Take a fresh look at your lifestyle.

الإمام الهادي(عليه السلام) وصراع الولاية

0 564

السيد علاء الموسوي
أستاذ في الحوزة العلمية

 

        خاض أهل البيت(عليهم السلام) ألوانًا من الصراع طوال تاريخهم الحافل بالجهاد في سبيل إبقاء معالم الإسلام والحفاظ على ثوابت الدين القويم.
فتارة نجدهم في صراع على جبهة التوحيد وإثبات مسائله الحقة، من نفي التجسيم وعدم الرؤية، ونفي تعدد الصفات، وأخرى في صراع على جبهة العدل الإلهي ونفي الجبر والتفويض وإثبات الأمر بين الأمرين. وثالثة على جبهة المسائل الفقهية الفرعية وأحكام الإسلام التي طالتها يد التحريف والتزوير. وهكذا.
ولعل الجبهة الأخطر في ذلك هي جبهة إثبات الولاية الحقة للأوصياء بعد الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله)، إذ نجدهم يكثرون من التصريحات المؤكدة على ضرورة الوصية وصفات الوصي الحق ومعالم الإمامة بعد النبي(صلى الله عليه وآله)، في أحاديث تعد بالمئات، أودعت في أوثق مصادر التشيع كأصول الكافي، وبصائر الدرجات، وأمثالهما من المصادر القديمة.
وقد انتشرت تلك الأحاديث التي تتحدث بالتفصيل عن مبدأ الولاية والإمامة وعن الصفات المعتبرة في الإمام ووظائفه وكفاءاته وقدراته العلمية والنفسية والتكوينية، في جُلّ كتب الإمامية العقائدية والكلامية. بل حتى في بعض كتب الطوائف الأخرى أيضاً رغم مخالفتها لهذا المبدأ. مما يوضح شدة اهتمامهم(عليهم السلام) بهذه المسألة. كما نجدهم(عليهم السلام) يستخدمون العديد من الوسائل لإيصال تلك الحقائق إلى الأجيال والحفاظ عليها من الضياع.. إذ الروايات واحدة من تلك الوسائل، والزيارات وسيلة أخرى، والأدعية وسيلة ثالثة. الأمر الذي يبدي الأهمية الكبرى لمسألة الإمامة والولاية، ومدى صعوبة الصراع الذي خاضه أئمة الهدى(عليهم السلام) لإثبات هذه المسألة في الأجواء الفكرية بين المسلمين، مع كونها من المسائل شديدة الحساسية والتي تحفها المخاطر لكونها تمس شرعية الأنظمة الحاكمة في مختلف الأزمان.

ومع كون مسألة الولاية والإمامة من المسائل الخلافية الكبيرة بين المذاهب الإسلامية حتى صرح بعضهم قائلاً أنه لم يرق دم في الإسلام كما أريق على مسألة الإمامة. ومع كونها إحدى الذرائع التي يتخذها الظالمون لقتل وملاحقة أهل البيت(عليهم السلام)
وأتباعهم، إلا أننا نجد الأئمة(عليهم السلام)
لا يفتأون يتحدثون فيها ويؤكدون عليها ويودعونها في زياراتهم المأثورة.
إن من تلك الجهود المؤكدة لهذا المعنى ما ورد عن الإمام الهادي(عليه السلام) في الزيارة الجامعة لأئمة المسلمين. حيث أودعها جُلَّ ما ورد متفرقاً في روايات الأئمة(عليهم السلام) في الأزمنة المختلفة. هذا مع كونه صلوات الله عليه كان يعيش أشد حالات التقية والحذر. فهو رهين داره في بلاد الظالمين وعاصمة المتربصين به الدوائر. ومع شدة المراقبة عليه وتحجير اللقاء به ومنع الشيعة من التردد عليه.

بنظرة متمعنة في هذه الأيام نجد الإمام الهادي(عليه السلام) قد جمع من فضائل الأئمة وأوصافهم وعظيم منزلتهم ما تفرق في المئات من أحاديث الإمامين الصادقين ومن بعدهما من الأئمة(عليهم السلام)، وكأنه جعلها زيارة جامعة لا لأئمة المسلمين فقط، بمعنى أنها يزار بها كل إمام، بل هي جامعة لفضائلهم وخصائصهم وعلو منزلتهم، فهي موسوعة لمعارف الإمامة وحقائق الولاية.
ولو أردنا أن نقف عند كل مقطع من مقاطعها لوجدنا عليه شاهدًا أو أكثر من الروايات الشريفة المروية في كتبنا المعتبرة.
ولذلك أمثلة نذكر بعضها كي لا يطول بنا الحديث. فقد ورد في عبارة الزيارة عدة أوصاف منها:
ـ أهل الذكر: وقد روي مستفيضاً عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) في قول الله تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)(1) قال(عليه السلام): نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون(2)

