Take a fresh look at your lifestyle.

عبد الله بن أبي يعفور العبدي كيف حاز المكانة الرفيعة بالتقية والكتمان

0 916

        يعد الثقة الجليل عبد الله بن أبي يعفور العبدي من أصحاب الامام الصادق(عليه السلام)الذين تختزن حياتهم مجموعة من المحطات المهمة على صعيد البحث التاريخي في حياة الأئمة(عليهم السلام) وتاريخ التشيع ومنهجية الحديث الشيعي.
فعلى صعيد البحث في تاريخ أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، يبرز ابن أبي يعفور من أوائل وكلاء الأئمة(عليه السلام)، وقد لعب الوكلاء أدواراً مهمة في مختلف المراحل التاريخية في حياة الأئمة المعصومين(عليهم السلام)، وكانت لهم مساهمات فكرية واجتماعية وسياسية مهمة، وأدوا مهام جسيمة في تعبئة الجماهير الشيعية، ونشر الفكر الشيعي في أصقاع واسعة من العالم، أما في رواية الحديث فله مكانة خاصة عند الإمام الصادق(عليه السلام)، وله روايات فقهية وعقدية مهمة في جوانب معرفية مختلفة .

نسبه ونشأته
هو أبو محمد، عبد الله بن أبي يعفور، الكوفي، العبدي بالولاء، ذكر الشيخ الطوسي في رجاله أنه مولى عبد القيس (العبدي)(1)، واسم أبي يعفور وقدان أو واقد(2)، اشتهر عبد الله بن أبي يعفور بكونه من أصحاب الإمام الصادق(عليه السلام)، إلا أن ثمة ما يؤكد إدراكه للإمام الباقر (عليه السلام) وروايته عنه، ومن ذلك رواية الإمام الكاظم(عليه السلام) الواردة في الاختصاص وروضة الواعظين باعتباره من حواريي الإمام الباقر والصادق(عليهما السلام)(3)، ويزيد ذلك تأكيدًا تصريح عبد الله بن أبي يعفور بالتحدث عن الإمام الباقر(عليه السلام) في رواية النعماني في الغيبة ص315 .
ينحدر عبد الله بن أبي يعفور من أسرة كوفية معروفة برواية الحديث، فأبوه واقد أو وقدان العبدي يعدّ من الثقات المعروفين عند العامة، وأغلب الظن أنه كان على مذهب العامة بخلاف أولاده، وذلك لأنه لم يروِ عن أحد من أهل البيت(عليهم السلام)، ولم يروِ عنه رواة الشيعة،كما أن طبيعة مروياته التي لا تنسجم مع المعارف الشيعية،هذا فضلًا عن توثيقه من قبل كبار أئمة العامة في الجرح والتعديل.
إن هذه النتيجة تدلنا على جانب مخفي من شخصية عبد الله بن أبي يعفور، وهو أنه لم يأخذ التشيع تقليدًا للآباء وتأثرًا بالموروث العائلي أو القبلي، وإنما كان تشيعه عن معرفة وبصيرة واتباع للحجة والبرهان، وهو ما تثبته النصوص والمرويات التاريخية .
سكن عبد الله بن أبي يعفور في الكوفة، وكان بيته قريبًا من بيت القاضي أبي يوسف (113-181) تلميذ أبي حنيفة، وكان قارئًا للقرآن يقرأ في مسجد الكوفة، وكان إلى جنب فقهه وعلمه يعمل من كد يده، وله دكان في الكوفة يسترزق منه .
وقد صحب عبد الله بن أبي يعفور كبار أصحاب الإمام الصادق(عليه السلام) كزرارة بن أعين والمعلى بن خنيس وهشام بن سالم وأبي بصير وحماد بن عيسى والصباح بن سيابة .

