Take a fresh look at your lifestyle.

عصر التقنية فائقة الصغر (Nanotechnology) رائدة القرن الواحد والعشرين بين الواقع والطموح

0 568

أ. د. محمد باقر فخر الدين
معهد أبحاث الأجنة وعلاج العقم/ جامعة النهرين

 

1- التعريف:
يشتق مصطلح التقنية النانوية (نانوتكنولوجي) من النانومتر (Nanometer)، وهو مقياس مقداره واحد من ألف من مليون من المتر، أي واحد على بليون من المتر، أو واحد من مليون من المليمتر. ويمثل ذلك واحداً على ثمانين الفاً من قطر شعرة واحدة! ويتضح من ذلك انه مقدار شديد الصغر. حيث يبلغ سمك الشعرة الواحدة للإنسان 50 ميكرومترا أي 50,000 نانو متر, وأصغر الأشياء التي يمكن للإنسان رؤيتها بالعين المجردة يبلغ عرضها حوالي 10,000 نانو متر، فعندما تصطف عشر ذرات من الهيدروجين فإن طولها يبلغ نانو مترا واحدا، ومن هنا نستنتج كم هو قياس النانومتر شيء دقيق للغاية.

وتعني كلمة نانو باللغة اليونانية (قزم)، والنانو هو المقياس الذي استخدمه العلماء عند قياس الذرة والالكترونات التي تدور حول نواة الذرة وما إلى ذلك. والنانو هو مقدار نمو شعرة الذقن في الفترة الزمنية التي يستغرقها رفع اليد للحلاقة، وهذا المثال البسيط هو لتقريب الحالة إلى شيء يمكن إدراكه وهو طبعاً ليس تعريف علمي، لكن لهذا العلم انجازات عظيمة ومن الأولى أن نتحدث عن فكرة بسيطة عن العمل في هذا العلم مثلا في حالة كربونات الكالسيوم فإذا رتبنا الذرات بطريقة خاصة يظهر شكل مسنن كما في حالة الطباشير فان نتاج هذا الترتيب يكون سهل الكسر وفي حالة الترتيب على شكل طبقات يكون المنتج أكثر صلادة كما يوجد لدى بعض الرخويات.

كذلك نفس الحال في الكربون سواء في الفحم أو في الماس فالاختلاف واضح في الصلابة والشكل لأن الجزيئات تحتاج أن تكون في حالة استقرار يعني اتزان القوى الخارجية ولتحقيق الاتزان يوجد أكثر من ترتيب يحقق ذلك وباختلاف الترتيب تختلف المركبات من حيث الصفات الفيزيائية والتركيبية ومركبات القوى وبالتالي يختلف تأثير القوى الخارجية، وقد أمكن باستخدام مجهر متخصص عالي التقنية التحكم في الجزيئات المفردة، وبعبارة أخرى يمكن أن نرتب هذه الجزيئات بأيدينا ونتحكم في الخصائص المختلفة.

2- نظرة تاريخية:
ترجع أول أفكار التقنية النانوية (Nanotechnology) إلى عالم الرياضيات الأمريكي فون نييمان والذي نال جائزة نوبل عام (1959). ولتوضيح الفكرة وإعطائها بعداً مادياً وحقيقياً، عمل نييمان المثال التالي: فقد أرسل إلى زميله دبوساً كتب على رأسه جملة (ما رأيك بهذا، هل تستطيع تقليده)؟ فيرد الزميل الدبوس بعد أن كتب على نقطة في تلك الجملة عبارة (حسناً، ما رأيك أنت بهذا)؟ وبذلك أصبح هذا المثال المدخل إلى عالم التقنية فائقة الدقة (التقنية النانوية).

عزيزي القارئ الكريم لابد لنا من أن ننوه أن استخدام مصطلح التقنية النانوية لأول مرة كان عام 1974 وذلك من قبل الباحث الياباني نوريو تانيغوشي عندما حاول بهذا المصطلح التعبير عن وسائل وطرق تصنيع وعمليات تشغيل عناصر ميكانيكية وكهربائية بدقة ميكروية فائقة. وفي عام 1982 افتتحت البوابة إلى عالم الذرات بشكلها الواسع عن طريق الباحثين السويسريين جيرد بينيغ وهاينريش رورير، حيث قاما بتطوير مجهر يعتبر الأكثر دقة من أجل مراقبة الذرات وإمكانية التأثير بها وإزاحتها وأهّلهما إنجازهما المشترك تقاسم الحصول على جائزة نوبل بعد أربع سنوات وبالتحديد عام 1986.

كما اكتشف الباحث الياباني سوميو ليجيما في عام 1991 الأنابيب النانوية المؤلفة فقط من شبكة من الذرات الكربونية والتي تتميز بصفة الحصول على مقاومة شد أعلى من مقاومة شد الفولاذ بعشرة مرات وأكثر قساوة واستقراراً من الماس لمرتين على الأقل. وفي منتصف ثمانينيات القرن الماضي وبالتحديد عام 1986، وضع عالم الرياضيات الأمريكي اريك دريكسلر، الذي يعتبر المؤسس الفعلي لهذا العلم كتاباً اسمه (محركات التكوين)، حيث بسَّط فيه الأفكار الأساسية لعلم التقنية النانوية. كما عرض فيه أيضاً المخاطر الكبرى المرافقة له. تتمثل الفكرة الجوهرية في الكتاب بأن الكون كله مكون من ذرات وجزيئيات (Atoms و Molecules)، وأن لابد من نشوء تقنية وإمكانات علمية عالية الدقة للسيطرة على هذه المكونات الأساسية. ويمكن صناعة أي مادة إذا عرفنا التركيب الدقيق للمواد، أو أي شيء، بواسطة رصف مكوناتها الذرية ورصها جنباً إلى جنب بشكل دقيق جداً بما يمكنها من إعطائها وصف معين أو وظيفة ما. فمثلاً من المعروف ان الماس مكون من ذرات الفحم وجزيئاته. ونظرياً، يمكن تفكيك الفحم، ثم إعادة رصف ورص مكوناته الذرية لصناعة الماس.

