Take a fresh look at your lifestyle.

ما وراء تكنولوجيا الإعلام في الحضارة الغربية

0 773

           بالرغم من تباعد المسافات الجغرافية على سطح الأرض بين بعض القارات عن بعضها الآخر ووجود مساحة مائية واسعة فصلت بعض الأماكن عن بعضها الآخر، إلّا أن العالم يعيش وحدة اتصالية واحدة من خلال تناقل المعلومة والمعارف، إن تطور التقنيات الحديثة ووسائل التكنولوجيا جعل هناك اختصارًا للزمن في سرعة انتقال المعلومة وطي التواريخ بين الشعوب لتسجل حاضرًا سريعًا كانت الآلة المادية وسرعة الإلكترون وقوانين الطاقة هي من وراء ذلك، عالم كان فيه البعد الخبري ووسائل الإعلام والتواصل ووجود الإنترنت خطوة جعلت من الإنسان على وجه الأرض أن يحس بأخيه الإنسان النائي عنه ويعيش معه وحدة الفكر والمشاعر والأحاسيس.

          إلّا أن الحديث عن هذا التطور التكنولوجي الحضاري الذي شهده العالم بعد حصول الحرب العالمية الثانية والخروج من مأزق الحرب الذي كلف البشرية خسائر جسيمة شهدها العالم الغربي والشرقي هو بالحقيقة الحديث عن أحد وجهي الحضاري لأن مفهوم الحضارة يشمل بمعناها البعد المادي والبعد المعنوي للمجتمع الإنساني، وإن التطور المادي الملموس في كافة مجالات الحياة الذي يشهده العالم اليوم هو لا يعبر عن وجه الحضارة الحقيقي بل هو تطور مادي فقط، لأن الحضارة تعني هو كل ما أنتجه الإنسان من معنويات وماديات وهي نتاج اجتماعي حاصل من تفاعل الأفراد فيما بينهم، فالحضارة يبنيها الإنسان بقدراته العقلية وتعامله مع المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه مع ما اكتسبه من خبرات وتجارب المجتمعات التي سبقته.

         وعلى هذا فهي مرآة الإنسان تعكس تفكيره ومحيطه وتطوره الاجتماعي(1)، ومن خلال بيان هذا المفهوم فلو حللنا عناصر الحضارة الاجتماعية فإننا نجد أن التعاون بين أفراد المجتمع هو جزء مهم من مستلزمات أي حضارة كما في المجتمعات القديمة كالحضارة البابلية أو المصرية فكان إقامة السدود وحفر الأرض الصلبة واستغلالها وغير ذلك يتطلب تعاون جميع أفراد المجتمع فكانت هذه الأساليب في الزراعة وغيرها تعكس مدى التقدم الحاصل آنذاك، وأيضًا من متطلبات هذا التعاون هو الاتصال الدائم بين الأفراد، وهذا الأمر هو الذي جعل الإنسان يخترع الكتابة من أجل تيسير الاتصال بالآخرين، ونقل أقوالهم وأفعالهم إلى الأجيال القادمة وحفظ المكاسب الجديدة التي ابتدعها(2).

           إن علاقة الأفكار بما يدركه الإنسان وتركيبه بايولوجيًا من وجود جهازه النطقي هو أمر واضح في سلوك الإنسان، من كونه يتمتع بقدرات ذكاء وهو حيوان ناطق ويختلف عن بقية الحيوانات فهو يستطيع أن يحول بقدراته واستعداده أفكاره إلى لغة صوتية ولغة مكتوبة، وتلك الأفكار أما أن تكون حقائق علمية أو معتقدات دينية أو آداب وعادات شعبية وغير ذلك من المعارف التي تنتقل عن طريق المشافهة أو التعليم وجميع هذه المفاهيم والمعارف هي قيم اجتماعية وهي جزء من مكونات أي حضارة في العالم،

          وهي أيضًا من المؤثرات على السلوك الإنساني لأن ما يحيط بالإنسان هي مجموعة عوامل يسميها علماء النفس بالبيئة وهي تؤثر في نمو الكائن ونشاطه منذ تكوينه إلى آخر حياته وهذه البيئة هي أما طبيعية أي تتمثل في طبيعة المكان الجغرافي الذي يعيش فيه الإنسان أو اجتماعية يقصد بها الجو الاجتماعي العام بما فيه من قوانين ومعايير وقيم واتجاهات فكرية وسياسية وأدبية وعلاقات اجتماعية(3).

