لم يكن الخلاف حول مرجعية القرآن في المنظومة الإسلامية وليد السجالات أو التنظيرات المعاصرة، فالجذور التاريخية لهذا الخلاف تمتد زمنياً إلى ما قبل نشوء الفرق والمذاهب، وبالتحديد إلى الأيام الأخيرة من حياة رسول الله(صلى الله عليه وآله) عندما طرح البعض نظرية (حسبنا كتاب الله) بهدف ترسيخ مفهوم (أوحدية النص القرآني)، ولو بشكل مؤقت لتحييد أي مرجعية صحيحة يمكن أن تساهم في إنضاج الوعي الإسلامي الهش واستيعاب الصدمة التي سيخلفها رحيل رسول الله(صلى الله عليه وآله).
ولقد كان للمخططين ما أرادوا! فبعد نحو قرن من عمر الإسلام لم يجد المسلمون ـ الذين ابتعدوا عن أهل البيت (عليهم السلام) ـ أي مرجعية جامعة تحفظ العلاقة المتوازنة مع القرآن الكريم، مما ساهم في نشوء وتبلور المناهج التفسيرية التي اختلفت وتنوعت بحسب اختلاف المباني الفكرية للفرق والمدارس الإسلامية وتنوعها.
وإذا كان لكل مدرسة منهج تفسيري يميزها عن غيرها، فإن لأهل الحق (أهل البيت (عليهم السلام) منهجهم التفسيري الذي شددوا على ترسيخه في المنظومة الشيعية، وحذروا من اختراق المباحث التفسيرية الشيعية بمخلفات المدارس الأخرى ونظرياتها الساقطة التي تمثل مزيجاً من الأهواء الفاسدة والآراء الشخصية لبعض أشباه العلماء.
الخطوط العامة لمنهج أهل البيت (عليهم السلام) في التفسير
أول الخطوط العريضة التي يرسمها أهل البيت (عليهم السلام) في منهجهم التفسيري، هو التشديد الكبير على (حرمة التفسير بالرأي)، وقد أجمع العلماء والمحققون الشيعة على حرمة تفسير القرآن الكريم بالرأي، لكن (آراءهم) اختلفت في تعريف مفهوم (التفسير بالرأي)، وفي أدناه طائفة لأقوال أهم محققي الشيعة:
* السيد الخوئي (رحمه الله) في كتابه “البيان في تفسير القرآن ص269” يقول: (ويحتمل أن معنى التفسير بالرأي الاستقلال في الفتوى من غير مراجعة الأئمة (عليهم السلام)، مع أنهم قرناء الكتاب في وجوب التمسك، ولزوم الانتهاء إليهم، فإذا عمل الإنسان بالعموم أو الإطلاق الوارد في الكتاب، ولم يأخذ التخصيص أو التقييد الوارد عن الأئمة (عليهم السلام) كان هذا من التفسير بالرأي، وعلى الجملة حمل اللفظ على ظاهره بعد الفحص عن القرائن المتصلة والمنفصلة من الكتاب والسنة، أو الدليل العقلي لا يعد من التفسير بالرأي بل ولا من التفسير نفسه).
* السيد الطباطبائي (رحمه الله) يقدم تعريفاً يتلخص في كون التفسير بالرأي هو تفسير القرآن دون الرجوع للقرآن باعتباره مؤسس مشروع تفسير القرآن بالقرآن، فيقول في كتابه “الميزان 3\77”: (والمحصل أن المنهي عنه إنما هو الاستقلال في تفسير القرآن واعتماد المفسر على نفسه من غير رجوع إلى غيره، ولازمه وجوب الاستمداد من الغير بالرجوع إليه، وهذا الغير لا محالة إما هو الكتاب أو السنة، وكونه هي السنة ينافي القرآن ونفس السنة الآمرة بالرجوع إليه وعرض الأخبار عليه، فلا يبقى للرجوع إليه والاستعداد منه في تفسير القرآن إلا نفس القرآن).