كذلك يعتبر البورسلين مادة مهمة، ولكنها هشَّة. وسبب هشاشتها وجود فراغ كبير نسبياً بين جزيئاتها من الرمل، ، ما يقلل من تماسكها. لذلك يمكن أخذ أي بورسلين، مثل الصحون وأطباق المائدة وتفكيكها إلى مكوناتها الذرية الأصغر، ثم إعادة رصف هذه المكونات بصورة متماسكة جداً. مما يؤدي إلى إنتاج بورسلين أقوى من الحديد، يمكن استعماله في صنع سيارات خفيفة الوزن لا تحتاج إلى كثير من الوقود. وإذا كان علينا أن نحول الخيال إلى واقع فمثلاً يتشارك البترول في تركيبه مع الكثير من المواد العضوية. ويمكن تركيب البترول بشكل جديد، انطلاقاً من أي نفايات عضوية، بعد تفكيكها إلى مكوناتها الذرية ثم إعادة تجميعها لتصنع بترولاً!
ولأن الحال بوجود احتمالات لا متناهية. يمكن صناعة المعدن الأشد صلابة على الأرض وهو التيتانيوم، الذي تصنع منه مركبات الفضاء، انطلاقاً من أي سبائك معدنية غير ذات قيمة. أنه انقلاب جذري للعلاقة بين الصناعة والمواد الأولية، بل ومجمل نظام التبادل الاقتصادي العالمي.

3- آلية تصنيع الأجهزة والمستلزمات النانوية باستخدام التقنية النانوية:
إن من المعلوم لدى المهتمين بالعلوم الطبيعية والهندسية تعد الذرات هي وحدة البناء الرئيسية لكل المواد في هذا الكون الفسيج. فنحن البشر وكل شيء حولنا مكون من الذرات. فعلى سبيل المثال أجسامنا عبارة عن خلايا مكونة من تجمع لعدد هائل مكون من الذرات بطريقة معينة، هذه الخلايا عبارة عن آلات نانويه طبيعية لا دخل للإنسان فيها. كما أن المواد التي نشتريها هي أيضاً عبارة عن ترتيب معين للذرات لتكون تلك المواد، فيمكننا أن نتخيل الآن أنه بالإمكان أن نتحكم بترتيب ذرات أي عنصر ومادة وهو ذات اختصاص التقنية النانوية والكثير من العلماء يؤكد على انه في غضون عشرة سنوات سيتم التحكم بكل ذرة من الذرات المكونة للمادة.
إذاً من كل ما تقدم يتضح أن في كل صناعة نانوتكنولوجي، هنالك ضرورة للسيطرة على الذرة الواحدة والجزيء الواحد، والذي يمكننا من ذلك وجود ما يعرف بـالراصف (أو المجمع Assembler)، والتي هي الحلم الكبير للعالم الأمريكي دريكسلر. ولذلك علينا عزيزي القارئ الكريم أن نتخيل ما هو الراصف؟ وما هي آلية عمل الراصف ووظيفته؟ فهل هو إنسان آلي (روبوت Robot) متناهي الصغر،

لا يرى بالعين المجردة، ولا يزيد حجمه عن حجم بعض الجراثم الميكروبية مثل الرواشح (الفيروسات) أو البكتيريا. ويفترض أن يمتلك الراصف (أذرعاً) تمكنه من الإمساك بالذرة أو الجزيء، بما يعطيه القدرة على تفكيك أي مادة إلى مكوناتها الذرية الأصغر. وكذلك له الإمكانية على رصف الذرات الواحدة قرب الأخرى لصناعة كل شيء انطلاقاً من أي شيء تقريباً معد لهذا الغرض. ومثل كل إنسان آلي (روبوت)، فانه مزود بعقل الكتروني وآليات تمكن الراصف من التصرف بكل سهولة ويفترض لديه إمكانات هائلة بما يشابه اي حاسوب، يدير كل أعماله. ويتحكم البشر بالرواصف عبر تحكمهم بالحواسيب التي تدير الرواصف وبرامجها. ومن هنا يمكن تخيّل راصف طبي بحجم فيروس مبرمج لملاحقة البكتيريا التي تسبب أمراضاً في الإنسان. يمكن حقن مجموعة من تلك الرواصف في دم مريض مهدد بالتهاب قد عجزت الإمكانات الطبية عن علاجه وشفائه. حيث تلاحق هذه الرواصف البكتيريا وتهاجمها وبالتالي تمزقها وسرعان ما يتخلص المريض من شبح المرض أو الموت. هكذا يشرح دريكسلر بشكل مبسط عمل رواصف التقنية النانوية في كتابه سابق الذكر.

ومن الجدير بالاهتمام يمكن لهذه الرواصف أن تُبَرْمَج لتمسك بذرات معدنية لصنع مركبات فضاء بحجم يقارب ظفر الأصبع، علماً أن تلك المركبات مزودة بحواسيب متطورة وأجهزة اتصال مع الأرض على اختلافها. ويمكن لهذه المركبات فائقة الصغر أن تستعمل أي مصدر للطاقة في الفضاء الخارجي، مثل الضوء أو حتى الذبذبات الصوتية، للانطلاق إلى مجرات لا يحلم الجنس البشري بالوصول إليها. وينطبق الوصف نفسه على صنع غواصات لها إمكانات متطورة جداً على مسح وسبر أغوار محيطات الكرة الأرضية. وهكذا دواليك. ويتضح مما تقدم أن الأمر يتطلب أعداداً كبيرة من الرواصف. مما يتطلب حلاً علمياً بصناعتها، أو حتى تكليف الرواصف نفسها بصنعها، أي إعطاء الرواصف القدرة على (استنساخ) نفسها بنفسها. كأنها أنسال لنوع جديد سيولد على الأرض بفضل علم التقنية فائقة الصغر (التقنية النانوية).
وقد بين المضطلعين بهذا العلم والتقنية وجود ثلاثة مراحل للوصول إلى مواد وأجهزة وآلات مصنعة بالتقنية النانوية هي:
1ـ على الباحثين والعلماء أن يتمكنوا من التأثير والتحكم بكل ذرة من الذرات المكونة للمادة، وهذا يعني تطوير طريقة للامساك بالذرة وتحريكها إلى المكان المطلوب، وفي الحقيقة تمكنت شركة صناعة الحواسيب المتطورة IBM في العام 1990 من كتابة أسم الشركة على سطح بلورة من النيكل بواسطة ترتيب 35 ذرة من ذرات عنصر الزينون وأستخدم علماء شركة IBM في ذلك جهاز المجهر الذري (atomic force microscopy).
2ـ تتلخص المرحلة الثانية بتطوير آلات نانوية تسمى الراصف (أو ما يعرف بالمجمع assembler) ، تبرمج مسبقاً لتتحكم في الذرات والجزيئات،وحيث أن مجمع واحد يحتاج إلى الاف السنين ليصنع مادة من نوع واحد من الذرات لذلك فإن المطلوب هو ملايين من هذه المجمعات تعمل مع بعضها البعض لتصنع جهاز أو آلة أو مادة.
3ـ ليتمكن العلماء من تطوير ملايين الرواصف (المجمعات) فإن أجهزة نانوية تسمى المستنسخات (Replicators) تكون مبرمجة لتبني هذه المجمعات. نستنتج مما سبق أن التقنية النانوية تحتاج إلى بلايين من المستنسخات لبناء البلايين من  المجمعات وهذه لن يزيد حجمها عن مكعب بحجم 1 ميليمتر مكعب والتي بدورها تتحكم في الذرات. ولكي لا نندهش فهذا كله لن يرى بالعين المجردة وهذا يعني أن أيدي عاملة من نوع جديد بانتظارنا! للولوج إلى عالم الصناعات والتقنيات على اختلافها.

