Take a fresh look at your lifestyle.

الشيخ علي القسام (1322 – 1397 هـ)/ (1904 – 1979م)

0 712

جواد عبد الكاظم محسن

 

   اسمه ونسبه
هو الشيخ علي بن قاسم (جاسم) بن حمود بن خليل من آل قسام الأسرة النجفية الشهيرة التي تنتسب إلى قبيلة خفاجة من نسل عمران بن شاهين أمير البطائح (المتوفى سنة 369هـ)(1)، وهو مؤسس الدولة الشاهينية، وصاحب الرواق المشهور في النجف برواق عمران بن شاهين الذي دخل قسم كبير منه في الصحن الحيدري الشريف، وصارت بقيته مسجداً دعي بمسجد عمران(2).

أســـرته
آل القسام أسرة عاملة متكسبة ؛ اشتهرت بإسم جدها (قسام)، وهي من الأسر السابقة في هجرتها القديمة العهد إلى النجف الأشرف، لكنها عرفت منذ أواخر القرن الحادي عشر الهجري، وبيدها تولية مرقد النبيين هود وصالح عليهما السلام، وقطنت محلة المشراق، ولها دور واسعة متعددة(3).
وقال عنها الخاقاني في معرض ترجمته لأحد اعلامها وهو الشيخ جواد القسام (شقيق المترجم له): (أسرة نجفية معروفة، عربية النجار والنزعة، وقد انجبت مجموعة من الرجال عرفوا بحسن المواهب وسعة المدارك، وطيب
السيرة)(4).
نبغ من هذه الأسرة الكريمة عدد من الأعلام الفضلاء، ومنهم علم مشهورفي العلم والفضل هو العلامة الشيخ قاسم القسام (1260- 1331هـ/ 1844- 1913م)، وهو والد المترجم له، وقد تحدّث عنه الشيخ محبوبة قائلاً: (هو مؤسس هذا البيت الأدبي وغارس نبعته والباني لمجده، أشاد بذكر اسرته وهيأ لها السمعة والإعتبار، كان من العلماء الماهرين في الفقه والحديث والرجال)(5).
ونال الشيخ محمد علي القسام (1290ـ1373هـ/ 1873ـ1954م) وهو عم المترجم له شهرة واسعة، فقد كان خطيباً شهيراً، وسياسياً حراً، وشاعراً مقبولاً، وكانت له ملكة خاصة في تجسيم واقعة الطف وتحليها، وأوتي من حلاوة اللسان قسطاً فاق السحر في التأثير مع صوتي شجي، وحافظة قوية وإلقاء حسن، وقد استخدم المنبر الحسيني وواقعة الطف سلاحاً للتوعية والإرشاد والتوجية اثناء الثورة العراقية الكبرى سنة 1338هـ/ 1920م، إذ كان أحد رجالها وخطبائها المشهورين(6). وقد عدّه الخاقاني في الخطابة آنذاك (ثاني اثنين، فكان الأول صالح الحلي، والثاني هو ولكنه امتاز على الأول بإيجابيته فقد انحاز إلى جانب العلماء والمصلحين، وساند القوى الرصينة من أهل الفضل)(7).

ولادتـــــه
ولد الشيخ علي القسام في مدينة النجف الأشرف سنة 1322هـ/ 1904م ,
دراسته وأساتذته:
درس مبادئ العلوم الأولية على يد المحصلين من اساتذته، كالعلامة باقر الشخص الذي درس على يديه علم الأصول(8)، كما درس بقية العلوم على يد عمه الخطيب الشيخ محمد علي القسام، وحضر دروسه العالية على المراجع الكبار في الفتيا أمثال المرجع الديني الكبير السيد محسن الحكيم والعلامة السيد حسين الحمامي (قدّس سرهما الشريف) ودرس الأخلاق والعرفان لدى العلامة السيد علي القاضي.

