Take a fresh look at your lifestyle.

أثر النص المقدس في اتخاذ القرار المعماري الحلقة الثانية

0 728

د. عبد الله سعدون المعموري
قسم الهندسة المعمارية/ الجامعة التكنولوجية

   بسم الله الرحمن الرحيم
(وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ) (سورة النحل الآية 80).

يستلهم المعمار المسلم قراره على مستوى التشكيل المعماري والتصميم الحضري حسب الإدراك والفهم لمعاني وأبعاد النصوص القرآنية المقدسة والأحاديث الشريفة كأحد المعايير والضوابط التصميمية إضافة للأبعاد الوظيفية والرمزية للعمارة بما لا يتعارض مع فطرة الانسان والحفاظ على البيئة الطبيعية والخصائص المكانية الملبية للحاجات الروحية والمادية للانسان والمولدة لمجموعة من المعاني التعبيرية والمفاهيم القيمية التي تضيف لذلك قيماً اساسية تترجم إلى أنماط حياتية وتنظيمية وفق حلقات تتكامل مع الزمن تحمل في طياتها عمقاً زمنياً و بعداً غيبياً متصلاً بالوحي الإلهي مترجمة ذلك إلى وسائل تُترجم إلى نظام منطقي متوازن ذي مكامن أصيلة، ويقود البحث في تلك النصوص المقدسة إلى استكشاف النظريات والأفكار المعمارية المعاصرة والتواصل مع ثقافة الآخر ومحاولة استثمار الجوانب الايجابية فيها بمزاوجته مع خصائص العمارة الإسلامية، فالعمارة الإسلامية قائمة على التوازن والتكامل والوحدة في بنيتها وتشكّلها باعتبارها جزء من نسيج متشابك ينبع من وحدة العقيدة الإسلامية التي تهدف إلى حفظ الدين والنفس والعرض والعقل. فليس القرآن الكريم كتابا هندسياً أو معمارياً، بل أنّه كتاب الهداية والحكمة، لكنه ينطلق من الرؤية التوحيدية التي تتجسد في مختلف جوانب السلوك الإنساني، فيعتبر العمران نظام قيم، وعدم اعتباره ركون المال والثروة والتباهي بالقصور، وهو المعيار فی التقييم فالزخارف و الأَسرّة الفضية والسلالم الكثيرة والنقوش والقصور والبيوت الفخمة ليست هی المحدد والمقياس لشخصية الإنسان ومقامه.

المحور الأول: مبادئ العقيدة المؤثرة عى اتخاذ القرار المعماري
وهي المبادئ المستمدة من العقيدة الإسلامية لما لها من أثر في القرار التصميمي.

1ـ الوحدة والتوحيد:
الوحدة ميزة مهيمنة وواضحة في العمارة الإسلامية، وهي متأتية أصلاً من وحدة الإله (و إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (سورة الأنبياء/ الآية 92) و(إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ)(سورة النحل/ الآية 22)، يقول أبو حيان التوحيدي: (أنا أعوذ بالله من صناعة لا تحقق التوحيد، ولا تدل على الواحد، ولا تدعو إلى عبادته، والاعتراف بوحدانيته، والقيام بحقوقه، والصبر على قضائه والتسليم لأمره). ولكن هذه الوحدة لا تعني مطلق التشابه (بمعنى التطابق)، ومن هنا كانت عملية التنوع والاختلاف، بنتيجة المفاهيم المتغيرة في إطار المفاهيم الثابتة. وبذلك خرجت نتاجات العمارة الإسلامية في أماكن تبعد عن بعضها الاف الأميال، وبينها فترة بضعة قرون، تكاد تشبه بعضها البعض دون أن تتطابق، وإنما هناك شيء من التباين الذي تحمله كل بيئة، وتختص به دون غيرها، ولكن دون أن تخل هذه المفارقات بوحدة الفن الإسلامي المستمدة من وحدة العقيدة الإسلامية التي كانت الأساس الذي ساد الفكر الإسلامي وذلك انطلاقاً من وحدانية الله.