4- تطبيقات علم التقنية
فائقة الصغر:
إن ظهور مصطلح التقنية فائقة الصغر (التقنية النانوية) في عام 2004، ساهم بشكل غير منقطع النظير إلى التعريف بكونها تكنولوجيا تصنيع أدوات ومكائن حجمها جزء من مليون جزء من الميليمتر! وأن الذرات هي العناصر الأولية التي تكون الأشياء في الطبيعة وفي نفس الوقت هي العناصر الأولية في هذه التقنية.
ونظراً لحصول تطورات هائلة في العلوم البيولوجية والطبية بما يمكننا من تخيل حجم خلية في جسم إنسان؟ وما هي العمليات المعقدة التي تقوم بها؟ لذا لن يكون عسيراً على حضارة اليوم تصنيع منتجات بتقنية النانو خلال العشر سنوات القادمة. فعصر التكنولوجيا فائقة الصغر تغزو جميع المجالات لتصنع ما لا تراه العين المجردة كون اعتمادها على الذرات. فهذه الذرات وبسبب التجاذب أو بسبب تكامل أشكالها في عملية تركيبية تعد الأساس المتين لصناعة تقنية النانو،

حيث سيحتاج العلماء لصنع آلات راصفة (مجمعة) للذرات وآلات تصنع هذه الرواصف (المجمِّعات). كما سيتمكن الإنسان من إعادة صناعة المجوهرات والماء والطعام والأدوات الاستكشافية التي تبحر في جسم الانسان وتحارب خلايا السرطان وتستأصلها وتلاحق الرواشح (الفيروسات) وتقوم بعمليات معقدة طبية وعلاجية وتجميلية وتصويرية دون الحاجة إلى الجراحة والنواظير الداخلية وقد لا تنتهي من تخمين ما يمكن ان يحدث!

أن منتجات التقنية النانوية أدوات لا تنتج التلوث ولا تحتاج كثير من المساحة ولكن تحتاج إلى كوادر جديدة للتعامل مع أجسام النانو وأجهزة دقيقة حتما ستغير وجه عالمنا في مستقبل الأيام. ويمكن من خلال تقنية النانو صنع سفينة فضائية في حجم الذرة يمكنها الإبحار في جسد الإنسان لإجراء عملية جراحية والخروج من دون جراحة، كما تستطيع الدخول في صناعات الموجات الكهرومغناطيسية التي تتمكن بمجرد تلامسها بالجسم على إخفائه مثل الطائرة أو السيارة ومن ثم لا يراها الرادار ويعلن اختفاءها. كما تتمكن من صنع سيارة في حجم الحشرة وطائرة في حجم البعوضة وزجاج طارد للأتربة وغير موصل للحرارة وأيضا صناعة الأقمشة التي لا يخترقها الماء بالرغم من سهولة خروج العرق منها.

لذلك تهتم التقنية فائقة الصغر (التقنية النانوية أو ما يعرف بالنانوتكنولوجي) بتصنيع الآلات والأدوات و المواد إلى الدرجة النانوية وتطوير أساليب الانتاج والتحليل النانوي. لذلك يمكن مقارنة حجم الجسيم النانوي بحجم كرة القدم بالنسبة لحجم الكرة الأرضية. فكما بينا سابقاً بأصل كلمة نانو في اللغة اليونانية والتي تعني عالم الأقزام الخرافي المتناهي في الصغر، وعليه فان منتجات واستخدامات علم التقنية النانوية هو أشبه بعالم المخلوقات الخرافية غير قابلة للملاحظة بالعين المجردة، حيث تسري فيه قوانين ميكانيك وفيزياء الكم.

الطب وعلوم الحياة:
نجح أحد العلماء في إنشاء آلة نانومترية يمكنها إجراء حسابات منطقية بسيطة واستعملت في التحكم في ثماني آلات نانومترية أخرى وهي بذلك تحاكي واحدة من أبسط وظائف المخ وهي التحكم بالأطراف, هذه الآلة عرضها لا يتجاوز عرض شريط المادة الوراثية (الكروموسوم DNA )، وهذا قد يماثل أصغر مخ في العالم تقريباً.
أدت التجارب العلمية والتي استمرت لسنوات عديدة إلى الحصول على ما يعرف بالقنابل النانوية والتي تهدف إلى تفجير الخلايا السرطانية، حيث طور علماء من مركز السرطان (ميموريان كيتيرنج) الأمريكي قنابل مجهرية ذكية تخترق الخلايا السرطانية، وتفجرها من الداخل. كذلك استخدم العلماء بقيادة (ديفيد شينبيرج) التقنية النانوية في إنتاج قنابل فائقة الصغر والدقة، ومن ثَم استخدامها في قتل الخلايا السرطانية في فئران المختبر. وعمل العلماء على تحرير ذرات مشعة من عنصر (أكتينيوم – 225) ترتبط بنوع من الأجسام المضادة ضمن ما يعرف بـ(قفص جزيئي)، ونجحت هذه الذرات في اختراق الخلايا السرطانية ومن ثم في قتلها.

