التضليل الإعلامي وتشويه الحقائق وقلبها قديم قدم الإعلام، وذلك باستخدامه وسائل الخداع والمراوغة والنفاق، للحصول على مكاسب مادية أو معنوية أو سلطوية، أو جميعها معًا. وغالبًا ما يستخدمه أصحاب النفوذ والسلطة ضد خصومهم ومنافسيهم، بل وأحيانًا ضد أصدقائهم إذا اقتضت الضرورة التي يرونها.
التضليل الإعلامي الذي يعتمد النفاق والكذب هو من أخطر الوسائل التي تستهدف عقول الناس؛ حيث يبدأ بإثارة الشكوك لدى العامة لتشويش الأذهان والتأثير على العقول وخلق حالة من الاضطراب النفسي وزرع اليأس في النفوس والشعور بالعجز وانهيار المعنويات، ليصيبها في قناعتها؛ كل ذلك لصرف الأنظار عن حدث أو شخص ما، أو السعي لتغيير وجهات النظر باتجاه واقع غير موجود أصلاً وليس إلّا وهماً، ثم تجسيده والدفاع عنه حتى يصبح حقيقة،
وبالمقابل التشويش على واقع حقيقي، وتشويه القناعات بشأنه؛ حتى يصبح في وعي الشعوب غير حقيقي، ليسهل بذلك اقتياد العامة وتوجيههم بالوجهة المطلوبة. وهو من أخطر الوسائل التي يستخدمها الحكام الطغاة لاستغلال شعوبهم من خلال تزييف الحقائق.
وهذا هو ديدن الحكام الطواغيت حيال معارضيهم قديمًا وحديثًا، فهم يحاولون بشتى السبل تشويه صورتهم وتسقيطهم، إذ يحدثنا القرآن الكريم عن قصة نبي الله موسى (عليه السلام) مع فرعون، فيقول سبحانه على لسان فرعون: (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ)(الشعراء:34ـ35)، وكذلك قوله تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)(غافر: 26).
إن فرعون يلفق التهم لمعارضه الموحِّد الذي يدعو إلى الله، يدعو إلى عبادة الواحد الأحد، ونبذ فرعون وحزبه المتسلطين على المستضعفين من بني إسرائيل، ففرعون يحاول جاهدًا التخلص من موسى لأي سبب وبشتى السبل كـ (الخداع والتآمر …
وتحريك الناس ضد موسى (عليه السلام)، ولم يترك في هذا السبيل أي نقطة نفسية بعيدة عن النظر، فتارة كان يقول: إن موسى يريد أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ، وأخرى كان يقول: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ، فيحرك مشاعرهم وأحاسيسهم المذهبية)(1).
أساليب التضليل الإعلامي:
يعتمد التضليل الإعلامي جملة من الأساليب لتحقيق مراده، منها: التحريف، والتعتيم، والتنكير، ولفت الأنظار، والتجاهل، والتشويه، والتدليس، ودس السم في العسل، والتكرار… وغيرها. وسنتناول مفردة واحدة من هذه الأساليب ونسلط الضوء عليها، وهي: التحريف.
التحريف:
وهو تفسير الحالة تفسيرًا مغايرًا لحقيقتها، أو قص جزء من الكلام أو حذفه، أو تغيير مفردة منه لتغيير المعنى، وقد قال الله تعالى في كتابه المجيد واصفًا هذه الحالة بقوله: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ)(المائدة:41)، وقوله تعالى: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ)(النساء:46)، وكذلك قوله تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ)(المائدة:13).
والأمثلة التاريخية عن تحريف الحقائق أكثر مما تحصى، ولكن سنأخذ بعضًا منها كشاهدٍ على هذه الحالة متوخين الاختصار ما استطعنا لذلك سبيلا.
