ثلاثة عناوين يدور عليها محور الكتابة فيما يخص تطوير العملية التربوية ألا وهي علم النفس التربوي ـ طرائق التدريس ـ المرشد ودوره التربوي وفي الإعداد للكتابة عن أحد هذه المحاور يمكن أن ينبثق عنوان يشكل قاسماً مشتركاً من بين تلك المحاور يتضمن الحديث عن سبل النهوض والارتقاء بالعملية التربوية!! والحق أن كل ما ذكر يصب في زيادة الوعي في مدى التفكير لاستخدام طرق وأساليب مدعاة إلى إصلاح وتطوير العملية التربوية والتعليمية والجميع يتحدث عن بعض الاخفاقات في مجالات التربية والتعليم وتردي القسم الكبير من العملية التربوية فضلاً عن هبوط وانخفاض المستوى العلمي للكثير من الطلبة وبهذا اللحاظ ينتظر الجميع حلاً للمشاكل بعد التشخيص وانتظار النتائج والثمار المرجوة.
وفي هذا الضوء ولدى التشخيص لاحظنا أن ثمة عوامل تشترك في النهوض وتطوير عملية التربية والتعليم مع الأخذ بنظر الاعتبار مجال الخبرة العملية في ميدان التعليم العملي ـ كمدرس ـ وبالاستفادة من الممارسة للفترة المستوحاة من العملية التربوية.
ومن الحقائق الثابتة أن التربية العشوائية أو العفوية تبدد الطاقات والجهود وتخلق الاضطراب والبلبلة في المجال النفسي والسلوكي وتحرف الأهداف والغايات التربوية عن مسارها الحقيقي من هنا كانت الحاجة إلى منهج تربوي ثابت في أصوله واضح في مقوماته وموازينه بل هو ضرورة من ضرورات الحركة التربوية فهو يرسم للتربية مسارها السليم المتوازن ويحدد لها معالم طريقها ويوجه الجهود والنشاطات والبرامج التربوية لتقرير المفاهيم والقيم الصالحة والسامية في الواقع الإنساني. وقد بذل العلماء والباحثون والمتخصصون في شؤون التربية جهوداً كبيرة ومتواصلة للتوصل إلى منهج تربوي يستندون إليه في انطلاقاتهم نحو تربية الإنسان والمجتمع على أسس سليمة وصالحة ولقد تنوعت تلك الدراسات وهناك ما قام بها متخصصون جمعت بين الدراسات الغربية والشرقية وبين الدراسات الإسلامية.
وثمة ضوابط وعوامل ينبغي مراعاتها في العملية التربوية لأجل النهوض والارتقاء بها وهي تشكل دعامة ومرتكزاً لدفع عجلة التعليم إلى الأمام ولابد من إجراء تغيير أساسي في الأهداف والطرائق والمناهج والوسائل ولابد أن نلتفت ونركز أن على المربين وأصحاب الاهتمام أن يدركوا أن المهمة الإصلاحية والتربوية التي يواجهونها اليوم تختلف في بعض وجوهها عن المهمة الإصلاحية التربوية بالأمس ويمكن ملاحظة أن: (أبناء اليوم قد أصابهم مرض الشكلية والعجز عن إدراك الجوهر والتعلق بالمظاهر بسبب ضمور الفكر وعدم قدرته بعد الانفصال على متابعة الواقع وفهمه واحتواء تحدياته وتقديم البدائل للتعالم الصحيح معه)(1).
هذا وأن الدراسات التربوية الحديثة في ميدان علم النفس تراعي عدة أمور ينبغي الالتفات إليها في عملية الإصلاح التربوي وبما أفرزته المدارس الحديثة من تجارب خاضتها في هذا المجال، ففي دراسة بعنوان (التربية والتنمية والنهضة) يؤكد فيها الباحث على: (ثوابت أساسية في تطوير العملية التربوية ومنها أن يراعى فيها التحولات والتغيرات العالمية المتسارعة)(2)، على أن التطوير هذا يجب أن يكون نوعياً بالدرجة الأولى ثم أن الأخذ بعناصر التربية الصحيحة كونها: (مسؤولة عن تنمية الإبداع والقدرة على التفاعل مع المستقبل)(3)،
لا أنه يقف عند تطوير الكتب الدراسية أو أساليب التدريس فحسب فمن ذلك مثلاً التأكيد على: (ضرورة التخطيط الاستراتيجي المعتمد على الرؤية البعيدة والنظرة المستقبلية)(4).
