وردت مفاهيم الزمن والزمن النسبي في الكثير من الآيات القرآنية بألفاظ أخرى مثل: لحظة، لمح، ساعة، يوم، شهر، سنة، سنين وغيرها، للتعبير عن نسبية الزمن وأنه لم يكن مطلقًا، إلّا في صور معينة من الحوادث عبر عنها الله تعالى في كتابه الكريم، بينما عبر في صور أخرى لتقدير الزمن بالحالة النسبية،
كما في قوله تعالى: (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)(الحج:47)،
وقوله تعالى: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)(المعارج:4)،
وقوله تعالى: (أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)(النمل: 40)،
فنلاحظ أن أقيام الزمن متباينة، وقد يطلق على الزمن باليوم عند التعبير عن الأحقاب الزمنية، مثل قوله تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)(الأعراف: 54)،
أو قوله تعالى: (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)(القمر:50)،
للتعبير عن الحادثة بلمح بالبصر أو هو أقرب مثل يوم قيام الساعة، هنا يدخل مفهوم البصريات باعتبار أن أسرع شيء هو الموجات الكهرومغناطيسية في الطيف الكهرومغناطيسي حاليًا، وقد عرفت جسيمات أسرع منها ولازالت التجارب المختبرية متواصلة في هذا الشأن مقاربة لقوله: (أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) (النحل:77).
فالقرآن الكريم لا يفرد لموضوع الزمن سُوَرًا ولا آيات خاصة به، فهو يخالف بالتالي منهج الدراسات المعاصرة، فالزمن يغوص في كل جزئيات الكون، وأسلوبه هو نفسه الأسلوب الذي يغمر الكون والحياة، بعيدًا عن الأسلوب المقيد الجاف. فهناك تحديد دقيق لمكان الألفاظ وسياقها، وهناك تشابه مطلق لفظًا واختلاف في المعنى، وفي المعنى الشامل يمكن أن تدخل كل الوسائل والآلات التي يوزن بها الزمن والتي تحدد بها مقاديره.
يقول الله سبحانه وتعالى: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)(الرحمن:29)، أي في كل بقعة في الكون لها زمن نسبي فـ (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، وقوله في سورة فصلت: (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ)(فصلت:9)، يعني في ألفي سنة من أيامنا، وإحالتها إلى أرض بعدما كانت شمسًا.
النسبية الزمنية
يعيش الإنسان على سطح الكرة الأرضية مقيدًا بقوانين الكون كالزمان والمكان والجاذبية والغلاف الجوي وغير ذلك، ولهذه المحدودية المادية يعيش النسبية في مختلف مجالات حياته. والزمان وليد حركة الأفلاك والمنظومة الشمسية، وهو يختلف باختلاف حركتها، ففي الكرة الأرضية يقسم الزمان إلى (يوم) و(شهر) و(سنة)،
فـ (كل ما هو حولنا نسبي، فكل معارفنا التي توهمنا أنها حقائق لا غبار عليها، إنْ هي إلّا نتائج نسبية لا حقيقة مطلقة لها، …وأن لكل مكان زمان.. الوقت يقصر أو يطول بتغير الفضاء، ولكن لا نشعر بذلك لأن كل الحدود والأبعاد تقصر أو تطول بنفس النسبة،…المكان والزمان يختلفان بالمقدار باختلاف الفضاء المنسوبين إليه).
(… وأما الزمان فهو كالفضاء لفظة معبرة بنفسها غنية عن التحديد، وقد يسوغ أن ندعوه تعاقب الأشياء باللانهاية… فالزمان يتولد من تولد الأشياء وينقضي بانقضائها، وهو بقياس الأبدية، فتختلف الأزمنة على اختلاف العوالم، وخارج هذه التعاقبات الفانية تسود الأبدية وحدها، وتملأ بضيائها فلوات الفضاء التي هي غير محدودة)(1).
(إن النظريات العلمية هي عموميات مطلقة زمانًا، ونسبية زمانًا آخر، وهي عبارة عن علاقات ورموز تفسر العالم من حولنا أو هي اللغة اللازمة لشرح الظواهر إلى الحد الذي يجعلها متوافقة مع المنطق العقلي)(2).
(إن في القرآن الكريم مادة زمنية غزيرة تستلزم دراستها والبحث فيها، لتوضيح معالم الزمن القرآني، وتحديد قواعده وأسسه، وذلك بتوظيف المنهج القرآني العقلي البرهاني اليقيني في تفهمه)(3).
إن موضوع الزمن قد لاقى اهتمامًا كبيرًا لدى العلماء، من حيث كونه ذا دلالة قصوى في المسيرة الكونية، مع ما ينعكس منها على طبيعة الحياة البشرية.
إن الزمن له علاقة وطيدة مع المكان، ما يسمى بـ (الزمكان) وخصوص نسبية الزمن مع موقع الحادثة، ما هي التقديرات الزمنية لحادثة واحدة، ويعرف الزمن بأنه الوعاء الوقتي للحدث ويصنف إلى الزمن الكوني وهو يمثل حركة الكواكب والنجوم والأقمار والمجرات، والزمن الجغرافي وهو يتعلق بزمن حركة الأرض حول الشمس وحول نفسها وحركة القمر حول الأرض.
إن الزمن في عالم الغيب يعلمه الله تعالى والحدث يستوعب في الزمان والمكان. وهيئة الحدث وهو ما يمثله الناظر للحدث. وهو دومًا في حركة. مواصفات الحدث تتمثل في الرائحة والشكل واللون والطعم والصوت والإحساس الشعوري وغيرها، والمنظور لا يمثل دوما الحقيقة، بل بحسب الناظر. والموجود وهو ما خلقه الله تعالى. ففي الماضي لم يكن هناك مكان وزمان إذ كان الله ولم يكن معه شيء فالله (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ)(الحديد3:)
وكل منظور من قبل أي ناظر، هو نسبي (ماعدا الله سبحانه)، أي أن العلاقة بين الناظر والمنظور نسبية وهي شمولية، أي تشمل الأجزاء كلها وحدة النسبية بين الناظرين والمنظورين ما يؤدي إلى استقرارها، ومن ثم إلى تناسب استقراري بين الناظرين كفئة والمنظورين كفئة أخرى والناظرين والمنظورين كفئة ثالثة، فلا تكاد تمضي حقبة من الزمن إلا ويبهر بإعجازه العلماء والباحثين في النظرات التجريبية والنظرية الذين لا يستندون إلّا لما تمليه عليهم عقولهم ولا يصدقون إلّا ما يرونه بأعينهم المجردة،