علاقته بالإمام الصادق(عليه السلام)
تتحدث المنقولات الروائية والتاريخية أن لعبد الله بن أبي يعفور (رضي الله عنه) مكانة خاصة عند أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، فقد كان موضع ثقته، ومحط اهتمامه ورعايته، وكان من توقير الإمام الصادق(عليه السلام)له أنه كان يخصه بالكلام والتوجيه دون غيره من الحاضرين، ويرسل إليه السلام من المدينة إلى الكوفة، وفي النصوص ما يشير إلى توكله للإمام الصادق(عليه السلام)(4)،

وبذلك يعد من أوائل وكلاء الأئمة الذين وصلتنا النصوص بوكالتهم، وكانت الوكالة في تلك الأعصار تقتصر على إفتاء الشيعة بمرويات أهل البيت(عليهم السلام)، والفصل في منازعات الشيعة وخصوماتهم، وجمع الحقوق الشرعية من الأخماس والزكوات، وتوزيع المساعدات على الفقراء والمحتاجين، إلى جانب رعاية الشيعة وتقوية عقيدتهم والتصدي لحركات الغلو والانحراف التي تنشأ في بعض الحواضر الشيعية، وكان من ورعه وشدة احتياطه أنه كان يبكي عندما يوزع الزكاة بين أصحابه الفقراء فيسأل عن ذلك فيجيب : (أخاف أن يروا أنها من قبلي(5)وقد كلفه الإمام الصادق(عليه السلام) بالتصدي لبعض الغلاة وقتل قادتهم، من ذلك ما رواه الشيخ الكليني بسنده عن حماد بن عثمان، عن ابن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : إن بزيعًا يزعم أنه نبي فقال : إن سمعته يقول ذلك فاقتله، قال (ابن أبي يعفور) : فجلست له غير مرة فلم يمكني ذلك.(6).
أما في الجانب العلمي فقد كان عبد الله بن أبي يعفور من الفقهاء الذين يرجع إليهم الشيعة في الفتيا وأخذ الحديث والرواية، وكان إلى جانب ذلك لا يكلّ ولا يملّ عن طلب العلم وأخذ الرواية عن ثقات الشيعة وكبار فقهائهم.
وكان عبد الله بن أبي يعفور لا يوفر مسألة تخطر في باله إلا وسأل عنها أبا عبد الله الصادق (عليه السلام)، لا سيما في ما يواجهه من المسائل الابتلائية في أمور الطهارة والزواج والطلاق والمأكل والمشرب وسائر الأحكام من الواجبات إلى المستحبات، وله في كتب الفقه روايات كثيرة صارت معولًا للعديد من الفتاوى المشهورة في الفقه الجعفري .
وكان من علمه وسعة فقهه أن الإمام الصادق(عليه السلام) صوّب فتاواه غير مرة مفضلًا إياه على زرارة والمعلى بن خنيس، ومن ذلك اختلافه مع زرارة حول أفضلية الحلق أو النتف للإبط، وكان يرى أن الحلق أفضل بينما يرى زرارة النتف أفضل،فصوب الإمام رأي ابن أبي يعفور وخطأ زرارة،بقوله:(أصبت السنة وأخطأها زرارة، حلقه أفضل من نتفه، وطليه أفضل من حلقه)(7). ومن ذلك أن ابن أبي يعفور ومعلى بن خنيس كانا بالنيل (ناحية في العراق) على عهد أبي عبد الله (عليه السلام) فاختلفا في ذبايح اليهود، فأكل معلى ولم يأكل ابن أبي يعفور، فلما صارا إلى أبي عبد الله (عليه السلام)أخبره، فرضي بفعل ابن أبي يعفور وخطأ المعلى في أكله إياه (8) .
ابتلاؤه بالمرض
تشير النصوص الروائية أن عبد الله بن أبي يعفور كان مسقاماً، أي شديد المرض، دائم العلة، وهذا الأمر ربما يفسر ما رواه لنا من روايات الصبر على البلاء وتحمل آلام المرض وشدته، ففي الكافي 2\255 عنه قال : شكوت إلى أبي عبد الله(عليه السلام) ما ألقى من الأوجاع – وكان مسقاماً – فقال لي : (يا عبد الله، لو يعلم المؤمن ما له من الأجر في المصائب لتمنى أنه قرض بالمقاريض) وروى أيضًا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (عجبت للمرء المسلم لا يقضي الله عز وجل له قضاء إلا كان خيرًا له وإن قرض بالمقاريض كان خيرًا له وإن ملك مشارق الأرض ومغاربها كان خيرًا له(9).
وقد أورد الكشي تفاصيل سقمه وابتلائه، وكيفية شفائه من هذا المرض ببركة صبره والتزامه بأوامر الإمام الصادق (عليه السلام).
وثاقته عند الإمام الصادق(عليه السلام)
ذكرنا سابقاً جانباً من مكانة شيخنا الجليل عبد الله بن أبي يعفور العبدي عند الإمام الصادق(عليه السلام)، وأنه كان موضع ثقته حتى جعله وكيلاً، وقد وردت نصوص متظافرة تشهد بهذه المكانة المرموقة، وتصف موقع عبد الله بن أبي يعفور عند الإمام الصادق (عليه السلام) ومنها :
1. الشيخ المفيد – الاختصاص 195: عن حماد بن عثمان قال : أردت الخروج إلى مكة فأتيت ابن أبي يعفور مودعاً له فقلت : ألك حاجة ؟ قال : نعم تقرأ أبا عبد الله (عليه السلام) السلام، قال : فقدمت المدينة فدخلت عليه، فسألني ثم قال : ما فعل ابن أبي يعفور ؟ قال : قلت : صالح جعلت فداك آخر عهدي به، وقد أتيته مودعاً له فسألني أن أقرئك السلام، قال : (وعليه السلام اقرأه السلام صلى الله عليه وقل : كن على ما عهدتك عليه).
2. رجال الكشي 2\418 : عن زيد الشحام، قال : قال لي أبو عبد الله(عليه السلام) : (ما وجدت أحداً أخذ بقولي وأطاع أمري وحذا حذو أصحاب آبائي غير رجلين رحمهما الله : عبد الله بن أبي يعفور وحمران بن أعين، أما إنهما مؤمنان خالصان من شيعتنا، أسماؤهم عندنا في كتاب أصحاب اليمين الذي أعطى الله محمداً) .
3. رجال الكشي 2\515 : عن عدة من أصحابنا : كان أبو عبد الله(عليه السلام) يقول : (ما وجدت أحداً يقبل وصيتي ويطيع أمري، إلا عبد الله بن أبي يعفور) .
4. رجال الكشي 2\517 : كتب أبو عبد الله (عليه السلام) إلى المفضل بن عمر الجعفي حين مضى عبد الله بن أبي يعفور : (يا مفضل، عهدتُ إليك عهدي كان إلى عبد الله بن أبي يعفور صلوات الله عليه، فمضى صلوات الله عليه موفياً لله عز وجل ولرسوله ولإمامه بالعهد المعهود لله، وقبض صلوات الله على روحه محمود الأثر، مشكور السعي، مغفوراً له، مرحوماً برضا الله ورسوله وإمامه عنه، فبولادتي من رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان في عصرنا أحد أطوع لله ولرسوله ولإمامه منه، فما زال كذلك حتى قبضه الله إليه برحمته وصيره إلى جنته، مساكناً فيها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام أنزله الله بين المسكنين مسكن محمد وأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما) وإن كانت المساكن واحدة فزاده الله رضىً من عنده ومغفرة من فضله برضاي عنه) .
5. المصدر نفسه :، عن زياد بن أبي الحلال، قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)
يقول : (ما أحد أدى إلينا ما افترض الله عليه فينا إلا عبد الله بن أبي يعفور)
6. الكافي 2\104 : عن أبي كهمس قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : عبد الله بن أبي يعفور يقرئك السلام، قال : عليك وعليه السلام إذا أتيت عبد الله فأقرئه السلام وقل له : إن جعفر بن محمد يقول لك : انظر ما بلغ به علي(عليه السلام) عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فالزمه، فإن علياً(عليه السلام) إنما بلغ ما بلغ به عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصدق الحديث وأداء الأمانة .
لقد نال عبد الله بن أبي يعفور مكانة رفيعة عند الإمام الصادق(عليه السلام) لسبقه أصحاب الإمام(عليه السلام) بأمرين مهمين : التسليم للإمام واستعمال التقية والكتمان، وهذان الأمران من العناوين المهمة التي أخذت مساحة واسعة من كلام أهل البيت(عليهم السلام)وتوجيهاتهم، ولذلك يعد ابن أبي يعفور من الرواة القلائل الذين لم يرد فيهم عتاب أو ذم ظاهري من الأئمة عليهم السلام لالتزامه الشديد بتوصيات الأئمة عليهم السلام ومن أهمها مسلك التقية والكتمان .

