إن ظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) سيكون رحمة للبشرية، ونقصد من ذلك أن الإمام عج سيكون في كل حركاته وسكناته رحمة للناس، ولما كان الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف مصلحاً ومنقذاً لكل المظلومين فإنه سيكون رافعاً لكل ظلم وحيف يصيب الناس أي سيكون مدافعاً عن جميع المستضعفين ومحباً للجميع ومشفقاً على الجميع، والإمام (عجل الله فرجه) لا يحمل الكراهية لأحد ولا يفكر بالانتقام من أحد، والإمام همه الوحيد أن يجعل السلام في ربوع الأرض فلا يرضى أن يتعد أحد على أحد ولا يقبل لأحد أن يتجاوز على حقوق الآخر بل يرفض إراقة الدماء ويعارض الحروب بين الدول ويحاول أن يجعل كل العلاقات بين الناس على أساس المحبة والرحمة والتفاهم، والإمام سيعلّم الناس كيف يحب بعضهم بعضاً وكيف يرحم بعضهم بعضاً، وبمعنى آخر أن النزاعات بين الناس ستنتهي والحروب بين الدول ستتوقف،
لأن النزاعات لا تحدث إلا بسبب الاعتداء على حقوق الآخرين، وأصحاب الحقوق يحاولون أخذ حقوقهم بالقوة أحياناً وبالتراضي أحياناً أخرى، إلا أن القوة أكثر ما تسود حالة النزاعات هذه، فلا تؤخذ الحقوق إلا من خلال القوة وفرض التهديد، ولكن الإمام يسعى إلى فرض العدل في الناس ويوزع جميع الحقوق على أصحابها ويجبر المتجاوزين على حقوق الغير من إرجاع حقوقهم إلى أصحابها، فإذا رأى الناس أن حقوقهم مضمونة فإن النزاع لا يحدث أبداً وإن القوة لا يحتاج إليها أصحابها، وستسود لغة المودة بدل البغض، والمحبة بدل الكراهية، السلام بدل العنف.
إن دولة العدل والسلام هي التي ستسود العالم في زمن ظهور الإمام وسيكون الجميع متساوين في الحقوق والواجبات.
وإذا كان الأمر كذلك فهل يعقل أن يكون الإمام سبباً في العنف وإراقة الدماء كما يتصور البعض، ولعل أعداء الإمام حاولوا أن يرسموا صورة العنف ويقدموا رؤية غير صحيحة عن حركة الإمام وكأن الإمام عند ظهوره ليس له هم سوى القتل والانتقام والدماء.
إننا لابد لنا من بيان مختصر لأحداث الظهور حتى يتبين لنا الأمر ويرتفع الالتباس الذي يتصوره البعض من كون الإمام عند خروجه يسفك الدماء ويقتل من الناس مقتلة عظيمة، والأمر ليس كذلك إذا ما تصورنا أن الإنسان حينما يريد أن يحقق أمراً مشروعاً يعارضه البعض.
ويحاول أن يثبت معالم الدين وأن يكون الأمر كله لله إلا أن ذلك يتعارض مع مصالح البعض إذ أنهم لا يريدون تحقيق ذلك على حساب مصالحهم فما الذي نتوقعه من هؤلاء، هل يستسلمون بأدنى دعوى يدعوها هذا المصلح ويسلمون أمورهم إليه؟ أو أنهم سوف يقاومون بأية طريقة كانت وسيسفكون الدماء ويشيعون القتل من أجل إفشال مشروع هذا المصلح، بل سيسعون لقتله وقتل من كان معه لاستئصالهم وإيقاف مساعيهم.
