الصحافة في اللغة مشتقة من الصحيفة، وهي السطح الذي يُكتب فيه، والجمع (صحائف، وصُحُف، وصُحْف، وفي التنزيل: (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى* صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى)(الأعلى:18ـ19)، يعني الكتب المنزلة)(1). وقد كانت هذه السطوح حجرية أو طينية يُنقش عليها ثم تُفخر، أو على شكل جلود، أو على شكل ورق …الخ.
وتطور المصطلح اللغوي للصحافة في المعجمات الحديثة كالمنجد والوسيط فأصبح يعني: مهنة مَنْ يجمع الأخبار والآراء وينشرها في صحيفة (جريدة أو مجلة أو نشرة) تصدر دوريًا في مواعيد منتظمة تحمل أخبارًا تهمّ جمهورًا كبيرًا أو معينًا يقتنيها مقابل ثمن للإفادة من أخبارها التي تهمه.
وهناك تعريفات اصطلاحية أوجز وأعمق، منها ما يتصل بالعمل السياسي كتعريف (بورك) الانكليزي للصحافة بأنّها (هي السلطة الرابعة)(2)، أو هي وسيلة مخصصة لتقديم الأخبار والتعليق عليها لتشكيل الرأي العام، مقابلة للإذاعة والتلفزيون؛ لأنّ الصحافة تغطي مزيدًا من الأنباء وبتفاصيل أكبر وبتحليل أدق(3).
وقد تُقسَّم الصحافة بحسب وسيلة النشر بمقابلة الصحف المنشورة على الورق للصحف المنشورة على صفحات الانترنيت، وهي الصحف الإلكترونية التي استعملت أحدث الطرق التكنولوجية في نشر الخبر على أوسع نطاق في العالم وبسرعة فائقة وبسعر مجاني.
وقد ظهرت بوادر هذه التكنولوجيا في عقد التسعينيات من القرن العشرين حين انتهت الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفيتي السابق، إذ تمّ رفع حاجز السرية عن الأبحاث التي كان يجريها الجيش الأمريكي بالتعاون مع المؤسسات الأكاديمية حول ربط المؤسسات العسكرية بشبكة اتصال داخلية مع الجامعات لتبادل الأبحاث الخاصة بالأسلحة، وهو مشروع يعود إلى عام 1961م وتعزز عام 1971م،
وفي منتصف الثمانينات من القرن العشرين تم ربط جميع الجامعات والمختبرات بشبكة اتصال تحت اسم شبكة (اربانت) التي استمرت تعمل بنجاح حتى توقفت عام 1990م(4).
كان الإعلان عن وجود شبكة (اربانت) منطلقًا لبدء أبحاث جديدة لتوسيع إطار الشبكة الأمريكية لتتحول إلى شبكة عالمية تحت اسم (إنترنيت) التي أصبحت شبكة منظمة منذ العام 1994م تزايد معدلها 50% كل ستة أشهر، وتعدد استعمالها واتسع فشمل جميع المجالات ومنها مجال الصحافة فجلبت معها تحديات أخلاقية للصحفيين فيما يتعلق بالمصادر السرية، أو سوء الاستعمال، أو إساءة تفسير البيانات المستقاة من الإنترنيت،
إذ يعتقد بعضهم أنّ التطور التكنولوجي وفرّ فرصًا أكبر للممارسات الصحفية غير الأخلاقية، ولكنه في الوقت نفسه غير مسؤول عن المخالفات التي يرتكبها الصحفي، فالصحافة ينبغي أن تعتمد دائمًا على مسؤولية الناس الذين يعملون ويفهمون أنّ الحقيقة والمنافع الاجتماعية والإنسانية العامة والمصداقية هي الأهداف النهائية الغائية التي يبحث عنها الصحفي كهدف إنساني،
بيد أنّ هناك دائمًا اتجاه بحثي مضاد مخادع أناني مزيف وغير أخلاقي، والصحافة الإلكترونية أو تقنية الإنترنيت قد مهدت الطريق لكليهما في وقت واحد، فهي سلاح ذو حدين؛ لذلك يكافح مجال الخير في نشر ثقافته التي يلزم بها نفسه أولًا كسلوك أخلاقي في النقاط الآتية(5):
1ـ المهنية:
يجب على الصحفي الإلكتروني أن يدرك أنّ هدفه هو الارتقاء بعقل الجمهور الذي يخاطبه وبعاطفته، وإنْ كان لا يستفيد منه فائدة مادية بطريقة مباشرة كالصحفي الورقي الذي يفيد من جمهوره مباشرة بالمبيعات المباشرة؛ لذلك عليه أن يقدم له خدمة مجانية صادقة ليعزز ثقة جمهوره به، عن طريق توفير مجموعة كاملة وواضحة من المعلومات الصادقة لتمكين الجمهور من اتخاذ قرارات نيّرة.
