أ. د. محمد باقر فخر الدين
معهد أبحاث الأجنة وعلاج العقم/ جامعة النهرين
إن حالات العقم هي من المشكلات الطبية الشائعة في جميع المجتمعات. ويحتاج زوج واحد من كل ستة أزواج إلى مراجعة أخصائي العقم خلال فترة الزواج. حيث تقدر نسبة انتشار العقم بحوالي 10- 15% من الناس. وتتعدد الأسباب العضوية في المرأة والرجل التي تؤدي الى عدم الإنجاب، ومن المعروف بأن احتمالية حصول الحمل تقل بزيادة فترة العقم، هذا فضلاً عن وجود أسباب للعقم غير قابلة للتشخيص أو للعلاج. وتدل الإحصاءات على أن حوالي 30% من الحالات يحدث فيهـا الحمل والإنجاب خلال السنوات الثلاث الأولى بعد تشخيص العقم (الذي يتطلب مرور عام كامل على العلاقة الطبيعية للرجل والمرأة). والفرضية التى تقول بأن (الآلام النفسية والتوتر والتعب النفسي هي إحدى العوامل المسببة للعقم) لاتزال موضوعا للجدل والنقاش في الأوساط العلمية.
وقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن التوتر النفسي والضغوط والغضب تعتبر عوامل مدمرة لصحة الإنسان وقلبه اضافة الى دورها في انخفاض الخصوبة وحصول العقم، فقد تؤدي إلى أمراض خطيرة متنوعة مثل السرطان! ويعتقد الباحثون أنه على الرغم من أن ممارسة التمارين الرياضية وإتباع حمية غذائية جيدة وغيرها من العوامل ذات أهمية حيوية لصحة القلب، إلا أن للعوامل الاجتماعية والسعادة والإحساس بالرضا والكمال والعمل من أجل هدف في الحياة لها تأثير بدورها سواء كان مباشر أو غير مباشر. وقد أوضحت دراسات حديثة في مجال طب المجتمع ان الازواج المصابين بالعقم والتوتر والنفسي يقعون تحت طائلة اتخاذ القرار الخاطيء أو عدم تمكنهم من اتخاذ القرار المناسب أصلاً في أغلب الأحيان، مما يسبب مشاكل اضافية تعمق من مشكلة العقم وتقلل من فرص نجاح الحمل وتزيد من المشاكل العائلية وقد تؤدي الى الطلاق في عدد غير قليل من العوائل.
فقد كشف بحث أمريكي أن الإجهاد والضغوط النفسية التي يتعرض لها الأفراد بشكل يومي يمكن أن تسبب حصول بعض أنواع السرطان، في حين وجدت دراسة أوروبية مشابهة أن الإجهاد مضر لصحة القلب. وأظهرت الدراسة التي نفذها باحثون من جامعة (يال) الأمريكية، أن الضغوط النفسية اليومية قد تحفز نمو الأورام، وأن أي صدمة، عاطفية أو جسدية، يمكن أن تكون بمثابة (ممر) بين الطفرات السرطانية التي تؤدي في النهاية إلى الإصابة بأورام خطيرة. وتُبين نتائج الدراسة، التي نشرت في مجلة (الطبيعة Nature) واسعة الانتشار، أن الظروف اللازمة للإصابة بهذا المرض يمكن أن تتأثر بالبيئة العاطفية بما في ذلك كل المهام اليومية التي نقوم بها سواء في العمل أو في نطاق العائلة. حيث يقول البروفسور تيان إكسو اختصاصي علم الوراثة من جامعة يال: «هنالك الكثير من الظروف المختلفة يمكن أن تؤدي إلى الإجهاد والتوتر النفسي، والحد منه أو تجنب الظروف المسببة له دائماً نصيحة جيدة». وتناولت دراسة أوروبية جانباً آخر للإجهاد،
إذ أظهر بحث بريطاني تأثيره السلبي على القلب وما يمكن أن يتسبب به من أمراض، لتؤكد علمياً الاعتقاد السائد منذ القدم بارتباطه بالنوبات القلبية. فقد أُخضع كل المشاركين لاختبارات ضغط ومن ثم قيست مستويات هرمون الكورتيزول، وهو هرمون الإجهاد الابتدائي الذي ينتجه الجسم عندما يتعرض إلى ضغوطات نفسية أو جسدية، ويؤدي في حال إطلاقه إلى تضييق الشرايين. ولاحظ الباحثون أن المشاركين ممن أصيبوا بالإجهاد جراء الاختبارات كانوا الأكثر عرضة، وبواقع الضعف، للإصابة بضيق الشرايين، عن أولئك الذين احتفظوا بهدوئهم.
