Take a fresh look at your lifestyle.

صفات اختص بها رسول الله (صلى الله عليه وآله)

0 494

أ. م. د. عقيل جاسم دهش
مركز دراسات الكوفة

 

محمد(صلى الله عليه وآله)..ماذا يكتب عنه القلم؟ وما تسطر فيه الكلمات؟وهل بوسعها أن تحيط به الأفكار أو تدرك كنهه العقول؟، إنه قيمة إنسانية عليا والصفحة المشرقة في تأريخ الإنسانية، وهو رقم صعب في معادلة الوجود البشري، كيف لا؟ وهو صانع تلك الحضارة العظيمة الممتدة عبر الزمن ومؤسس دولة الإسلام الكبرى التي غيرت مجرى التأريخ وأطاحت بالإمبراطوريات والأمم العريقة وسطرت أروع الملاحم وسجلت أزهى عصور المجد. لقد اختصت هذه الشخصية العظيمة الفذة بسمات جليلة مكنتها لتحظى بالشرف الأعلى والمقام الرفيع حيث بلغت (قاب قوسين أو أدنى) من عرش ربها أو ملكوته أو اسمه الأعظم.
ومن هذه السمات: كونه خاتم الأنبياء، قال تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ الله وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)( سورة الأحزاب: ٤٠)، قرأ الجمهور (خاتِم)،بكسر التاء(1)،بمعنى أنه ختمهم أي جاء آخرهم، في حين قرأ الحسن والشعبي وزيد بن علي وعاصم (خاتَم)، بفتح التاء(2)، بمعنى أنهم به ختموا فهو كالخاتم والطابع لهم، وهي في قراءة عبد الله بن مسعود (ولكن نبيًا ختم النبيين)(3)، وقوله:( أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ) أي لم يكن أبا رجل منكم على الحقيقة ولكن كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) وكل رسول أبو أُمَّته فيما يرجع إلى وجوب التوقير والتعظيم له عليهم ووجوب الشفقة والنصيحة لهم عليه لا في سائر الأحكام الثابتة بين الآباء والأبناء(3).
ومنها رقة القلب ولين الجانب، قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ الله لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)( سورة آل عمران: ١٥9)، الفض في اللغة: تفريقك حلقة من الناس بعد اجتماعهم وتفضَّضَ الشيء تفرَّق وكلُّ شيء تفرَّق فهو فضض(4)، قال الزمخشري: أي لو كنت جافيًا قاسي الفؤاد لتفرقوا عنك حتى لا يبقى أحد منهم، ومعنى الرحمة ربطه على جأشه وتوفيقه للرفق والتلطف بهم(5).
ومنها ولايته على الناس، قال تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)( سورة الأحزاب: ٦)، أي أرأف بهم وأعطف عليهم، إذ هو يدعوهم إلى النجاة وأنفسهم تدعوهم إلى الهلاك، ومن حيث ينزل لهم منزلة الأب في الدين(7).
ومنها شهادته على الأمة، قال تعالى(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)( سورة الأحزاب: ٤٥)، قال الزمخشري: أي شاهدًا على من بعثت إليهم مقبولًا قولك عند الله لهم وعليهم كما يقبل قول الشاهد العدل في الحكم(8).
ومنها أُمَّتُهُ الأُمَّةُ المرحومة، قال تعالى(وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)( سورة الأنفال: ٣٣)، فمن رحمته لهذه الأمة أنه سبحانه أجَّل عنهم العقاب إلى يوم يلقونه ورفع عنهم عذاب الاستئصال والهلاك إكرامًا لرسول الله ومقامه العظيم عند ربه، قال الطبرسي: أي ما كان الله يعذب أهل مكة بعذاب الاستئصال وأنت مقيم بين أظهرهم لفضلك ورحمتك يا محمد(9)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: كان في الأرض أمانان من عذاب الله وقد رفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسكوا به.
ومنها شفاعته لأُمَّتِه، قال تعالى:(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)( سورة الضحى: ٥)، قال الطبرسي: وسيعطيك ربك في الآخرة من الشفاعة والحوض وسائر أنواع الكرامة فيك وفي أمتك ما ترضى به(10)ويروى عن ابن الحنفية قوله: إن أرجى آية في كتاب الله (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)، وهي والله الشفاعة ليعطينها في أهل لا إله إلاّ الله حتى يقول ربِّ رضيت.
ومنها الإسراء به إلى المسجد الأقصى، قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى)( سورة الإسراء: ١)، قال الزمخشري: لقد أسري برسول الله(صلى الله عليه وآله)في بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة وأن التنكير في (ليلًا)دلَّ على معنى البعضية(12 )،