تحريف كلمة (ولي) في حديث الغدير
كمثال على ذلك التحريف ما حدث من تفسير لمعنى كلمة (ولي) في حديث الغدير الذي نقلته كتب العامة والخاصة، والذي مفاده أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع المسلمين في مكان واحد بعد رجوعه من حجة الوداع، وكان هذا المكان فيه غدير ماء آسن ويكثر فيه البعوض وكان ذلك ظهرًا في يوم قائض، لدرجة أن المسلمين يضعون أطراف ملابسهم تحت أرجلهم تارة وقاية من حر الرمال، وفوق رؤوسهم تارة أخرى توقيًا من حرارة الشمس،
في هذا المكان وقف رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي لا ينطق عن الهوى وخطب بالمسلمين وكان عددهم مائة وعشرين ألف أو ثمانين ألفًا، خطبة طويلة توحي أنه(صلى الله عليه وآله) يوصي وصيته لاقتراب أجله،
وبحسب رواية أحمد بن حنبل في مسنده(2) عن البراء بن عازب، قال : (كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله (صلى الله عليه وآله) تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضي الله عنه
فقال: ألستم تعلمون إني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟
قالوا: بلى.
قال: ألستم تعلمون إني أولى بكل مؤمن من نفسه؟
قالوا: بلى.
فأخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه.
قال: فلقيه عمر بعد ذلك فقال له: هنيئًا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة)(3).
ومن خلال النظر إلى الظروف التي أطلق فيها الحديث كالمكان والكيفية والروايات المتواترة في نزول بعض الآيات المباركات في تلك المناسبة كقوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)(المائدة:3)، ثم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) كافة من حضر بالتسليم على الإمام علي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين وتقديم التهاني له، وكان من أوائل المهنئين عمر، كما تقدم، وكذلك ما قيل من أشعار كقول حسان بن ثابت:
(ولا ريب أن حديث الغدير مما تواتر بين الفريقين وأجمع على نقله رواة الطرفين بل تواتره من طرق المخالفين أشهر…)(5).
بكل هذه الظروف والأحداث والآيات والأشعار (استدل الشيعة بلفظ (المولى) على الإمامة، حيث يراد بها الأولى بالتصرف والطاعة، لكن المخالفين حاولوا تأويل (المولى) باعتبار إطلاقها على معان أخر، وزعموا أن الكلمة مشتركة بين تلك المعاني)(6)، كابن العم، والناصر، والحليف، والجار، والسيد المطاع.
هكذا هو التضليل الإعلامي وأسلوب التحريف الذي كان فاعلًا في هذه الواقعة، فمن أجل أن ينكروا منزلة أمير المؤمنين (عليه السلام) وفضيلته بالولاية والإمامة، حاولوا تحريف معنى كلمة (مولى) بعد أن عجزوا عن إنكار الحادثة والحديث فيها.
عمار تقتله الفئة الباغية
مما تواتر في كتب الحديث والسيرة حديث للنبي (صلى الله عليه وآله): (يا عمار تقتلك الفئة الباغية) وقتله معاوية وجنود الشام، فعلم أن مراده (صلى الله عليه وآله) من الفئة الباغية هو معاوية وأتباعه، فهو وجنوده من أجلى مصاديق البغاة.
وسنرى هنا أحد مصاديق التضليل الإعلامي حول هذا الحديث المتواتر، وكيف يؤولونه ويحرفونه!
فهذا الحسن بن عبد الله البغدادي، أبو علي النجّاد، من كبار الحنابلة ببغداد… قال: ولكن قوله (صلى الله عليه وآله) : تقتلك الفئة الباغية، يعني الطالبة لا الظالمة، لأنّ أهل اللغة تسمي الطالب باغيًا، ومنه: بغيت الشيء أي طلبته، ومنه قوله تعالى: (يا أَبانا ما نَبْغِي)(يوسف:65) وقوله عزّ وجلّ: (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ)(الجمعة:10) ومثل ذلك كثير، فإنّما يعني بذلك الطالبة لقتلة عثمان.
ويريد أن يقول: صحيح أن من قتل عمار هو معاوية وفئته، ولكن هؤلاء هم الطالبون بدم الخليفة عثمان، ولم يكونوا بُغاة!