ولنستذكر ما واجهه الرسول(صلى الله عليه وآله) في نشره لدعوته حين عارضته قريش وانتفضت تتأثر لإيجادها وتنتقم لأصنامها التي حطمها النبي(صلى الله عليه وآله) وسفه معتقدات الكفر وأوهام الشرك التي كانت تسيطر على عقولهم وتستولي على قلوبهم ونفوسهم، أجل لم تقبل قريش ما دعاها الله النبي(صلى الله عليه وآله) لعبادة الله الواحد الأحد ونبذ عبادة هذه الحجارة التي لا تضر ولا تنفع لينقذهم من الضلال ومن عبادة الأوثان إلى السعادة وعبادة الله الواحد المنان، وهكذا استعملت قريش عتاة قومها لإيقاف النبي(صلى الله عليه وآله) عن دعوته فجيشت عليه الجيوش وحاربته بكل ما تملك من قوة،
فما هو موقف النبي(صلى الله عليه وآله) من ذلك، هل يستسلم لقريش الكفر والشرك وهل تنهيه هذه الحروب القرشية عن أداء رسالته ويستسلم لإرادتها، أم أنه يواصل مسيرته ويجعل توكله على الله وهو حسبه ويقاتلهم دفاعاً عن المؤمنين ليوقفهم عند حدهم في انتهاكاتهم وفي طغيانهم الذي هم فيه يعمهون؟ إن هذه المواجهة من النبي(صلى الله عليه وآله) مع قريش وإن كانت دفاعية تتطلب جهداً مضنياً ومعه ستكون إراقة الدماء والقتل من قبل النبي(صلى الله عليه وآله) واضحة وبشكل يكون معه القتل ظاهرة في حركة النبي(صلى الله عليه وآله) فهل سنقول إن النبي(صلى الله عليه وآله) يعتمد على إراقة الدماء.. وهل سنقول إن حركته هي حركة قتل وانتقام؟ أو هي مقتضيات لحركته الشريفة التي تتطلب معها بذل الجهد والدفاع المستميت ضد المعارضين لمشروعه الإلهي، إن لم يفعل النبي(صلى الله عليه وآله) على صدهم ومقاومتهم فقد فرط في مشروعه وقصر والعياذ بالله اتجاه إرادة الله
والنبي(صلى الله عليه وآله) لا يعصي أمر الله طرفة عين أبداً. ومثل ذلك حديث للإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)
عند حروبه الثلاثة مع القاسطين وهم معاوية وأهل الشام والناكثين وهم أصحاب الجمل لأنهم نكثوا بيعتهم للإمام(عليه السلام) واستحلوا حرمات الله والمارقين وهم الخوارج الذين مرقوا من الدين كما تمرق الرمية من السهم فقد اضطر الإمام(عليه السلام)
إلى مقاتلتهم وفرض رسالته ولو كره الشانئون له ولو سكت الإمام علي(عليه السلام) عن مقاتلتهم لفشلت أطروحة إصلاحه وتعثرت دعوته وتلكأت مسيرة الإصلاح التي دعا لها الإمام(عليه السلام).
لا ننسى ما جرى للإمام الحسين(عليه السلام) من بني أمية، فحينما دعا الإمام(عليه السلام) للإصلاح في أمة جده عارضه الأمويون وسفكوا دمائه ودماء أهل بيته وحالوا بينه وبين ماء الفرات واستعملوا أسوء أساليب التشكيك من اجل إجهاض مشروعه الإصلاحي، فهل يمكننا أن نطلق على الإمام الحسين(عليه السلام) صفة الدموية في ثورته الإصلاحية أم هي مقتضى تحركه المبارك؟
هكذا هي حركة الإمام المهدي(عليه السلام)، فان الإمام لم يدع للحرب والقتال، بل يدعو للسلم وعدم إراقة الدماء، إلا انه ما الذي سيفعله الإمام حينما يواجه معارضة عظيمة من قبل مناوئيه وأعدائه الذين لا يرغبون في مثل هذه الحركات الإصلاحية لأنها ستكون على حساب وجوداتهم ودولهم الباطلة، والإمام(عليه السلام) يستعمل معهم أسلوب الحوار ولا يريد أن يقاتلهم إلا انه أخيرا يضطر للدفاع عن نفسه وعن أصحابه فيرد عليهم ويقاتلهم ويستأصل شأفتهم، فالإمام المحمدي(عليه السلام) إنما يقاتل من اجل الدفاع وليس من اجل سفك الدماء والقتال.
إن الذين يريدون أن يصوروا الإمام المهدي(عليه السلام) انه يقتل من الناس مقتلة عظيمة كما يردد مثل هذه الأقوال بعضهم فهو إما جاهل بحركة الإمام السلمية، وإما يريد تشويه حركة الإمام الإصلاحية.
علينا إذن أن نتروى في قراءة كل ما يتعلق بحركة الإمام وشؤونه الخاصة في حركته وظهوره، وعلينا كذلك أن نعرف من أين نأخذ معارفنا وأن لا نستمع لأي حديث لا نعرف مصدره فلعل ذلك يشكل إساءة للإمام(عليه السلام) ونحن نظن أننا أحسنا التصرف مع الإمام، إذن علينا أن نتعامل مع الإمام المهدي(عليه السلام) ومع قضيته بصدق وبدون أي اضطراب في الحصول على معلوماتنا ومعارفنا تجاه الإمام (عجل الله فرجه) .