ومن التطبيقات المشهوره لهذا العلم هو ما توصلت إليه عالمة الأبحاث الأمريكية الدكتورة ناعومي في مجال علاج السرطان باستخدام كرات سيليكون مغلفه بطبقة من الذهب حجم الكرات 120 نانومتر لتدمير الخلايا السرطانية بمساعدة ليزر الأشعة تحت الحمراء فالميزه عن العلاج بالإشعاع و العلاج الكيمياوي ان في الحالتين يتم تدمير الخلايا المريضة والسليمة لكن الجديد أن كرات السيليكون هذه تدمر خلايا السرطان فقط.
وحديثاً طرحت أفكارا كبيرة تهتم بتطوير العلوم البيولوجية والطبية تعتمد بشكل أساس على علم البيونانوتكنولوجي لتصنيع (روبوت) بمقاييس وأبعاد نانومترية وتطويره بشكل يتلاءم والغرض المطلوب منه. ولا بد لنا هنا أن ننوه للقارئ الكريم أننا نتكلم ضمن مقاييس تقارب مقاييس الرواشح (الفيروسات), أو أحجام بعض الإنزيمات (الانظيمات) المعقدة التركيب. وعلى سبيل المقارنة لمعرفة مدى ضآلة حجم الفيروس (وبالتالي الأبعاد النانو مترية). فمثلاً متوسط حجم فيروس مقارنة بمتوسط حجم البرغوت, يقارب مقارنة طول إنسان عادي طوله 175 سم بجبل يعادل ارتفاع جبل ايفرست مرتين (ارتفاع جبل ايفرست 8848 متر يعني مقارب من 9 كيلو متر), وهذا يعني 18 كيلومتر مقارنة بـ 175 سم.

كما قامت الصين فعلاً بتصنيع روبوت بحجم كبسولة, يتم بلعها, لتقوم الكاميرا الداخلية لها بتصوير أجزاء الإنسان الداخلية, ويتم التحكم بها لاسلكياً، ويتم من خلالها معرفة وجود إصابات وموقعها بالتحديد. وتعكف حالياً على إمكانية العلاج باستخدام نفس الروبوت أو روبوت آخر.

علوم الهندسة والمعلوماتية والحاسوب:
الأمر الفريد في مقياس النانو (Nano Scale) هو أن معظم الخصائص الأساسية للمواد والآلات كالتوصيلية والصلابة ودرجة الانصهار تعتمد على الحجم (size dependant) بشكل لا مثيل له في أي مقياس آخر أكبر من النانو، فعلى سبيل المثال السلك أو الموصل النانوي الحجم لا يتبع بالضرورة قانون أوم (Ohm Law) الذي تربط معادلته التيار والجهد والمقاومة, فهو يعتمد على مبدأ تدفق الالكترونات في السلك كما تتدفق المياه في النهر، فالالكترونات لا تستطيع المرور عبر سلك يبلغ عرضه ذرة واحدة بأن تمر عبره إلكتروناً بعد الآخر. إن أخذ مقياس الحجم بالاعتبار بالإضافة إلى المبادئ الأساسية للكيمياء والفيزياء والكهرباء هو المفتاح إلى فهم علم النانو الواسع الاتجاهات.

ولكي ندرك الموضوع بشكل أفضل فلنتخيل شيئا في متناول أيدينا وعلى سبيل المثال مكعب طول ضلعه متر واحد ذا لون أصفر لامع ولنقطعه بأداة ما طولاً وعرضاً وارتفاعاً؛ سيكون لدينا ثمانية مكعبات طول ضلع الواحد منها 50 سنتيمترا، وبمقارنة هذه المكعبات بالمكعب الأصلي نجد أنها ستحمل جميع خصائصه كاللون الأصفر اللامع و النعومة وجودة التوصيل ودرجة الانصهار وغيرها من الخصائص ماعدا القيمة النقدية بالطبع، ثم سنقوم بقطع واحد من هذه المكعبات إلى ثمانية مكعبات أخرى، و سيصبح طول ضلع الواحد منها 25 سنتيمترا وستحمل نفس الخصائص بالطبع، وسنقوم بتكرار هذه العملية عدة مرات وسيصغر المقياس في كل مرة من السنتيمتر إلى المليمتر وصولاً إلى المايكرومتر, وبالاستعانة بمكبر مجهري وأداة قطع دقيقة سنجد أن الخواص ستبقى كما هي عليه وهذا واقع مجرب في الحياة العملية, فخصائص المادة على مقياس المايكرومتر فأكبر لاتعتمد على الحجم ((Not size dependant عندما نستمر بالقطع سنصل إلى ما أسميناه سابقا مقياس النانو، وعند هذا الحجم ستتغير جميع خصائص المادة كلياً بما فيها اللون والخصائص الكيميائية، وسبب هذا التغير يعود إلى طبيعة التفاعلات بين الذرات المكونة لعنصر معين،

ففي الحجم الكبير من الذهب مثلا لا توجد هذه التفاعلات في الغالب, ونستنتج من ذلك أن الذهب ذا الحجم النانوي سيقوم بعمل مغاير عن الذهب ذي الحجم الكبير. وكما ان اختلاف الترتيب يؤدي إلى اختلاف الخصائص فان الحجم من الماده يؤثر في الخصائص فإن الألومنيوم إذا أخذنا منه قطعة 30 نانومتر يمكن لهذه القطعة أن تنفجر ويدرس بعض العلماء استخدامه في وقود الصواريخ.