2ـ الحقيقة:
الحقيقة تعني التحقيق في صدق أو كذب الأخبار الصحفية عن طريق استخلاص (الرأي الذي قيّض له بأن يوافق عليه في نهاية المطاف كل الذين يحققون)(6)، ويشمل هذا التعريف التكيّف المتبادل بين الكائن العضوي وبيئته، فمثلًا أثناء معركة من المعارك يُعنى القائد بصفة رئيسة بتغيير البيئة أو تغيير العالَم أي (تدمير العدو)، ولكن أثناء الاستطلاع قبل بدء المعركة يُعنى القائد بتكييف قواته بإعادة توزيعها، وهذه هي فترة التحقيق، أو الترتيب.
وتظهر فترة التحقيق في الصحافة الإلكترونية بالكشف عن أصل كل المعلومات والمواد المقدمة، وعدم نشر المعلومات الكاذبة والصور المعالجة إلكترونيًا أو الأصوات المقلَّدة بطرائق مضللة، أو سرقة المعلومات واقتطاعها من سياقها ووضعها في سياق آخر يغيّر معناها.
3ـ الإنصاف:
الإنصاف عاطفة قلبية سامية تجاه الضحايا الذين يسلط الصحفي الضوء عليهم ولاسيما ضحايا الحروب والفساد الإداري من الضعفاء وهم الأطفال والنساء والمسنين والمرضى، الذين يجب أن يُعنى بهم الصحفي أكثر من عنايته بالبالغين، فضلًا عن فهم ظاهرة التنوّع البشري والاختلاف الذي وصفه الله بأنّه (آية) أي علامة عجيبة، ونقل ذلك إلى الجمهور من دون أي انحياز شخصي ورغبة في الانتقام تخفي بالضرورة احترام حق المحاكمات العادلة(7).
4ـ النزاهة:
يجب على الصحفي الإلكتروني عرض الأخبار بصدق وأمانة، واحترام جمهوره، ولهذا يجب عليه ما يأتي(8):
أ ـ عدم المشاركة في الأنشطة التي تعرض استقلاله للتشكيك.
ب ـ عدم قبوله للهدايا ولاسيما من الذين يؤثرون في مصداقية التغطية الصحفية.
ج ـ عدم إعادة بث برامج خاصة بمؤسسات إعلامية أخرى من دون أخذ إذنها.
د ـ عدم استعمال تقنيات خفية لجمع الأخبار، بما في ذلك الكاميرات أو الميكروفونات الخفية.
هـ ـاستعمال الأدوات التكنولوجية بمهارة بحيث لا تشوه الحقائق.
و ـ الامتناع عن الاتصال مع المشاركين في العنف.
ز ـ عدم استعمال المصادر السرية قدر الإمكان، وإذا اضطر إلى استعمالها يجب حماية تلك المصادر والأشخاص من التلف والتعرض إلى الخطر.
5ـ الاستقلال:
يتصل استقلال الصحفيين الإلكترونيين بقوة شخصياتهم التي تمنعهم من الخضوع إلى الذين يسعون إلى السيطرة على المحتوى الإخباري عن طريق التخويف والتهديد، لذلك تكون الشجاعة من أهم مصادر الاستقلال أو مقاومة أي تأثير من قوى خارجية بما فيهم المعلنون والممِّلون، ومقاومة أولئك الذين يسعون للتأثير سياسيا في المحتوى الإخباري، ومقاومة أي ضغط ذاتي يخلّ بواجب الصحفي تجاه جمهوره.
6ـ المساءلة:
يجب على الصحفيين الإلكترونيين أن يدركوا أنهم مسؤولون عن أعمالهم أمام الجمهور وشرف المهنة، وأمام أنفسهم، ولذلك عليهم أن يشجعوا جميع الصحفيين على الالتزام بأخلاقيات الصحافة، والتحقيق في الشكاوى وعدم تشجيع أي مسار يجبر الموظفين على ارتكاب فعل غير أخلاقي، وخلق البيئات التي تشجع على الاعتراضات والمناقشات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) لسان العرب، ابن منظور: 7/290-291. (2) وسائل الإعلام النشأة والتطور، د. فؤاد أحمد الساري: 46. (3) ظ: م.ن: 46. (4) ظ: رؤى مستقبلية، كيف سيُغير العلم حياتنا في القرن الواحد والعشرين، ميتشو كاكو: 68. (5) ظ: الصحافة الاستقصائية، المنهج التقني، البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ـ العراق: 67. (6) تاريخ الفلسفة الغربية، برتراند رسل، الفلسفة الحديثة: 3/483. (7) ظ: الصحافة الاستقصائية، المنهج التقني، البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ـ العراق: 68. (8) م.ن: 69.