* السيد محمد باقر الحكيم(رحمه الله) في كتابه ” تفسير سورة الحمد ص42″ يقول: هناك احتمالات ثلاثة في معنى (التفسير بالرأي)…:
الأول: إن المراد من التفسير بالرأي هو أن يفسر الإنسان النص القرآني اعتماداً على رأيه وذوقه الشخصي في مقابل الفهم العام للقرآن المتمثل بالظهور العرفي، والذي يعتمد على القرائن السابقة.
الثاني: أن يكون النهي الوارد على لسان الرسول(صلى الله عليه وآله) عن التفسير بالرأي هو كمعالجة لظاهرة برزت في زمن الرسول(صلى الله عليه وآله) في تفسير القرآن وبشكل محدد…
حيث ورد النهي آنذاك عن البحث في تفسير الآيات العقائدية أو التاريخية تأثراً بالديانات السابقة وفلسفاتها وتأريخها، كاليهودية والنصرانية والبوذية وغيرها، الأمر الذي أدى إلى ابتعاد بعض المسلمين عن المفاهيم القرآنية.
الثالث: وهو المعنى الذي ينسجم مع معنى (الرأي) في (مدرسة الرأي) في الفقه الإسلامي.. وقد انتقد أئمة أهل البيت(عليهم السلام) هذه المدرسة واتجاهها انتقاداً شديداً، وقد يشكل هذا الانتقاد الشديد للأئمة(عليهم السلام) قرينة على أن المراد من (التفسير بالرأي) المنهي عنه هو (الرأي) في هذه المدرسة باعتبار أنها تشكل اتجاهاً خطيراًً في الفقه الإسلامي..).
أقول : من الواضح أن ما ذكره هؤلاء الأعلام (رحمهم الله) من تعريفات تصلح كأمثلة لمفهوم التفسير بالرأي وتعدد الأمثلة قد لا يكون بحد ذاته تناقضاً، إلا أن اللافت أن أيًّا من تلك التعريفات لم يستند إلى دراسة تفصيلية لنصوص الروايات الواردة في هذا الشأن والتي جعلت (التفسير بالرأي) في مقابل (عدم الرجوع لأهل البيت(عليهم السلام) في التفسير) وهذه الروايات منصورة بطائفة أخرى اتفقت على (حصرية تفسير القرآن وتأويله بأهل البيت(عليهم السلام))، وطائفة أخرى ذكرت (تمايز النص القرآني عن كلام البشر)، وفي بعض تلك الروايات أمر صريح بوجوب التوقف عن إعطاء (الحكم التفسيري) في الآية بعد عدم الظفر بالرواية المفسرة لها، وفي ما يأتي استعراض لهذه الطوائف من الروايات:
أولاً: حرمة التفسير بالرأي
وهي نصوص تصل إلى حد (التواتر الإجمالي) وقد وردت بلسان متشدد قل ما يرد نظيره في الروايات الشريفة:
1ـ الشيخ الصدوق في كمال الدين 257 قال: عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (من فسر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب، ومن أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماوات والأرض، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى النار).
2ـ تفسير العياشي 1\17: عن هشام بن سالم (ثقة ثقة)، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: (من فسر القرآن برأيه فأصاب لم يؤجر، وإن أخطأ كان إثمه عليه).
3ـ المصدر السابق: عن أبي بصير (ثقة)، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: (من فسر القرآن برأيه، إن أصاب لم يؤجر وإن أخطأ فهو أبعد من السماء).
4ـ المصدر السابق: عن عمار بن موسى (ثقة)، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: سئل عن الحكومة قال: (من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر، ومن فسر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر).
5ـ أمالي الصدوق 56: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل(رحمه الله)، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم (ثقة)، قال: حدثنا أبي (ثقة بالاتفاق)، عن الريان بن الصلت (ثقة)، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين(عليهم السلام)، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): قال الله عز وجل: (ما آمن بي من فسر برأيه كلامي).
6ـ أمالي الصدوق 507: عن الباقر عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنه قال: (ومن أفتى الناس وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك).
7ـ في البحار: عنه(صلى الله عليه وآله): (من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ).
ثانياً: تفسير القرآن لا تبلغه عقول الرجال
1ـ البرقي في المحاسن 1\267: عن معلى بن خنيس (ثقة على التحقيق) قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): (ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله، ولكن لا تبلغه عقول الرجال). ورواه الكليني في الكافي 1\60.
