تواجه الشريعة الإسلامية تحديات كبيرة في حاضر تلبد بمختلف التيارات، ونتيجة لانحرافات خطيرة يمر بها التاريخ البشري، أصبح من الضروري السعي إلى تأصيل الكثير من أحكام التشريع واثبات قضية مسلمة عندنا ومرفوضة من قبل الآخرين، وهي انسجام الأحكام مع الفطرة الإنسانية واتساع ظلالها تحت مختلف الظروف الزمكانية، وشمولها لجميع أفراد البشر.
والعقوبة كانت من الأحكام التي تصدرت ساحات الجدل والنقاش حول فلسفتها وإمكان تطبيقها بالكيفية الثابتة في التشريع في وقت تشيع فيه مفاهيم الحرية وحقوق الإنسان بشكل عار عن المعايير المتكاملة.
مفهوم العقوبة
من الناحية اللغوية ينحدر لفظ العقوبة من العقب، والعقيب: مؤخر القدم(1) ومنه قيل: عاقبة كل شيء: آخره(2)، والعاقب: الذي يجيء في أثر صاحبه: ومنه قول النبي(صلى الله عليه وآله):
(أنا العاقب)، لأنه ختم الأنبياء(3).
أي أنها تشير إلى معنى (الخاتمة) منتزعة من (مؤخر القدم) كخاتمة للجسم، أو منتزعة من (آخر كل شيء) أي خاتمته، لأن العقوبة آخر ما يكون بعد ثبوت الجريمة بالنسبة للقضية الجنائية.
وعلى هذا فإنها تعطي معنى الجزاء(4)، باعتبار أن الجزاء خاتمة للجريمة، إذ يكون آخر ما تختتم به كل قضية جنائية.
وقد ورد لفظ العقوبة باشتقاقات عديدة في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ)(5)، وقوله تعالى: (اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(6)، وعشرات من الآيات القرآنية التي تتضمن لفظ العقاب، أما دلالاتها فعامة تشمل العقاب الإلهي، الدنيوي والأخروي.
والعقوبة في الاصطلاح: (الجزاء المقرر لمصلحة الجماعة على عصيان أمر الشارع)(7).
أقسام العقوبات في التشريع الإسلامي
تنقسم العقوبات في التشريع الإسلامي عدة أقسام، وذلك تبعاً لحيثيات متعددة، فهي من حيث محلها(8):
1ـ عقوبات بدنية: تصيب جسم الإنسان كالجلد أو الضرب.
2ـ عقوبات نفسية: مثل التوبيخ والتهديد.
3ـ عقوبات مالية: كالدية والكفارة.
ومن حيث أصالتها وتبعيتها تقسم إلى(9):
1ـ عقوبات أصلية: كالحدود والقصاص.
2ـ عقوبات تبعية: كحرمان القاتل من ميراث المقتول.
3ـ عقوبات بدلية: كالدية إذا درئ القصاص.
4ـ عقوبات تكميلية: كتعليق يد السارق في رقبته بعد قطعها حتى يطلق سراحه.
وتنقسم من حيث سلطة القاضي إلى(10):
1ـ عقوبات ذات الحد الواحد: كالجلد.
2ـ عقوبات ذات الحدين: كالجلد في التعازير.
ومن حيث وجوب الحكم بها(11):
1ـ عقوبات مقدرة: وهي التي لا يمكن إسقاطها كحد الزنا.
2ـ عقوبات غير مقدرة.
وتنقسم أخيراً من حيث الجرائم وهو المتداول في كتب الفقه:
عقوبات حدية وعقوبات القصاص وعقوبات التعازير.
المبادئ العامة في تنفيذ العقوبة
هناك مبادئ تحكم العقوبة يتولى مراعاتها القاضي في حكمه بالقضية وتشخيص نوع العقاب، وهذه المبادئ:
1ـ مبدأ شرعية العقوبة:
يطلق مفهوم (شرعية العقوبة) بمصطلح قانوني آخر وهو (مبدأ قانونية العقوبات)، ويعني: أن المشرع وحده هو الذي يملك تحديد الأفعال المعاقب عليها (الجرائم) وتحديد الجزاءات التي توقع على مرتكبيها (العقوبات)(12)، أي أن العقوبة لابد من استنادها على نص حتى يتم تنفيذها من قبل الحاكم، فلا عقوبة من دون نص، وقد أقرت هذا المبدأ وثيقة حقوق الإنسان في المادة الثامنة عام 1789(13).