        وهذه الأفكار واللغة تمثل النتاج الإنساني المعنوي، بينما المكائن والمصانع والمخترعات وفنون العمارة والملابس والأثاث وغير ذلك من التقنيات تمثل البعد المادي وجميعها تكون تطورًا حضاريًا. لقد اختزلت وسائل الإعلام لدى الغرب أو عبر قنوات التواصل الاجتماعي أو مواقع الفكر المدروسة ذلك الوجه الحضاري المشوّه الذي أصبح الإنسان فيه يعيش غربة الفكر والروح وانفصال المعنويات واضمحلالها شيئًا فشيئًا عن الحياة الاجتماعية وذوبان المعالم الأخلاقية للفرد وعلاقاته بالمجتمع ككل،

         إن التطور المادي شيء ملفت للنظر في العالم الغربي إلّا أن الانشداد إلى عنصر التجربة والمختبرات وصناعة الأسلحة ونشر المخدرات والتسويق السياسي ونشر الأفكار الهدامة لأجل السيطرة على شعوب العالم يكشف عن وجود أزمة أخلاقية وفكرية أزمة التعارف بين العقيدة والعمل أزمة انعزال العقيدة وقطع الصلة مع معرفة الله تعالى فأصبح الدين شعارًا محدودًا في الكنيسة مما سبب أزمة الضمير والمحتوى الباطني للإنسانية الذي لم يجد إشباعًا للحاجات الروحية والمعنوية.

          إن نشوء المصالح الرأسمالية وسيادة المال، والتأثير على الرأي العام من خلال الصحافة(4) وغيره وتطور الآلة والتقدم العلمي والصناعي كان من عوامل نشوء الحرب ولا زال وإذا كانت أوربا أو الغرب يحتضر أخلاقيًا من بعد الحروب فأي وجه حضاري يحمله اليوم حتى نتسارع ونتهالك في استيراد الثقافة منه،

          لقد أصبح الفرد في العالم العربي والإسلامي تحيط به آلاف الصور والمشاهدات والمعارف والمعلومات التي تمتلكها وسائل الإعلام أو كل وسائل الاتصالات المتاحة والتي تشكل كل واحد منها رمزًا وبُعدًا معرفيًا خاصًا يراد منه النيل من مستواه العقائدي أو السلوكي أو الاجتماعي أو تمزيق الأسرة أو تدمير طاقات الشباب، وهذا يتضح من خلال برمجة وسائل الإعلام والتي تخضع بلا شك إلى منهج خاص بها وهي تغذي أفكار الناس،

         ولا يخفى أن المنهج هو طريقة فهم الحياة والأشياء والموجودات وكيفية التعامل معها بكل ما فيها من الفكر والتاريخ والأديان الإلهية، فلو لاحظنا المنهج التجريبي المادي الذي سيطر على محافل الفكر في أوربا لعهود يمثل أزمة منهجية تطل علينا من خلال الإنكار لوجود الخالق والغيب والنبوة وعالم الآخرة لأن حقيقة هذا المنهج تقدم على تفسير للعالم مفاده إن كل معرفة محسوسة وتكون مدركة بإحدى الحواس الخمس هي التي تستطيع التعبير عنها بلغة مكتوبة بلغة الأرقام والمعادلات الرياضية أو الفيزيائية وتستطيع إدراكها وتنسجم مع الحقائق والقوانين العلمية.