أما التضليل الإعلامي لمعاوية الذي لم ينكر الحديث، فقد استخدم تحريفًا آخر للحديث، فأنه حين أُخبر بمقتل عمار، قال: إنّما قتله عليٌّ وأصحابه الذين ألقوه بين رماحنا، أو قال: بين سيوفنا(7). فأجابه الإمام علي (عليه السلام) بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذن قتل حمزة حين أخرجه، وهذا منه (عليه السلام) إلزام مفحم لا جواب عنه، وحجة لا اعتراض عليها(8).
مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) والإعلام الأموي المضلِّل
لا يخفى على أحد أن أحد أهم أسباب نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) هو التحريف والتزييف لثوابت الدين الإسلامي الحنيف، وتضليل الرأي العام بترويج أحاديث مفتعلة تحمل مناقب لبني أمية كجعل معاوية كاتبًا للوحي، وأنه خال المؤمنين، وإخفاء الأحاديث التي تبين مثالب بني أمية، وإبدال الحقائق بكرامات مزيفة. ولعن أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنابر وجعلها سُنَّة متبعة.
وبعد فاجعة الطف الدموية الأليمة، وأخذ عيال الإمام الحسين (عليه السلام) سبايا (جيء بالإمام علي بن الحسين (عليه السلام) أسيرًا، فأقيم على درج دمشق، قام رجل من أهل الشام فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة(9).
وهنا نلاحظ أن الإمام (عليه السلام) تصرف مع هذا الشامي المتأثر بالإعلام المزيف، فكان ضحية للتضليل الإعلامي الذي كان يصف نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه بأنهم خوارج مرقوا من الدين أو فئة معتدية على بلاد المسلمين، وقد أمكن الله منهم، فردَّ عليه الإمام: (أقرأت القرآن؟ قال: نعم. قال: …قرأت (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)؟ قال: أأنتم هم؟ قال: نعم (10). ثم قال علي بن الحسين (عليه السلام) : أفقرأت في بني إسرائيل: (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) قال: وأنكم القرابة التي أمر الله أن يؤتى حقه؟ قال: نعم(11)، فأحس الشامي بأنه كان ضحية التضليل الإعلامي الذي مارسه يزيد وأتباعه.
وكنتيجة متوقعة لهذا التضليل الإعلامي (نظر رجل من أهل الشام إلى فاطمة بنت الإمام الحسين (عليه السلام) فقال مخاطبًا يزيد بن معاوية: يا (أمير المؤمنين) هب لي هذه الجارية، فقالت فاطمة لعمتها: يا عمتاه أُوتمت وأستخدم؟
فقالت: زينب: لا ولا كرامة لهذا الفاسق. فقال الشامي: من هذه الجارية؟ فقال يزيد: هذه فاطمة بنت الحسين (عليه السلام) وتلك زينب بنت علي بن أبي طالب. فقال الشامي: الحسين بن فاطمة (عليه السلام) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام)! قال: نعم. فقال الشامي: لعنك الله يا يزيد، أتقتل عترة نبيك وتسبي ذريته؟ والله ما توهمت إلّا أنهم سبي الروم!(12)، نعم، توهم هذا الشامي وغيره أن هؤلاء من سبايا الروم كنتيجة حتمية لما تمارسه السلطة الأموية الحاكمة من تضليل إعلامي.
المختار الثقفي والتضليل الإعلامي
لم تمض على هلاك يزيد الفجور إلّا ستة أشهر حتى قدم المختار بن أبي عبيد الثقفي الكوفة… أخذ المختار يدعو الناس إلى قتل قتلة الإمام الحسين (عليه السلام)(13).
وبالفعل (تفرغ المختار الثقفي لتتبع قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) الذين شركوا في دمه، فجدَّ في الأمر وبالغ في النصرة وتتبع أولئك الأرجاس فقتل ثمانية عشر ألفًا)(14).