مكانته في علم الحديث
يعد عبد الله بن أبي يعفور من كبار المحدثين الشيعة، وله روايات كثيرة في مختلف صنوف المعارف الإسلامية من الفقه والعقيدة والأخلاق إلى التفسير والتأريخ، ولكن الذي يلفت النظر أن أحداً من محدثي العامة أو رجالات السيرة والتراجم أو أرباب الجرح والتعديل لم يذكره قط في كتب العامة، فليس له ذكر لا في كتب الحديث، ولا في كتب الرجال، ولعل هذا الأمر يرجع إلى مسلك التقية الشديد الذي التزم به عبد الله بن أبي يعفور، فهو شديد التحفظ على روايات أهل البيت(عليهم السلام)، وكان يختلط مع العامة ولكنه لا يروي عنهم ولا يروي لهم، ولهذا لم يتعرض له أحد بالترجمة أو بالجرح والتعديل .
أما في كتب الشيعة فهو من قدماء المحدثين، وثقات الرواة، وقد حدث عن أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، كما روى عن أخيه عبد الكريم بن أبي يعفور، وأبي الصامت، والمعلى بن خنيس، ومولى لبني شيبان، أما تلامذته والرواة عنه فهم جمع غفير من فقهاء الطائفة ووجوهها منهم : أبو جميلة، وأبو يحيى الحناط، وأبان بن عثمان، وإبراهيم بن عبد الحميد، وإسحاق بن عمار، وجابر المكفوف، وحبيب الخثعمي، وحريز، والحسين بن علي بن مهران، والحسين بن المختار، وحماد بن عثمان، وحماد بن عيسى، ويونس بن أبي يعفور، وآخرين.

