Take a fresh look at your lifestyle.

لفظة (الملائكة) في القرآن الكريم

0 966

           اختلف العلماء في الأصل الذي اشتق منه (المَلَك والملائكة)، وأكثرهم أنها من (مألك ومألكة)، وهي الرسالة، لأن الملائكة رسل الله عز وجل إلى الناس(1). قال الراغب الاصبهاني: (الملائكة ومَلَك، أصله مَألك وقيل: هو مقلوب عن مَلْأَك. والمألك والمألكة والألوك: الرسالة، ومنه: ألِكنِي، أي: أبْلغه رسالتي)(2).
ويفهم من هذا أن الملائكة أما من (ألك)، فاؤها همزة وعينها لام، ولامها كاف. وعلى هذا يكون وزن (ملائكة): مَعافِلة، بقلب عينه إلى موضع فائه. وأما أن يكون خالياً من القلب وأصله (لاك) فيكون وزن (ملائكة: مَفاعِلة). ويبدو أن الاصبهاني لم يتنبه لذلك حين قال: وقيل مقلوب عن (ملأك). إذ إن اشتقاق ملائكة من ملأك لا قلب فيه، وإنما يثبت القلب فيه إن قيل: هو من مألك. وقد ورد لفظ الملائكة في (73) موضعاً من التنزيل العزيز(3).
والملائكة من المستلزمات الغيبية التي أمد الله بها المسلمين المجاهدين في سبيله، وهم يحاربون قوى الكفر والشرك. وكان لهم مشاركة فعلية في نصرة المؤمنين، وإن كانت حركتهم خفية عن الأنظار، وفعلهم واضح المعالم والآثار. قال تعالى في غزوة بدر: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ) الأنفال/9. وأصل المد في اللغة: الزيادة والاستطالة، ومنه: مددت الجيش بمدد، إذا زدته عدة وعدداً ويتضح من هذه الآية الكريمة وغيرها من آي الذكر الحكيم أن إمداد الله سبحانه وتعالى للمؤمنين بالوسائل الغيبية، ومنها الملائكة لا يكون إلا بعد اشتداد المحنة وعدم جدوى الأسباب الطبيعية في نصرتهم، فيأتي المدد الإلهي للرسول(صلى الله عليه وآله) وللمؤمنين الصادقين.
فقد أنزل عز وجل في غزوة بدر ألفاً من الملائكة يردف بعضهم بعضاً متتابعين في نزولهم، ولما لم يكن ذلك كافياً لتحقيق النصر أمدهم الله جل وعلا بثلاثة آلاف من الملائكة، قال تعالى: (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ) آل عمران/124.
وهنا أنكر عليهم سبحانه أن الإمداد بالملائكة لا يكفي لتحقيق النصر، فجيء بلفظ (لن) لتأكيد النفي والإنكار، إشعاراً بأنهم لقلتهم وضعفهم وكثرة عدوهم وقوة شوكته كالأيسين من نصر الله، فكان إنزال الملائكة رحمة بهم ونعمة تفرح قلوبهم وتثبت أقدامهم. ثم أتم الله جل وعلا نعمته على أهل بدر، فأردف المؤمنين بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، أي: معلمين بعلامة الحرب، قال تعالى: (بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ) آل عمران/125.
ويلحظ في الآيات الثلاث التي مضت أن الملائكة وضعوا بأنهم (مردفون في الآية الأولى) وكان عدهم ألفاً. ووصفوا بأنهم (منزلون في الثانية) وكان عددهم ثلاثة آلاف. وبأنهم (مسومون في الثالثة) وكانوا خمسة آلاف.
ويقيناً أن لكل لفظ في القرآن الكريم دلالة لا يؤديها أي لفظ آخر، ومن هنا يكون التعدد في وصف الملائكة في هذه الآيات إنما هو لغاية تعبيرية توخاها التنزل العزيز.
ولربما تتبين تلك الغاية في أن إنزال الملائكة في الآية الأولى قد حصل وهو إخبار منه سبحانه، لذا عبر عنه بصيغة المضي (فاستجاب) وبصيغة التوكيد (أني ممدكم)، إشعاراً بسرعة قبول دعوتهم واستغاثتهم، فجاء الوصف بـ(مردفين) مناسباً لهذه الحال التي عليها المسلمون المجاهدون الذين حصرت صدورهم بقوة عدوهم وكثرة عدته، فلجأوا إلى طلب الغوث من ربهم، وفي (مردفين) وصف دقيق وتصوير لطريقة نزول الملائكة وبيان حال نزولهم المنظم وهو مما يكفل تسكين قلوب المؤمنين وقذف الرعب في قلوب الكافرين.
والآية الثانية خطاب بين الرسول(صلى الله عليه وآله)
وأصحابه، أخبرهم فيه أن نصر الله آتٍ، فجاء الإمداد بهيأة المضارع الدال على الاستمرار والاستقبال موحياً بأن النزول لم يتم بعد، ومن هنا جاء وصف الملائكة الذين سينزلون بأنهم (منزلون) وهو وصف مناسب مع هذا السياق، لأن الحديث معقود على إنزال الملائكة فحسب، وليس على طريقة نزولهم.
وفي الآية الثالثة كان الإمداد بالملائكة مشروطاً بصبر المؤمنين وتقواهم وثباتهم، لذا جاء فعل الإمداد دالاً على الاستقبال. وإنما وصف الملائكة بأنهم مسومون بآلة الحرب، تشجيعاً للمؤمنين على الاقتداء بهم وتشويقاً لهم على أن يكون هؤلاء الملائكة معهم يقاتلون في صفهم إن هم صبروا واتقوا(4).

ومن هنا يدرك استعمال اللفظ في موضعه المناسب، ودقة التعبير القرآني.ومن الجدير بالذكر في هذه الآيات أن الله سبحانه أمد المؤمنين بألف من الملائكة ثم بثلاثة آلاف ثم بخمسة آلاف، وذلك أن جيش العدو في يوم بدر كان ألفاً فوعدهم الله بمدد ألف من الملائكة. فلما خشوا أن يلحق بالعدو مَدَد من خلفهم وعدهم عز وجل بثلاثة آلاف، أي بجيش له قلب وميمنة وميسرة، كل ركن منها بألف. ولما لم تنقشع خشيتهم في إمداد المشركين لأعدائهم وعدهم سبحانه بخمسة آلاف، وهو جيش عظيم له قلب وميمنة وميسرة ومقدمة وساقة، وذلك هو الخميس، وهو أعظم ترتيباً وجعل كل ركن منه مساوياً جيش العدو كله(5). مناً منه سبحانه وتلطفاً ورحمة إنه سابغ النعم وهو العزيز الحكيم .

نشرت في العدد 33


(1) ينظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، 2/435ـ436، الصحاح، الجوهري (ملك).
(2) المفردات، الراغب الاصبهاني، 21.
(3) ينظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي، (ملك).
(4) ينظر: جامع البيان، الطبري، 2/396.
(5) ينظر: التحرير والتنوير، محمد الظاهر بن عاشق، 5/76ـ77.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.