تلامــذتـه
تتلمذ على يديه جمع غفير من الأفاضل والعلماء المعروفين في مختلف الأصقاع الإسلامية، ونُقل لنا اسماء جملة من تلامذته المشهورين في مدينة النجف الأشرف والمدن العراقية الأخرى، وهم: السيد عز الدين بحر العلوم، والسيد علاء الدين بحر العلوم، والسيد عبد الحسين القزويني، والسيد فاضل عباس جمال الدين، والسيد كاظم القاضي، والشيخ عبد العالي المظفر، والشيخ محمد جواد بن الشيخ هادي المظفر، والشيخ هادي المظفر، والسيد صالح الخرسان، والخطيب السيد قاسم (جاسم) بن السيد حسن شبر، والسيد حسين اليعسوبي الأفغاني نزيل النجف، والشيخ حسين بن الشيخ علي الماجدي، والسيد عبد الجليل بن طاهر آل النبي، والسيد جعفر السنجاري (نسبة ً إلى مدينة سنجار في شمالي العراق)(9).
أما في مدينة المسيب فقد تتلمذ عليه مجموعة من أهل العلم والفضل ؛ نذكر منهم: المرحوم الشيخ مهدي حنتوش (1348ـ1423هـ/ 1929ـ2002م)، والشيخ ناجي النجار المقيم في السويد حالياً، والسيد حيدر الحسيني، والدكتور عبد المجيد الناصر، والأستاذ عيدان كاظم، والأستاذ حسين عيسى، والسيد علي العلاق، والشيخ عبد الأمير النجار، وغيرهم الكثير.

سـيرتــه
بعد أن أكمل الشيخ علي القسام دراسته وتحصيله العلمي، وبلغ درجة الإجتهاد ؛ تفرغ كلياً للبحث والتدريس، وكان يصرف معظم وقته في المطالعة والكتابة والقاء الدروس. وفي سنة 1374هـ/ 1954م أرسله المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم (قدس سره الشريف) إلى مدينة الكوفة، وبقي فيها حتى كلفه السيد الحكيم للمرة الثانية بالنزوح إلى مدينة المسيب ؛ بعد أن كثرت مراجعات أهاليها، وازداد إلحاحهم بطلبه، فاستجاب المترجم له لهذا التكليف الجديد، وغادر إلى المسيب في اليوم السادس عشر من شهر ربيع الثاني سنة 1377هـ/ 1957م، وقد جاء في وثيقة وكالة السيد الحكيم الموجهة إلى أهالي المسيب: (ولدنا العالم الفاضل المهذب الكامل التقي النقي الشيخ علي القسام دام تأييده وتسديده، وقد جعلته وكيلاً عني في جميع الأمور الحسبية التي لا يجوز توليها إلا للمجتهد الجامع للشرائط)(10).
وعندما هبط المسيب نزل داراً متواضعة وصغيرة مطلة على نهر الفرات في محلة الشيوخ على مقربة من الجسر الحديدي في المدينة، وأقبل الأهالي عليه فرحين ومرحبين بنزوله بينهم، والتفوا حوله، فسار بسيرته الحسنة التي عرف بها، وانتظمت صلاة الجماعة بإمامته يومياً. وقد ادركناه طويلاً، فرأيناه مثلما وصفه الشيخ جعفر محبوبة بقوله: (يمتاز بين اقرانه بالسكون والهدوء والنسك والصلاح، تقرأ على غضون جبينه سطور الإيمان والتقوى)(11). وورد وصفه واطراء سجاياه الحميدة في مصادر أخرى(12).
وبعد رحيل السيد الحكيم (قدس سرّه) عن الحياة سنة 1390هـ/ 1970م؛ أقرّه خليفته المرجع السيد أبو القاسم الخوئي (نوّر الله مرقده) على وكالته في المسيب.

