Take a fresh look at your lifestyle.

علّامة وقته.. الشيخ عبد النبي بن سعد الجزائري (ت 1021هـ)

0 720

مسلم عقيل الشاوي

      على الرغم من وجود الكثير من الأفذاذ والخيرين من جهابذة العلماء والحكماء الحصفاء إلا أنه برز نجمًا يضيء بعلمه لهم في بلدة كانت تدعى بالنجف الصغرى.
لم تكن بداياته الأولى مدوَّنة في تراجم الرجال إلا أن صاحب روضات الجنات يقول عنه: (الجزائري محتداً، الغروي تحصيلاً، والحائري مسكنًا بنص نفسه)(1).
برز الشيخ عبد النبي الجزائري من منطقة تدعى بالجزائر، ففي تاريخ الإمارة الإفراسيابية عند الحديث عن أرض الجزائر: (أرضهم صعبة المسلك، شديدة المعرك لالتفاف غيضها وشجرها وإحاطة الماء بها)(2).
أما الكعبي فيقول: (الجزائر هي عَلَمٌ لمواضع كثيرة منها: قرية بني منصور وبني حميد ونهر عنتر وهو أكبر مواضعها، وقيل: يشتمل على ثلاثمائة نهر ومنها نهر صالح وديار بني أسد والفتحية وديار بني محمد والقلاع ونهر السبع والباطنية والمنصورية..وتنتهي شمالاً إلى كوت معمر)(3).
كانت ساخنة ومليئة بالأحداث والوقائع وخصوصاً مع الأتراك والدولة العثمانية، ولعل رد رسالة أهل الجزائر للإسكندر باشا والتي كانت من إنشاء قاضي المسلمين محمد بن الحارث دليلاً على قوتهم وجأشهم (حيث كانت القبائل شديدة البأس في منطقة الجزائر التي لم تكن خاضعة للحكم التركي منذ مدة طويلة قد عقدت حلفاً كانت البصرة وبغداد عاجزتين عن عمل شيء مضاد له كائناً ما كان)(4).
وأما على المستوى العلمي فقد برز العلماء المجتهدون، والمحققون المدققون، والنحويون البارعون، والشعراء والأدباء وغيرهم، فكانوا مؤسسين لأسر كانت ومازالت تحمل على أكتافها حمل المسؤولية كأسر السادة الجزائريين ومؤسسها السيد نعمة الله الجزائري وآل المظفر وآل المنصوري و آل فرج الله والحلفي وآل الحلو والمشايخ الجزائريين ومؤسس هذه الأسرة المترجم له.
بدأ حياته في طلب العلم وتحصيله في أوائل سِنِّهِ، لكن الفترة التي عاشها كانت بلدته (الجزائر) تحديداً قضاء المدينة حاليًا مليئةً بالأحداث السياسية الساخنة، فلم تترك لنا بدايات عن حياة الشيخ(رحمه الله)، لكنه عاش في منتصف القرن العاشر الهجري(5).
فكان ينتقل بين مسقط رأسه والنجف وكربلاء وكذلك في المدينة المنورة ومدن إيران(6).
إن نشأته وبدايته كانت في مسقط رأسه منطقة الجزائر التي كانت محط الأفذاذ من العلماء أمثال السيد الميرزا محمد الجزائري صاحب كتاب جوامع الكلم، والشيخ الفقيه الأصولي المنطقي قاضي المسلمين يوسف بن محمد البنّاء الجزائري والفقيه المحدث النحوي الورع الثقة محمد بن سليمان والعالم الفقيه المحدث العابد فرج الله بن سليمان بن الحارث المنصوري(رحمهم الله)(7).
وغيرهم، أما في النجف فكانت دراسته، وفي كربلاء مسكنه تحديدًا في العقدين الأخيرين من حياته(8).
فبرز عَلَماً وصقل موهبته منذ صغر سِنّه، يقول العلامة الطهراني: (يمكن أن يكون عبد النبي أيضًا أدرك المحقق الكركي صغيراً أو في أوائل سِنّه واستجاز منه، أو أنه أجازه، وطال عمر عبد النبي حتى صار بين وفاته ووفاة المحقق قرب ثمانين عاماً أو أزيد(9) ويمكن القول أنه عَلَمٌ منذ صِغَر سِنّه.
كان الشيخ(رحمه الله) من تلامذة المحقق الشيخ علي بن عبد العالي الكركي ويقول السيد الأمين في أعيان الشيعة: (أخذ من صاحب المدارك)(10).
فكان من معاصريه العلامة المجلسي والمقدس الأردبيلي.
أما عن مكانته الاجتماعية فقد (كانت له جلالة وجاه في الجزائر)(11).
ومن مناقبه(رحمه الله) في صلابته في الأمور الدينية، أنه تحاكم إليه طائفتان عظيمتان من أهل بلده تنوف كل منهما على مائتي رجل في مزارع ونخيل وبساتين عظيمة كانت تحت يد أحدهما وهي تزيد على عشرة آلاف جريب، ولكل منهما بيّنة تعارض الأخرى فحكم بالحق لذوي البيّنة الخارجة وانتزع لهم جميع ذلك بمعونة حاكم البلد هجرس بن محمد الجزائري وكان المدّعون في غاية الضعف، وواضعو اليد في غاية القوة (12).