إن زيادة تعقد الحضارة الحديثة والنمو السريع لعوامل التقدم التقني يستدعي زيادة الطلب على تربية تزيد كماً وكيفاً عن التربية القديمة. إن التحدي اليوم بما أفرزته الحياة العصرية يتطلب أن: (تطالب المدرسة الحديثة بأن تمكن كل طالب من استغلال مواهبه الكامنة أقصى استغلال ممكن)(5)،
على اعتبار أننا بحاجة إلى طلاب أكثر معرفة وأكثر إتقان وأقدر على متابعة متطلبات الحضارة الحديثة بمعنى تهيئة أجيال قادرة على أن يتعلم الطالب: (كيف يتعلم وكيف يحل مشكلاته أكثر أهمية من مجرد جمع المعلومات وتكديسها)(6)، لقد وضعت وظائف أساسية للتربية والتعليم ينبغي الالتفات إليه ومنها(7):
1ـ تحديد الأهداف التربوية.
2ـ تنظيم المنهج الذي يحقق هذه الأهداف.
3ـ تكييف المناهج بحيث تناسب مستويات الطلاب المختلفة وقابلياتهم المتنوعة.
4ـ توفير الشروط اللازمة للتعلم الصحيح والحفظ الجيد والتطبيق المناسب.
5ـ إجراء تقويم دوري أو مستمر لتقدم الطلاب نحو أهدافهم التربوية ويتضمن تحديد الفروق الفردية بين الطلاب واقتراح طرق ومناهج لمواجهتها.
ومما تقدم يمكن جعل عدة عوامل نراها تلعب دوراً كبيراً في دفع عملية التربية والتعليم نحو التقدم والنجاح منها ما يتعلق بالمنهج وأخرى تتصل بطبيعة عمل المدرس وثالثة تتأطر بإطار المؤسسة التربوية ولأجل تجنب الإخفاقات الحاصلة في بعض مفاصل عملية التربية والتعليم.
والأمر الأول الذي يجب التركيز عليه يتعلق بالمنهج الدراسي بملاحظة أن منهج الأمس يختلف عن منهج اليوم بحيث يمكن لنا أن نحقق: (الغاية من التربية والتوجيه على المستوى النفسي والمستوى الذهني والعقلي لكل مرحلة من مراحل نمو الناشئة)(8).
تنظيم المناهج
إن إدارة وتنظيم المناهج تعد مشكلة من أهم المشكلات. إن مناهج اليوم انتهى في المربون وعلماء النفس إلى القول: (بوجوب دوران المنهج حول الموضوع والطالب والمجتمع في آن واحد)(9)، أي وضع منهج متكامل يهتم في الوقت نفسه بالموضوعات المدرسية وخبرة الطالب في حل مشكلات المجتمع التي تهمه ولأهمية المنهج في التعليم وعن الاهتمام بالتربية والتعليم في أمريكا مثلاً أنها: (تعتبر أي خلل في التعليم هو أمر يهدد كيانها السياسي والاجتماعي والاقتصادي)(10)، أضف إلى ذلك أن: (الدول الكبرى تنظر إلى أي خلل في تعليمها باعتباره من مهددات أمنها مثلما حدث من تغير في مناهج التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية 1957)(11). أولاً: إن ما يمكن أن ينظر له في ما يخص المنهج التالي:
1ـ أن يكون مواكباً لحركة التطور العلمي والتكنولوجي والتقني.
2ـ أن يكون مناسباً لفترة (8) الأشهر الدراسية بحيث لا يشكل عبئاً على الطالب أو يثقل كاهل الأستاذ.
3ـ بالنسبة للدروس العملية ينبغي أن يكون محتوياً على الأمثلة التطبيقية بحيث تكون مقدمة للدخول ومن ثم المباشرة بالموضوع.
4ـ أن يكون لكل موضوع هدفاً من دراسته وخاصة فيما يتعلق بدرس الرياضيات والفيزياء والكيمياء.
5ـ أن يكون منسجماً مع ذوق الطالب وبيئته وبما يتكيف مع الفروق الفردية لاختلاف النضج العقلي والقابليات:
أ ـ فبمقدار التعلم بما ينطبق مع درس التاريخ، الأحياء الجغرافيا.
ب ـ أو بما يراعى فيه مشاعر الطالب من حيث الأمثلة بما يخص درس اللغة العربية لافتقاده إلى عنصر التشويق.
ج ـ وبما يخص مادة اللغة الإنكليزية أن تكون مناهج محادثة بدلاً من مناهج قواعد اللغة الإنكليزية.
د ـ بالنسبة لموضوع التربية الإسلامية ينبغي ضم جانب الأخلاق إلى جانب الفقه والتركيز على ذلك.
