Take a fresh look at your lifestyle.

آية سفينة نوح(عليه السلام) الكشف عن موقع الْجودِيِّ

0 4٬595

بسم الله الرحمن الرحيم

(فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ)
(الشعراء: 121)
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ)
(القمر: 15)

 

  نقل السيوطي في (الدر المنثور) عن قتادة في معنى الآية: (وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) (العنكبوت: 14- 15) قوله: أبقى الله سفينة نوح على الجودي حتى أدركها أوائل هذه الأمة.
لم يذكر السيوطي ولا قتادة من هم أوائل هذه الأمة الذين أدركوا السفينة، ولم تنقل كتب التاريخ والتراث أن أحدًا قد شاهد السفينة.
وقال السيد الطباطبائي في (الميزان): أقسم لقد أبقينا تلك السفينة التي نجينا بها نوحًا والذين معه، وجعلناها آية يعتبر بها من اعتبر، فهل من متذكر يتذكر بها وحدانيته تعالى وإن دعوة أنبيائه حق، وإنَّ أخذه أليم شديد؟ ولازم هذا المعنى، بقاء السفينة إلى حين نزول هذه الآيات، علامة دالة على واقعة الطوفان مذكرة لها.

(الْجُودِيّ) في أحاديث الأئمة:
(وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (هود: 44).
عن أبي بصير عن أبي الحسن(عليه السلام)، جاء فيه قوله(عليه السلام): (وتواضع جبل عندكم بالموصل يقال له الجودي). وحديث آخر عن أبي بصير عن أبي الحسن موسى(عليه السلام)،
جاء فيه قوله(عليه السلام): (فتطاولت الجبال وشمخت، غير الجودي، وهو جبل بالموصل، فضرب جؤجؤ السفينة الجبل)(1).
نقل السيد الجزائري حديثًا عن (تفسير الطبرسي) و(تفسير علي بن إبراهيم) عن أمير المؤمنين(عليه السلام) وعن أبي عبد الله(عليه السلام)،
جاء فيه: (واستوت السفينة على جبل الجودي، وهو بالموصل جبل عظيم، .. فنزل نوح(عليه السلام) بالموصل، من السفينة مع الثمانين وبنوا مدينة الثمانين)(2).
ونقل حديثًا عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: (إن الله أوحى إلى الجبال، أني واضع سفينة نوح على جبل منكن في الطوفان، فتطاولت وشمخت، وتواضع جبل بالموصل يقال له الجودي، فمرت السفينة تدور في الطوفان على الجبال كلها، حتى انتهت إلى الجودي فوقعت عليه) (3).
عن أبي بصير عن الإمام أبي عبد الله(عليه السلام)،
قال: (واستوت السفينة على جبل الجودي، وهو بالموصل جبل عظيم) (4).

معنى (الآية)
قال الراغب الأصفهاني في معنى الآية، كما في (المفردات)، هي العلامة الظاهرة وحقيقته، لكل شيء ظاهر، هو ملازم لشيء لا يظهر ظهوره.
فمتى أدرك مدرك الظاهر منهما، علم أنه أدرك الآخر، الذي لم يدركه بذاته، إذا كان حكمهما سواء، وذلك ظاهر في المحسوسات والمعقولات، فمن علم ملازمة العلم (فتح العين)، للطريق المنهج، ثم وجد العلم، علم أنه وجد الطريق، وكذا إذا علم شيئًا مصنوعًا، علم أنه لابد له من صانع.
وقيل للبناء العالي آية نحو: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ) (الشعراء: 128).
ولكل جملة من القرآن، دالة على حكم آية، سورة كانت أو فصولًا، أو فصلًا من سورة، وقد يقال لكل كلام منه، منفصل بفصل لفظي آية. وقوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (النحل: 79) وغيرها، فهي من الآيات المعقولة، التي تتفاوت بها المعرفة، بحسب تفاوت منازل الناس في العلم.
نفهم مما ذكر أعلاه، أن الآية في القرآن الكريم، يراد بها – بصورة عامة – العلامة الظاهرة، فكل كلام منه منفصل آية، لأنه علامة ظاهرة، تدل على صحة نسبة الكلام إلى الله تعالى. ولقد وصفها الله تعالى بأنها واضحة، ولكن الفاسقين يكفرون بها: (وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ) (البقرة: 99).
وعندما أجاب الله تعالى دعاء زكريا(عليه السلام) طلب آية لذلك، فقال الله تعالى: (قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا)(آل عمران: 41).
فكانت هذه الآية علامة واضحة، تدل على أن يهب الله تعالى له، من امرأته العاقر، بعد أن أصلح زوجته فجعلها غير عاقر، غلامًا يرثه: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) (الأنبياء: 90).
وجاءت الآية بمعنى عبرة واضحة، لمن يعتبر في قوله تعالى: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) (يونس: 92) فعندما آمن فرعون، حيث أدركه الغرق، بعد عبور موسى(عليه السلام) وقومه البحر، لم ينفعه إيمانه فغرق. ولكن الله أنجى بدنه، ولعل الأمواج قذفته إلى الساحل، لكي يكون عبرة، لمن يأتي بعده، من الفراعنة والملوك الجبابرة، والطغاة في الأرض.
فالآية، إذن، في معناها العام، تدل على العلامة الواضحة، الدالة على وجوده وتوحيده وحكمته وقدرته، وبقية أسمائه الحسنى. فالقرآن يحث الإنسان على النظر إلى آيات الله في جسمه وفي الآفاق وفي كل شيء. إن آيات الله تعالى، في السموات والأرض كثيرة، لا يمكن لبشر إحصاؤها.