2ـ الخصوصية:
حدد الإسلام الأسس والقواعد الخاصة بعلاقة الفرد بالمجتمع موضحا نظام حياته وطريقة عيشة فترك ذلك بصماته الواضحة على شكل وملامح وعناصر العمارة والعلاقات بين هذه العناصر، فقد أكد الإسلام على الخصوصية في المسكن حيث يمثل للإنسان طبقة الجلد الثالثة معتبره الغلاف الثالث والملابس تمثل للإنسان طبقة الجلد الثانية، تعيش وتتعايش الأسرة في خصوصية وطمأنينة، وقد تجلى ذلك في سورة النحل (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا…). واختص الله المسكن بالرعاية والاحترام ليس لما هو كعمارة، ولكن لمن فيها من سكان، وتتحقق هذه الخصوصية في، المدخل المنكسر، الانفتاح على الداخل سواء في المسكن الخاص أو المساكن العامة والتي انتظمت عناصرها ووحداتها حول فناء، التدرج في الخصوصية من الخاص إلى العام. وإذا كان هذا النمط المعماري قد وجد في الحضارات السابقة فلأنه يوفر فوائد مناخية إلا أنه في الحضارة الإسلامية يلبى بالدرجة الأولى احتياجات الإنسان المسلم المتأثرة بالنص المقدس.

3ـ البساطة والاختزال:
وتشكل سمة بارزة من سمات العمارة العربية الإسلامية، حيث يستمد القرار المعماري من جوهر مباديء الدين الاسلامي من حيث البساطة وعدم المبالغة مع ضمان حفظ الخصوصيات وتحقيق التفاعل الاجتماعي من منطلق النص القرآني (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)(سورة لقمان / الآية 18) الذي يتجلى في بساطة تصميم المسكن مما يوحي بالسكينة والإطمئنان، حيث لا تعني البساطة في هذا الإطار التبسيط والاختزال في الجوانب الكمية المجردة بل تشمل مجمل الاحاسيس والانطباعات التي لاتنطلق من القيم الكمية المجردة والتكوينات والمفردات الحجمية او اللونية او الشكلية، وانما هو نتاج طبيعي لدرجة الشد والترابط والاتزان بين مفردات النتاج بما يجعله ثرياً بالمعنى، غنياً بالهيئة، حيث إن لكل جزء وظيفة ولكل عنصر هدف يترك في ذهن المتلقي إدراكاً آنياً دون تكلف. وإن الوصول إلى نقطة التوازن بين المفردات المكونة للنتاج هي من صفات الإبداع والتميّز والتأثير على أحاسيس المتلقي.

4ـ الزهد في الإسراف:
رسم الإمام علي(عليه السلام) خطابا أخلاقيا زاهدا من خلال حالتين هما، الاعتدال في العيش دون الحرمان من الطيبات وهذه لعامة الناس، واختيار الفقر والحرمان للأئمة مستنداً على ما جاء في الآية الكريمة القرآني (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)(سورة الفرقان/ الآية 67)، وانعكس الزهد في العمارة من خلال التعامل مع العناصر المادية ومع الخصائص المناخية سواء كان ذلك على صعيد الفكرة التصميمية، أو على صعيد استعمال مواد البناء، أو على صعيد التفاصيل الكامنة ضمن البنية الأساسية للمباني نفسها، فحضور عنصر الروح في القرار التصميمي جزء من الحل وليس الحل كله، فالعمارة التي تعتمد مبدأ التواضع والزهد في فلسفة التصميم يُدرك فيها الالتزامات المحددة في العلاقة المباشرة بين الإنسان وعمليات الطبيعة، وباعتبار أن المسكن من المعالم القوية للتحضر البشري ودليل مادي على الاستقرار والتعايش فقد جاء في سورة القصص (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)(سورة القصص/ الآية 58).

