Take a fresh look at your lifestyle.

جريمة.. هدم القبور الطاهرة عودة إلى التاريخ

0 565
الشيخ علي اليماني

            قامت الحركة الوهابية ـ التي تتبع عقيدة سلفية متشددة ـ منذ ظهورها سنة 1143هجرية/ 1722 ميلادية على يد محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي الحنبلي بمهاجمة كل المناطق الإسلامية المجاورة لها في شبه الجزيرة العربية، وخارجها ومن أشهر ما قامت به من أعمال شنيعة يندى لها جبين التاريخ الإسلامي ما يلي:
1- في 18 ذي الحجة 1216 هـ المصادف 22 نيسان 1801 م هاجم الوهابيون بقيادة سعود بن عبد العزيز مدينة كربلاء المقدسة حيث استغلوا ذهاب معظم أهالي كربلاء إلى النجف الأشرف لزيارة ضريح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) في عيد الغدير، فذبحوا ما يزيد على ثلاثة آلاف من السكان ، ونهبوا البيوت و الأسواق ونفائس الضريح المقدس ، وقد أخذوا على الأخص صفائح الذهب بعد أن اقتلعوها من مكانها ، ثم هدموا الضريح المطهر
2- بعد سنتين وفي 1218 هـ /1803م هاجموا النجف الاشرف ومرقد أمير المؤمنين عليه السلام ولكن استعداد ودفاع أهل النجف عن مدينتهم أحبط هجومهم الحاقد.
3- وفي عام 1218 هـ /1803 م هاجموا كربلاء مرة ثانية لكن أهل كربلاء كانوا قد استعدوا لهم فأحبط الله سبحانه وتعالى هجومهم الغادر.
ومن جرائمهم الكبرى اعتداءهم الآثم على البقاع الطاهرة في بقيع الغرقد حيث مرت على البقيع فترتان هدمت فيها معالمه من قبور وضرائح وقباب من قبل الوهابيين العتاة:

الهدم الأول عام 1220هـ/ 1845م:
أقدم آل سعود على تدمير البقيع وذلك عام 1220 هـ فهدموا قبة آل البيت(عليهم السلام)
وقبة الحمزة(عليه السلام) عم رسول الله(صلى الله عليه وآله) وكل القباب التي بالبقيع وخارج البقيع في المدينة المنورة ومكة وقد هاجم جيش ابن سعود المدينة من جنوبها، ودخلها من العوالي وقباء الاخوان وواصلوا زحفهم حتى اقتحموا السور ، يقول المؤرخ السعودي ابن بشر
( وفي أول هذه السنة قبل مبايعة غالب بايع أهل المدينة المنورة سعود على دين الله ورسوله السمع والطاعة، وهدمت جميع القباب التي وضعت على القبور والمشاهد وذلك أن آل مضيان رؤساء حرب وهما بادي وبداي ابني بدوي بن مضيان ومن تبعهم من عربانهم أحبوا المسلمين ووفدوا على عبد العزيز وبايعوه، وأرسل معهم عثمان بن عبد المحسن أبا حسين يعلمهم فرائض الدين وقرر لهم التوحيد. فأجمعوا على حرب المدينة ونزلوا عواليها، ثم أمر عبد العزيز ببناء قصر فيها فبنوه وأحكموه واستوطنوه، وتبعهم أهل قباء ومن حولهم وضيقوا على أهل المدينة وقطعوا عنهم السوابل وأقاموا على ذلك سنين.
وأرسل عليهم سعود وهم في موضعهم ذلك الشيخ العالم قرناس بن عبد الرحمن صاحب بلد الرس المعروف بالقصيم. فأقام عندهم قاضيا ومعلما كل سنة يأتي إليهم في موضعهم ذلك. فلما طال الحصار على أهل المدينة وقعت المكاتبات بينهم وبين سعود من حسن قلفي واحمد الطيار والأعيان والقضاة وبايعوا في هذه السنة سنة 1221 هـ)
ثم أعاد إبراهيم باشا بن محمد علي باشا والي مصر بنائها (سنة 1222 هـ) وكتب اسمه واسم أبيه واسم السلطان محمود في دائرة القبة الشريفة لحضرة الرسول(صلى الله عليه وآله) وقبة آل البيت العظام(عليهم السلام) وكان من بين ما قاله الرحالة السويسري جان لويس بورخارت عن مقبرة البقيع: (… وتبدو المقبرة حقيرة جداً. لا تليق بقدسية الشخصيات المدفونة فيها، وقد تكون أقذر وأتعس من أي مقبرة موجودة في المدن الأخرى التي تضاهي المدينة المنورة في حجمها… فالموقع بأجمعه عبارة عن أكوام من التراب المبعثر وحفر عريضة ومزابل).