2ـ المحاسن 2\300: عن جابر بن يزيد الجعفي (ثقة)، قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن شيء من التفسير فأجابني، ثم سألته عنه ثانية فأجابني بجواب آخر، فقلت: (جعلت فداك كنت أجبتني في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم، فقال: يا جابر إن للقرآن بطناً وللبطن بطناً وله ظهر وللظهر ظهر، يا جابر ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إن الآية يكون أولها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل منصرف على وجوه).
3ـ تفسير العياشي 1\17: عن زرارة (ثقة)، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: (ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إن الآية ينزل أولها في شيء وأوسطها في شيء، وآخرها في شيء).
4ـ 1\17: عن عبد الرحمن بن الحجاج (ثقة) قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: (ليس أبعد من عقول الرجال من القرآن).
5ـ الوسائل 27\192: عن أبي لبيد البحراني، عن أبي جعفر(عليه السلام) أن رجلاً قال له: أنت الذي تقول: ليس شيء من كتاب الله إلا معروف، قال: ليس هكذا قلت إنما قلت: (ليس شيء من كتاب الله إلا عليه دليل ناطق عن الله في كتابه مما لا يعلمه الناس…).
ثالثاً: حصرية تفسير القرآن وتأويله بأهل البيت (عليهم السلام)
وهي مجموعة واسعة من الروايات التي حصرت مرجعية تفسير القرآن الكريم برسول الله والأئمة ( صلوات الله عليهم أجمعين)، وقد ذكرت بعض تلك الروايات العلة من هذا التقييد، على اعتبار أن أهل البيت هم (أهل القرآن) و(قوامه) و(وورثته) و(المخاطبون به) وهم (الوسائط) ما بين الله تعالى وبين خلقه، فلا بد أن ينتهي المفسر إلى قولهم دون الاعتماد على قدراته الذاتية في استنطاق القرآن وتفسير آياته، وهذه جملة من تلك الروايات:
1ـ بصائر الدرجات 214: عن عمرو بن مصعب (من خيار الشيعة) عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: سمعته يقول: (إن من علم ما أوتينا تفسير القرآن وأحكامه).
* الكافي 229: عن عمرو بن مصعب، عن سلمة بن محرز عن أبي جعفر(عليه السلام) مثله.
2ـ بصائر الدرجات 215: عن أنس بن مالك خادم رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): يا علي أنت تعّلم الناس تأويل القرآن بما لا يعلمون، فقال [علي]: ما أبلغ رسالتك بعدك يا رسول الله؟ قال: (تخبر الناس بما أشكل عليهم من تأويل القرآن). وفي رواية (تعلم الناس من بعدي من تأويل القرآن ما لم يعلموا وتخبرهم بما لم يفهموا).
3ـ الاحتجاج 1\250 عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) في ذكر فضائل أمير المؤمنين(عليه السلام): (ابن عمي، وأخي، وصاحبي، ومبرئ ذمتي، والمؤدي عني ديني وعداتي، والمبلغ عني رسالاتي، ومعلم الناس من بعدي، ومبينهم من تأويل القرآن ما لا يعلمون).
4ـ الاحتجاج 1\417: عن الإمام الحسن(عليه السلام): (أنا ابن خيرة الإماء، وسيدة النساء، غذانا رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعلم الله تبارك وتعالى، فعلمنا تأويل القرآن).
5ـ الاحتجاج 1\76: عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): (هذا علي أخي ووصيي وواعي علمي وخليفتي على أمتي وعلى تفسير كتاب الله عز وجل والداعي إليه والعامل بما يرضاه… معاشر الناس تدبروا القرآن وافهموا آياته وانظروا إلى محكماته ولا تتبعوا متشابهه، فوالله لن يبين لكم زواجره ولا يوضح لكم تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيده ومصعده).
6ـ مستدرك الوسائل 17\334: وعن مرازم (ثقة) قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)، يقول: (إنا أهل بيت لم يزل الله يبعث فينا من يعلم كتابه من أوله إلى آخره).