وذكر أبو حيان أن قوله (ليلًا) ذُكِرَ على سبيل التوكيد وأن الإضافة في (عبده) إضافة تشريف واختصاص وهو أشرف أسمائه ولو كان له اسم أشرف منه لسمّاه به في تلك الحالة(13).
ومنها أزواجه أمهات المؤمنين، قال تعالى: (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)( سورة الأحزاب: ٦)، ذكر الزمخشري أن هذا تشبيه لهنَّ بالأمهات في بعض الأحكام وهو وجوب تعظيمهن واحترامهن وتحريم نكاحهن(14)، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا)( سورة الأحزاب: ٥٣)، قال أبو حيان: وقوله (وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ) خاص بعد عام لأن ذلك يكون أعظم الأذى فحرم الله نكاح أزواجه بعد وفاته(15).
ومنها تقديم الصدقة بين يديه عند مناجاته، قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً)( سورة المجادلة: ١٢)، وهو أمر لمن يرغب في مناجاة رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يقدم قبل مناجاته صدقة(16)،وروي في كتب السير أن الناس أكثروا مناجاة رسول الله(صلى الله عليه وآله)بما يريدون حتى أملوه وأبرموه، فأريد أن يكفوا عن ذلك فنزلت الآية مشددة عليهم أمر المناجاة، وعن علي(عليه السلام) قوله: ما عمل بهذا الحكم أحد غيري ثم ظهرت مشقة ذلك على الناس فنزلت الرخصة في ترك الصدقة.
ومنها تحريم رفع الصوت بحضرته، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ)( سورة الحجرات: ٢)، قال الزمخشري: المعنى أنه إذا نطق ونطقتم فعليكم أن لا تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذي يبلغه بصوته وأن تغضوا منها بحيث يكون كلامه عاليًا لكلامكم وجهره باهرًا لجهركم حتى تكون مزيته عليكم لائحة وسابقته واضحة(17)، وقوله (وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) أي خاطبوه بالنبوّة ولا تقولوا له يا محمد، وقيل المعنى غضُّوا أصواتكم عند مخاطبتكم إياه وفي مجلسه تعظيما وتوقيرا له من كل وجه(18).
ومنها صلاة الله وملائكته عليه(صلى الله عليه وآله)، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ)( سورة الأحزاب: ٥٦)، الصلاة في اللغة: هي الدعاء والاستغفار وصلاة الله على رسوله رحمته له وحسن ثنائه عليه(19)، قال الطبرسي: المعنى إن الله يثني على نبيِّه بالثناء الجميل ويبجله بأعظم التبجيل وإن ملائكته يثنون عليه بأحسن الثناء ويدعون له بأزكى الدعاء، وعن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قوله: صلاة الله على رسوله تزكيته له في السموات العلى.
ومنها صلاته سكن للمؤمنين، قال تعالى: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)( سورة التوبة: ١٠٣)، قال الفراء: أي استغفر لهم فإن استغفارك لهم تكن إليه قلوبهم وتطمئن بأن قد تاب الله عليهم(20)، وذهب الزمخشري إلى أن المعنى: ادع لهم وترحَّم عليهم(21)، وقيل: صلِّ عليهم إذا ماتوا، وعن ابن عباس قوله: صلاة الرسول هي استغفاره لهم ومعنى (سكن) طمأنينة لهم بأن الله قبل صدقتهم (22).
ومنها معاتبة الله له(صلى الله عليه وآله)، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ)( سورة التحريم: ١)، قال أبو حيان: قوله (لِمَ تُحَرِّمُ) سؤال تلطف ومعنى (تُحَرِّمُ) تمنع وليس التحريم المشروع بوحي من الله(23)، وذكر الطبرسي أن هذا القول لا يمتنع أن يكون خرج مخرج التوجع له إذ بالغ في إرضاء أزواجه وتحمل في ذلك المشقة أو يكون عوتب على ذلك لأن ترك التحريم أفضل من فعله ولأن تطييب قلوب النساء مما لا تنكره العقول(24).

نشرت في العدد 56


(1) النشر في القراءات العشر 2/348
(2) البحر المحيط 7/228
(3) معاني القرآن:2/234
(4) الكشاف 3544
(5) لسان العرب،مادة فضض
(6) الكشاف: 1/431
(7) البحر المحيط 7/208
(8) الكشاف: 3/546
(9) مجمع البيان: 4/341
(10) مجمع البيان: 10/294
(11) الكشاف:2/646
(12) البحر المحيط: 6/6
(13) الكشاف: 3/523
(14) البحر المحيط: 7/238
(15) الكشاف: 4/493
(16) الكشاف: 4/352
(17) مجمع البيان: 9/166
(18) لسان العرب،مادة صلا
(19) مجمع البيان: 8/201
(20) معاني القرآن 1/303
(21) الكشاف: 2/307
(22) البحر المحيط 5/100
(23) البحر المحيط: 8/284
(24) مجمع البيان: 10/42

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.