والشريعة الإسلامية كانت الأسبق في إقرارها لهذا المبدأ، من خلال قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(14)، وبصورة غير مباشرة نستشعر من هذه الآية أن الحاكم ليس بوسعه تنفيذ أية عقوبة ما لم يكن لديه مستند شرعي ودليل في تنفيذ عقوبة معينة، فليس له مثلاً أن يغرم شخصاً كيف يشاء، أو يضرب مجرماً كيف يشاء من غير أن ينظر في جرمه والعقاب المقرر له، وقد ظن ـ خطأ ـ أن للقاضي الإسلامي صلاحية مطلقة في إقامة العقوبات، إلا أن الحقيقة تكون صلاحيته ضمن عقوبات التعزير مقيدة بضوابط وشروط منها عقلائية وعرفية.
والغرض الأول من مبدأ شرعية العقوبة هو ضمان حرية الأفراد، من ناحية كون الجريمة لابد لها من نص، وإلا لأصبح التجريم بيد القاضي مما يؤدي إلى نتائج وخيمة، وكذلك العقوبة من ناحية تحديدها وفق الجريمة.
2ـ مبدأ شخصية العقوبة:
ويعني هذا المبدأ أن محل المسؤولية الجنائية هو الفاعل المختار لا غير، وهو مبدأ متبع في أغلب القوانين الوضعية، ولكن لم يرسخ إلا بعد مراحل تاريخية وتقنينية، فلم يعرف النظام الجنائي القديم هذا المبدأ، إذ سادته فكرة العقوبة الجماعية التي تشمل أسرة الجاني بالعقاب(15)، ومن أمثلة تلك العقوبات أن محكمة باريس أصدرت في 27 مارس 1610م حكماً ضد المدعو (رافلاك) قاتل هنري الرابع، يقض بإعدامه ونفي والديه خارج المملكة مع إعدامهما شنقاً إذا عادا إليها مجدداً(16)، ومن جهة أخرى كانت قوانين وضعية على عهد غير بعيد تجعل الحيوان والجماد محلاً للمسؤولية الجنائية، حتى أنها لم تفرق بين الإنسان الحي والميت(17).
والشريعة الإسلامية واضحة في إقرار هذا المبدأ، فلا يعاقب على الجرم إلا فاعله، ولا يؤخذ امرؤ بجريرة غيره، وقد بين القرآن الكريم هذا المبدأ العادل في قوله تعالى: (…وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى…)(18)، وقوله تعالى: (…مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ…)(19).
3ـ مبدأ عمومية العقوبة:
ووفق هذا المبدأ يكون الجميع متساويين تحت سلطة القانون، من دون أي امتيازات تمنح لهذا أو ذاك، فعندما يتلبس الفرد بفعل الجريمة تنفذ بحقه العقوبة من غير نظر إلى أي أطر طبقية أو عرقية أو غيرها، فقد تميزت النظم العقابية القديمة بعدم المساواة بين الأفراد من الناحية العقابية، وعلى أساس طبقي يتم التمييز في العقوبة، فمثلاً كان الإعدام ينفذ بطريقة قطع الرأس بالنسبة لشخص من طبقة النبلاء، وبالشنق إذا كان من عامة الناس(20)، وكما في بعض القوانين المعاصرة التي تمنح بعض أقرباء السلطة حصانة دبلوماسية وبالتالي تختلف طرق عقابهم عن أي مواطن آخر، كما ذكر أحد الباحثين ما نصه القانون العراقي للعقوبات: قد يعفي التشريع الداخلي للدولة لاعتبارات تتصل بالمصلحة العامة، بنص صريح في بعض الأشخاص من الخضوع لقانون العقوبات(21)، وهؤلاء الأشخاص:
(1ـ أعضاء مجلس قيادة الثورة، ويعبر عنهم القانون العراقي السابق: (يتمتع رئيس مجلس قيادة الثورة ونائبه والأعضاء بحصانة تامة، ولا يجوز اتخاذ أي إجراء بحق أي منهم إلا بإذن مسبق من المجلس(22).
2ـ أعضاء المجلس الوطني، إذ منح الدستور المؤقت لجمهورية العراق أعضاء المجلس الوطني حصانة تجاه قانون العقوبات)(23).
أما التشريع الإسلامي فواضح في تطبيق العقوبة بشكل عام من غير خصوصية لأحد، وكشاهد على هذا: روي جماعة جاؤوا إلى الرسول(صلى الله عليه وآله) يتشفعوا لامرأة سرقت، حتى قال(صلى الله عليه وآله): (إنما هلك الذين ممن كان قبلكم أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه)(24).