الهدم الثاني: الثامن من شوال عام 1344هـ
بعد زهاء ثمانين سنة من عملهم الإجرامي الأول استولى الوهابيون على البلدين المقدسين مرة ثانية وهدموا القباب وأحرقوا المكتبات وكانت تحتوي على الكتب القيمة والنادرة.
فعاد الوهابيون ليستولوا على المدينة المنورة مرة أخرى في عام 1344هـ الموافق لـ21 نيسان (إبريل) 1925م.
وكان من ذلك هدم بقيع الغرقد بما فيه من قباب طاهرة لذرية رسول الله(صلى الله عليه وآله)
وأهل بيته وخيرة أصحابه وزوجاته وكبار شخصيات المسلمين.
حيث قاموا بتهديم المشاهد المقدسة للائمة الأطهار(عليهم السلام) وأهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعد تعريضها للإهانة والتحقير بفتوى من وعاظهم.
فقد استفتوا في مسرحية – تحت التهديد والترهيب- علماء المدينة حول وجوب هدم القبور،حيث أرسل الوهابيون قاضي القضاة في نجد سليمان بن بليهد إلى علماء المدينة يستفتيهم حول بناء مراقد أولياء الله،وكان يحمل أسئلة متضمنة الأجوبة من وجهة نظر الوهابيين،وقد صدرت الفتوى بوجوب الهدم وذلك تحت التهديد!
وقد نشرت جريدة أم القرى الصادرة في مكة بعددها (69) في ( 17 / شوّال 1344 هـ ) نص الاستفتاء وجوابه ، وحدّدت تاريخ صدور الفتوى من علماء المدينة بتاريخ ( 25 / رمضان 1344 هـ )وقد أثارت ضجة كبيرة بين المسلمين .
جاء في كتاب الوهابية في الميزان: ( فبعدما صدرت تلك الفتوى من خمسة عشر عالما من علماء المدينة،وانتشرت في الحجاز،بدأت السلطات الوهابية بهدم قبور آل الرسول(صلى الله عليه وآله) في الثامن من شوال من نفس العام،وقضت على آثار أهل البيت(عليهم السلام) والصحابة،ونهبت كل ما كان في ذلك الحرم المقدس من فُرش غالية وهدايا ثمينة وغيرها،وحولت تلك الزمرة الوحشية البقيع المقدس إلى ارض قفراء موحشة)، فأصبح البقيع قاعاً صفصفاً لا تكاد تعرف بوجود قبر فضلا عن أن تعرف صاحبه.
وجاء أيضاً في مستدرك ما فات من أهل الدار تأليف عبد الرحيم بن حسن بن محمد حربي :
(أما هذه المرة وهي الثانية، فقد دخل الملك عبد العزيز المدينة المنورة مستلما لها من الشريف من شمالها، حيث كان العرضى التابع للاخوان معسكرا في الجرف والعيون، وحاصر المدينة مدة ستة أشهر، ويقول الأستاذ محمد حسين زيدان في معرض حديثه عن دراسته وذكرياته: (…نركض على الدرج نجد الأستاذ قد جلس، كنا نحيا ذلك والمدينة محاصرة، والدويش في قبا، والغرم في العوالي، والنشمي في العيون، والمدينة محكومة بحكام أربعة كل على حاله).