7ـ المصدر السابق: عن أبي الصباح (ثقة) قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): (إن الله علم نبيه (صلى الله عليه وآله) التنزيل والتأويل، فعلمه رسول الله(صلى الله عليه وآله) علياً(عليه السلام)…).
8ـ الكافي 1\61: عن إسماعيل بن جابر (ثقة)، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: (كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وفصل ما بينكم، ونحن نعلمه).
9ـ علل الشرائع 1\40: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (وما في كتاب الله عز وجل آية: إلا وأنا أعرف تفسيرها).
10ـ علل الشرائع 1\90: قول الصادق لأبي حنيفة: (يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال نعم، قال: يا أبا حنيفة لقد ادعيت علماً، ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أُنزل عليهم، ويلك ولا هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا(صلى الله عليه وآله)).
11ـ الاحتجاج 2\22: فقال الحسين(عليه السلام): (نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسول الله(صلى الله عليه وآله) الأقربون، وأهل بيته الطيبون، وأحد الثقلين اللذين جعلنا رسول الله(صلى الله عليه وآله) ثاني كتاب الله تبارك وتعالى، الذي فيه تفصيل كل شئ، لا يأتيه الباطل من بين يديه. ولا من خلفه، والمعول علينا في تفسيره…).
12ـ الوسائل 27\33: الإمام الحسن بن علي العسكري(عليه السلام) في (تفسيره) عن آبائه، عن النبي(صلى الله عليه وآله) ـ في حديث ـ
قال: أتدرون متى يتوفر على المستمع والقارئ هذه المثوبات العظيمة؟: (إذا لم يقل في القرآن برأيه ، ولم يجف عنه، ولم يستأكل به، ولم يراء به،
وقال: عليكم بالقرآن فإنه الشفاء النافع، والدواء المبارك، عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه ثم قال: أتدرون من المتمسك به الذي يتمسكه ينال هذا الشرف العظيم؟
هو الذي يأخذ القرآن وتأويله عنا أهل البيت وعن وسايطنا السفراء عنا إلى شيعتنا، لا عن آراء المجادلين، وقياس الفاسقين، فأما من قال في القرآن برأيه، فإن اتفق له مصادفة صواب فقد جهل في أخذه عن غير أهله… وإن أخطأ القائل في القرآن برأيه فقد تبوأ مقعده من النار، وكان مثله مثل من ركب بحراً هائجًا بلا ملاّح ولا سفينة صحيحة، لا يسمع بهلاكه أحد إلا قال: هو أهل لما لحقه، ومستحق لما أصابه).
13ـ وسائل الشيعة 27\37: في رسالة الإمام الصادق(عليه السلام) لشيعته: (أيتها العصابة المرحومة المفلحة! إن الله أتم لكم ما آتاكم من الخير، واعلموا أنه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقاييس، قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شيء، وجعل للقرآن وتعلم القرآن أهلاً، لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا في دينهم بهوى ولا رأي ولا مقاييس، وهم أهل الذكر الذين أمر الله الأمة بسؤالهم).
14ـ وسائل الشيعة 27\191: عن المعلى بن خنيس قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام) في رسالة: (فأما ما سألت عن القرآن، فذلك أيضاً من خطراتك المتفاوتة المختلفة، لأن القرآن ليس على ما ذكرت وكل ما سمعت، فمعناه على غير ما ذهبت إليه، وإنما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم، ولقوم يتلونه حق تلاوته، وهم الذين يؤمنون به ويعرفونه، وأما غيرهم فما أشد إشكاله عليهم، وأبعده من مذاهب قلوبهم، ولذلك قال رسول الله(صلى الله عليه وآله):
إنه ليس شيء أبعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن، وفي ذلك تحير الخلائق أجمعون إلا من شاء الله، وإنما أراد الله بتعميته في ذلك أن ينتهوا إلى بابه وصراطه وأن يعبدوه، وينتهوا في قوله إلى طاعة القُوّام بكتابه، والناطقين عن أمره، وأن يستنبطوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم، لا عن أنفسهم، ثم قال: (ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)، فأما عن غيرهم فليس يعلم ذلك أبداً، ولا يوجد، وقد علمت أنه لا يستقيم أن يكون الخلق كلهم ولاة الأمر،
لأنهم لا يجدون من يأتمرون عليه ومن يبلغونه أمر الله ونهيه، فجعل الله الولاة خواصَّ ليقتدي بهم، فافهم ذلك إن شاء الله وإياك وإياك وتلاوة القرآن برأيك، فإن الناس غير مشتركين في علمه، كاشتراكهم في ما سواه من الأمور، ولا قادرين على تأويله، إلا من حده وبابه الذي جعله الله له فافهم إن شاء الله، واطلب الأمر من مكانه تجده إن شاء الله).