تـلاميذه:
تخرج على يده الكثير من العلماء البارزين أمثال:
1ـ الشيخ جابر بن عباس النجفي(13).
2ـ الشيخان حسن ومحمد ابنا الشيخ عبد النبي الجزائري(14، 19).
3ـ السيد علي بن صالح فلجي(15).
4ـ السيد علي الجزائري(16).
5ـ الشيخ فضل بن محمد بن فضل العباسي (17).
6ـ الشيخ محمد بن الحسين الإحسائي (18).
8ـ السيد محمد بن علي الموسوي العاملي (20).
9ـ المولى محمد قاسم بن الحاج محمد المشهدي (21).
10ـ السيد محمد المشهور بالسيد ميرزا الجزائري(22) وغيرهم.
توفي رحمه الله يوم الخميس الثامن عشر من جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين وألف هجرية في قرية بين أصفهان وشيراز وقبره الآن في شيراز.
وقال السيد المرعشي النجفي: ونقل نعشه إلى بلدة شيراز كما في الفائدة الأخيرة من كتاب الفوائد للعلامة الشيخ بهاء الدين العاملي ورأيت بخط بعض العلماء أن قبره في حرم السيد الجليل أحمد بن الإمام الكاظم(عليه السلام) الشهير بـ(شاه جراغ) وأن قبره معروف.
وقال لم أره هناك في رحلتي إلى تلك البلدة ولعله ذهب به الزلزال الذي وقع هناك كما ذهب بقبور جمع من علماء الدين وأرباب الفضل(23).

أقوال العلماء فيه:
بعلمه شهد العلماء وبتحقيقاته اعترفوا، لتنقية المفاهيم الصحيحة فيما أنجزه من مؤلفات، تارةً يصفوه بالعالم المتبحر وتارةً يصفوه برئيس الإسلام والمسلمين وشيخهم، فالحر العاملي يصفه: (بالتحقيق والجلالة)(24) أما السيد عبد الله بن السيد نور الدين الجزائري فيصفه: (العلامة التقي الشيخ عبد النبي بن سعد الجزائري)(25) والقمي في الكنى والألقاب يقول العالم المتبحر في فن الحديث والرجال الشيخ عبد النبي صاحب كتاب حاوي الأقوال(26) ووصفه المحدث النوري: (برئيس الإسلام والمسلمين وسلطان المحققين والمدققين)(27).
فصاحب روضات الجنات يقول: (صاحب كتاب (حاوي الأقوال في معرفة الرجال) كان فاضلاً مدققاُ جليلاً بل عالماً محققاً نبيلاً ماهراً في الأصولين والفقه والحديث والرجال)(28).
وينعته الشيخ حسن بن عباس البلاغي النجفي: (إنه علّامة وقته كثير العلم نقي الكلام جيًد التصنيف من أجلّاء مجتهدي هذه الطائفة له كتب حسنة جيدة منها كتاب الرجال وشرح تهذيب الأصول للعلامة الحلي وله تصانيف كثيرة فجزاه الله عن الإمامية أفضل الجزاء)(29).
وكذلك ذكره العلامة المجلسي في إجازة السيد محمد المعروف بميرزا الجزائري بقوله:
(رئيس الإسلام والمسلمين وسلطان المحققين المدققين الشيخ عبد النبي بن سعد الجزائري سقى الله تربته صوب الرضوان)(30) وأيضًا ذكره عند إجازة للفاضل المشهدي فقال:(شيخ المحققين الشيخ عبد النبي بن سعد الجزائري وغيرهم من العلماء الذين ذكروه)(31).