كانت رحى الحرب دائرة بين الشريف وابن سعود على المدينة، حتى انهزم الشريف وسلمت المدينة لأميرها محمد بن عبد العزيز، ووضع الناس السلاح، وعادت الحياة لسابق وضعها، وفي الرابع من شهر شوال (عام 1343 هجري) من ضحى ذلك اليوم صارت فرق العساكر تطوف شوارع المدينة وكان شيخ الحرفة هو المعلم خضر شيحة كانوا يأخذون المعلمين وعمالهم إلى البقيع، وأخذ حيث مقام سيد الشهداء الحمزة عم الرسول(صلى الله عليه وآله) ويأمرونهم بهدم القباب، فباشر المعلمون الهدم مرغمين على ذلك لان فرقة من الاخوان تركب الخيل، وتحمل معها حزما من جريد النخل، تستحث بذلك المعلمين على الهدم حتى ما مضت أيام قلائل إلا وكل القباب هدمت وأزيلت أنقاضها من البقيع ومقامات سيد الشهداء وإسماعيل والنفس الزكية..، وقد روى هذه القصة كثير من المعلمين الذين عاصروا هذه الحدث. ورواية أخرى يرويها احد المعمرين من أهل المدينة يقول: إن الشيخ عبد الله بن بليهد ـ قدم المدينة ودعا علماءها وتحاور معهم حتى برهن ـ وفقا لقناعته ـ أن زيارة القبور محرمة، وإنها بدعة في الدين، وشرك بالله، وانه يجب أن يتفق جميع علماء المذاهب الأربعة على تخريب القبب وهدمها ومنع الزيارة، ونظراً لذلك فقد منعت زيارة جميع المراقد، والمشاهد، وأغلقت أبواب البقيع، ومقبرة سيد الشهداء وكل المراقد، وصار الناس لا يجرؤن على زيارة البقيع وغيره، حتى تمكن القاضي بن بليهد من موافقة علماء المذاهب الأربعة على ذلك، فصدر الأمر بهدم جميع القباب وتخريبها، وما ذلك إلا اجتهاد شخصي من هذا الشيخ.
وراوي آخر يحدث: بأن القاضي واجه معارضة شديدة من الشيخ محمد علي بن تركي، الذي كان من العلماء الورعين الزاهدين المقيمين في المدينة كان متواضعاً في سمته، وهندامه، وقورا في مشيه، جذابا في حديثه، وقد عرفت من سيرته التي يتناقلها الناس، انه كان لا يأخذ راتبه إلا من إيراد البريد بزعمه انه الإيراد الحلال الذي لا تشوبه شائبة.
يصف الرحالة الغربي واسمه (ايلدون رتر)، المدينة المنورة بعد الجريمة الثانية التي نفذها الوهابيون عند استيلائهم على المدينة المنورة وقتلهم الآلاف من الأبرياء، يقول: (لقد هدمت واختفت عن الأنظار القباب البيضاء التي كانت تدل على قبور آل البيت النبوي.. وأصاب القبور الأخرى نفس المصير فسحقت وهشمت).