وقد نال عمل المختار هذا ثناء ومدح الأئمة الأطهار (عليه السلام) وشيعتهم وشفى غليلهم من قتلة الإمام الحسين (عليه السلام)،
ولكن (شاءت الأقدار أن يحاصره ابن الزبير بقصر الإمارة بعد أن وقعت مقتلة عظيمة بينهما… خرج المختار بمن معه مستميتين فقُتِلوا وقُتِلَ المختار (15) … وجيء برأسه إلى عبد الله بن الزبير، فأرسل إلى ابن عباس فقال له: (يا بن عباس إن الله قد قتل المختار الكذاب. فقال ابن عباس: رحم الله المختار، فقال: كأنّك لا تحب أن يقال الكذاب؟ قال: فإن المختار كان محبًا لنا عارفًا بحقنا، وإنّما خرج بسيفه طالبًا لدمائنا، وليس جزاؤه منّا أن نشتمه ونسمّيه كذّابًا)(16).
وقد امتدح الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) المختار منذ أن كان صبيًا، فقد ورد عن الأصبغ بن نباته، قال: رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يمسح رأسه ويقول: يا كيِّس يا كيِّس(17).
وأما بعد ثورته وأخذه بالثأر، جاء عن أبي عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت حتى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين صلوات الله عليه)(18).
وقد روي أيضًا أنه دخل أبو محمد الحكم بن المختار بن أبي عبيد الثقفي على الإمام الباقر (عليه السلام)، فقال: أصلحك الله إن الناس قد أكثروا في أبي وقالوا، والقول والله قولك. قال (عليه السلام): وأي شيء يقولون؟ قال: يقولون كذاب، ولا تأمرني بشيء إلّا قبلته. فقال (عليه السلام): سبحان الله أخبرني أبي والله أن مهر أمي كان مما بعث به المختار، أولم يبنِ دورنا؟ وقتل قاتلينا؟ وطلب بدمائنا؟ فرحمه الله، …. رحم الله أباك رحم الله أباك ما ترك لنا حقًا عند أحد إلّا طلبه، قتل قتلتنا، وطلب بدمائنا(19).
وعنه (عليه السلام) أيضًا: لا تسبوا المختار فإنه قد قتل قتلتنا وطلب بثأرنا وزوج أراملنا، وقسم فينا المال على العسرة(20).
وروي عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، لما أُتي برأس عبيد الله بن زياد ورأس عمر بن سعد خرَّ ساجدًا، وقال: الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي وجزى المختار خيرًا(21).
وعن عمر بن علي أن المختار أرسل إلى الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) بعشرين ألف دينار فقبلها وبنى بها دار عقيل بن أبي طالب ودارهم التي هدمت(22).
نلاحظ هنا أن العمل الكبير الذي قام به المختار وهو الاقتصاص من قتلة الإمام الحسين (عليه السلام)، لا يمكن أن يمر دون تشويه وتحريف من قبل السلطات الأموية، فقاموا بحملتهم المسعورة ضد المختار واتهامه بشتى أنواع التهم وأنه كذاب وساحر ومشعوذ بل وأنه ادعى النبوة، وقد ملأوا كتب التاريخ بهذه الافتراءات حتى وصلت إلى كتب الشيعة، منها على سبيل المثال ما روي عن أبي جعفر الإمام الباقر (عليه السلام) قال: كتب المختار بن أبي عبيد إلى علي بن الحسين وبعث إليه بهدايا من العراق فلما وقفوا على باب علي دخل الآذن يستأذن لهم فخرج إليهم رسوله فقال: أميطوا عن بابي فاني لا أقبل هدايا الكذابين، ولا أقرأ كتبهم(23).
واستمرت حملات التضليل الإعلامي على كل الأحرار والثوار والمصلحين ولم ولن تهدأ، فإلى اليوم لازال اللغط مستمرًا حول صلاح المختار الثقفي أو فساده، ومنهم من يترحم عليه ومنهم من يلعنه، بل إلى اليوم هناك من يسمي الإمام الحسين (عليه السلام) خارجيًا خرج على إمام زمانه يزيد واستحق بذلك القتل!!!