في هذه الصورة رقم (1) نلاحظ وجود ترس لجزء من محرك تم إنتاجه بتقنية النانو بحجم حبيبة غبار وفوقه حشرة وهذا يوضح أن العلماء يستطيعون صنع آلات صغيرة بصغر حبيبة الغبار! (حجم حبيبة الغبار يوازي حجم ربع نقطة عادية على الصفحة) هذا المثال جزء فقط مما يمكن لهذه التكنولوجيا أن تحقق.
إن مساحة هذا المصنع ـ صورة رقم (2) ـ ستبدو في غاية الغرابة بالنسبة للقرن الواحد والعشرين، ففي العشرين سنة القادمة ستصبح الآلات أصغر حجماً وربما الآلاف من تلك الأجهزة لن يزيد طولها عن 10 سنتمترات إذا ما وضعت بجانب بعضها البعض. هذه الآلات تسمى آلات النانو (Nanomachines) حيث تعتمد هذه الآلات على التحكم في ترتيب الذرات أو الجزيئات.
ومن الجدير بالذكر وعلى سبيل

المقارنة بلغت مساحة شركة هنري فورد لتصنيع السيارات حوالي 8000 متر مربع في ولاية ميشيغان الأمريكية في القرن العشرين. استخدمت كل هذه المساحة لتصنيع السيارات على مسار طويل طوله 144 كيلومتر ليتخصص كل جزء من هذا المسار في مرحلة من مراحل تصنيع وتجميع السيارات.  واعتبر هذا المصنع من أكثر مصانع السيارات كفاءة، حيث كان يمتلك أكبر مساحة مخصصة للعمل.

كما استطاع العلماء من الاستفادة من ترتيب ذرات الكربون في شكل خيط تتخطى صلابته صلابة مادة الكيفلار والتي تستخدم في صناعة القميص واللباس الواقي، وساهمت التقنية النانوية في تصنيع وإنتاج خلايا شمسية رخيصة الثمن على عكس المتعارف عليه بمدى ارتفاع أسعار هذه الخلايا فباستخدام النانو تكنولوجي يمكن بمجرد خلط الزجاج ومواد كيميائية بمئات الدولارات وتغطية أي طبقة زجاج بهذه الماده يتكون لدينا خلية شمسيه. كما تمكنت شركة نانوسولار من تصنيع خلايا شمسيه مرنه بتغطيتها بطبقة من الجزيئات النانو الدقيقه. وقد تمكن العلماء والباحثين من تصنيع وإنتاج أنابيب كربونية بمقاييس نانو مترية والتي امكانات كبيرة جداً في الصناعة والطب وغيرها من العلوم الهندسية الآخرى.

وتسعى مختبرات ومصانع شركة IBM إلى دور ريادي في ما يعرف بتقنية التصغير، حيث تهدف أبحاث شركة IBM في مجال تكنولوجية التصغير إلى تصميم مكونات وهياكل ذرية جديدة على المستوى الجزيئي لتحسين تقنيات المعلومات، بالإضافة إلى اكتشاف وفهم أساسها العلمي. ومن خلال الإبداع وزيادة تطوير تقنية التصغير أو النانو، استطاع علماء شركة IBM وضع دراسات لهذه التقنيات على مستوى النانو أو التقنية القزمية. وعلى وجه التحديد، فإن الأنابيب الكربونية المصغرة ومسبار الفحص الذي تم إنتاجه بمساعدة من مجهر (ميكروسكوب) الطاقة الذرية يقدم وعداً بتمكين تحسين الدوائر ووسائل تخزين البيانات. ويؤدي البحث في جزيئات النانو إلى تطبيقات في الطب الطبيعي بالإضافة إلى التخزين على القرص الصلب للكمبيوتر. ومما يذكر أن الأبحاث في مجال تخزين المعلومات بواسطة تكنولوجية النانو الميكانيكية، مثل مشروع شركة IBM الذي أطلق عليه (Millipede) سوف تستمر في زيادة احتمالات زيادة كثافة التخزين الهوائي.

علوم البيئة والتربة:
لقد دخلت تقنية فائقة الصغر (التقنية النانوية) مجال علوم البيئة والتربة وأبدع العلماء والباحثين في التقنية النانوية أيما إبداع فقد عملوا شجرة اصطناعية تحل الأزمة البيئية وتنقّي التربة بتقنية (نانوتكنولوجي). فهي في الأساس شجرة اصطناعية من ألياف، ومع ذلك تستطيع أن تؤدي مهمات الشجر، خصوصاً امتصاص المياه والعناصر من التربة ورشحها خارجاً. فقد أعلنت عنها جامعة (كورنيل) الأميركية التي أنشأت فرعاً لها في (واحة العلوم) في دولة قطر. واستطراداً لما ذكر في أعلاه، لربما حملت هذه الشجرة الاصطناعية الأولى بشارة بإمكان (استنباتها) في مناطق من الصحراء تكمن المياه في أعماقها بحيث يصعب استخراجها بالحفر. وفي المقابل من الممكن مدّ جذور هذه الشجرة إلى تلك المياه الغائرة، بحيث ترتفع تلقائياً فتصل إلى الأوراق، وتنشر طراوتها في الجو. ويبدو أن لحظة تحقيق الحلم العلمي بـ(زراعة اصطناعية) حانت، مع إعلان جامعة (كورنيل) أن البروفسور أبراهام سترووك توصّل إلى صنع شجرة اصطناعية تتكون من (ورقتين) بحجم اليد، تتكوّن أليافها بصورة أساسية من لدائن مرنة قادرة على امتصاص الماء ورشحه، تشبه إلى حدّ ما المواد المستعملة في صنع الأنواع المتطورة من العدسات اللاصقة. وجاء الإنجاز العلمي في سياق تحضير مشروع رسالة دكتوراه بإشراف سترووك.

وتمثّلت الخطوة الأبرز في تطويع تلك اللدائن في أغشية رقيقة تُمرّر الماء دخولاً وخروجاً، كما تستطيع (شفط) الماء من الأسفل إلى الأعلى، فيصل إلى أطراف أغصانها الوارفة. واللافت أن سترووك استخدم التقنيات النانوية (ونذكر هنا أشياء تتعامل مع أشياء بحجم واحد من مليون من الملليمتر وأصغر) لصنع أنابيب دقيقة تشبه الأوعية التي تحمل النسغ الطبيعي إلى الشجر. وبيّن سترووك أن نجاح شجرته يبرهن أن امتصاص الشجر طبيعياً للماء ورشحه، يشكّل عملية فيزيائية محضة، لا تتدخل فيها أي عملية بيولوجية، ولا تحتاج إلى الطاقة. وفي منحى علمي بحت، يعتبر صنع أنابيب تستطيع رفع المياه عالياً ولمسافات طويلة من دون استهلاك الطاقة، إنجازاً علمياً كبيراً، بل إنها المرة الأولى التي استطاع العلماء تحقيق هذا الأمر. Nano flower bouquet.