فالإنسان يتعرض في حياته الى كثير من المواقف والاحداث الضاغطة التي تترك أثارا نفسية مختلفة عليه، كالفشل في العمل او في الحصول عليه او فقدانه او فقدان عزيز او الطلاق او ضائقة مادية وغيرها. ولكن حالة قلة الخصوبة يمكن أن تكون أشدها ضغطا على الإنسان نظرا لأن عدم القدرة على الإنجاب بسبب قلة الخصوبة ترتبط بخيبة امل الزوج في إنجاب طفل يحمل اسمه وهو هدف كبير خصوصا في مجتمعاتنا الشرقية عموما والعربية على وجه الخصوص. فالحقيقة أن تشخيص العقم بحد ذاته له وقع نفسي كبير وهو يسبب توتراً وآلاماً وعذاباً. ويشبه الوقع النفسي لهذا التشخيص ردود الفعل الناتجة عن موت أحد الأقرباء وغير ذلك من تجارب الفقدان والحداد.
وفي مجتمعنا الشرقي بوجه عام والمجتمع العربي بالتخصيص حيث يسود الوسط الذكوري نجد ان السعادة لا تتحقق الا بالحصول على الذرية ومن الذكور بالتحديد، وهذا ما أدى الى تردي الأفكار الاجتماعية وساهم نوعا ما بالحفاظ على وعي البادية الذكوري والقبلي على الرغم من التقدم والرفاهية التي تمر بها مجتمعاتنا والتواصل النوعي والمتميز بين الشعوب وبوجود وسائل الاتصال المتقدمة مما جعل العالم أشبه ما تكون بمدينة صغيرة ذات عالم يقترب الى التماثل في الكثير من مبادئه الأساسية بالرغم من تنوع أصول الشعوب. وقد أكدت الابحاث في الطب النفسي وطب المجتمع ان الضغط والتوتر النفسي الذي يخيم على العائلة العربية نتيجة عدم الحصول على ذكر في الذرية يؤثر سلبا على العلاقات العاطفية بين ربي الأسرة وتمتد الى العلاقات الأبوية مع أفراد العائلة أجمع وبالخصوص الذرية الاناث، وفي أغلب الاحيان تستدعي هذه الأمور الى تدخل مباشر أو غير مباشر من قبل أفراد آخرين من المجتمع القريب الى العائلة أو العشيرة. ونتيجة لذلك سيكون القرار من خارج الأسرة ويؤثر على الحالة التناسلية للزوجين وبالتالي استحداث حالة من عدم التواصل النفسي بينهما على أقل تقدير.
إن الذي يتأمل القرآن يلاحظ أن كثيراً من الآيات تأمرنا بالصبر وعدم الغضب والتسامح والعفو، وهنالك آيات كثيرة تحض على الهدوء النفسي ومن هذه الآيات قوله تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) النحل: 126ـ128. وأفضل طريقة لعلاج الضغوط النفسية هي العفو، لأن الله تعالى يقول: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) البقرة: 237 . ولنتأمل معاً هذا النص القرآني الرائع: (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيم) فصلت: 34ـ35.