         لكن هذه النظريات والقوانين أو حتى الآراء الفلسفية التي تقدم بها العلماء الماديون والباحثون في علم النفس والاجتماع لم تستطع حل إشكالية الفهم الفكري للحياة وحل لغز الوجود وانتهى فهمهم بالإنسان إلى فلسفة اللامعنى للحياة وإلى فلسفة الرفض والتشاؤم والقلق والعبثية أو تصور أن الحياة هي المغنم الذي يجب عدم إنكاره وحرمان الآخرين منه فنشبت الصراعات والحروب والاستعباد(5).

        أما على مستوى السلوك فلقد غدت اللذة والاستمتاع هي الغاية المنشودة في الحضارة المادية المعاصرة، فالإنسان أصبح ينشدها ويطلبها في كافة مجالات الحياة ولا يعنيه ما ينتجه هذا العمل من ضرر على الآخرين فكان الركوع لسلطان اللذة سببًا لممارسة أنماط السلوك المنحرف كالسرقة والمخدرات والغش والخيانة، ونحن نقرأ في صحف العالم أو نسمع من وسائل الإعلام أن شخصيات كبيرة وقادة ووزراء ومسؤولين خانوا قضايا مصيرية لمجتمعاتهم أو وقعوا في شباك التجسس،

         إن الترويج لهذا التيار الحضاري المتخلف في العالم العربي والإسلامي يحرف أجيالًا ويلقي بها في متاهات السقوط والانحلال(6).

          أما على الصعيد الاجتماعي فإن المتابع لأوضاع العالم الإسلامي يجد أن أحد أسباب الأساسية للتخلف هو سوء الإدارة وسوء التعامل مع إمكانات التنمية والنهوض والتطوير للإنسانية فالعالم الإسلامي مليء بالطاقات وإمكانات النهوض إلّا أن القوى الاستعمارية الأمريكية والأوربية هي التي تتدخل بشتى الطرق والتي منها الترويج عبر وسائل الإعلام أو غسل الأدمغة من خلال قنوات التواصل الاجتماعي أو زرع عملاء لها في المنطقة لإعاقة التنمية والتطور من خلال جذب الخبرات ورؤوس الأموال إلى خارج البلدان الإسلامية والعمل على إبقاء حالة التخلق العلمي والاقتصادي والسياسي وتحويل العالم الإسلامي إلى سوق استهلاكية للسلع الغربية ومصدر تموين للغرب بالمواد الخام(7).

             إن تسليط نوع من التربية كفيل بتوجيه السلوك الإنساني نحو اتجاه معين وإذا كان خطر الكلمة المسموعة أو المكتوبة واضح للعيان في تجسيد ردود الأفعال أو توجيه العاطفة نحو أمر معين، فإن عملية البناء الذاتي للأفراد ابتداء من الصغر له خطره وشأنه في زرع ونمو الشخصية ومن لوازم وجود وسائل الاتصال الاجتماعي أو البرامج المعدة في وسائل الإعلام المتاحة سواء كانت ألعابًا إلكترونية أو برامج أخرى ينقلها التلفزيون لأفراد الأسرة والتي ينبغي أن تناسب عقولهم ونموهم النفسي والجسدي فهي مبرمجة بحسب سلوكيات المجتمع الغربي واندماج الشباب مع تلك المسموعات والمرئيات والمؤثرات التي تحويها له الأثر في توجيه الأفكار ولفت أنظارهم أو خلق ميول نفسية تشكل الاستعدادات لاتجاهات معينة كفيلة بتوجيه السلوك على صعيد المستقبل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) المدخل إلى علم الاجتماع ص178 تأليف د. مليحة عوني و. معن خليل/ جامعة بغداد 1980م.
2) المصدر السابق ص178ـ 179.
3) أصول علم النفس/ د. أحمد عزت، دار المعارف 1985م.
4) انظروا مراسلات أوراق رومان أولان وغاندي (1920ـ 1944) ص117 طبع بيت الحكمة ـ بغداد 2001.
5) مبادئ النهوض الاجتماعي ص24 نشر مؤسسة البلاغ 1999م ـ إيران.
6) المفهوم الأخلاقي في الإسلام ص64 نشر مؤسسة البلاغ.
7) مبادئ النهوض الاجتماعي ص75.

نهاية الملف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.