ولابد من ملاحظة أساس المساواة في العقوبة، إذ هناك موارد متعددة للمساواة، فهل المساواة مطلقة بين جنس البشر، أم هناك محددات يضعها القانون وفق اعتبارات معقولة، فالتشريع الإسلامي يفرق بين المسلم والكافر في عقوبة القتل، كما يفرق بين الرجل والمرأة والحر والعبد في نفس العقوبة، فهل هذا مخالف لمبدأ عمومية العقوبة؟
عندما نلاحظ فلاسفة القانون، نجدهم يؤكدون المساواة المطلقة، وكما هو الواضح من قول (بيكاريا) ـ من رواد المدرسة التقليدية ـ: (مادام جميع الأشخاص متساوين بشكل مطلق فيما بينهم من حيث التمتع بحرية الاختيار إذن فمن الواجب المساواة بينهم في العقوبة جميعاً)(25)،
ووفقاً للتشريع الإسلامي فإن المساواة لا تكون مطلقة إلا في خضوع جميع الناس إلى العقوبة المقدرة وفقاً لجسامة الجرم، وإذا كان ثمة تساوي مطلق في العقوبة، فإنه سوف يتعارض مع التناسب الضروري بين الجرم والعقوبة.
أما اختلاف عقوبة المسلم والكافر وعقوبة الرجل والمرأة وعقوبة الحر والعبد، فإنه وارد في بعض الجرائم وخاضع إلى مبدأ تناسب الجرم والعقاب، والذي يأخذ بعين الاعتبار جوانب وعلل كثيرة في تشريع العقوبة.
فلسفة تشريع العقوبة
قبل أن نخوض في مفاصل فلسفة العقوبة لابد من الإشارة إلى أن حكم العقوبة في التشريع الإسلامي يعد من الأحكام الأممية، أي أنه موجه إلى جميع الأفراد برغم كونه يختص بالجاني من ناحية تنفيذه، إلى أنه يضمن الكثير من حقوق الجماعات، لذلك فإن مجرد وجود الحكم في نصوص التشريع يعد رادعاً يعم الجميع.
ومن ثم لابد من تفصيل استبطان حكم العقوبة لجملة من الحقوق والمصالح من خلال العرض الآتي:
1ـ موقعية الحق في تشريع العقوبة:
الحق نقيض الباطل وجمعه حقوق(26)، يقال حق الأمر: صح وثبت، قال تعالى:(لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ)(27)، والحق خلاف الباطل، وهو اسم من أسماء الله تعالى، وهو: الثابت بلاشك. وهو: النصيب الواجب للفرد والجماعة، وحقوق الله ما يجب علينا له، وحقوق الدار: مرافقه، كما في الوسيط(28).
ويكون الحق في الاصطلاح هو: (ما ثبت في الشرع للإنسان أو لله تعالى على الغير)(29).
وللفقهاء المسلمين تقسيم للحقوق المتعلقة بتشريع العقوبة، فالمحقق الحلي يقسم الحقوق إلى: (حق الله سبحانه، وحق للآدمي والأول منه ـ أي حق الله ـ: ما لا يثبت إلا بأربعة رجال ـ أي شهود ـ: كالزنا واللواط والسحق ـ يريد عقوبتها ـ … وحق الآدمي: ما يثبت: بشاهدين… وهو: … والجناية التي توجب الدية)(30).
والحق الإلهي في تشريع العقوبة حق غيري، فإذا كان يفهم من الحق وجود مصلحة لصاحبه، فإن الله غني عن المصالح، وعليه يمكن تقسيم الحق إلى:
أولاً: حق ذاتي، وهو الذي تتبعه مصلحة تعود على صاحب الحق، وليس لله تعالى حق من هذا النوع، لأنه الغني المطلق.
ثانياً: حق غيري، وهو الذي تتبعه فائدة ومصلحة تعود على الغير، ويمكن أن يكون حق رب العائلة مثالاً واضحاً عليه، إذ تعود فائدته على أفراد العائلة بالرعاية لهم وتدبير شؤونهم.
إذن يعد الحق الإلهي في تشريع العقوبات حق غيري، لأن المصلحة تعود على الخلق، مع كون الجناية تستبطن اعتداءين، اعتداء على حق الله في مخالفة أمره، وترتب مفسدة تعود على الجاني نفسه، واعتداء على حق العباد في ترتب المفسدة على وجودهم، وانتهاك مصالحهم.