5ـ الإخلاص:
(إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)(سورة الكهف/ الآية 7)، فالعمارة في الثقافة الإسلامية مبنية على مكارم الأخلاق التي تمثل الجزء المعنوي الذي يطبع المنجز المادي بطابعه معبراً عن القيم الأخلاقية المرتبطة بالمطلق وليس عن الأنانية وعدم الاكتراث بالآخر، والنظام الأخلاقي ينعكس عمرانيا بعمق لأنه يشكل المعنى القيمي ويعطي الأشكال المادية قيمتها وحضورها. وقال الرسول(صلى الله عليه وآله):
(من عمل عملاً صالحاً فليتقنه)، إذ تميزت العمارة الإسلامية بدرجة عالية من الدقة والإبداع في مستويات مختلفة من المبنى في المخطط العام وعلى مستوى التفاصيل حيث تداخلت الأشكال الهندسية مع العناصر النباتية في وحدة وانسجام.

6ـ كفاءة الأداء:
نشأت الثقافة المعمارية الإسلامية على يد المعمار الفطري، الذي تولى عمليات الإنشاء والإبداع بشكل تلقائي، يعتمد على الحدس والانتماء الإجتماعي والديني، دون اطلاعه على مراجع ونظريات، بل صارت ابتكاراته تشكل مدرسة وتقليداً، ونشأت عن هذه الممارسات لغة معمارية ومفردات غزيرة يتناقلها المعماريون، مستمداً ذلك من النص المقدس، فقد جاء في الآية الكريمة (…وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا...)(سورة الأعراف/ الآية 74)، والآية (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ)(سورة الشعراء/ الآية 194)، والآية (وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ)(سورة الحجر/ الآية 82) والإشارة هنا إلى نحت البيوت كتعبير عن القوة حيث أن عملية بناء البيوت ميزة الأمم القوية، كما استعمل مفهوم النحت للدلالة على البناء بطريقة فنية رائعة بحيث أن كل جزء في عملية البناء يأخذ حقه في الإتقان والتكوين.

7ـ المساواة وحق الآخر:
حدد النص المقدس في القرآن الكريم والحديث الشريف العديد من الضوابط والتشريعات في شروط البناء وبما ينظم طبيعة العلاقات الاجتماعية (..وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ…)(سورة النساء/ الآية36)، وأثر ذلك في القرار المعماري في تحديد عرض الطريق العام وتوجيه فتحات الدار وأبعادها من الشبابيك والأبواب والشرفية بين الدور السكنية ضمن وحدة الجيرة لضمان حقوق المالك والمستعمل، فالمسكن في المنظور الإسلامي يعتبر وحدة اجتماعية لا ينفصل فيها البناء عن متطلبات الأسرة المسلمة الذي يحدد الفضاءات الداخلية للمسكن. ومن هنا التزم المعمار بطرق تشكيلية تتوافق مع المعاني القادمة من النص القرآني المقدس سواء في التشكيل السطحي أو التشكيل بالكتلة وقد ظهرت في صورة متكاملة متزنة. وقد لوحظ الاهتمام بتشكيل الأسطح الداخلية سواء في الواجهات المطلة على الفناء أو الفضاءات الداخلية، ويرجع ذلك بالدرجة الأولى لانعكاس المفهوم الإسلامي على التصميم حيث أن الإسلام قد اهتم بجوهر الأمور وليس بظواهرها، والفناء هو نواة المبنى كالقلب في جسم الإنسان، مع كل هذا فان الإسلام لم يطالب بالتعالي والتباهي بإنشاء المساكن ولكن بالبعد عن التبرج والإسراف والتباهي وهي من مظاهر الدنيا الزائلة ويمكن استلهام ذلك في العديد من الآيات القرآنية الكريمة في سورة الزخرف (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ *وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)(سورة الزخرف/ الآيات (33-35)).