العزم على هدم قبر الرسول (ص)
وتشير الوثائق والقرائن إلى أن الوهابيين لم يكتفوا بتلك الجرائم بل حاولوا مراراً هدم قبة الرسول(صلى الله عليه وآله) إلا انهم غيروا رأيهم بسبب حدوث ردود فعل إسلامية قوية من مختلف البلدان الإسلامية.
جاء في كشف الارتياب: (وتريثوا خوفا من عاقبة الأمر عن هدم قبة
النبي(صلى الله عليه وآله) وضريحه التي حالها عندهم كحال غيرها أو أشد لشدة تعلق المسلمين بذلك وتعظيمهم له وأدلتهم الآتية وفتواهم لا تستثني قبة نبي ولا غيره وما أعلنه سلطانهم في الجرائد من أنه يحترم قبة النبي(صلى الله عليه وآله) وضريحه يخالف معتقداتهم جزما ولا يراد منه إلا تسكين الخواطر ومنع قيام العالم الإسلامي ضدهم ولو أمنوا ذلك ما توقفوا عن هدمها وإلحاقها بغيرها بل كانوا بدأوا بها قبل غيرها).

انقطاع الحج من مصر والشام والعراق
ذكر الأمين في كشف الارتياب: (قال العلامة السيد جواد العاملي في حوادث سنة 1222 إنه تعطل الحج ثلاث سنين كما مر فيكون ابتداء انقطاعه من العراق سنة 1220 وذكر الجبرتي في حوادث سنة 1222 أن منها انقطاع الحج الشامي والمصري (أقول) وكان ابتداء انقطاع الحج من الشام في سنة 1221 ومن مصر في سنة 1222 كما مر فيظهر أن الحج انقطع من العراق أربع سنين ومن الشام ثلاث سنين ومن مصر سنتين ولا يعلم هل انقطع بعد ذلك أو لا).

جريمة البقيع ووصف الرحالة الغربيين
يقول الرحالة السويسري جان لويس بورخارت ( 1231هـ): (تبدو مقبرة البقيع حقيرة جدا لا تليق بقدسية الشخصيات المدفونة فيها. وقد تكون أقذر وأتعس من أية مقبرة موجودة في المدن الشرقية الأخرى التي تضاهي المدينة المنورة في حجمها، فهي تخلوا من أي قبر مشيد تشييدا مناسبا، وتنتشر القبور فيها وهي أكوام غير منتظمة من التراب. يحد كل منها عدد من الأحجار الموضوعة فوقها… فالموقع بأجمعه عبارة عن أكوام من التراب المبعثر، وحفر عريضة ومزابل).
أما جبل أحد فيقول عنه هذا الرحالة بأنه وجد المسجد الذي شيد حول قبر حمزة(عليه السلام) وغيره من شهداء أحد مثل مصعب بن عمير وجعفر بن شماس وعبد الله بن جحش قد هدمه الوهابيون.. وعلى مسافة وجد قبور اثني عشر صحابيا من شهداء أحد: (وقد خرب الوهابيون قبورهم وعبثوا بها).
ويقول الرحالة (ايلدون رتز) حيث زار البقيع عام 1925م أي بعد هدمه بعام واحد: (حينما دخلت إليه وجدت منظره كأنه منظر بلدة قد خربت عن آخرها، فلم يكن في أنحاء المقبرة كلها ما يمكن أن يشاهد سوى أحجار مبعثرة وأكوام صغيرة من التراب لا حدود لها، وقطع من الخشب مع كتل كثيرة من الحجر والآجر المنكسر فخربها كلها… لقد هدمت واختفت عن الأنظار القباب البيضاء التي كانت تدل على قبور آل البيت النبوي في السابق… وأصاب القبور الأخرى نفس المصير، فسحقت وهشمت).
ولا بأس بالإشارة إلى ان جريمة هدم القبور فيها أهداف أخرى غير المعلنة منها الاستيلاء على الأموال التي كانت تزخر بها هذه المراقد المقدسة، فهؤلاء الأوباش كان همهم الإغارة ونهب الأموال، وهو واضح من فعلهم في كربلاء المقدسة كما أسلفنا ومحاولتهم ذلك في النجف الاشرف التي لم يوفقوا لنهبها، ونعرض لك أيها القارئ الكريم هذا النص للاطلاع على مآ ربهم الخسيسة.
جاء في تاريخ الجبرتي: (…ويذكرون أن الوهابي استولى على ما كان بالحجرة الشريفة من الذخائر والجواهر ونقلها واخذها … إلى أن حضر الوهابي واستولى على المدينة واخذ تلك الذخائر فيقال انه عبى أربعة سحاحير من الجواهر المحلاة بالألماس والياقوت العظيمة القدر ومن ذلك أربع شمعدانات من الزمرد وبدل الشمعة قطعة الماس مستطيلة يضيء نورها في الظلام ونحو مائة سيف قراباتها ملبسة بالذهب الخالص ومنزل عليها الماس وياقوت ونصابها من الزمرد واليشم ونحو ذلك وسلاحها من الحديد الموصوف كل سيف منها لا قيمة له وعليها دمغات باسم الملوك والخلفاء السالفين وغير ذلك)

نشرت في العدد 38

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.