2ـ المصلحة في تشريع العقوبة:
أخذ مفهوم المصلحة موقع المركز، في كثير من الدراسات المهتمة بالتنظير الفقهي، وكان من أبرز الفقهاء اهتماماً بهذا الجانب هو الشاطبي إذ اعتبر أن (وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معاً، وهذه الدعوة لابد من إقامة البرهان عليها صحة أو فساد…)(31).
والمصلحة كما يعرفها الغزالي هي: (المحافظة على مقصود الشرع من الخلق، وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم. فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعه مصلحة)(32).
وقد عرف الشاطبي المصلحة بـ: (ما يرجع إلى قيام حياة الإنسان وتمام عيشه ونيله ما تقتضيه أوصافه الشهوانية والعقلية على الإطلاق حتى يكون منعماً على الإطلاق)(33)، وقال أبو سنة: (المصلحة هي النفع، أو المنفعة)(34)، وهذا التعريف يرتكز على المعنى اللغوي، إلا أنه عام غير مخصص بما نحن بصدده، ويعرفها آخر بأنها: (درء المفسدة)(35)، وهذا التعريف إنما هو بنفي الضد، إلا أنه يمثل مصداق من مصاديق المصلحة، فقد يكون جلب النفع مصلحة رغم عدم كونه درء مفسدة.
ولما كانت العقوبة حقاً من جانب، فإنها من جانب آخر تحقق مصلحة بذلك الحق، وكما أوضحنا سلفاً أن صاحب الحق ليس بالضروري أن تعود عليه المصلحة، وذكرنا أن هناك حق غيري تكون المصلحة فيه عائدة على غير صاحب الحق.
يهدف النظام العقابي الإسلامي إلى جملة من الأغراض والمصالح المختلفة، لا تختلف كثيراً عن الأغراض التي تسعى إليها القوانين الحديثة في تشريع العقوبات،
إلا أن هناك اختلاف في شكل هذه العقوبات وطبيعتها وشروط تنفيذها، وأهم تلك الأغراض:
أولاً: تحقيق العدالة:
إن العقوبة في نظر التشريع الإسلامي عبارة عن جزاء عادل أو مقابل عادل للجريمة، ويظهر ذلك واضحاً في عقوبات الحدود إذ لا مجال للعفو والتعديل، ويؤكد ذلك قوله تعالى:( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(36)، والعدالة تمثل قيمة مجردة يشعر بها كل إنسان، إذ هي حاجة شعورية يشبعها تنفيذ العقاب في حق الجاني، وهي مطلب إنساني أساسي في عملية تكوين وبناء مجتمع صالح يتمتع بالأمن، وإذا نظر إلى تحقيق هذا الغرض بجدية تامة سوف تتحقق جميع الأغراض.
ثانياً: الكف من وقوع الجرائم:
إن جميع القوانين سواء كانت إلهية منها أو الوضعية تنشد الكف من وقوع الجريمة، إلا أنها اختلفت في الوسائل المؤدية إلى تحقيق هذا الغرض، فها هي المدرسة الوضعية قد أنكرت إلى حد ما مبدأ العقوبة، إذ حاولت أن تفتح مصحات عقلية للجناة في سبيل تحليل دوافع الإجرام، وبالتالي سوف يكون هذا الإجراء مطمئناً لكثير من المجرمين منحاً إياهم فرصاً كبيرة في تحقيق نوايا إجرامية.
وعلى أية حال سنحاول أن نحصر جميع أغراض العقوبة التي تعبر عن مصلحة ومنفعة اجتماعية تحت عنوان الكف عن الجريمة، وهناك خلط مفهومي في الكثير من الدراسات والبحوث التي كتبت في شأن أهداف العقوبة، وهو عدم التفريق بين غرض العقوبة وبين الوسائل التي تحقق ذلك الغرض، إذ غالباً ما نجد في بعض الدراسات أن من أغراض العقوبة: (تحقيق العدالة، الردع العام، والردع الخاص، واصلاح الجاني)، وعندما ندقق نجد أن جميع القوانين متفقة على أن الغرض من العقوبة هي القضاء على الجريمة وعدم تكرارها، إلا أن الاختلاف في الوسائل التي تحقق هذا الغرض، فالردع بالإيلام يعد وسيلة لمنع وقوع الجريمة، بل وإصلاح له في بعض الأحيان، لأنه ردع للجاني إذا كانت العقوبة دون القتل، وردع للناس من خلال تقديم الجاني عبرة لهم. ولنا تقسيم ثنائي لوسائل تحقيق غرض العقوبة:
الأولى: وسيلة استئصالية:
وهي المتمثلة بعقوبات القتل، والتي تنظر للمجرم على أنه فيروس لابد من اجتثاثه خارج الجسم الاجتماعي، ويستفاد هذا المعنى ضمناً في قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(37)، إذ يكون الاستئصال ـ والحال هذه ـ مؤدباً إلى ضمان حياة المجتمع، وذلك وفقاً لحجم الجناية المرتكبة.