أعمــالـه
قام الشيخ علي القسام بأعمال كثيرة ومهمة داخل مدينة المسيب، بل وامتدت أعماله إلى ضواحيها، وهي تشير إلى علو همته ووفرة نشاطه وسعيه المشكور في قيامها وانجازها. ومن هذه الأعمال:
1ـ تجديد وتوسيع جامع السعداوي (الفرات) سنة 1380هـ/ 1960م.
2ـ تأسيس أول مكتبة عامة في المسيب سنة 1382هـ/ 1962م، وهي مكتبة الثقافة الإسلامية من فروع مكتبات المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم (قدس سرّه) في عموم المدن العراقية، وقد جهزت هذه المكتبة بالمصادر والمراجع المتنوعة لمختلف العلوم والفنون، وفتحت أبوابها يومياً لكل طالب علم ومستفيد، وما تزال بنايتها قائمة ملاصقة لجامع السعداوي، وتحتاج من يلتفت إليها ويعيد الحياة إليها كي تؤدي دورها الذي أسست من أجله.
3ـ تجديد عمارة مسجد الحاج حمزة الجواري (جامع الحسين في صوب البو حمدان) سنة 1382هـ 1962م.
4ـ بناء حسينية الإسكندرية سنة 1384هـ/ 1964م.
5ـ إنشاء حسينية أهالي المسيب في مدينة كربلاء المقدسة سنة 1388هـ/ 1968م.
6ـ اضافة قطعة أرض جديدة إلى الحسينية الكبيرة في مدينة المسيب سنة 1390هـ/ 1970م.
7ـ الإعتناء بالمراقد الواقعة في ضواحي مدينة المسيب إذ كان له مسعى واضح ومشكور في تجديد عمارة مرقد ولدي مسلم بن عقيل عليهما السلام سنة 1394هـ/ 1974م، واجتهاده الحثيث في بناء المرقد المنسوب محلياً للسيد ابراهيم بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب عليهم السلام(13)، وغيرهما من المراقد وتخصيص يوم اسبوعياً لزيارتها وإقامة صلاة الجماعة فيها.

آثاره العلمية
أصدر المترجم له كتاب عمّه الخطيب الشيخ علي القسام الموسوم بـ (الأخلاق المرضيّة في الدروس المنبرية) بعد أن حققه وعلق عليه، وأضاف إليه قصائد في رثاء أهل البيت عليهم السلام، والكتاب عموماً كما قال المؤلف في مقدمته (فصول أنيقة ومجالس مرتـّبة، وإن شئت فقل دروس منبرية واخلاق مرضية جعلتها نموذجاً للذاكرين ومهيعاً للراغبين؛ يسير على ضوئه الخطيب الأديب والواعظ الأريب)(14)، وقد ذكره العلامة الشيخ أغا بزرك الطهراني في طبقاته(15).
أما مؤلفاته الخاصة فقد طبع منها كتابان، هما: (السِفر المطيّب في تأريخ مدينة المسيّب) المطبوع في النجف الأشرف سنة 1974م، و(كتاب الدرتين في أحوال السيدين ابراهيم المجاب وابنه أحمد عليهما السلام) بتحقيق صاحب هذا البحث، وبقيت له مؤلفات أخرى لا تزال مخطوطة في مكتبته الخاصة التي انتقلت إلى نجله الدكتور قاسم القسام في بغداد، وقد عرفنا منها: تفسير سورة البقرة في جزء، وقصار السور في جزء آخر، ويبدو أن الشيخ كان يزمع تفسير القرآن الكريم كاملاً إلا أن المشاغل حالت دون تحقيق هذه الأمنية ثم جاءت وفاته بعد ذلك فأنهت العمل. وله أيضاً مخطوط بعنوان (أنيس الجليس) وهو كشكول منتخب، وكتاب آخر بعنوان (الجفر)(16).

شـعــره
ونظم الشعر إلا أنه كان مقـّلاً، ولم يعتن ِ كثيراً بشعره أو يهتم بجمعه على عادة علماء الدين الذين يكرسون أغلب نشاطهم في خدمة المجتمع وارشاد افراده إلى كل ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، ويصرفون جلّ وقتهم في البحث الفقهي، وتوضيح المسائل الشرعية، وقد نشرت له بعض المصادر نتفاً من شعره في حقّ أئمة أهل البيت عليهم السلام ورثائهم(17).

