Take a fresh look at your lifestyle.

منزلة أهل البيت (عليهم السلام) وحسد الناس لهم

0 1٬883

          لقد خلق الله الإنسان وزوده بعنصري العقل والإرادة، فبالعقل يبصر ويكتشف الحق ويميزه عن الباطل، وبالإرادة يختار ما يراه صالحًا له ومحققًا لأغراضه وأهدافه، ولكننا نرى كثيرًا من الناس قد عطلوا عقولهم ولم يفكروا إلّا من خلال زاوية واحدة، وتركوا ما فيه ضمان أكيد لإصلاح دنياهم وأُخراهم.

         وقد جعل الله العقل المميز حجةً له على خلقه، وأعانه بما أفاض على العقول من معين هدايته، فإنه هو الذي علَّم الإنسان ما لم يعلم، وأرشده إلى طريق كماله اللائق به، وعرَّفه الغاية التي خلقه من أجلها، وجاء به إلى هذه الحياة الدنيا من أجل تحقيقها.

         وأوضح القرآن الكريم بنصوصه الصريحة معالم الهداية الربانية وآفاقها ومستلزماتها وطرقها، كما بيّن لنا عللها وأسبابها من جهة وأسفر عن ثمارها ونتائجها من جهة أخرى، قال الله تعالى في كتابه الكريم: (قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(يونس:35).

           وقال تعالى: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(سبأ:6)، وقال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ الله)(القصص:50).

            فالله تعالى هو مصدر الهداية، وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان إلى الصراط المستقيم وإلى الحق القويم. وقد حمل الأنبياء وأوصياؤهم (عليهم السلام)، مشعل الهداية الربانية منذ فجر التاريخ وعلى مدى العصور والقرون، ولم يترك الله تعالى عباده مهملين دون حجةً هادية وعلم مرشدٍ ونور مضيء، كما أفصحت نصوص الوحي ـ مؤيدةً لدلائل العقل ـ بأن الأرض لا تخلو من حجة لله تعالى على خلقه، لئلا يكون للناس على الله حجة.

            لقد توج الله تعالى جهود الأنبياء وجهادهم المستمر على مدى العصور برسالة خاتم النبيين محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)، وحمّله الأمانة الكبرى ومسؤولية الهداية بجميع مراتبها طالبًا منه تحقيق أهدافها، وقد خطا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في هذا الطريق الوعر خطوات مدهشة، وحقق في أقصر فترة زمنية أكبر نتاج ممكن في حساب الدعوات التغييرية والرسالات الإصلاحية، وكانت حصيلة جهاده وكدحه ليل نهار خلال عقدين من الزمن ما يلي:

   1ـ تقديم رسالة كاملة للبشرية تحتوي على عناصر الديمومة والبقاء.

    تزويدها بعناصر تصونها من الزيغ والانحراف.

   3ـ تكوين أمة مسلمة تؤمن بالإسلام مبدأً وبالرسول قائدًا وبالشريعة قانونًا وحياة.

   4ـ تأسيس دولة إسلامية وكيان سياسي يحمل لواء الإسلام ويطبق شريعة السماء.

    تقديم الوجه المشرق للقيادة الربانية الحكيمة في قيادته (صلى الله عليه وآله).

              ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري:

  أ ـ أن تستمر القيادة الكفؤة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين يتربصون بها الدوائر.

  ب ـ أن تستمر عملية التربية الصحيحة باستمرار الأجيال على يد مُربٍّ كفوء علميًا ونفسيًا حيث يكون قدوة حسنة في الخُلق والسلوك كالرسول (صلى الله عليه وآله) يستوعب الرسالة ويجسدها في كل حركاته وسكناته.

           ومن هنا كان التخطيط الإلهي يحتم على الرسول(صلى الله عليه وآله) إعداد الصفوة من أهل بيته والتصريح بأسمائهم وأدوارهم لتسلم مقاليد الحركة النبوية العظيمة والهداية الربانية الخالدة بأمر من الله سبحانه صيانةً للرسالة الإلهية التي كتب الله تعالى لها الخلود من تحريف الجاهليين وكيد الخائنين، وتربية الأجيال على قيم ومفاهيم الشريعة المباركة التي تولّوا تبيين معالمها لكشف أسرارها وذخائرها على مرّ العصور، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها)(1).