وبالمقابل يقوم التضليل الإعلامي بتجميل صور القتلة والمجرمين ونعتهم بصفات البطولة والفاتحين كالمجرم صلاح الدين الأيوبي الذي (دخل إلى حلب عام 579هـ وحمل الناس على التسنن وعقيدة الأشعري ولا يقدم للخطابة ولا للتدريس إلّا من كان مقلدًا لأحد المذاهب الأربعة، ووضع السيف على الشيعة فقتلهم وأبادهم مثل عمله في مصر، إلى حد يقول الخفاجي في كتابه الأزهر في ألف عام/1/85: (فقد غال الأيوبيون في القضاء على كل أثر للشيعة)(24)، ولكنه في الوقت ذاته (كان يبر المقاتلة من الصليبيين حتى كان مضرب المثل ـ عندهم ـ في المروءة وعلو الهمة فكان يداوي مرضاهم ويأسو جراحهم)(25)، وغيره الكثير من القدماء والمعاصرين.
ختاماً:
التضليل الإعلامي مورس ضد أتباع أهل البيت (عليه السلام) في كل عصر قديماً وحديثًا، تُستحل دماؤهم فيُقتلون وتُسبى نساؤهم وتُنتهب أموالهم وتُحتل بلدانهم وتُهدم مقدساتهم، ولكن حين يدافعون عن أنفسهم وأعراضهم ومقدساتهم ويحررون أراضيهم، تشن ضدهم حملة إعلامية مسعورة ليجعلوا منهم طائفيين ومجرمين وقتلة، وما يجري في عصرنا الحالي خير دليل على ذلك.
وإذا كان التضليل الإعلامي قديماً يُمارَس بأساليب بدائية وضيقة، فالآن تقوم به أحزاب ومنظمات ودول مستخدمين وسائل إعلام متطورة وكوادر مدربة تدريبًا على أعلى المستويات وتصرف لها الأموال الطائلة لقلب الحقائق والتلاعب بأفكار المجتمع وتشويشه وخلط الأوراق لدرجة أن الناس لم تعد تميز بين الصالح والطالح، بل تجعل تلك الجهات الناصح الأمين مخادعاً خائنا لإسقاطه، فيما تجعل من المخادع الخائن ناصحًا أمينًا لرفعه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1) تفسير الأمثل/مكارم الشيرازي/ج7ص53. 2) مسند أحمد بن حنبل/ج4ص281. 3) راجع تفاصيل هذا الحديث وطبقات الراوين له من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين إلى عصرنا الحاضر في كتاب الغدير ج 1. 4) روى هذه الأبيات: الخوارزمي أيضًا في مقتل الإمام الحسين 1 : 47 ، والحافظ أبو نعيم كما في النور المشتعل: 57، والجويني في فرائد السمطين من طريقين 1 : 73 ، 74 ، وابن الجوزي في تذكرة الخواص: 33، والكنجي في كفاية الطالب: 64. مع اختلاف في بعض الألفاظ…. نقلاً عن: منهج في الانتماء المذهبي/صائب عبد الحميد/هامش ص95. 5) الحدائق الناضرة/المحقق البحريني/ ج3 ص204. 6) أقسام المولى/الشيخ المفيد/ص4. 7) مسند أحمد/ج4ص199. 8) سير أعلام النبلاء/الذهبي/ج3/هـ ص 142. 9) عمدة الأخبار/ابن البطريق/ ص52. 10) م.ن. 11) غاية المرام/البحراني/ص231. 12) اللهوف في قتلى الطفوف/ابن طاووس/ص109. 13) تاريخ الكوفة للبراقي ص 301. 14) م.ن. 15) م.ن. 16) الفتوح/ابن أعثم الكوفي/ج6ص294ـ مقتل الحسين (ع)/الخوارزمي /ج2 /ص250 – 251. 17) البحار/المجلسي/ج45ص344. 18) م.ن. 19) م.ن. 20) م.ن. 21) م.ن. 22) م.ن. 23) م.ن. 24) غنية النزوع/ابن زهرة الحلبي/ص10. 25) المجموع/النووي/ج15ص417.