Take a fresh look at your lifestyle.

مراحل إعمار المرقد الطاهر للإمامين العسكريين (عليهما السلام) في سامراء

0 1٬201

            بعد أن استقدم المتوكل العباسي الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) من المدينة المنورة التي كان مولده بها، إلى سامراء سنة (243هـ‍ /857 م)، بعد أن كثرت الوشاية عليه، ليضعه تحت أنظاره وعيونه، أُبلغ الإمام أن لا يغادر سامراء بعد هذا المجيء ـ أي أنه وضع تحت الإقامة الجبرية في سامراء ـ ، مما حدا بالإمام أن يبتاع دارًا من رجل نصراني اسمه دليل بن يعقوب، فسكنها الإمام (عليه السلام) مع أهله وعياله الذين جاء بهم من المدينة معه، وكان في الدار سرداب، ولما توفي الإمام (عليه السلام) ـ إثر سمِّه من قبل المتوكل العباسي ـ سنة (254هـ‍ /868 م) دفن في صحن داره (1)، أو في حجرة من حجراتها.

             بعد ست سنوات على اغتيال الإمام الهادي (عليه السلام) وفي سنة (260هـ‍/ 873م) اغتيل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) من قبل (الطاغية المعتمد العباسي، فقد هاله وأزعجه ما يسمع من إجماع المسلمين على تعظيم الإمام والإقرار له بالفضل، وتقديمه على جميع العلويين والعباسيين، فأجمع رأيه على اغتياله فدس له سمًا قاتلًا، فلما تناوله تسمم بدنه الشريف، فلازم الفراش وأخذ يعاني آلامًا قاسية ومريرة، وهو صابر محتسب، قد ألجأ ما يعانيه إلى الله تعالى)(2).

          فدفن إلى جوار والده الإمام الهادي (عليه السلام) وهو ابن ثمان وعشرين سنة(3). وفي نفس العام توفيت السيدة نرجس والدة الإمام المهدي (عليه السلام) ودفنت خلف قبر الإمامين (عليهما السلام) بمسافة قليلة.

          في سنة (274هـ‍ /887م) دفنت السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد (عليه السلام) جوار أخيها الإمام الهادي (عليه السلام). ثم دفن في نفس الدار من توفي بعد ذلك من عائلة الإمام (عليه السلام) بعضهم إلى جوارهما وبعضهم بالقرب منهما.

            في سنة (289هـ‍ /902م) وبعد موت المعتضد العباسي نُصب شُباك في جدار الدار يشرف منه المارة في الشارع على القبور التي بداخلها، فكان بعض الناس من الشيعة الموالين يزورون الإمامين (عليهما السلام) من وراء الشباك. بقيت الدار على حالها ما يقرب من خمس وأربعين سنة دون أن تمسها يد التعاهد والإصلاح، فقد شاء الله أن يكون ذلك الدار حرمهم المطهر الذي ضم تلك الأجساد الطاهرة، ومأوى ومزار شيعتهم ومحبيهم، تحرسه ملائكة السماء ويطوفون حوله ويستغفرون لمن لجأ إليه وأناخ رحله فيه، ويكون أحد البقاع التي أحبها الله وأحب أن يناجى ويدعى فيها.

            وكان تحت أضرحتهم المطهرة سرداب، وفيه باب خشبي جميل، عمل سنة 606هـ بأمر الخليفة العباسي الناصر لدين الله تزينه كتابة نسخية جميلة، تبرز على أرضية مزخرفة…

            ويزين جدران السرداب كاشي ملون ومزخرف، ويمتد على طول الجدران الثلاثة نطاق من الخشب طوله 80ر4م، فيه كتابة كوفية بارزة تضم اسم النبي (صلى الله عليه وآله) وأسماء الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).

         وفي سنة (332ه‍ /44 – 945م) أيام ناصر الدولة الحمداني بنى قبة على الضريحين وسوَّرهما بسور متين(4). وفي (أيام الدولة البويهية أنفق معز الدولة ـ ثالث ملوكهم ـ أموالًا جزيلة لمواصلة تعمير قبة العسكريين وسرداب الغيبة، وجعل لضريحيهما صندوقًا من الخشب ورتب لهما حجّابًا، وأجرى لهم ـ متعهدي الخدمة فيه ـ الأرزاق.