15ـ تفسير القمي 2\397: (إنَّ علينا جَمْعَهُ وَقُرآنَه) قال: (على آل محمد جمع القرآن وقرآنه (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ) قال: اتبعوا إذا ما قرأوه (ثمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) أي تفسيره).
* الوسائل 27\177: عن الحسن بن العباس بن الحريش، عن أبي جعفر الثاني(عليه السلام) قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): فإن قالوا: من الراسخون في العلم؟ فقل: من لا يختلف في علمه، فإن قالوا: من ذاك؟ فقل: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) صاحب ذاك، إلى أن قال: وإن كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) لم يستخلف أحداً فقد ضيع من في أصلاب الرجال ممن يكون بعده، قال: وما يكفيهم القرآن؟ قال: بلى، لو وجدوا له مفسراً قال: وما فسره رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ قال: (بلى قد فسره لرجل واحد، وفسر للأمة شأن ذلك الرجل، وهو علي بن أبي طالب(عليه السلام)…).
16ـ في توحيد الصدوق 264 أن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال لرجل: (فإياك أن تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء…).
17ـ الكافي 8\311: عن زيد الشحام قال: دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر(عليه السلام) فقال: (ويحك يا قتادة إن كنت إنما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت وإن كنت قد أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت، فقال أبو جعفر(عليه السلام): ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به).
18ـ مستدرك الوسائل 17\335: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام)، أنه قال في حديث: ( ما يعرف القرآن إلا من خوطب به).
19ـ الكافي 8\386: خطب أمير المؤمنين(عليه السلام) بذي قار – فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: (إن علم القرآن ليس يعلم ما هو إلا من ذاق طعمه، فعلم بالعلم جهله وبصر به عماه وسمع به صممه وأدرك به علم ما فات وحيي به بعد إذ مات وأثبت عند الله عز ذكره الحسنات ومحى به السيئات وأدرك به رضوانا من الله تبارك وتعالى فاطلبوا ذلك من عند أهله خاصة فإنهم خاصة نور يستضاء به وأئمة يقتدى بهم وهم عيش العلم وموت الجهل).
20ـ تهذيب الأحكام 6\225: عن عبيدة السلماني قال: سمعت علياً(عليه السلام) يقول: (يا أيها الناس اتقوا الله ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون فإن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد قال قولًا آل منه إلى غيره وقد قال قولًا من وضعه غير موضعه كذب عليه، فقام عبيدة وعلقمة والأسود وأناس منهم فقالوا: يا أمير المؤمنين فما نصنع بما قد خبرنا به في المصحف؟ قال: يسأل عن ذلك علماء آل محمد(عليهم السلام)…).
21ـ الكافي 1\62: عن مسعدة بن صدقة (ثقة)، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق لكم، أخبركم عنه، إن فيه علم ما مضى، وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة، وحكم ما بينكم وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون، فلو سألتموني عنه لعلمتكم).
22ـ الوسائل 27\176: عن منصور بن حازم (ثقة) قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): قلت للناس: أليس تعلمون أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان الحجة من الله على خلقه؟ قالوا: بلى، قلت: فحين مضى رسول الله(صلى الله عليه وآله) من كان الحجة لله على خلقه؟ قالوا: القرآن، فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجئ والقدري والزنديق الذي لا يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته، (فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيّم).