فجزء كبير من الضغوط اليومية التي يتعرض لها الإنسان سببها الإحساس بالظلم وعدم القدرة على النيل من الآخرين أو عدم تمكنه من الحصول على مبتغاه وبأسرع ما يكون أو سماعه لكلام مريب من الأقارب نتيجة العادات الاجتماعية السيئة التي ما زالت تعيش في أجسادنا وتنخر في عاداتنا الاسلامية الحميدة على الرغم من نهي الاسلام والنبي(صلى الله عليه وآله) وآله الطيبين الطاهرين(عليهم السلام) لهذه المساوئ، ولكن بمجرد أن يمارس الإنسان (العفو) فإن المشكلة تتبخر مثل الحرارة عندما تبخر الماء! ولذلك كان النبي الكريم(صلى الله عليه وآله) والأئمة الطيبين الصالحين(عليهم السلام) من بعده أكثر الناس عفواً، ويكفي أن نتذكر يوم فتح مكة عندما نصره الله على أعدائه الذين استهزؤوا به وآذوه وأخرجوه وشتموه، ولكنه عفا عنهم وقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء ! إن هذا الموقف هو درس لكل مؤمن أحب رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ومن رحمة الله تعالى بعباده أنه جعل ثواب التسامح والعفو كبيراً جداً في الآخرة، وجعل ثوابه عظيماً في الدنيا وهو التمتع بصحة أفضل واستقرار نفسي أكبر!
ولم يكد يمرّ يوم على رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلا وتحدث معه أحداث تدعو للغضب والانفعال والتوتر النفسي، ولكننا لم نعلم أنه(صلى الله عليه وآله) غضب مرة واحدة إلا عندما يتعدى أحد على حدّ من حدود الله. فقد كان النبي الكريم(صلى الله عليه وآله) يعالج أي مشكلة بهدوء وأناة وهذا ما جعل الناس يدخلون في دين الله أفواجاً (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) ولذلك مدحه الله في كتابه المجيد فقال في حقه (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم:4. بل إن النبي الكريم(صلى الله عليه وآله) كان يأمر أصحابه أن يرددوا عبارة مهمة تعبر عن الرضا، صباحاً ومساءً وهو هذا الذكر: (رضيت بالله تعالى رباً وبالإسلام ديناً وبالقرآن إماماً وبمحمد(صلى الله عليه وآله) نبياً ورسولاً)، وكان يقول: من قال ذلك عشر مرات صباحاً ومساءً كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة. وكما يؤكد الباحثون أن الرضا يعتبر من أهم الوسائل العلاجية لأي مرض نفسي، فمعظم الاضطرابات النفسية ناتجة عن عدم الرضا.
وقد اعتبر بعض الأطباء أن التوتر النفسي وما يتعلق به من اضطرابات قد يكون سببا في فشل المحاولات العلاجية للعقم. وقامت عدد من الدراسات لتبين مدى فعالية بعض أساليب العلاج النفسي المتضمن فى برامج علاج العقم الطبية والجراحية. وكانت النتائج مشجعة حيث تبين أن معدلات الخصوبة والحمل قد ازدادت. وفي هذه الدراسات نجد أن العلاج النفسي الجنسي والأسري الموجه نحو القلق أدى إلى تحسن الحياة الزوجية مما جعل الأزواج أكثر راحة واطمئناناً كما أدى إلى ازدياد نسبة حدوث الحمل خلال الأشهر التالية للبرنامج العلاجي. وقد تضمنت الأساليب العلاجية الأخرى أساليب سلوكية مثل التثقيف الطبي النفسي والاسترخاء وتمارين التنفس العميق وحل الصراعات النفسية المرتبطة بالأمور الجنسية والحمل والمشكلات الزوجية أو التخفيف منها؟ وتصحيح طرق التفكير الخاطئة من خلال الأساليب المعرفية وأيضاً زيادة تقدير الذات والتوافق معها والإيحاء الذاتي، إضافة للغذاء المتوازن والتمارين الرياضية.