المحور الثاني: وظائف المسكن من وحي النص المقدس
1ـ السُكنى:
المسكن راحة كاملة غير مجزئة، راحة جسدية يسترجع الجسد فيها قوته ونقاهته، وراحة نفسية تسترجع النفس فيه التوازن بعد التوتر والصراع، وقد جاء في الذكر الحكيم في سورة النحل الآية 80 التي تشير إلى المستهدف من موضع المبيت والإقامة وهو تحقيق السكن والاستيفاء المرن لمقتضى تلك الإقامة، وترتبط مفردة (سكن) لغويا بعديد من الدلائل، السكينة والطمأنينة، الهدوء، الاسترخاء وغيرها من المعاني التي تؤكد أهمية استيفاء المتطلبات الحسية والإدراكية للإنسان أثناء القرار التصميمي للمسكن وظيفيا وتعبيريا.

2ـ الوظائف البيولوجية:
وتعد ضرورة لابد من إتيانها لاستعادة الإنسان لطاقته وقدرته للاستمرار والبقاء (... وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)(سورة آل عمران/ الآية 49)، (..أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ..)(سورة النور/ الآية 61)، وتعتبر كلا من وظيفة السكنى والوظائف البيولوجية وظائف تندرج ضمن علاقة الإنسان بنفسه محددة بنواميس الفطرة أو الغريزة التي أودعها الله سبحانه وتعالى في ذات الإنسان ويشترك مع الإنسان فيها كثير من المخلوقات الأخرى. أما الضيافة التي تجعل من المسكن وسطا مصغرا مساهما في تحقيق الغاية من الوجود الإنساني وهي التعارف بين الناس، (وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ)(سورة الحجر/ الآية 51).

3ـ العبادة:
وهي من وظائف المسكن الرئيسية التي تجسد علاقة الإنسان بالله سبحانه، فهو مكان لاتصال الإنسان بخالقه لأن في ذلك راحة للنفس وتطهير لها (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)(سورة يونس/ الآية 87)، (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا)(سورة الأحزاب/ الآية 34).

المحور الثالث: دور النص المقدس في تحديد
تقنيات البناء
حددت النصوص القرآنية القرارات التصميمية التي يتخذها المعماري عند بلورة فكرة التصميم واختيار أنظمة ومواد البناء باستخدام تقنيات العصر بما لا يتعارض مع القيم الثابتة في النص المقدس ولا يضر بالبيئة المحيطة مع ضمان حق الأجيال القادمة في العيش (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)(سورة الأعراف/ الآية 85):

1ـ اختيار مواد البناء وطريقة صناعتها:
(آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا)(سورة الكهف/ الآية 96)، (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ)(سورة القصص/ الآية 38)، (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ)(سورة الفجر/ الآية 9). وجاء في النص المقدس إشارات متعددة إلى الجبال كمصدر لمواد البناء، فالاسمنت والحصى من الجبال، والحديد والخشب من الأشجار، والزجاج من الرمال و غيرها من المواد التي تشتق وتحور وتستخرج بطريقة فنية علمية ودقيقة في التشكيل العمراني.

2ـ تقنيات البناء:
حدد القرآن الكريم إنشاء الأسس كخطوة أولى للبناء (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(سورة البقرة / الآية 127)، الأسس التي هي قواعد البناء وركيزته، فبأنهيارها أو فشلها انهار البناء كله (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ) (سورة النحل/ الآية 26). أما الأعمدة فقد جاءت في القرآن الكريم (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ)(سورة الرعد/ الآية 2)، فالسماء بناء ومعجزة الله في ذلك أنه رفعها من غير عمد، فهي قدرة لا تضاهيها في ذلك قدرة، فهي خاصة بالله جل و علا، أما الإنسان فلا بد في إنشاء بنائه من الأعمدة التي يشير لها النص المقدس وتعني العنصر العمودي من البناء الذي يمثل الجدران أو الأعمدة التي ترتكز على الأسس وترفع السقوف. وحدد النص المقدس عناصر أخرى في البناء كالسقف الذي له أهمية بالغة (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ)(سورة الزخرف/ الآية 33) والمعارج في النص المقدس هنا تشير إلى السلالم التي تمثل الحركة العمودية من مستوى إلى آخر، وكذلك عنصر الأبواب والتأثيث الداخلي (وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ)(سورة الزخرف/ الآية34)، لما لأهمية البيت في تحقيق الراحة، وهذا تصوير دقيق لجميع عناصر البناء من تقنية في البناء إلى تزيين داخلي وخارجي للبيت، فهي عناصر مجتمعة متكاملة. وقد ورد في النص المقدس ضرورة إدماج المساحات الخضراء في محيط تزيين البيوت وتنظيمها(لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)(سورة سبأ/ الآية 15).