23ـ الوسائل 27\200: علي بن الحسين المرتضى في رسالة (المحكم والمتشابه) نقلاً من (تفسير النعماني بإسناده ، عن إسماعيل بن جابر، عن الصادق(عليه السلام) قال: إن الله بعث محمداً، فختم به الأنبياء، فلا نبي بعده، وأنزل عليه كتاباً، فختم به الكتب، فلا كتاب بعده…
إلى أن قال: فجعله النبي(صلى الله عليه وآله) علماً باقياً في أوصيائه، فتركهم الناس، وهم الشهداء على أهل كل زمان، حتى عاندوا من أظهر ولاية ولاة الأمر، وطلب علومهم، وذلك أنهم ضربوا القرآن بعضه ببعض واحتجوا بالمنسوخ وهم يظنون أنه الناسخ، واحتجوا بالخاص وهم يقدّرون أنه العام، واحتجوا بأول الآية، وتركوا السنة في تأويلها، ولم ينظروا إلى ما يفتح الكلام، وإلى ما يختمه، ولم يعرفوا موارده ومصادره، إذ لم يأخذوه عن أهله، فضلوا وأضلوا،
ثم ذكر(عليه السلام) كلاماً طويلاً في تقسيم القرآن إلى أقسام وفنون ووجوه، تزيد على مائة وعشرة… إلى أن قال(عليه السلام): وهذا دليل واضح على أن كلام الباري سبحانه لا يشبه كلام الخلق، كما لا تشبه أفعاله أفعالهم، ولهذه العلة وأشباهها لا يبلغ أحد كنه معنى حقيقة تفسير كتاب الله تعالى، إلا نبيه وأوصياؤه(عليهم السلام).
24ـ بصائر الدرجات 155: عن الأصبغ بن نباتة (ثقة) عن أمير المؤمنين(عليه السلام): (إني لأعرف ناسخه و منسوخه ومحكمه ومتشابهه وفصله من وصله، وحروفه من معانيه، والله ما حرف نزل على محمد(صلى الله عليه وآله) إلا وأنا أعرف فيمن أُنزل وفي أي يوم نزل وفي أي موضع نزل).
25ـ الاحتجاج 2\115: وفي رواية أخرى أن الصادق(عليه السلام) قال لأبي حنيفة لما دخل عليه: من أنت؟ قال: أبو حنيفة: قال(عليه السلام): مفتي أهل العراق؟ قال: نعم. قال: بما تفتيهم؟ قال: بكتاب الله.
قال(عليه السلام): وإنك لعالم بكتاب الله، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه؟ قال: نعم!!… إلى أن قال(عليه السلام): (تزعم أنك تفتي بكتاب الله ولست ممن ورثه، وتزعم أنك صاحب قياس وأول من قاس إبليس لعنه الله ولم يُبْنَ دين الإسلام على القياس، وتزعم أنك صاحب رأي وكان الرأي من رسول الله(صلى الله عليه وآله) صواباً، ومن دونه خطأ، لأن الله تعالى قال: (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ الله) ولم يقل ذلك لغيره).
26ـ تفسير القمي 1\192: عن ضريس عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: (فيقول الله لمحمد فهل استخلفت في أمتك من بعدك من يقوم فيهم بحكمتي وعلمي ويفسر لهم كتابي ويبين لهم ما يختلفون فيه من بعدك حجة لي وخليفة في الأرض؟ فيقول محمد: نعم يا رب قد خلفت فيهم علي بن أبي طالب أخي ووزيري وخير أمتي).
27ـ بصائر الدرجات 216: عن فضيل بن يسار (ثقة جليل) قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن هذه الرواية (ما من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن)، فقال: ظهره تنزيله، وبطنه تأويله، منه ما قد مضى، ومنه ما لم يكن، يجري كما تجري الشمس والقمر، كلما جاء تأويل شيء منه يكون على الأموات كما يكون على الأحياء، قال الله: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ).
28ـ المصدر السابق: عن بريد العجلي (ثقة)، عن أبي جعفر(عليه السلام) في قول الله تعالى: ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) قال: (رسول الله(صلى الله عليه وآله) أفضل الراسخين قد علمه الله جميع ما أنزل الله إليه من التنزيل والتأويل وما كان الله لينزل عليه شيئاً لم يُعلمه تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله).