           فلما انتقل المُلك إلى ابن أخيه عضد الدولة البويهي، أمر هذا بعمارة الروضة والأروقة ووسع الصحن وشيَّد سورًا للبلد الذي أخذ بالاتساع، وكان ذلك في عام 368هـ ـ 987م)(5).

             وفي سنة (407ه‍ /16 – 1017م) وقع حريق في بعض أطراف المرقد المطهر، ويبدو أن أضراره كانت طفيفة.

            وفي سنة (445ه‍ /1053م) ترك الأمير التركي أبو الحارث أرسلان بن عبد الله البساسيري وهو من مماليك بني بويه، ترك بغداد، وحل بتكريت، فأمر بعمارة المرقد الشريف عمارة عالية تليق بالإمامين العسكريين (عليهما السلام)، فعمر القبة والضريحين من جديد، وعمل صندوقين من الساج ووضعهما على القبرين، وجعل رمانتاهما من الذهب، فكانت هذه أول قطع ذهبية تهدى إلى مرقد الإمامين (عليهما السلام)(6).

          وفي سنة (495ه‍ /1102م) كلف الملك بركيا روق ابن ملك شاه السلجوقي أبو المظفر ركن الدين، رابع سلاطين السلاجقة، كلف وزيره مجد الدولة بإجراء إصلاحات على مرقد الإمامين العسكريين (عليهما السلام)، فقام الوزير بالإيعاز لإعادة بناء سور المرقد الشريف، وتجديد جميع أبواب الروضة العسكرية من أغلى وأجود أنواع الخشب، وترميم القبة والرواق والصحن.

           وفي سنة (606ه‍ /9 – 1210م) قام أبو العباس الناصر لدين الله أحمد بن المستضئ بأمر الله الحسن بن المستنجد العباسي المتوفى سنة (622 ه‍/ 1225 م) بتعمير القبة فوق الضريحين، وتزيين الروضة الشريفة من الداخل، وبناء مئذنتين، وتجديد بناء سرداب دار الإمام، وكتابة أسماء الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) مع النبي (صلى الله عليه وآله) وابنته الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) على باب خشبي من داخله في شباك وضعه على صفة (سقيفة) في آخر السرداب، ولا يزال هذا الباب موجودًا إلى يومنا هذا…

           كما كتب عليه من الخارج آيات قرآنية واسم الناصر لدين الله، وكانت هذه الصفة في يوم ما موضع حوض ماء يتوضأ منه أو يستحم به.

           وفي سنة (640ه‍ /1242م) وقع حريق في سر من رأى فأتى على ضريحي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري (عليهما السلام)، فتقدم الخليفة المستنصر بالله بعمارة المشهد المقدس والضريحين الشريفين وإعادتهما إلى أجمل حالاتهما، وكان الضريحان مما أمر بعملهما أرسلان البساسيري(7).

          وفي سنة (1106ه‍ /94 – 1695م) وقع حريق في داخل الروضة المشرفة نتيجة ترك الخدم لسراج موقد في مكان غير مناسب، فوقعت منه نار على بعض الفرش فاحترق، وأخذت النيران تسري في الخشب حتى التهمت صندوقي المرقدين والأبواب، وجعلت كل شيء رميمًا. وحدثت من جراء ذلك الحريق فتنة عقائدية لدى ضعفاء الإيمان.

           فوصل الخبر إلى الشاه حسين بن سليمان الصفوي، وهو آخر ملوك السلسلة الصفوية الرسميين، فأمر بصنع أربعة صناديق في غاية التزيين والترصيع. صندوقان لضريحي الإمامين العسكريين، والآخران – حسب الظاهر – للسيدتين الكريمتين نرجس وحكيمة بنت الإمام الجواد (عليه السلام)، وعمل شباك فولاذي ليوضع فوق الصناديق، ودعم البناء، وزين الروضة من الداخل بخشب الساج، وفرش أرض المرقد بالرخام، وأمر السلطان جماعة من العلماء والأعيان الإيرانيين بمرافقة الصناديق والضريح والهدايا التي أرسلها معهم إلى سامراء والإشراف على عمليات النصب، وكان دخولهم يومًا مشهودًا، وقد كتب اسم الشاه حسين على واجهة باب الشباك الفولاذي(8).