العثور على خشب سفينة نوح (ع)
نقل السيد الطباطبائي في (الميزان) عن بعض جرائد طهران بأن جماعة من رجال العلم من أمريكا، بهداية من بعض رجال الجند التركي، عثروا في بعض قلل جبل آرارات في شرقي تركيا في مرتفع (1400) قدم على قطعات أخشاب يعتقد أنها قطعات متلاشية من سفينة قديمة وقعت هناك، تبلغ بعض هذه القطعات من القدم (2500) قبل الميلاد. وقال: قد حملت الأخشاب إلى سان فراسيسكو لتحقيق أمرها. وأنها هل تقبل الانطباق على ما يعتقده أرباب النحل أنها من بقايا سفينة نوح(عليه السلام)؟
وقال: ذكروا أنه (جبل الجودي) بديار بكر من موصل، في جبال تتصل بجبال أرمينية، وقد سماه في التوراة آرارات … الخ (5).
وقد نشرت الخبر في ستينيات القرن العشرين بعض الصحف العراقية وأذاعته إذاعة لندن في حينه.

وجود السفينة قبل الإسلام
أما قبل عصر الرسالة، فهناك أقوال في وجود آثار دالة عليها، فقد قال الدكتور أحمد سوسة بأن فكرة شمول الطوفان عموم الأرض مأخوذة بالأصل من رواية بروسس وأبيدينس، وهي الرواية القائلة بأن بقايا الفلك قد وجدت في أحد جبال أرمينية الفاصل بين أرمينية والعراق، واسمه باليونانية،(Gordyoei) ، فذكر الأول أنه لاحظ أن كثيرًا من الناس كانوا يقصدون هذا المكان، ليحصلوا على بعض القار من بقايا الفلك فيتخذونه حرزًا لإبعاد الشر عنهم. كما ذكر الثاني أن خشب الفلك كان يستعمل في معالجة كثير من الأمراض بنجاح.
وقد قيل أيضًا أن الإمبراطور الروماني (هرقل) ذهب من (بلدة الثمانين) إلى جبل (الْجُودِيِّ) فشاهد بقايا الفلك. كما قيل إنه كان في الجبل الذي يقع فيه مكان الفلك دير مشهور ومعروف. ومن المهم ذكره في هذا الصدد، هو أن نظرية استقرار سفينة نوح في جوار جبال أرمينيا، جاءت بالتواتر، كما يؤيد بروسس ويوسيفوس عن اعتقاد سائد قديم يرجع إلى ما قبل العهد الكلداني ثم قبلته الكنائس المسيحية الشرقية وأشاعته بين الناس (6).