ومن المعروف أن هناك العديد من هرمونات الجسم تتأثر بالتوتر والحالة النفسية عند الإنسان. ومنها هرمون الحليب (Prolactin) والهرمون المحرض للرحم (Progesterone). وأيضا الأدرينالين (Adrenaline) والنورأدرينالين (Noradrenaline) والدوبامين (Dopamin) والبروستاكلادين (Prostaglandin). ويمكن لبعض هذه الهرمونات (Gonadotrophin Releasing Factor) في منطقة ما تحت المهاد (Hypothalamus) أن يؤثر على الهرمونات المحفزة للغدة التي تفرز الهرمونات الجنسية التناسلية في الدماغ الإنساني. وهذه الطلائع بدورها تؤثر على الهرمونات الجنسية. وهي الهرمون المولد للجريبات في المبايض (FSH) والهرمون المصفر (LH) الذي يساهم في إنضاج البويضة وتطويرها في الاناث.
وفي ذات المجال حذرت الباحثة الأميركية أليزابيث كيربي من جامعة كاليفورنيا، من أن الضغط النفسي قد يؤدي إلى الاختلال في الوظائف الجنسية وبما يؤثر على الخصوبة وقد يحدث العقم. وقالت إن الحالة النفسية المتوترة تزيد مستويات هرمونات الضغط النفسي المسماة كلوكوكورتيكويدز (Glucocorticoids) ومن بينها هرمون كورتيزول (Cortisol) الذي يكبح الموجه الجنسي الأساسي في الجسم وهما هرموني المحفزين للقند (Gonadotropins) مما يؤدي بدوره إلى تناقص عدد الحيوانات المنوية عند الرجل وانخفاض الخصوبة وقد يسبب العقم. وقالت كيربي، في الدراسة التي نشرت في مجلة (Proceeding of The National Academy of Sciences). ورأت كيربي (إن هذا البحث يوفر هدفاً آخر للباحثين لدرسه وطريقة أخرى للتفكير في مشاكل العقم والخلل الوظيفي في الجسم).
كما ان ازدياد إفراز هرمون الحليب يمكن أن تؤدي إلى مشاكل صحية عديدة عند المرأة، من أهمها: غياب الحيض أو عدم انتظام مواعيده، مما يعرقل الحمل، ويؤثر سلبًا على البشَرة والجلد كظهور حبّ الشباب وازدياد نمو الشعر. بالإضافة إلى ذلك فان اختلال مواعيد الحيض يسبب حالة ترقق العظام (Osteoporosis). أما لدى الرجال فان ارتفاع نسبة هرمون الحليب في الدم قد يبقى خامداً فترة طويلة. ومن بعض أعراضه الاختلال في الانتصاب والأرق والشعور بالإرهاق والصداع وضعف الدائرة البصرية. لذا فان الرجال الذين عندهم أعراض ارتفاع هرمون الحليب في الدم (Hyperprolactinaemia) يكون لديهم ضعف جنسي وكذلك انخفاض في فرص الحمل لدى زوجاتهم. ويلاحظ أن معظم الضغوط النفسية ترفع مستوى هرمون الحليب.
ومما سبق يمكننا ان نستنتج ان التوتر والإجهاد النفسي وهو من العوامل التي تؤثر مباشرة في اعداد الحيوانات المنوية، ذلك لأن الاجهاد والضغط النفسي يجعل الجسم يفرز المزيد من هورمون الكورتيزول الذي يؤثر سلباً في انتاج الحيامن. وكذلك القابلية للاستجابة للعلاج تكون لديهم أقل أو أبطأ مقارنة مع الاشخاص الذين لايعانون من توتر واجهاد نفسي. فالكثيرون منا ممن يتعرضون لفترات اجهاد طويلة في حياتهم، عليهم ان يدركوا المضاعفات البعيدة لهذه الحالة، وعلينا ان نتعرف على المشاكل التي يولدها الاجهاد والتوتر النفسي بما فيها تردي الخصوبة والاصابة بالعقم وبقية الأمراض الآخرى لكي ننتشل انفسنا منه ونحمي صحتنا التناسلية بالتخصيص حتى لا نغرق في دوامة الاجهاد ومضاعفاته.