          في أواسط سنة (1117ه‍/1705م)؛ توجه الوزير (حسن باشا الجديد) لزيارة الإمامين علي الهادي، والحسن العسكري (عليهما السلام) في سامراء. فأنعم على الفقراء والخدام(9).

          في أواخر العام 1131هـ؛ وقع الطاعون وكثرت الإصابات. وتعد بالألف أو أزيد يوميًا. وهرب أغلب الأهلين، وخرج الوزير بعساكره إلى أنحاء سامراء. واستمر الطاعون إلى أوائل العام التالي(10).

            ودخلت سنة (1200ه‍ /1786م) فتصدى الملك المؤيد الشهيد أحمد خان الدنبلي أحد أمراء خوي في آذربايجان لعمارة المشهد المقدس للإمامين العسكريين (عليهما السلام)، وكلف أحد علماء ذلك الوقت وأفاضلهم وهو الميرزا محمد رفيع السلماسي لتولي الإشراف على نفقات عمليات الصيانة والتعمير والبناء. وبعد رصد المبالغ اللازمة شرع بعمارة الروضة والسرداب بالحجر الصوان والرخام، وقد كان للسرداب باب من جهة القبلة يدخله الزائر بعد زيارة مرقد العسكريين بأن ينزل درجًا ثم يسير في ممر ضيق جدًا حتى يدخل السرداب،

          ففي سنة (1202ه‍ /1788م) ردم الباب من جهة القبلة وجعل للسرداب بابًا من الجهة الشمالية، واستبدلت الأبواب الخشبية. ثم شمل البناء الرواق والإيوان والصحن، وجدد بناء السور، وروعي في ترتيب البناء أن يحاكي مرقد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في النجف الأشرف في ذلك الوقت.

           وأضاف إلى البناء الجديد صحنًا آخر، ورواقًا ينتهي إلى السرداب، وبنيت الروضة الشريفة على أجمل طراز، وأحدث فن هندسي، كما شمل الإعمار ضريحي السيدتين نرجس وحكيمة (رض). وقد صرفت مبالغ طائلة على هذا المشروع التجديدي، لكن الأحداث والظروف لم تمهل الأمير أحمد خان، فقد قتل في نفس العام، ودفن في رواق الإمامين في سامراء(11)، وحال موته دون إتمام بناء المرقدين المطهرين. فأتمه ولده الأكبر الأمير حسين قلي خان، وبنى مسجد حضرة الحجة، وأنشأ خانًا وحمامًا في سامراء(12).

          وفي سنة (1285ه‍ /1868م)، تبرع السلطان ناصر الدين شاه القاجاري بالإنفاق على تشييد قبة مطلية بالذهب تعلو ضريح الإمامين العسكريين (عليهما السلام) وهذه القبة من أكبر قباب الأئمة في جميع أنحاء العالم، حيث يبلغ محيطها (68) مترًا، وقطرها (22) مترًا و 43 سنتمترًا، ويبلغ عدد الطابوق المذهب الملصوق بها (72000) طابوقة(13). ونصبت ساعة على السور فوق الباب الرئيس للصحن وهي الساعة الموجودة حاليًا.

          والظاهر أن هذه آخر عمارة أساسية لمرقد الإمامين العسكريين(عليهما السلام) الذي كان في كل مرة يزداد اتساعًا ورونقًا وجمالًا. حتى وصل إلى ما هو عليه اليوم من الأبهة والجلال والسعة، إذ تبلغ مساحته اليوم حوالي (13) ألف متر مربع. فطول الصحن (112) مترًا، وعرضه (108) أمتار، وهو مفروش بالمرمر الأبيض. وأما ارتفاع سوره فيبلغ (7) أمتار، وهو مكسو إلى ارتفاع مترين بالمرمر الأبيض، وما يعلوه فقد كسي بالقاشاني الملون البديع. في سنة (1287ه‍ /1870م) قام ناصر الدين شاه بزيارة العتبات المقدسة في النجف وكربلاء وسامراء وقد حمل معه من التحف والهدايا والأموال الشيء الكثير(14).