.
ـ ورثة الأنبياء: وقد روي عن أبي الحسن الأول(عليه السلام) أنه سأله سائل قال: (جعلت فداك أخبرني عن النبي(صلى الله عليه وآله) ورث من النبيين كلهم؟ قال(عليه السلام): نعم. قلت من لدن آدم إلى أن انتهت إلى نفسه؟ قال: ما بعث الله نبياً إلا ومحمد(صلى الله عليه وآله) أعلم منه. قال الراوي: قلت إن عيسى بن مريم كان يحيي الموتى بإذن الله! قال: صدقت. قلت : وسليمان بن داوود كان يفهم منطق الطير، هل كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقدر على هذه المنازل؟ قال: نعم، فقال: إن سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشك في أمره، فقال: (مَا لِيَ لَآ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ)(3) وغضب عليه فقال: (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ)(4)،

وإنما غضب عليه لأنه كان يدله على الماء، فهذا وهو طير فقد أعطي ما لم يعط سليمان، وقد كانت الريح والنمل والجن والإنس والشياطين المردة له طائعين ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء فكان الطير يعرفه، إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى، بَل للهِ الأَمْرُ جَمِيعًا)(5)، وقد ورثنا هذا القرآن ففيه ما يقطع به الجبال ويقطع البلدان به ويحيي به الموتى ونحن نعرف الماء تحت الهواء، وإن في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلى أن يأذن الله به مع ما فيه إذن الله. فما كتبه للماضين جعله الله في أم الكتاب. إن الله يقول في كتابه: (وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ فِي السَّمَآءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)(6). ثم قال: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)(7). فنحن الذين اصطفانا الله فورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شيء)(8).
ـ أئمة الهدى: وقد ورد عن أبي
جعفر(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (من سره أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويدخل جنة ربي جنة عدن قضيب من قضبانه غرسه ربي بيده فقال له كن فكان فليتول علياً والأوصياء من بعده وليسلم لفضلهم فإنهم الهداة المرضيون أعطاهم فهمي وعلمي وهم عترتي من دمي ولحمي)(9). وهكذا لو تتبعنا عبائر الزيارة الشريفة لوجدنا مطابقتها للروايات الشريفة أمراً واضحاً جلياً.
إن صياغة تلك الحقائق في صورة زيارة يؤديها الزائر أمام أي ضريح من ضرائحهم المقدسة، تمتزج فيها العقيدة بالعاطفة، والفكرة بالشوق، والدين بالحب. لهو أسلوب فائق التأثير على النفوس، كما أنه يمكنه تجنب احتمالات الطمس والتضييع أكثر من الروايات والأحاديث التي تستهدف عادة بالتحريف والإضاعة. وذلك لأن الزيارة في شكلها الظاهري ما هي إلا ممارسة عبادية قد لا يهتم المغرضون وأهل الباطل بتحريفها كما يهتمون بتحريف وطمس الروايات والأحاديث التي تعد في أنظارهم مصدراً أساسياً للعقائد والأفكار المناهضة لمبانيهم ولأساس شرعيتهم.
لقد خاض إمامنا الهادي(عليه السلام) صراع الولاية مع أطراف عديدة اتفقت على إنكار الحدود المعينة للولاية التي بينها أهل البيت(عليهم السلام) بحيث يعد من تقدم عليها وبالغ فيها مغالياً ومن قصر فيها وخدش ببعضها مقصراً. فهناك من يقول بإمامتهم إلا أنه لا يتقيد بتلك الحدود التي أوضحوها لولايتهم وإمامتهم، وهناك من لا يقول أساساً بحقهم المفترض على الأمة مع اعترافه بتقدمهم في العلم على جميع الأمة. وبين هؤلاء وأولئك.. كانت الزيارة الجامعة الكبيرة نصاً جامعاً لشتات حقائق الولاية والإمامة.. والفضائل والمقامات الثابتة لأئمة
الهدى(عليهم السلام).

نشرت في العدد 51


(1) النحل:43.
(2) بصائر الدرجات ص40.
(3) النمل:20.
(4) النمل:21.
(5) الرعد:31.
(6) النمل:75.
(7) فاطر:32.
(8) بصائر الدرجات ص47.
(9) نفس المصدر ص48.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.