6ـ أن يكون المنهج تثقيفياً تعليمياً لا أن يكون تعليمياً تحفيظياً فقط.
7ـ أن لا يبت بالمنهج المقرر إلا على ضوء جلسات تعليمية مختصة وتجارب عدة في ضوء لجان مختصة.
8ـ الاهتمام بالمناهج التي من خلالها يستطيع الطالب رسم مستقبله أو المجال الذي سيبدع فيه وفي عقيدتي أن الأخذ والسير على هدي ما تقدم يمكن في (فيدرالية المناهج) ـ إن صح التعبير ـ. ثانياً: وفيما يخص المؤسسة التعليمية فيمكن النظر لها كالتالي:
أ ـ (ما يخص الأستاذ):
1ـ إدخال الأساتذة من مدرسين ومعلمين دورات تعليمية مكثفة بما يخضع للتقييم مع وجوب احتوائها على سفرات لتجارب قائمة في دول الجوار للاستفادة منها.
2ـ توفير دخل مناسب للأستاذ يجعله متفرغاً للعملية التربوية التعليمية بما لا يحتاج معه إلى الدروس الخصوصية لكي تتم متابعته من خلال لجان متخصصة وبشكل مستمر.
3ـ ينبغي اعتماد الأستاذ لمرحلة واحدة بقصد التفرغ لها والإبداع فيها.
4ـ أن يتناسب عدد الأساتذة مع الحصص الدراسية.
5ـ أن يتدرج الأستاذ مع المراحل الدراسية كافة مع الطلبة لمواكبة الطالب في تحصيله الدراسي.
6ـ بالنسبة لوضع الأسئلة ينبغي وضع عامل مساعد لها يعين الطالب على الإجابة يرفق معها مثل القوانين الرياضية أو إعلام الطالب بنتيجة الحل كما هو في مدارس الغرب.
7ـ وضع نظام (الكورسات) على غرار ما يجري في المعاهد والجامعات.
8ـ احتساب درجة الطالب مع المراحل المتقدمة ابتداءً من الثالث المتوسط إلى السادس الإعدادي كما هو الحال في الجامعات والمعاهد.
ب ـ ما يخص المؤسسة التربوية:
1ـ أن تكون هناك حلقة وصل بين الطالب والأستاذ وأولياء أمور الطلبة مع إدارة المدرسة فيما إذا يتطلب دعم الطالب مادياً ومعنوياً بإشراف من قبل التربية وإطلاعها.
2ـ أن تكون دائرة التربية مبتعدة كلياً عن الروتين الدوائري ليتسنى لها تمشية الأمور بيسر.
3ـ أن يكون للتربية الإشراف المباشر على المباني التدريسية (المدارس) لمراقبة ما تحتاج لأحدث وسائل التعليم.
4ـ أن تكون لها القدرة بجعل المدرسة مرفأ سياحي أو ترفيهي تعليمي تثقيفي تربوي.
5ـ المطالبة ـ بشكل جدي ـ بحقوق الأستاذ إلى جانب حقوق الطالب.
6ـ مفاتحة وزارة المالية بجعل منحة مالية شهرية للطالب لتشجيعه على التواصل الدراسي.
7ـ السعي لمكافأة الأستاذ والطالب على حد سواء لخلق التنافس الشريف الجاد من أجل خلق جيل واع يخدم البلد ومن خلال لجان متخصصة ودقيقة في هذا المجال.
وأخال أن الأخذ بهذه الأسباب والمعطيات يتطلب وقتاً غير قصير لأجل تطبيقه والاعتماد عليه وبالتالي جني الثمار المترتبة من خلاله أما فيما يخص المرحلة الآنية الحالية ـ كعلاج وقتي ـ فإن تشذيب الطلبة على أساس النوعية بدل الكمية ـ في نظري ـ هو الحل الأمثل في إعانة الحركة العلمية والتربوية والحمد لله أولاً وآخراً.
نشرت في العدد 38
(1) أزمة العقل المسلم، ص216.
(2) التربية والتنمية والنهضة، د. الحر، عبد العزيز محمد، ص166.
(3) المصدر نفسه، ص167.
(4) المصدر نفسه.
(5) د. فاخر عاقل، علم النفس التربوي، ص27.
(6) المصدر نفسه، ص10.
(7) في هذا المجال: علم النفس التربوي، ص10.
(8) أزمة العقل المسلم، ص216.
(9) علم النفس التربوي، ص25.
(10) الهاشمي كامل، إسلاميات في شؤون العصر وقضايا الفكر، ص166.
(11) المصدر نفسه.