وأوضحت الجامعة أن الشجر الاصطناعي يمكنه أن يقدم حلولاً لمسائل تتعلق بانتقال الحرارة وبالتالي تطوير علم الديناميكية الحرارية، مثل تدوير المياه في المباني الضخمة للتبريد، ما يخفض استهلاك الطاقة والوقود الذي يستخدم في رفع الماء وتدويره. كذلك بيّنت (جامعة كورنيل) أن من المستطاع استعمال الأنابيب (النانوية) التي صنعها برووك في تبريد الحواسيب، ما يساهم في تبديد السخونة الزائدة في الكومبيوتر الذي يُبرد بواسطة مراوح صغيرة. إذاً فهل تحمل هذه الشجرة بداية حلّ يساهم في التغلّب على الأزمة البيئية التي يتخبط فيها العالم حالياً وتتمثل في ارتفاع حرارة الأرض والتلوث والتصحّر؟
وفي إنجاز لاحق يؤكد فيه الباحثين دور التقنية النانوية ليس في علوم البيئة والزراعة فقط وإنما امتد ليرتبط بالفنون حيث نجح علماء فيزيائيون في بريطانيا، في زراعة أوّل أزهار وأشجار مجهرية، في ما عده بعضهم مثالاً على إمكانية التصالح بين العلم والفن.
إذ تُعتبر مجموعة من الصور المجهرية الفوتوغرافية (لأزهار وأشجار) صغيرة جداً لا يتجاوز حجمها واحد على ألف من عرض شعرة الإنسان؛ من بين الصور الأكثر إثارة للدهشة التي يبتكرها العلماء اليوم في مجال علم التكنولوجيا المجهرية في جامعة كمبردج، ونشرت في مجلة (نانوتكنولوجي) التي يصدرها معهد الفيزياء من قبل إحدى طلبة الدكتوراه. وقد أطلقت على بعض أفضل صورها أسماء الباقة المجهرية، والأشجار المجهرية والأزهار المجهرية بسبب تماثلها الغريب مع بنى عضوية معروفة مثل الرؤيس والشجرة الصغيرة النامية. وهي تعمل على ابتكار أنواع جديدة من المواد مبنية على التكنولوجيا المجهرية وليست هذه (الأزهار) سوى مثالٍِ عن هذه المواد الجديدة. Nano tree and flower

فالأسلاك مجهرية الحجم مثلاً، التي لا تتجاوز واحد على ألف من قطر شعرة الإنسان، المصنوعة من مادة السيليكون الكربوني (كربيد السيليكون)، تُنتج من قطيرات لمعدن سائل (الجاليوم) على سطح سيليكوني. وهي تنمو كغاز يحوي دفق من الميثين فوق السطح. ويتفاعل الغاز على سطح القطيرات ويتركّز ليشكّل الأسلاك. ومن خلال تغيير درجة حرارة عملية النمو وضغطها؛ يمكن دمج الأسلاك بصورة طبيعية ببعضها بعضاً، لتؤلّف مجموعة من البنى الجديدة تتضمّن تلك المواد الشبيهة بالأزهار. ويقول البروفيسور مارك ويلند، المسؤول عن مختبر العلوم المجهرية في كمبردج، والمشرف على عمل طالبة الدكتوراه جيم واي هو (سيكون لهذه البنى الفريدة التي تظهر في هذه الصور مجموعة مثيرة من التطبيقات. ومن بين هذه التطبيقات التي يتمّ استكشافها حالياً، استعمال هذه الأسلاك كطلاء صادّ للماء وكقاعدة لنوع جديد من الخلايا الشمسية).
وأضاف ويلند (لقد بييّنا حتى الآن عملها كطلاء، إذ أنّ قطرات الماء تنزلق عن هذه السطوح متى كانت مائلة، حتى لو لم تزد زاوية انحدارها على 5 درجات. ويأتي ذلك كنتيجة مباشرة لقدرة هذه السطوح ذات البنى المجهرية على صدّ المياه)، حسب توضيحه.
أما الدكتور بول دانيلسن، مدير وحدة التعاون والتواصل في معهد الفيزياء فيقول، (يمكن أن يكون العلم جميلاً. فهذه الصور تظهر نتائج متطوّرة جداً للبحوث في مجال التكنولوجيا المجهرية، لكنها في الوقت نفسه صور رائعة الجمال بحدّ ذاتها)، ويخلص إلى القول: (ربما يشير ذلك إلى أنّ العلم والفن لا يقعا على طرفي نقيض).