أما مؤلفاته فمنها:
1ـ حاوي الأقوال في معرفة الرجال: ويقع في أربعة مجلدات وهو من الكتب الرجالية، ذكره صاحب الأعيان وجملة من العلماء وقال فيه الخونساري: (وهو كتاب جليل يشتمل على فوائد جمة)(32).
2ـ شرح تهذيب الأصول: أي شرح التهذيب للعلامة الحلي فرغ من جزئه الأول في 21 جمادى الأول سنة 1010هـ في كربلاء، والثاني تمم نقصانه في سنة 1011 هـ(33).
أوله: (نحمد الله في البداية والنهاية، ونشكره على منتهى العناية، الذي نعد قلوبنا بتهذيب بيان الخطاب…)
3ـ الاقتصاد في شرح الإرشاد: ألفه بالمدينة باقتراح من السيد شمس الدين بن شدقم(34) كان أوله: (الحمد الله الذي ألهمنا قواعد الإرشاد إلى شرائع الإسلام)(35).
4ـ أجوبة ر سائل الشيخ جابر بن عباس النجفي أصولية وفقهيه(36).
5ـ حاشية على الإرشاد: وهي حواش مختصرة مقصورة على الفتوى دون الاستدلال إلى كتاب النكاح(37).
6ـ حاشية على المختصر النافع: يقول صاحب روضات الجنات: (وإنها أبسط من حاشيته المختصرة المشار إليها على الإرشاد)(38).
7ـ حاشية على التهذيب: وفيها فوائد وتعليقات على سائر كتب الرجال(39).
8ـ حاشية على الكافي لم يتمها(40).
9ـ كتاب في الإمامة(41).
يقول الخونساري في روضات الجنات وعندنا كتابه المبسوط في الإمامة وهو لا يزيد على خمسة آلاف بيت تقريباً ولقد حقق القول فيه بما لا يزيد عليه.
هذا قليل من حياة العلامة الشيخ عبد النبي الجزائري(رحمه الله) ونسأل الله أن يرحمه برحمته ويجعله مع النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة الطاهرين(عليهم السلام) فإنه نعم المولى ونعم النصير والله ولي التوفيق .

نشرت في العدد 52


(1) روضات الجنات للخونساري: ج 4 ص268.
(2) تاريخ الإمارة الإفراسيابية: ص33.
(3) زاد المسافر لفتح الله الكعبي: ص28.
(4) أربعة قرون من تاريخ العراق:ص133.
(5)، (6)، (8) انظر مقدمة التحقيق لكتاب حاوي الأقوال.
(7) الإجازة الكبيرة للسيد الجزائري:ص71.
(9) طبقات أعلام الشيعة: ج5 ص259 نقلاَ من مقدمة تحقيق الحاوي.
(10)، (11)، (13) أعيان الشيعة: ج12 ص146.
(12) روضات الجنات: ج4 ص 271.
(14)، (15)، (16)، (17)، (18)، (20)، (21)، (23) نقلاَ من مقدمة كتاب حاوي الأقوال.
(22) الكنى والألقاب للقمي: ج2 ص 687.
(24) أمل الآمل: ج2 ص165.
(25) الإجازة الكبيرة: ص81.
(26) الكنى والألقاب: ج2 ص325.
(27) مستدرك الوسائل ج 3 ص403 نقلا من مقدمة التحقيق لكتاب الحاوي.
(28)، (29)، (30) روضات الجنات: ج4 ص269.
(30) بحار الأنوار: ج107 ص308.
(31) بحار الأنوار: ج 107 ص318.
(33)، (35)، (40) انظر مقدمة التحقيق لكتاب الحاوي.
(34) أعيان الشيعة: ج12 ص146.
(36) ماضي النجف وحاضرها:ج2 ص 91.
(37)، (38)، (39) روضات الجنات:ج4 ص270.
(41) روضات الجنات:ج4 ص 271.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.