ثانياً: الكف من وقوع الجرائم:
إن جميع القوانين سواء كانت إلهية منها أو الوضعية تنشد الكف من وقوع الجريمة، إلا أنها اختلفت في الوسائل المؤدية إلى تحقيق هذا الغرض، فها هي المدرسة الوضعية قد أنكرت إلى حد ما مبدأ العقوبة، هذه ـ مؤدباً إلى ضمان حياة المجتمع، وذلك وفقاً لحجم الجناية المرتكبة.
وسيلة علاجية:
والمتمثلة بالعقوبات التي دون القتل، وهذه تمنع من وقوع الجريمة عن طريق الردع الخاص للجاني أولاً، والردع العام للآخرين ثانياً، ويمكن القول أن مجرد وجود العقوبات في المنظومة التشريعية يشكل رادعاً خفياً للآخرين.
نشرت في العدد 37
(1) العين، ج1 ص38.
(2) الصحاح، ج1 ص483.
(3) جمهرة اللغة، ج1 ص169.
(4) سعدي أبو جيب، القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، دار الفكر، دمشق، سورية، الطبعة الثانية، 1408هـ.
(5) سورة الحج/60.
(6) سورة المائدة/98.
(7) عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي، ج2 ص166.
(8) نفس المصدر: ج2 ص512.
(9) نفس المصدر: ج2 ص512.
(10) نفس المصدر: ج2 ص512.
(11) نفس المصدر: ج2 ص512.
(12) علي حسين خلف، المبادئ العامة لقانون العقوبات، ص30.
(13) د. سليمان عبد المنعم، النظرية العامة في قانون العقوبات، ص58.
(14) سورة الإسراء/15.
(15) رؤوف عبيد، أصول علمي الإجرام والعقاب، ص476، القاهرة، 1977، ط1.
(16) د. فرج صالح الهريش، النظم العقابية، ص106.
(17) التشريع الجنائي الإسلامي، عبد القادر عودة، دار الكتب العلمية، فقرة 280.
(18) الأنعام/164.
(19) النساء/132.
(20) د. فرج صالح الهريش، النظم العقابية، ص106.
(21) علي حسين خلف، المبادئ العامة لقانون العقوبات، ص115.
(22) انظر: المادة 43 من الدستور المؤقت، سيد صبري، مبادئ القانون الدستوري، ص187، القاهرة، 1944.
(23) انظر: المادة 50 من الدستور المؤقت لجمهورية العراق والمادة 130 من الدستور المصري عام 1956 وكذلك أغلب الدساتير الحديثة. نقلاً عن علي حسين الخلف، المبادئ العامة لقانون العقوبات، ص116.
(24) أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، السنن الكبرى، ج2 ص132 مجلس المعارف النظامية الكائنة في الهند ببلدة حيدر آباد، الطبعة الأولى، 1344هـ.
(25) د. فرج صالح الهريش، النظم العقابية، ص133.
(26) محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، لسان العرب، ج10 ص49، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى.
(27) سورة يس/70.
(28) إبراهيم مصطفى، أحمد الزيات، حامد عبد القادر، محمد النجار، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ج1 ص393.
(29) أحمد فهمي أبو سنة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 4، ص1751.
(30) شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، جعفر بن الحسن الهذلي (المحقق الحلي)، ج4 ص40، الناشر: مؤسسة مطبوعاتي إسماعليان.
(31) إبراهيم بن موسى الشاطبي، الموافقات في أصول الفقه،ج2 ص6، دار المعرفة، بيروت.
(32) الغزالي، المستصفى من أصول الفقه، ج1 ص139ـ140.
(33) نفس المصدر: ج2 ص25.
(34) د. أحمد فتح الله، معجم ألفاظ الفقه الجعفري، ج1 ص393، الطبعة الأولى.
(35) علي بن نايف الشحود، كتاب المفصل في الرد على الحضارة العربية، ج7 ص274.
(36) المائدة/38.
(37) البقرة/179.