3ـ الصلابة والمتانة:
لابد لقرار التصميم المعماري ضمان الصلابة والمتانة في طبيعة البناء وتقنيته، حيث البناء مهما كان لابد أن يكون مرصوصا يشد بعضه بعضا، كما وصف به الله المسلمين في النص المقدس (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ)(سورة الصف/ الآية4) إشارة إلى الصلابة والقوة والمتانة التي يجب أن يكون عليها البناء.
وخلاصة القول أن العمارة الإسلامية في غياب الضوابط والمعايير للقرار المعماري المستمد من النصوص المقدسة هي نوع من الاجتهاد البشري أو الترف الفكري. فالعمارة الإسلامية ليست بكثرة الأقواس والنقوش والقباب، وإنما هي تلك التي تتلائم وشخصية الإنسان المسلم أخلاقياً وعقائدياً ونفسياً ملبيةً لاحتياجاته الروحية والمادية وتمنحه القدرة على تنمية قابلياته الإبداعية في اتخاذ القرارات الصائبة لجميع مناحي الحياة. فالمدن والمباني كالكائن الحيّ الذي يولد ويموت أو يرد إلى أرذل العمر، أو قد يولد ميتاً لا أثر للتنفس فيه منذ اللحظة الأولى، وخلايا الجسم هنا هي المباني وجميع المنشأت، أما الرئتان والشرايين فهي الساحات والمتنزهات وما يتفرع منها من شوارع وطرقات، وما الدم الذي يجري فيه ويعبر عن الحياة إلا المجتمع وسائر أوجه نشاطه. فبقي الإنسان يستوحي في نشاطه المعماري أشكال الطبيعة الحية وتراكيبها حيث يظهر ذلك في تفاصيل المبنى وعناصره. أن قرار التصميم المعماري يحتاج منا إلى وقفة متأنية لتقييم آثاره وتأثيراته على كل من الصحة والبيئة ومجالهما الحيوي وفهم كيفية مساندة النظم البيئية الطبيعية للمستوطنات البشرية والاستفادة من هذه البيئات التي سخرها الله سبحانه وتعالى لخدمة الإنسان فلا بدّ من رعايتها وصيانتها والعمل على زيادة قدرتها وكفاءتها وقد وردت في النصوص القرآنية توكيدات على ذلك كما في قوله تعالى في الآية 85 من سورة الأعراف (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).

نشرت في العدد 38


المصادر:
1- القرآن الكريم.
2- محمد تقي المدرسي (التشريع الإسلامي، مناهجه ومقاصده)، ج3، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 2004
3- تومي إسماعيل (العمارة والعمران في ظلال القرآن)، بيت المعماريين العرب، الجزائر.
4- عبد الله سعدون المعموري (الوظيفة الأخلاقية للعمارة) أطروحة دكتوراه، الجامعة التكنولوجية، قسم الهندسة المعمارية، 2008.
5- مجلة ميزوبوتميا، مركز دراسات الأمة العراقية، العدد 5-6، تموز، 2005.
6- طالب حميد الطالب (الماضي والمستقبل ونظرتنا للعمارة المعاصرة) ندوة الخصوصية الوطنية، بغداد، 1989.
7- يحيى وزيري (التصميم المعماري الصديق للبيئة، نحو عمارة خضراء)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2007.
8- http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1056

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.