29ـ أمالي الصدوق 151: عن أبي الصلت الهروي (ثقة) قال: قال مولانا الرضا(عليه السلام) لعلي بن محمد بن الجهم: (ويحك ـ يا علي ـ اتق الله، ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش، ولا تتأول كتاب الله عز وجل برأيك، فإن الله عز وجل يقول: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)…).
30ـ الوسائل 27\179: عن أبي بصير (ثقة)، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: (نحن الراسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله).
رابعاً: القرآن لا يشبه كلام البشر
وقد تفرد أهل البيت(عليهم السلام) بهذه القاعدة، ففي حين تعاملت المناهج التفسيرية مع القرآن كأي نص آخر من حيث التحليل وفك الرموز والأخذ بظاهر اللفظ، شدد أهل البيت(عليهم السلام) أن التركيبية الخطابية للقرآن تختلف عن كلام البشر، فكما أن الله تعالى لا يشبه خلقه فكلامه لا يشبه كلامهم، وفي ذلك مجموعة من الروايات:
1ـ في توحيد الصدوق 264: أن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال لرجل: (فإياك أن تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء، فإنه رُبَّ تنزيل يشبه كلام البشر وهو كلام الله، وتأويله لا يشبه كلام البشر، كما ليس شيء من خلقه يشبهه، كذلك لا يشبه فعله تبارك وتعالى شيئًا من أفعال البشر، ولا يشبه شيء من كلامه كلام البشر، فكلام الله تبارك وتعالى صفته وكلام البشر أفعالهم، فلا تشبّه كلام الله بكلام البشر فتهلك وتضل)، قال: فرجت عني فرج الله عنك، وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين… ثم قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (رب شيء من كتاب الله تأويله على غير تنزيله ولا يشبه كلام البشر).
2ـ وسائل الشيعة 27\200: علي بن الحسين المرتضى في رسالة (المحكم والمتشابه) نقلاً من (تفسير النعماني بإسناده، عن إسماعيل بن جابر، عن الصادق(عليه السلام) قال: وهذا دليل واضح على أن كلام الباري سبحانه لا يشبه كلام الخلق،كما لا تشبه أفعاله أفعالهم).
3ـ نهج البلاغة: قول أمير المؤمنين(عليه السلام) لعبد الله بن عباس: (لا تخاصمهم بالقرآن فإن القرآن حمال ذو وجوه تقول ويقولون، ولكن حاججهم بالسُنَّة فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً).
4ـ بحار الأنوار 90\4: عن تفسير النعماني عن أمير المؤمنين(عليه السلام): ([من القرآن] ما لفظه خاص، ومنه ما لفظه عام محتمل العموم، ومنه ما لفظه واحد ومعناه جمع، ومنه ما لفظه جمع ومعناه واحد، ومنه ما لفظه ماض ومعناه مستقبل، ومنه ما لفظه على الخبر ومعناه حكاية عن قوم آخر، ومنه ما هو باق محرف عن جهته، ومنه ما هو على خلاف تنزيله، ومنه ما تأويله في تنزيله، ومنه ما تأويله قبل تنزيله، ومنه ما تأويله بعد تنزيله.
ومنه آيات بعضها في سورة وتمامها في سورة أخرى، ومنه آيات نصفها منسوخ ونصفها متروك على حاله، ومنه آيات مختلفة اللفظ متفقة المعنى، ومنه آيات متفقة اللفظ مختلفة المعنى، ومنه آيات فيها رخصة وإطلاق بعد العزيمة، لأن الله عز وجل يحب أن يؤخذ برخصه كما يؤخذ بعزائمه.
ومنه رخصة صاحبها فيها بالخيار، إن شاء أخذ، وإن شاء تركها، ومنه رخصة ظاهرها خلاف باطنها يعمل بظاهرها عند التقية ولا يعمل بباطنها مع التقية ومنه مخاطبة لقوم والمعنى لآخرين، ومنه مخاطبة للنبي(صلى الله عليه وآله) ومعناه واقع على أمته ومنه لا يعرف تحريمه إلا بتحليله ومنه ما تأليفه وتنزيله على غير معنى ما أنزل فيه).