عـقـبــه
أعقب الشيخ علي القسام ولدين اثنين، هما: الدكتور قاسم وهو رجل جليل من فضلاء الأساتذة الأكاديميين، ومتخصص بالتأريخ والحضارة الإسلامية، ونال شهادتي الماجستير والدكتوراه من معهد التأريخ العربي والتراث الإسلامي التابع لإتحاد المؤرخين العرب، واتخذ من العاصمة بغداد سكناً له، والثاني أياد الذي وافته المنية سنة 1984م.

وفـاتــه
اختاره الله تعالى إلى جواره الكريم في مدينة المسيب يوم العاشر من محرم الحرام سنة 1397هـ الموافق لليوم التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني سنة 1979م، وقد شيع بموكب مهيب من قبل أهالي المسيب والمدن المجاورة لها مشياً على الأقدام إلى كربلاء المقدسة، وبعدها سارت السيارات بموكب كبير إلى النجف الأشرف حيث أقام المرجع الأعلى السيد أبو القاسم الخوئي – قدس سرّه – صلاة الميّت عليه، وأعقبه العلامة السيد يوسف الحكيم – طاب ثراه – ثم تلاه نيابة عن جماعة العلماء العلامة السيد محمد علي الحمامي (نوّر الله مرقده) ثم دفن جنب اخوانه وافراد اسرته في مقبرة وادي السلام عند مقام النبيين هود وصالح عليهما السلام .

نشرت في العدد 38


(1) الدجيلي، عباس محمد الزبيدي: الدرر البهية في أنساب عشائر النجف العربية، بغداد 1988م، 1/79.
(2) محبوبة، جعفر: ماضي النجف وحاضرها، النجف الأشرف 1376هـ/ 1957م، 3/85 (الهامش).
(3) المصدر نفسه 3/85.
(4) الخاقاني، علي: شعراء الغري، النجف الأشرف 1373هـ/ 1954م، 2/459.
(5) ماضي النجف وحاضرها 3/89.
(6) المصدر نفسه ص 89، شعراء الغري 10/49. المطبعي، حميد: موسوعة أعلام العراق، بغداد 1996م، 2/211. المرجاني، الشيخ حيدر: خطباء المنبر الحسيني، النجف 1368هـ/ 1949م، 1/132. جابر، شاكر: من الأحرار (مقالة مكتوبة بالرونيو قرئت في ندوة الشعرباف ببغداد يوم 18/2/1993م).
(7) شعراء الغري 10/49.
(8) القسام، الشيخ علي: السفر المطيب في تأريخ مدينة المسيب، النجف الأشرف 1394هـ/ 1974م، ص 86.
(9) محسن: جواد عبد الكاظم، تراجم علماء المسيب وخطبائها المنبريين، ص90.
(10) المصدر نفسه، ص91. توجد صورة لهذه الوثيقة في ارشيف مكتبتنا الخاصة.
(11) ماضي النجف وحاضرها 3/89.
(12) المرجاني، الشيخ حيدر: النجف الأشرف قديماً وحديثاً، بغداد 1988م، 2/51.
(13) يوجد مرقد آخر أكثرة شهرة للسيد ابراهيم بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب قرب مدينة الرميثة ذكره المحقق محمد حرز الدين في كتابه الشهير مراقد المعارف/ ، وذكره المحقق النسابة السيد حسين أبو سعيدة في كتابه المشاهد المشرفة/ .
(14) القسام: الشيخ محمد علي، الأخلاق المرضية في الدروس المنبرية، تحقيق الشيخ علي القسام، النجف الأشرف 1383هـ/ 1963م، ص3.
(15) الطهراني: الشيخ أغا بزرك، طبقات اعلام الشيعة – القسم الرابع، النجف الأشرف 1388هـ/ 1968م، 1/1428.
(16) تراجم علماء المسيب وخطبائها المنبريين ص101.
(17) المصدر نفسه ص104.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.