توضيح معنى الآية
لذا يكون معنى الآيات المباركة المذكورة في أول البحث: أن الله تعالى ترك في سفينة النبي نوح(عليه السلام) آية وعلامة واضحة للأجيال حتى يوم القيامة، فكانت الألواح المذكورة هي التي تمثل العلامة الواضحة على وجود سفينة النبي نوح(عليه السلام)، وتؤكد صحة واقعة الطوفان.
إن تاريخ وقوع الآية أو مرحلة العثور عليها، ونشرها بين الناس، إذن عرفت قبل نزول النص، أي قبل عصر الرسالة، وبعد عصر الرسالة بفترة طويلة. لم تحصل الآية خلال عصر الرسالة وحتى عصور لاحقة قريبة، لأنه لم يرد في كتب التراث الإسلامي أي قول بذلك.
إن ذلك يؤكد أن آية السفينة قد جعلها الله تعالى تقع أو قد حصلت مرتين، أولاهما قبل عهد الرسالة، وفي ذلك مفردة من تعدد العوالم (آيَةً لِّلْعَالَمِينَ)، ومما يؤيد ذلك:
1- إن اسم الجبل باليونانية يلفظ (جوردي)، وهو قريب من لفظ (جودي) بزيادة حرف الراء في اللفظ الأول وعدم وجوده في الثاني، وربما كان هذا الحرف لا يلفظ.
2- إن قيام البعض بالحصول على بعض القار وخشب السفينة، بهدف الحرز ومعالجة الأمراض، يشير إلى أن جسم السفينة بنفسه كان مباركًا ومقدسًا، وهو اعتقاد لا زال شائعا بين الناس في استعمال الأشياء المباركة في الحرز والشفاء والحفظ والأمان من كل بلاء ومحذور.
3- أما قوله بأن نظرية استقرار السفينة في جوار جبال أرمينيا، جاءت بالتواتر عن اعتقاد سائد قديم يرجع إلى ما قبل العهد الكلداني ثم قبلته الكنائس… الخ، فالكنائس كانت تدار من قبل الأنبياء من أوصياء المسيح(عليه السلام)، قبل الإسلام، أو أن الأنبياء(عليهم السلام) كانوا موجودين، وربما كان لهم تأثير على الكنائس المسيحية، فإذا كان كذلك، فما انتشر بين الناس عن طريق الكنائس يعد صحيحًا، لا غبار عليه.
4- إن الاعتقاد السائد القديم ربما يعني أن الناس الذين عاشوا قبل العهد الكلداني، قد أخذوا هذه العقيدة، بصورة مباشرة، أو عبر أجيال متلاحقة قليلة من الذين نجوا من الطوفان مباشرة، فسادت هذه العقيدة في المجتمع، فعرفوا أن موضع استواء السفينة في الجبل المذكور، فكان جسم السفينة مصدرًا للحصول على ما ينفع في الحرز والشفاء فاستخدموا القار والخشب لأجل ذلك، فالاعتقاد السائد في أي زمان ومكان لا يأتي من فراغ.
هكذا يمكن ترجيح الرأي القائل بأن الآية قد وقعت قبل عصر الرسالة، وإذا أضفنا إلى ذلك الخبر المشار إليه سابقًا، ربما كان الجبل المقصود في الحالين واحدا، فيمكن القول بأن الآية قد جعلها الله تعالى تقع مرتين: قبل عصر الرسالة مرة، وأخرى بعد أكثر من (13) قرنًا من نزول آخر آية من القرآن الكريم، وهي المفردة الثانية من تعدد العوالم.

موقع الجودي وعالمية الطوفان
حلل السيد سامي البدري لفظ (أرمينيا) إلى أصوله الأولية، فكان: معناه مدينة سفينة نوح أو مدينة نوح (7). لذا تعد (أرمينيا)، المعروفة حاليًا، الواقعة شمال تركيا، هي مدينة سفينة نوح، وقد رست عليها السفينة فعلا، ثم هاجر منها نوح(عليه السلام) إلى الكوفة.
كان الطوفان ناتجًا عن سقوط الأمطار الغزيرة، وانفجار ينابيع الأرض، كما أكد ذلك النص التالي: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ* وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (القمر: 11- 12)، ويؤكده أن السفينة كانت تصاحبها أمواج عالية كعلو الجبال الشاهقة: (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) (هود: 42- 43).
لم يذكر أحد من الباحثين بأن فيضانات نهري دجلة والفرات، كانت تصاحبها أمواج عالية كعلو الجبال، حتى حالت هذه الأمواج بين نوح(عليه السلام) وابنه، فكان من المغرقين بسبب الأمواج العالية.
فالعثور على بقايا السفينة في أحد جبال أرمينيا، وهو الامتداد الطبيعي لجبال الموصل، يؤكد أن الطوفان كان عالميًا، وأن جبل أرمينيا هو مرسى سفينة نوح(عليه السلام)، وقد سميت (مدينة سفينة نوح) فانطبق الاسم على المسمى.

نشرت في العدد 52


(1) تفسير العياشي/ الجزء الثاني: 311/ قم/ 1421هـ.
(2) النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين: 57/ السيد نعمة الله الجزائري.
(3) المصدر السابق: 62 .
(4) تفسير القمي / علي بن إبراهيم: 328/ الجزء الأول/ النجف/ 1386هـ.
(5) الميزان في تفسير القرآن: 270/ الجزء 10/ السيد محمد حسين الطباطبائي/ بيروت.
(6) فيضانات بغداد في التاريخ: 169/ د. أحمد سوسه/ القسم الأول/ بغداد، وفي الهامش نقرأ ما يلي: القرآن الكريم (الترجمة الإنكليزية) تعليق مولوي محمد علي لاهور، الطبعة الثانية، الحاشية 1183 ص 461- 462.
(7) النجف مرسى سفينة نوح: 62/ السيد سامي البدري/ النجف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.