5- المخاطر المحتملة لعلم النانوتكنولوجي:
يعتبر عصر التلفزيون والكمبيوتر والطائرة من أهم مظاهر التطور والتحضر في القرن العشرين ولكن عصر التقنية النانوية هو المستقبل الذي ينتظرنا بكل ما يحمل من تكنولوجيا لها ميزاتها ومخاطرها. وفي خبر لافت للنظر، حملت الصحف نبأ صغيراً، ولكنه مثير، عن استقالة بيل جوي، مهندس الكومبيوتر الشهير من شركة (صن مايكروسيستمز Sun Microsystems)، الذي أعلن أنه يريد أن يتفرغ لأمور (أكثر أهمية) من الكومبيوتر والشبكة الدولية )الانترنت(. ولعل مُتابِعي جوي حدسوا ان الرجل لم يعد يطيق صبراً على ما يراه (تهديداً بزوال الحضارة الإنسانية برمتها وبفناء الجنس البشري كاملاً)! ومن هذا المنطلق علينا أن نتفكر ملياً وبدون كلل حول مخاطر كل تقنية جديدة تدخل حياتنا ومن كافة جوانبها وأوسع أبوابها، وليس فقط الاهتمام بما تقدمه لنا هذه التقنية النانوية من امتيازات وتطورات وانجازات.
فآراء الرجل معروفة وذائعة وهو يرى أن الثالوث المُمَثَّل بعلوم الحواسيب (الكومبيوتر) والهندسة الوراثية (Genetic engineering) ونانوتكنولوجي (Nanotechnology) يسير بالإنسان صوب فناء محتم! وببساطة، يرى أن كلاً من الثلاثة يشبه علم القنبلة الذرية في قدرته على ابتكار ما يفني البشر. واستنادا إلى آرائه وقوله، تمثل العلوم الثلاثة (أسلحة دمار بالمعرفة). تقدر الوراثة على التلاعب بجينات الإنسان والطبيعة إلى حد الخطورة وتستطيع علوم الحواسيب إنتاج روبوتات متطورة وأكثر ذكاء من الإنسان تحل محله تدريجياً ثم (تطرده) من على وجه الأرض، وتمثل التقنية النانوية العلم الأشد قرباً إلى صنع ما يفني البشرية وحضارتها، وربما في طرفة عين!
وعوداً على بدء يتساءل عالم الرياضيات الأميركي أريك دريكسلر: هل أصبح ثقب الأوزون مهدداً للأرض؟ لنرسل إليه الرواصف (المجمعات) لاصلاحه. لكن ماذا لو حدث خلل ما لعمل الرواصف أو بالأحرى كومبيوتراتها؟ عندها بدل إصلاح ثقب الأوزون ربما زادت الرواصف في خرابه. ربما أزالت كل درع الأوزون الذي يقي الأرض من تدفق الإشعاعات المميتة. ما الذي يحدث عندها؟ في رمشة عين، يفنى كل ذي حياة على وجه الأرض، وتنتهي حضارة الإنسان كلها! هذا ما يحذر منه دريكسلر في كتابه سابق الذكر. ذلك احد المخاطر التي تؤرق دوماً بيل جوي. هل يمكن درء هذا الخطر؟ الجواب رهن المستقبل. وعلينا أن نتذكر أن الخطر يتوقف على إرادتنا في ميزان العيش بسلام أو نقع تحت تأثير العوامل السياسية والاقتصادية وغيرها من عوامل إحكام السيطرة التي تتبعها الدول الأكثر تقدماً في العالم.

6- التوجهات المستقبلية لعلم
التقنية النانوية:
تعتمد التقنية النانوية على التشبيك والتنسيق بين العلوم البيولوجية والفيزيائية والكيميائية والميكانيكية والإلكترونية وعلم المواد وتقنية المعلومات وذلك من أجل دراسة الهياكل البنائية للمواد الحية وغير الحية، وكما حدث في القرن العشرين من تبدل في حياة الشعوب كنتيجة لثورة المعلومات والاتصالات بدأت علائم تبدل جذري جديد بالظهور بفعل التطور الهائل في مجال التكنولوجيا النانوية والبيولوجية والنانوبيولوجية والميكروية والبصرية. إن الطلب على المنتجات النانوية آخذاً بالازدياد والنمو، فقد بلغ معدل الإنفاق العالمي على المجال النانوي حوالي 54 مليار يورو في عام 2001 ، هذا وتشير التوقعات بأن هذا المبلغ سوف يتضاعف أربعة مرات حتى عام 2010.
لقد تنبّأ العلماء بمستقبل واعد لهذه التقنية، التي بدأت بشكل حقيقي عام 1990، والتي باتت الدول الصناعية تضخ الملايين من الدولارات من أجل تطويرها، وقد وصل تمويل اليابان لدعم بحوث (الناتو تكنولوجي) لهذا العام إلى بليون دولار، أما في الولايات المتحدة فهناك أربعة آلاف عالم أميركي لديهم المقدرة على العمل في هذا المجال، وتقدّر الميزانية الأميركية المقدّمة لهذا العلم بتريليون دولار حتى عام 2015.
ويخشى بعض العلماء من استخدام مثل هذه التقنيات لأغراض لا إنسانية. وبحسب العالم نبيل جوي (هي تقنية مبيدة، عديدة المخاطر يمكن أن تؤدّي لظهور (جود الرمادي) وهو عبارة عن آلة متقدّمة تكنولوجياً، دقيقة الحجم، تستطيع أن تستنسخ نفسها، كما تفعل الكائنات الحيّة الدقيقة، وتتحوّل إلى جحافل من التجمّعات الآلية الصغيرة، تقتلع أي شيء في طريقها، وتبيد كل أشكال الحياة على وجه الأرض؛ ويتوقع المراقبون أن تُشعل التقنية النانوية سلسلة من الثورات الصناعية خلال العقدين القادمين حيث ستؤثر في الحياة بشكل كبير.
ونؤكد هنا حول المبالغ التي تبذلها الدول الصناعية في أوروبا واليابان و الولايات المتحدة من ملايين الدولارات من اجل تطوير تطبيقات تعتمد على التقنية النانوية. ففي العام 2001 خصصت الولايات المتحدة أكثر من 497 مليون دولار للتقنية النانوية واستخداماتها، هذا وقد تضاعف المبلغ المخصص لأبحاث النانوتكنولوجي في الأعوام اللاحقة، كما ان شركات الحاسوب الكبرى المتهمة بالبحث العلمي، مثل (هيولت باكارد HP) و (آي بي أم IBM) و(ثري أم 3M) تقوم بتخصيص ما يصل إلى ثلثي المبالغ المخصصة للبحوث العلمية في حقل التقنية النانوية.
وقد اهتمت عدة مجالات علمية بأبحاث التقنية النانوية وطرحت على صفحاتها عدة تقارير حول نجاح العلماء في التوصل لأولى المنتجات التطبيقية المعتمدة على التقنية النانوية، ولقد بات في الإمكان وصولها للأسواق في غضون السنوات القليلة القادمة وسوف نعرض بعض من هذه التطبيقات وهي على النحو التالي:
1ـ نجح الباحثون الألمان و اليابانيون في إنتاج مسحوق نانوي عبارة عن ذرات ذهبية دقيقة للغاية وذلك لأجل تنظيف دورات المياه دون بذل جهد.
2ـ معالجة المياه الآسنة والنفايات السائلة الناتجة عن المصانع و ذلك عن طريق ضخ جزيئات نانوية عبر التربة لتصل بذلك إلى أماكن توجد النفايات بغية هدمها وتحويلها إلى مواد غير ضارة عبر تفاعلات كيميائية خاصة.
3ـ تمكن علماء ألمان من اكتشاف وسيلة نانوية جديدة بغية حفظ المخطوطات القديمة وحمايتها من التلف وتأثير العوامل الخارجية.
4ـ في عالم الميكانيك الهندسي حقق الباحثون نتائج مذهلة في مجال السيطرة على عمليات الاهتراء والصدأ والتآكل الميكانيكي والكيميائي، وكذلك في مجال التغلب على الاحتكاك الميكانيكي حيث أنه سيتم الاستغناء عن مواد التزييت والتشحيم، وهذا ما يساعد على إطالة عمر الآلة وزيادة كفاءتها.
5ـ في مجال صناعة السيارات تم استخدام طرق ومواد نانوية جديدة في مجالات الطلاء والتغليف والعزل والمساهمة في تخفيف وزن السيارات وزيادة صلادتها وبالتالي تخفيض مصروفها من الوقود. وهناك العديد من الأبحاث في مجال تطوير وتصنيع عجلات السيارات والتي ستكون لها خاصية التلاؤم الأوتوماتيكي مع ظروف الطقس وطبيعة الأرض والعوامل الخارجية الأخرى.
6ـ تمكن الباحثون الألمان من تخزين المعلومات في ذرات قليلة وقراءتها، وإذا ما استمر النجاح في هذا الاتجاه فإنه سيصبح قريباً من الممكن تخزين كل ما تم إنتاجه من الأدب العالمي على رقاقة بحجم الطابع البريدي.
7ـ لقد فتحت التقنية النانوية آفاقاً جديدة في المجال الطبي والتداخل الجراحي، فهناك دراسات عديدة من أجل تطوير روبوتات نانوية والتي يمكن إرسالها إلى الجسد للتعرف على الخلايا المريضة وترميمها وكذلك للتعرف على محرضات الأمراض ومعالجة الأمراض المستعصية والأورام الخبيثة.
8ـ في عالم الأدوية توصل العلماء الأمريكيون إلى طريقة علمية جديدة لمكافحة البكتيريا القاتلة التي طورت مقاومة ضد المضادات الحيوية، والبكتريا المحورة وراثيا المستخدمة عادة في الحرب البيولوجية. ويعتبر هذا النوع الجديد من الأدوية الذكية بديل غير مسبوق للمضادات الحيوية، ويساعد على حل مشكلة مقاومة هذه الأنواع البكتيرية للأدوية. هذه النوع الجديد من الأدوية التي تعرف بالنانوبيوتيكس (Nanobiotics) من باكورة الإنتاج الطبي لعلم النانوتكنولوجي.