يؤكد علماء وباحثين في اختصاص الطب النفسي حدوث انخفاض في نسبة الخصوبة ولعدة أسباب من بينها الضغط النفسي لدى الأنسان مما يؤثر سلباً على وظائف الخصى والتي تعتبر المصنع الذي ينتج الحيوانات المنوية لدى الرجل المعروف باسم الخصيتين، وهذا المصنع لا يعمل بكفاءة ويعطل إنتاج الحيوانات المنوية بشكلها الطبيعي في بعض الأحيان بسبب الضغوط النفسية التي تقع على البعض. وهناك أيضاً الملوثات البيئية من عوادم السيارات والمصانع التي تعمل على تعطيل الهرمونات في مصنع إنتاج هذه الحيوانات المنوية، وكذلك الإرهاق البدني للزوج أو الزوجة بسبب ضغط العمل مما يقلل من الخصوبة، كما انعدام الرياضة أو عدم القيام برحلات ترفيهية كل ذلك من شأنه الإسهام في تدني الخصوبة حيث أنه من المطلوب إيجاد منافذ للتنفيس عن النفس والروح،فإرتفاع نسبة الإصابة بالأكتئاب يقلل من نشاط الجسم كله مما يؤدي بالتالي إلى تقليل المناعة وبالتالي التدني في نسبة الإخصاب.
وقد أشارت تقارير منظمة الصحة العالمية الى انخفاض في مستوى الخصوبة وبالخصوص في عمر الشباب، حيث يراجع الكثير من الاشخاص في عمر الشباب الى عيادات العقم، وأظهرت الفحوصات المختبرية والسريرية حصول تردي واضح في وظائف الغدد التناسلية وغيرها من العوامل المرتبطة بالخصوبة والحمل. كما سجلت الاحصائيات تزايد معدلات اصابة الشباب بالضعف الجنسي ليلة الزفاف وهو من المثير للانتباه وكما نعلم أن له عدة اسباب منها الكآبة والقلق النفسي بشكل رئيس والذي يحاصرهم نتيجة العوامل الاقتصادية والاجتماعية وايضاً تعاطي المخدرات وتناول الادوية المهدئة، ولكن الغريب وعلى النظير من معظم دول العالم المتنوعة فالدول العربية لا توجد بها احصائيات بالأمراض الجنسية وذلك نظرا لحساسية هذه الأمراض وخطورتها على المستوى الاجتماعي. كما أن المجتمع وقيمه العامة تنظر سلبيا إلى فشل الزوجين في إنجاب الأطفال حيث يعتبر ذلك نوعا من عدم الكفاءة الشخصية. إضافة لاعتبار العقم نوعاً من الوصمة السلبية. وأبسط دليل على تأثير العوامل النفسية على وظيفة الإنجاب هو اضطراب الوظائف الجنسية المتعلقة بالجماع الناتج عن أسباب نفسية. ولكن هؤلاء المرضى ربما لا تتجاوز نسبتهم 5ـ10% أن مجموع مرضى العقم باختلاف المجتمعات المتنوعة.
