Take a fresh look at your lifestyle.

المجتمع المدني.. ووعي التغيير

0 464

باسل حسن لايذ

 

           لاشك في أنّ أي مجتمع بشري يزخر بمفارقات ومتناقضات تعكس طبيعة حياة الأفراد فيه، وهي تمثّل الواقع الاجتماعي ونمطيّة العلاقات بين أبناءه ومكوّناته، ويعمل هذا المفهوم عندما نراجع ما نحتاجه لمعالجة مشكلاتنا الحياتية في وطننا العراق، ولعل أهم ما يمكن الحديث عنه في هذا المجال المشكلات التي جثمت على صدور العراقيين وقد لعبت دوراً بارزاً في سلوكياته المجتمعية تارة بصورة إيجابية وفي الأعم الأغلب كانت سلبية.
لأن هذه المؤشرات (المشكلات) جاءت من تراكمات قرون طويلة ومتعاقبة عبر تاريخه أثّرت في عاداته السلوكية التي من أبرز سماتها الخوف والكراهيّة المترسّخة في ذاكرته وذهنيته وخيالاته فأصبح ذلك واقعاً فعلياً لم يتمكن مجتمعنا من الخلاص والإفلات من ممارسات اصطبغت سلوكها به، أبرزها على سبيل المثال لا الحصر (أعراف قبلية في بعض الأحيان تقترب من الجاهلية ـ تقاليد مذهبية في عقول متحجرة ـ اعتقادات محرّفة ـ تفاخر بالأنساب والمذاهب ـ هوس النعرات الدينية) فيما أصبح ظاهراً من أحوالنا، صار لزاماً علينا العمل لما ينبغي أنْ نضعه من أسس وقواعد من ضرورات انتزاع تلك الرواسب المتخلفة في سلوك (المجتمع الأهلي) التي لوّثت عقله النزاعات التي أشرنا إليها والتي جعلت نمط الحياة عندنا يفرز مساوئ (المجتمع الأهلي) الذي تتحكم وتنظّم علاقاته تلك الذهنيات التي يرجع لها أفراد ومجتمع تستأثر بعقله سلطات همها الولاء لها وهي بذلك تعبّر عن عنصريّتها في العلاقة بينها وبين مجتمعها الذي تعيش فيه وهي بهذه التصرفات لا يمكن الاعتماد عليها والوثوق بأخلاقها وتصرفاتها وفي الواقع هي تتصرّف هكذا لمصالح آنية حتماً ستكتشف الناس يوماً سعي هذه السياسة لهؤلاء العنصريين ممّا يمنع التعويل على ما يقولون أولئك المغرمون بتسويق الجهل ودفع المجتمع إلى العزلة والهروب به بعيداً إلى التربية المتخلّفة ووضع ذلك المجتمع في تكتّلات يصعب الإفلات منها.

لذا فمن الواجب على عشّاق الحياة والسلام وعشّاق بناء المجتمع المدني العمل على تفكيك منظومات المجتمع الأهلي التي من بينها وأبرزها الاستئثار بالسلطة وإقصاء الآخر وكما ذكرنا سابقاً (ولاءات طائفية وقبلية وعنصرية) فإن الموضوعية والعقل يقولان أن لا خلاص إلا بدولة تترسخ مفاهيمها بضبط وإدارة العلاقات بين كل المكونات بتغليب المؤسسات الوطنية وسلطة القوانين الدستورية للحد من تلك السلوكيات التي أضرت بمجتمعنا العراقي، فإنّ خيار عشّاق الحياة هو تفعيل الوعي لتنشيط عناصر المجتمع المدني فمهمة مثل هذه تعبر عن وعي الأقوال ودوام الإصرار في العمل الجاد للمطالبين بالتغيير وإشراك الأفراد بأنشطة المجتمع المدني وفعّالياته لممارسة دوره ووظيفته في المشاركة الفاعلة بالتجديد ورفض الموروث المتخلف من الخرافات المتراكمة ولن نتخطى تلك العقبات ما لم نعترف بصراحة وجرأة من عدم الفائدة في الحديث فقط عن مجتمع نعدد فيه الفضائل دون أن تكون للجرأة دور واضح وكذلك الصراحة بالترويج عن تلك الفضائل والتي لا ننكر وجودها في أوساط مجتمعنا وهي نفسها تعيننا (الجرأة والصراحة) في أن نضع يدنا على مكامن الخلل ومفارقات الطبيعة السائدة بمجتمعنا الذي يمكن تسميته (المجتمع الأهلي) إن جاز لنا ذلك، لما فيه من مظاهر تبعده عن ملامح المجتمع المدني الذي يجب أنْ تعمّ فيه ثقافة وقيم وتقاليد ترفض الأحاديّة وترفض الذهنيّات والسلوك التي تقوّض خيار الدولة الديمقراطية التي تحترم مشاركة المواطن عبر أنشطة منظمات المجتمع المدني وفعاليات التوجه الديمقراطي ولتخطّي موانع التمني الشخصي ولتحقيق الرغبة الإنسانية في امتلاك الحرية والمثابرة في تنمية العقل والطاقات البشرية

واستكمالاً لمضاعفة وتكثيف الجهود الشعبية وسعياً لإنجاح خلق بيئة يكون فيها المواطن عنصراً فاعلاً مباشراً في العمل الميداني، مساهماً في التغيير وانسجاماً مع حاجات ومتطلبات المواطنة فعلى الأنشطة المدنية أن تتسابق للعمل الجماعي وفي كل الميادين ومن كل الشرائح المحبّة للعمل ببناء الحياة وترسيخ المجتمع المدني، رغم ما ندركه من قلة التفاعل بجدوى عمل مثل هذا في الأوساط الشعبية لما تركته خيبات الأمل من أعمال وسلوكيات أصحاب المصالح الشخصية وبهذه الحالة تعاظمت المسؤولية في أنْ نشد العزم ونتكل على النفوس التي تريد أنْ تحيا حياة جديدة وبهمة متواصلة ونلاحق الفرصة تلو الفرصة فما زالت الفرصة قائمة مهما كانت الصعاب والمعوقات، ونستمد المحبة والسلام من نفوس عمرت بالعمل لنرسّخ هذين المفهومين (المحبة والسلام) اللذين يعملان بفعالية في الحياة، ولخلق المجتمع المدني الذي يعد أساساً في عملية التنمية البشرية،

بعد أنْ نخرج من قمقم الكسل إلى الحيويّة في العمل وسط الحواضر البشرية، لأننا ضمن دائرة المجتمعات المدنية التي تمتعت بثمار مدنيّتها وهي حقائق توجّه منظومة المفاهيم البالية وبحياديّة وتجرّد من النوازع المتخلفة الضيّقة للانطلاق بوعي إلى مفاهيم إيجابية بعقلانية راسخة ولا يمكن الوصول لهذا دون الاعتماد على متراكم العلوم والمعارف للحراك الجمعي المجتمعي عندنا وما لدى الإنسانية كلها وعدم الركون للصدفة أن تفعل فعلها أو تأتي وحدها فهي لا تستطيع صنع نظام منضبط لأي مجتمع إلا بالجهد الكلّي في ترتيب التجارب والخبرات والاستفادة منها في البناء والتنمية ويمكن التفاعل مع تجارب المدنيّات الأخرى لتقليل المسافات واختزال الزمن والتحرك باتجاه المشتركات من المفاهيم والقواعد الجديدة لما شيده الآخرون من الشعوب والمجتمعات فلا مستحيل لخلق المجتمع المدني والأخذ بمبدأ الأصلح من المعارف والمفاهيم .

نشرت في العدد المزدوج 35-36

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.