5ـ تفسير العياشي 1\10: عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: (نزل القرآن بإياك أعني و اسمعي يا جارة)، وعن ابن أبي عمير عمن حدثه عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: (ما عاتب الله نبيه فهو يعني به من قد مضى في القرآن مثل قوله: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا) عنى بذلك غيره).
6ـ عيون أخبار الرضا 2\180: سأل المأمونُ الرضا(عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ)؟ قال الرضا(عليه السلام): (هذا مما نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة، خاطب الله عز وجل بذلك نبيه وأراد به أمته وكذلك قوله: تعالى: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، وقوله عز وجل: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا)…).
خامساً: وجوب التوقف في ما لم يرد تفسيره عن أهل البيت (عليهم السلام)
1ـ تفسير العياشي 1\17: عن أبي الجارود (ثقة على التحقيق) قال: قال أبو جعفر(عليه السلام): (ما علمتم فقولوا وما لم تعلموا فقولوا الله أعلم، فإن الرجل ينزل بالآية فيخر بها أبعد ما بين السماء والأرض).
2ـ الوسائل 27\171: محمد بن مسعود العياشي في (تفسيره) عن عبد الله بن جندب، عن الرضا(عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: (إن هؤلاء القوم سنح لهم شيطان، اغترهم بالشبهة، ولبس عليهم أمر دينهم، وأرادوا الهدى من تلقاء أنفسهم فقالوا: لِمَ، ومتى وكيف؟ فأتاهم الهلك من مأمن احتياطهم، وذلك بما كسبت أيديهم وما ربك بظلام للعبيد، ولم يكن ذلك لهم، ولا عليهم، بل كان الفرض عليهم، والواجب لهم من ذلك الوقوف عند التحير ورد ما جهلوه من ذلك إلى عالمه ومستنبطه، لأن الله يقول في كتابه: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) يعني آل محمد، وهم الذين يستنبطون من القرآن، ويعرفون الحلال والحرام وهم الحجة لله على خلقه).
سادساً: تعريف المحكم والمتشابه عند أهل البيت (عليهم السلام)
1ـ بحار الأنوار 90\11: عن تفسير النعماني: لما سئل(عليه السلام) ـ أي الإمام الصادق أو أمير المؤمنين(عليهما السلام) ـ عن تفسير المحكم والمتشابه من كتاب الله عز وجل قال: أما المحكم الذي لم ينسخه شيء من القرآن فهو قول الله عز وجل: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)،
وإنما هلك الناس في المتشابه لأنهم لم يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته، فوضعوا له تأويلات من عند أنفسهم بآرائهم واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء ونبذوا قول رسول الله(صلى الله عليه وآله) وراء ظهورهم، والمحكم مما ذكرته في الأقسام مما تأويله في تنزيله من تحليل ما أحل الله سبحانه في كتابه، وتحريم ما حرم الله من المآكل والمشارب والمناكح، ومنه ما فرض الله عز وجل من الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، ومما دلهم به مما لا غنى بهم عنه في جميع تصرفاتهم مثل قوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) الآية، وهذا من المحكم الذي تأويله في تنزيله لا يحتاج في تأويله إلى أكثر من التنزيل، ومنه قوله عز وجل: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) فتأويله في تنزيله…
قد استغني بتنزيله من تأويله، وكل ما يجري هذا المجرى. وأما المتشابه من القرآن فهو الذي انحرف منه، متفق اللفظ مختلف المعنى، مثل قوله عز وجل: (يضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) فنسب الضلالة إلى نفسه في هذا الموضع، وهذا ضلالهم عن طريق الجنة بفعلهم، ونسبه إلى الكفار في موضع آخر ونسبه إلى الأصنام في آية أخرى…).
2ـ بحار الأنوار 82\382: عن الإمام الصادق(عليه السلام) ـ لما سئل عن المحكم والمتشابه ـ قال: (المحكم ما نعمل به، والمتشابه ما اشتبه على جاهله).
3ـ تفسير العياشي 1\10: عن أبي محمد الهمداني، عن رجل عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: سألته عن الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه؟ قال: (الناسخ الثابت، والمنسوخ ما مضى، والمحكم ما يعمل به، والمتشابه الذي يشبه بعضه بعضًا).