وكون العقم يشكل أزمة حياتية معقدة تهدد كيان الإنسان وتشكل ضغطاً انفعالياً شديداً. وتتنوع ردود الفعل النفسية وتظهر عند البعض أعراض القلق والتوتر والاكتئاب والقنوط واليأس والشعور بالإخفاق والفشل. كما يؤدي العقم إلى اضطراب العلاقة الزوجية في حالات أخري وقد تصل نسبة الذين تتوتر علاقاتهم إلى 37% من مراجعي عيادات العقم في الدول الغربية. كما يؤدي إلى تأثيرات سلبية على صورة الإنسان عن نفسه بما فيها هويته الجنسية. وترتبط الأساليب الحديثة في علاج العقم مثل التمنية (أو التلقيح) داخل الرحم وأطفال الأنابيب بدرجات متفاوتة من التوتر والضغوط النفسية بسبب الفحوصات العديدة ومتطلبات العلاج الجراحية وضرورة الانتظار وتكرار المحاولات. وترتبط ردود الفعل النفسية بدرجة التكيف في مرحلة ما قبل إجراء العمليات، حيث نجد أن النساء اللاتي كان تكيفهن ضعيفاً، كانت ردودهن النفسية سلبية وشديدة بعد فشل المرحلة الأولى من العلاج. وقد اتصفت طريقة تفكيرهن بشدة التعلق بضرورة تحقيق الوظائف الأنثوية ومتطلبات الأنوثة من حيث الإنجاب وغير ذلك. وقد أوضح الأطباء النفسيون أنه يجب التذكر دائما عند علاج حالات العقم (أننا نعالج أناساً وأشخاصاً لديهم مشكلة العقم ولا نعالج العقم نفسه).
وكما يتبين مما سبق فإن دور العوامل النفسية المتعلقة بمشكلة العقم قد لاقي مزيداً من الاهتمام في الآونة الأخيرة. وقد أوضح د. كيفان في مراجعة شاملة للموضوع في أنه لا توجد دراسات دقيقة حول الأساليب النفسية المستعملة ونتائجها. كما أن كثيراً عن الدراسات لم تستعمل عينة مقارنة من المرضى ولم تتلق العلاج النفسي. وأكد ضرورة إجراء مثل هذه الدراسات بشكل دراسات مستقبلية متابعة، إضافة لدراسة الأساليب التكيفية الناجحة التي يمكن أن يتبناها الأزواج للسيطرة على مشاعرهم السلبية الناتجة عن العقم، وتجعلهم يتخذون القرارات المناسبة في أمور العلاج وبما يتعلق بعلاقتهم الزوجية والطرق الأخرى البديلة عن الإنجاب الطبيعي. كما بين ضرورة تفهم المؤسسات الطبية والأجهزة الصحية للمساهمات الممكنة من قبل الأخصائيين النفسيين وأخصائيي التوجيه والإرشاد النفسي وغيرهم في تفهم حالات العقم والعلاج. وبشكل عام فإنه يمكننا في الوقت الحالي أن نقول إن العوامل النفسية ربما تساهم في نشوء حالات العقم الغامضة والتي لا يوجد لها تفسير طبي واضح. كما إنه من الأكيد أن أموراً نفسية عديدة تنتج حال تشخيص العقم وبيان عدم امكانية الحمل والانجاب ولو لفترة وجيزة.
وتتضمن الموضوعات التي يتطرق إليها العلاج النفسى في مثل هذه الحالات الضغوط المشاكل الاجتماعية المحيطة ـ الحزن والاكتئاب ـ اللوم ومشاعر الذنب ـ الخوف من الاختبارات والاستقصاءات الطبية والعلاجات المتنوعة، وأيضاً مشاعر الغضب والنقص واضطرابات الوظيفة الجنسية. كما تجري مناقشة الأساليب الأخرى التي يمكن عن خلالها تحقيق الأبوة والأمومة عن غير طريق الإنجاب كرعاية الأيتام وتربية الأطفال وغير ذلك. وتبقى أسئلة مهمة تحتاج إلى مزيد من الإجابات.. هل يؤدي التوتر والضغط النفسي والاضطرابات النفسية الأخرى إلى التأثير على عملية الإباضة نفسها؟ أو نقل البويضة أن تثبيت الجنين أو إنتاج الحيوانات المنوية؟ ربما يكون ذلك بواسطة الطريق العصبي الهرموني.. وإذا كان الأمر كذلك فما هو دور الأساليب العلاجية النفسية وأساليب تخفيف التوتر والقلق وأساليب العلاج الجنسي والأسري في هذا المجال؟