           كما أنجزت مشاريع لتوسيع الصحن الشريف، وكذلك إكساء شباك المرقد الطاهر بالفضة والذهب، وإنشاء وإصلاح مرافق خدمية أخرى متنوعة.

         وعند حلول القرن العشرين توالت الاصلاحات والتوسعة وفتح الشوارع حول الصحن الشريف، وجلب مولدات الكهرباء الديزل فتنور الصحن الطاهر وما حوله وقد علقت الثريات والمصابيح الكهربائية ليشع ضياؤه المرقد الطاهر ليزداد جمالا وبهاء.

         وكذلك إجراء الترميمات وتوسعة المرافق العامة لراحة الزائرين ورفاههم. وكان من أبرز ما تم إنجازه في عام (1360ه‍ /1941م) نقل شباك الإمام الحسين (عليه السلام) الفضي من كربلاء إلى سامراء لنصبه على ضريح الإمامين العسكريين (عليهما السلام) بعد ترميمه وإصلاحه.

             وفي سنة (1381ه‍/1961م) نصب شباك فضي مذهّب للإمامين العسكريين (عليهما السلام). وهذا الشباك هو الذي طالته يد الحاقدين النواصب لتفجره فجر يوم 27 من شهر المحرم الحرام، فقد قامت مجموعة من الإرهابيين في صباح يوم الأربعاء 22 شباط 2006 م بتفجير كبير للقبة المطهرة للإمامين العسكريين (عليهما السلام) بعد أن قاموا بزرع عدد من العبوات الناسفة تحت القبة وفجروها مما أدى إلى انهيار القبة الخاصة بالضريح التي تعتبر أكبر قباب العالم الإسلامي.

             انتشر خبر التفجير كالنار في الهشيم، فخرجت الآلاف من الجماهير الموالية الى الشوارع التي بدت تموج بمن فيها وعمت مظاهر الغضب مدن جنوب ووسط العراق في تظاهرات احتجاجية على تفجير المرقد الطاهر.

              اجتمع مراجع الدين الكبار في النجف الأشرف بالمرجع الأعلى، وعقبها أصدر مكتب المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد علي السيستاني بيانًا استنكاريًا للفاجعة معلناً فيه الحداد العام لسبعة أيام ودعا فيه إلى ضبط النفس وعدم اتخاذ أي اجراءات تؤدي إلى وقوع الفتنة الطائفية التي يريدها من نفذ التفجير. وكذلك صدرت بيانات مماثلة من باقي مراجع الدين العظام.

           ولولا موقف المرجعية في تهدئة الجماهير الغاضبة لانفلت زمام الأمور ولحدثت كارثة وحرب أهلية طائفية لا يعلم مداها إلا الله.

             وقد استنكرت هيئات ودوائر ومكاتب وشخصيات عالمية وإسلامية هذا الفعل المشين.

          وبعدها قام المؤمنون بالمباشرة بإعادة إعمار الروضة المطهرة للإمامين العسكريين (عليهما السلام) وهي الآن في مراحلها الأخيرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) تاريخ بغداد/الخطيب البغدادي/ج12ص57.
2) حياة الإمام المهدي/باقر شريف القرشي/ص108.
3) فرق الشيعة/النوبختي/ص118.
4) ينظر: سامراء في المراجع العربية/د.حسين علي محفوظ /موسوعة العتبات المقدسة/ص169.
5) م.ن.
6) الكشكول المبوب/حسين الشاكري/ص104.
7) ينظر: سامراء في المراجع العربية/د.حسين علي محفوظ /موسوعة العتبات المقدسة/ص169.
8) الكشكول المبوب/حسين الشاكري/ص105.
9) تاريخ العراق بين احتلالين/ج 5 ص 166.
10) م.ن/ص199.
11) الكشكول المبوب/حسين الشاكري/ص105.
12) أعيان الشيعة/السيد محسن الأمين/ج3ص174.
13) ينظر: تقريرات آية الله المجدّد الشيرازي/للعلّامة علي الرّوزدري هامش ج1هـ ص27 المقدمة.
14) الكشكول المبوب/حسين الشاكري/ص106.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.