           وتجلّى هذا التخطيط الرباني في ما نص عليه الرسول (صلى الله عليه وآله) بقوله: (إني مخلف فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، أيها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم)(2).

           وكان أئمة أهل البيت(عليهم السلام) خير من عيّنهم النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) بأمر من الله تعالى لقيادة الأمة من بعده، فأخذ الأئمة المعصومون (عليهم السلام) من بعده، يعملون على توعية الأمة وتحريك طاقاتها باتجاه إيجاد وتصعيد الوعي الرسالي للشريعة ولحركة الرسول (صلى الله عليه وآله)، فكانوا هم الأدلاء على الله تعالى ومرضاته، والمستقرين في أمر الله عز وجل، والتامّين في محبته، والذائبين في الشوق إليه، والسابقين إلى تسلق قمم الكمال الإنساني المنشود.

           وكنتيجة متوقعة أن يُحسد النبي وآله (عليهم السلام) على تلك المنزلة والتفضيل الإلهي من قبل اليهود وأتباعهم لأنهم (خسروا مقام النبوة والحكومة بظلمهم وكفرهم، لذلك لا يحبون أن يناط هذا المقام الإلهي إلى أي أحد من الناس، ولذا يحسدون النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الذين شملتهم هذه الموهبة الإلهية وأعطوا ذلك المقام الكريم وذلك المنصب الجليل)…: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ)(النساء:54)، ثم أن الله سبحانه يقول معقبًا على هذا: (فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا).

           والمراد من الناس في قوله: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ، هم رسول الله وأهل بيته (عليهم السلام)، …هذا مضافًا إلى أن كلمة (آلَ إِبْرَاهِيمَ) قرينة أخرى على أن المراد من (النَّاسَ) هو النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، وقد جاء التصريح في روايات متعددة وردت في مصادر الشيعة والسنة بأن المراد من (النَّاسَ) هم أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله).

          فقد روي عن الإمام الباقر(عليه السلام) في ذيل هذه الآية أنه قال في تفسيرها: (جعل منهم الرسل والأنبياء والأئمة فكيف يقرون في آل إبراهيم وينكرونه في آل محمد؟) وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق (عليه السلام) يجيب الإمام على من يسأل عن المحسودين في هذه الآية قائلًا: (نحن محسودون)(3).

  أولو الأمر

          فلما أشار إلى أهل البيت (عليهم السلام) في مثل هذه الإشارة التي أثبتت طهارتهم وأثبتت أنهم من النبي وأنهم لحمه ودمه وأنهم نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنهم الحجة، أوجب طاعتهم، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)(النساء:59)، يقول أطيعوا الله.. طاعته واجبة عز وجل ولا تحتاج إلى نقاش، مطلقة غير مشروطة (وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ) أيضاً لا تحتاج إلى نقاش، لأنها طاعة مطلقة غير مشروطة، فإذا قال: (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)، لاحظ لم يقل الله عز وجل (إن أطاعوا وأحسنوا)،

         هنا يتبين أن ـ أُوْلِي الأَمْرِ ـ المأمور بطاعتهم معصومين، لأن الله تعالى يطاع بغير قيد، لأنه لا يأمر إلّا بالحق والحكمة، لا نتوقع منه السهو والاشتباه والخطأ، وكذلك النبي (صلى الله عليه وآله) طاعته مطلقة بغير قيد، لاحظ قوله تعالى: (أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ) ويقول تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله) (النساء:80).

           هؤلاء إذاً كانوا أولي أمر عاديين أو خلفاء عاديين، إذ لم يقل أولي الأمر منكم ما أحسنوا، أو إن أحسنوا .. لكنه عز وجل أطلق طاعتهم ولم يقيد.

            إذن هؤلاء لهم طاعة مطلقة ولذلك قرنهم (صلى الله عليه وآله) بأمر الله تعالى وذلك قال (صلى الله عليه وآله): (فلا تتقدموهم فتهلكوا ولا تتخلفوا عنهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم)(4).

          عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: (أَطِيعُوا الله وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)، فَقَالَ (عليه السلام):

            نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ والْحَسَـنِ والْحُسَيْنِ (عليهم السلام) ـ وهذا ما فسره رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ
فَقَالَ فِي عَلِيٍّ: (مَنْ كُنْتُ مَوْلَاه فَعَلِيٌّ مَوْلَاه) وقَالَ (صلى الله عليه وآله): (أُوصِيكُمْ بِكِتَابِ الله وأَهْلِ بَيْتِي فَإِنِّي سَأَلْتُ الله عَزَّ وجَلَّ أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يُورِدَهُمَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَأَعْطَانِي ذَلِكَ. وقَالَ: لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ. وقَالَ: إِنَّهُمْ لَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ بَابِ هُدًى ولَنْ يُدْخِلُوكُمْ فِي بَابِ ضَلَالَةٍ…)(5).

          وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق عن أبيه الإمام محمد بن علي الباقر(عليه السلام) قال: أوصى النبي (صلى الله عليه وآله) إلى علي والحسن والحسين (عليهم السلام)، ثم قال في قوله عز وجل: (أَطِيعُوا الله وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)، قال: الأئمة من ولد علي وفاطمة (عليهما السلام) إلى أن تقوم الساعة(6).

  أجر الرسالة: مودة ذوي القربى

           عن عبد الله بن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين قدم المدينة واستحكم الإسلام قالت الأنصار فيما بينها: نأتي رسول الله فنقول له إن تعروك أمور فهذه أموالنا تحكم فيها غير حرج ولا محظور عليك فأتوه في ذلك فنزلت: (قُلْ لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (الشورى:23)، فقرأها عليهم وقال تودون قرابتي من بعدي فخرجوا من عنده مُسَلِّمين لقوله)(7).

           عن ابن عباس قال: لما نزلت: (قُلْ لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودتهم؟ قال: علي وفاطمة وولدهما(8).

             وهنا السؤال: لماذا قال المودَّة؟ ولم يقل المحبَّة في القربى؟

  هناك سببان:

  أولًا:

           إن المحبة قد تدّعى باللسان، لاحظ أهل السنة والجماعة يقولون نحن نحب سيدنا عليًا والحسن والحسين. من الذي يقول نحن لا نحب سيدنا عليًا والحسن والحسين؟..، المحبة تدّعى ولكن المودة لا تدّعى، لماذا؟ لأنك إذا وددت أحدًا مودّة حقيقية لا تحبه وتحب خصومه وأعداءه، ولا تطيب نفسك بذكر أعدائه.

  ثانيًا:

           إن المودة محبة زائدًا أثر يترتب عليها، أثر يعني إذا وددت المودود تبعت أثره، واقتديت به وتأسيت به، والمودة أقوى من المحبة، كل مودة محبة، ولكن ليس كل محبة مودة.

   الأئمة من ولدي

         (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الأئمة من ولدي فمن أطاعهم فقد أطاع الله ومن عصاهم فقد عصى الله هم العروة الوثقى والوسيلة إلى الله.

           قال بعض المحقّقين: إنّ الأحاديث الدالّة على كون الخلفاء بعده (صلى الله عليه وآله) اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة؛ … وإنّ مراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حديثه هذا: الأئمّة الاثنا عشر من أهل بيته وعترته.

          يقول القندوزي الحنفي معقبًا على هذا الحديث: فلا بد من أن يحمل هذا الحديث على الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترته (صلى الله عليه وآله) لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلهم وأورعهم وأتقاهم، وأعلاهم نسبًا، وأفضلهم حسبًا، وأكرمهم عند الله، وكان علمهم عن آبائهم متصلًا بجدهم (صلى الله عليه وآله) وبالوراثة واللّدنيّة، كذا عرفهم أهل العلم والتحقيق وأهل الكشف والتوفيق.

         ويؤيد هذا المعنى أي أن مراد النبي (صلى الله عليه وآله) الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته ويشهده ويرجحه حديث الثقلين، والأحاديث المتكثرة المذكورة في هذا الكتاب وغيرها)(9).

  بيعة الغدير

        وبعد هذا العناء والمعاناة التي استمرت طوال 23سنة، وكل ما تقدم خلال عمر الدعوة من إبراز أهمية أهل البيت (عليهم السلام) وتقديمهم على من سواهم، لقيادة الأمة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) باعتبارها خاتمة الرسالات، حتى إذا جاءت حجة الوداع، وبأمر من الله، ليعلن جهارًا نهارًا وبصريح العبارة التي لا تقبل التأويل من تعيين أول الأئمة تعيينًا رسميًا كخليفة على المسلمين، وقد نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)(المائدة:67)(10)،

           يعني يا رسول الله جهودك على مدى (23) سنة ستذهب سدًى إن لم تبلغ بإمامة وولاية وخلافة علي بن أبي طالب (عليه السلام).

