنِ ابتُلِيَ بِشَيء مِن ذلِكَ فَليُعِد غُسلَهُ وليَتَصَدَّق بِصَدَقَة بِقَدرِ ما صَنَعَ. وإنَّما يَحرُمُ عَلَيكَ مِنَ الطّيبِ أربَعَةُ أشياءَ: المِسكُ والعَنبَرُ والوَرسُ والزَّعفَرانُ، غَيرَ أنَّهُ يُكرَهُ لِلمُحرِمِ الأَدهانُ الطَّيِّبَةُ، إلاَّ المُضطَرَّ إلَى الزَّيتِ أو شِبهِهِ يَتَداوى بِهِ(28).

         وقد بينت كتب الفقه التروك التي ينبغي للمحرم أن يلتزم بها، فإذا أحرم المكلف حرمت عليه أمور، وهي خمسة وعشرون(29) وكما يلي:

(1) الصيد البري (2) مجامعة النساء (3) تقبيل النساء (4) لمس المرأة (5) النظر إلى المرأة (6) الاستمناء (7) عقد النكاح (8) استعمال الطيب (9) لبس المخيط للرجال (10) التكحل (11) النظر في المرآة (12) لبس الخف والجورب للرجال (13) الكذب والسب (14) المجادلة (15) قتل القمل ونحوه من الحشرات التي تكون على جسد الإنسان (16) التزيين (17) الإدهان (18) إزالة الشعر من البدن (19) ستر الرأس للرجال وهكذا الارتماس في الماء حتى على النساء (20) ستر الوجه للنساء (21) التظليل للرجال (22) إخراج الدم من البدن (23) التقليم (24) قلع السن (25) حمل السلاح(30).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ العروة الوثقى/السيد اليزدي/ج4ص598، وقد أجمع الفقهاء على ذلك فراجع الرسائل العملية.
2ـ من لا يحضره الفقيه/الشيخ الصدوق/ج2ص195.
3ـ علل الشرايع/الشيخ الصدوق/ج1ص274.
4ـ ينظر: مناسك الحج/ السيد الكلبايكاني/ص81.
5ـ معاني الأخبار/الشيخ الصدوق/ص294.
6ـ الكافي/الكليني/ ج4ص319ص.
7ـ تهذيب الأحكام/الشيخ الطوسي/ج5ص54.
8ـ ينظر: كتاب الحج/السيد الخوئي/ج3ص296ـ وعدد من الرسائل العملية لفقهاء الإمامية.
9ـ الفتاوى الواضحة/السيد محمد باقر الصدر/ص553.
10ـ شرح المناسك/الحج (موسوعة السيد الخوئي) تقرير بحث السيد الخوئي للخلخالي/ ج28 ص233.
11ـ الكافي/الكليني/ج4ص331.
12ـ يراجع تفصيلها في مناسك الحج في الكتب الفقهية.
13ـ مستمسك العروة الوثقى/السيد الحكيم/ج11ص395.
14ـ علل الشرايع/الشيخ الصدوق /ج2ص416.
15ـ وسائل الشيعة/الحر العاملي/ج12ص376.
16ـ الكافي/الكليني/ج4ص249.
17ـ الكافي/ الكليني/ج4ص336.
18ـ من لا يحضره الفقيه/الشيخ الصدوق/ج2ص222.
19ـ منتهى المطلب/العلامة الحلي/ج10ص238.
20ـ الكافي/الكليني/ج4ص337.
21ـ رسائل الشهيد الثاني/الشهيد الثاني/ج1ص397.
22ـ أمالي الشيخ الصدوق/ص234.
23ـ معرفة السنن والآثار/البيهقي/ج3ص558.
24ـ السنن الكبرى/البيهقي/ج5ص42.
25ـ الكافي/الكليني/ج4ص336.
26ـ تذكرة الفقهاء/العلامة الحلي/ج7ص254.
27ـ م.ن.
28ـ روضة المتقين/المجلسي الأول/ج4ص428.
29ـ كتاب الحج/السيد الخوئي/ج3ص360.
30ـ ومن أراد المزيد فليراجع تفصيل ذلك في الرسائل العملية للفقهاء ـ باب مناسك الحج) (وسائل الشيعة: 12 / 415 – 565 أبواب تروك الإحرام).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.