9ـ في المجال العسكري تم في الولايات المتحدة الامريكية وبمبلغ تم تقديره بأكثر من 50 مليون دولار أمريكي تأسيس معهد البحوث التكنونانوية العسكرية (Institute for Soldier Nanotechnologies; ISN)، بحيث أن جندي المستقبل سوف يرتدي بزة عسكرية ذكية مصنوع من مواد تكنونانوية ومجهزة كومبيوتريا والتي ستقيه من الحرارة و البرودة والإشعاع و موجات الضغط وفي الوقت نفسه خفيفة الوزن ومريحة في التنقل. هناك تجارب ودراسات حول إمكانية تلاؤم الجنود مع المحيط الذي يتعاملون معه مثل إمكانيات القفز عبر جدران عالية وإمكانية المعالجة الذاتية للجروح.

إن الأمثلة التي تم طرحها فيما سبق لا تشكل سوى غيض من فيض تطبيقات التقنية النانوية والتي بدأت برسم ملامح المستقبل القادم. وما زالت تتسرب من وقت لآخر، معلومات عن مشروعات طموحة تجرى في عدد من مراكز البحث الدولية، منها فكرة لبناء محركات في حجم الخلية البكتيرية، تدير آلات مجهرية أو (فوق مجهرية)، قادرة على التقاط جزيئات من المواد في البيئة المحيطة، ومعالجتها، تخلصاً من جوانب غير مرغوب فيها، أو تعظيماً للفائدة في جوانب أخرى، ومن المتوقع أن تزيد الاستثمارات في هذا الحقل العلمي الفريد الذي سيحدث ثورة صناعية جديدة في المستقبل القريب.

7- الاستنتاجات:
1ـ تأسيس مركز نانوتكنولوجي يهدف إلى إجراء أبحاث ذات صلة وأثر على تطور الصناعة في مجالات الطب وعلوم الحياة والطاقة الشمسية وتحلية المياه، واستخدام تكنولوجيا المعلومات وغيرها من المجالات العلمية ذات الصلة.
2ـ توفير أجيال من الباحثين المتخصصين في التكنولوجيا فائقة الصغر لخدمة أهداف البحث العلمي والتطوير، وتنمية المهارات المطلوبة في شتى مجالات الحياة المختلفة، والتي تتجه نحو الخدمات العالمية.
3ـ يسمح تأسيس هكذا مراكز علمية وبحثية متقدمة للعقول المهاجرة بالعودة إلى أرض الوطن للعمل فى بلدها للإبداع والابتكار، وبالتالي تطوير العلوم والاقتصاد والصناعة.
4ـ ازدياد توجه الحكومة والمؤسسات العلمية إلى الريادة في هذا المجال الحيوي والإبداعي بما يؤمن مستقبل أفضل للبلاد والمجتمع بشكل عام. والاطلاع على الأبحاث التي أنجزت في مختلف بقاع العالم الواسعة لمعرفة ما توصلت إليه آخر الأبحاث في هذا المجال.
وأخيراً وليس آخراً. . فهل سيقلب علم التقنية النانوية والذرة الأمور رأسا على عقب، وهو من العجائب فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم… نفعنا الله بهذا العلم وانجازاته ومنتجاته وكفانا شره .

نشرت في العدد 32

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.