            انظر إلى أهمية الإمامة والولاية، لذلك يقول هؤلاء الجهلة: إذا جعلنا الإمامة من فروع الدين وليست من أصول الدين، فيقولون ماذا يغير … ؟!.

            والأئمة (عليهم السلام) يقولون: (لَمْ يُنَادَ بِشَيْءٍ مَا نُودِيَ بِالْوَلَايَةِ يَوْمَ الْغَدِيرِ)(11)، لأن الدين يقوم على الولاية.

           ثم أخذ له البيعة من الحاضرين منهم في حجة الوداع. (فأخذ بيد علي، فقال (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. قال: فهذا ولي من أنا مولاه(12). ثم قال: (اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وابغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار)، (ألا فليبلغ الشاهد الغائب). ثم لم يتفرقوا حتى نزل (الأمين) وحلاه بقوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً

          ثم قال (صلى الله عليه وآله): (الله أكبر على كمال دينه، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي). ثم طفق القوم يهنئون (أمير المؤمنين) صلوات الله وسلامه عليه. وممن هنأه في مقدم الصحابة (الشيخان أبو بكر وعمر) كلٌ يقول: بخ بخ لك (يا ابن أبي طالب) أصبحت وأمسيت مولاي ومولا كل مؤمن ومؤمنة.

             وقال ابن عباس: وجبت والله في أعناق القوم.

            وقال حسان بن ثابت ـ وكان حاضرًا ـ: ائذن لي يا رسول الله أن أقول في (علي) أبياتًا تسمعها . فقال: قل على بركة الله. فقام (حسان) فقال:

     يناديهـم يـوم الغـدير نبيهـم                    بخم فاسمع بالرسول مناديا(13)

إلى أن قال :

     فقـال لـه قـم يا علي فـإنني                  رضيتك من بعدي إمامًا وهاديا

     هناك دعـا اللهمّ والِ ولـيّه                    وكـن للذي عادى عليًّا معاديـا

   رزية الخميس

          رزية يوم الخميس فإنها من أشهر القضايا، وأكبر الرزايا، أخرجها أصحاب الصحاح، وسائر أهل السنن، ونقلها أهل السير والأخبار كافة، ويكفيك منها ما أخرجه البخاري بسنده عن ابن عباس، قال: (لما حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ الوفاة ـ وفي البيت رجال، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): هلمّوا أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده. فقال بعضهم: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد غلبه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده، ومنهم من يقول غير ذلك، فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قوموا.. فكان يقول ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم..)(14).

           كانوا متفقين أنه تبليغ يتعلق بالإمامة أو الخلافة، شوشوا على النبي (صلى الله عليه وآله)، فلما وصل إلى كتابة الكتاب منعوه (قالوا إن الرجل ليهجر أو غلبه الوجع).

           إذن كانوا متفقين على منعه من الكتابة بكل ما أُوتوا من قوة حسدًا وبغضًا للنبي وآله.. وكان (صلى الله عليه وآله) يعلم أن هذه آخر سنة والأمر لابد أن يبلغه على أكمل وجه.

           والسؤال المهم: لماذا بقي هذا الركن معطلًا ؟ السبب هو الحسد والبغض لا غير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر: أعلام الهداية/ المجمع العلمي لأهل
البيت (عليهم السلام).
2) الأمالي/الشيخ الصدوق/ص 616.
3) تفسير الأمثل/ج3ص274.
4) مجمع الزوائد/الهيثمي/ج9ص164.
5) الكافي/الكليني/ج1ص287.
6) عيون أخبار الرضا/الصدوق/ج2ص13.
7) تفسير الأمثل/مكارم الشيرازي/ج15ص511.
8) شواهد التنزيل/الحسكاني/ج2ص189.
9) ينابيع المودة/القندوزي الحنفي/ج3ص293.
10) انظر: أسباب النزول/الواحدي/ص135.
11) الكافي/ الكليني/ ج2ص21.
12) سنن ابن ماجه/ ج1ص43.
13) الروضة البهية/الشهيد الثاني/ج7 شرح ص149.
14) صحيح البخاري/ج5 ص138.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.