وثاقته
يعد عبد الله بن أبي يعفور من الرواة الذين استغنوا بتوثيق الأئمة(عليهم السلام) وتزكيتهم عن أقوال الرجال وتقويمهم، وهو من الرواة الذين أجمعت الطائفة قديماً وحديثاً على العمل بروايتهم وتوثيق منقولاتهم، وفي ما يأتي أهم ما قيل فيه من عبارات المدح والثناء :
1. الشيخ النجاشي : (عبد الله بن أبي يعفور العبدي واسم أبي يعفور واقد، وقيل وقدان، يكنى أبا محمد، ثقة ثقة، جليل في أصحابنا، كريم على أبي عبد الله عليه السلام) (10).
2. السيد ابن طاووس : (العبد الصالح عبد الله بن أبي يعفور رضوان الله
عليه)(11).
3. المحقق البحراني : (ثقة جليل)(12).
4. السيد علي البروجردي : (عبد الله بن أبي يعفور ثقة جليل في الأصحاب كريم، كان قاريا يقرأ في مسجد الكوفة، من حواري الباقر والصادق(عليه السلام)، مات في حياة الثاني، وفيه روايات كثيرة في مدحه، بل بعضها يدل على عظم منزلته عندالصادق(عليه السلام)(13).
5. الشيخ النمازي الشاهرودي : (ثقة ثقة، جليل بالاتفاق . مات في حياة الصادق (عليه السلام). عده الشيخ المفيد من الفقهاء الأعلام، والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام والفتيا والاحكام، الذين لا يطعن عليهم ولا طريق لذم واحد
منهم)(14).

وفاته
لم تتحدث الروايات عن تاريخ وفاته باستثناء ما ورد أنه توفي في حياة الإمام الصادق(عليه السلام) عام الطاعون (15)، ومن المرجح أنه قد توفي بين 131 و 140 هـ، وقد دفن في الكوفة وحضر جنازته جمع غفير من الناس والشيعة، ومن بينهم بعض الواقفة، وقد ترحم عليه الإمام الصادق (عليه السلام) غير مرة، داعياً كل أصحابه أن يحذو حذوه ويسيروا على نهجه بالتسليم لأهل البيت(عليهم السلام) وطاعتهم وكتمان أمرهم .

نشرت في العدد المزدوج 57-58


(1) رجال الطوسي 264.
(2) رجال النجاشي213.
(3) الاختصاص 61، روضة الواعظين 283.
(4) رجال الكشي 2\517.
(5) الاختصاص: 195.
(6) الكافي 7\258.
(7) الكافي 4\327.
(8) رجال الكشي 2\517.
(9) الكافي 2\62.
(10) رجال النجاشي213 .
(11) فلاح السائل 157 .
(12) الحدائق الناضرة 4\96 .
(13) طرائف المقال 2\29 .
(14) مستدركات علم رجال الحديث 4\473 .
(15) رجال الكشي 2\515.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.