Take a fresh look at your lifestyle.

الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) في طريقه إلى صفين

0 1٬759

حسن عبد الأمير الظالمي
كاتب وباحث

 

             بويع الإمام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب(عليه السلام) بالخلافة يوم الثلاثاء 24/ذي الحجة/35هـ في المسجد النبوي الشريف(1) وقيل في نفس اليوم الذي قتل فيه عثمان بن عفان 18/ذي الحجة/35هـ(2) وقام بأعباء الخلافة فأعفى ولاة عثمان على الأمصار الإسلامية من ولاياتهم ونصب بدلهم من هم جديرون بهذه المهمة وتحمل المسؤولية، وقد عيّن سهل بن حنيف والياً على الشام بعد إعفاء واليها معاوية بن أبي سفيان، لكن معاوية رفض التخلي عن ولايته وأرسل جنوده لمنع سهل بن حنيف من الوصول إلى الشام(3).

ولما كانت بيعة أمير المؤمنين(عليه السلام) بيعة عامة من قبل المهاجرين والأنصار وأهل الحل والعقد ـ كما يقال ـ ومن كان في المدينة من أهالي الأمصار الإسلامية بعد فتنة مقتل عثمان فهو إذن الخليفة الشرعي الذي تجب طاعته على كل المسلمين والخروج عليه خروج على ولي الأمر.

يقول الدكتور محمد بكر إسماعيل أستاذ التفسير وعلوم القرآن في الجامع الأزهر: كانت بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بيعة شرعية بميعاد زمانها وعصرها، فقد صدرت من أهل الحل والعقد في الأمة وهم المهاجرون والأنصار ثم أردف قائلاً: وأغلب الظن في نظري أن علياً(عليه السلام) كان يصلح للخلافة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)(4).

فأرسل الإمام(عليه السلام) الرسائل إلى معاوية يدعوه إلى الطاعة والتخلي عن الشام والدخول في البيعة، وأرسل الكتاب بيد جرير بن عبد الله البجلي، فأرسل معاوية على عمرو بن العاص يستشيره ثم طلب من الإمام أن تكون الشام ومصر جباية له وليست في رقبته بيعة لأحد بعد علي فرفض أمير المؤمنين(عليه السلام) ذلك وطلب البيعة من معاوية وطلب من جرير أن يرجع.
ولما ألح الإمام(عليه السلام) على جرير بن عبد الله أن يأخذ من معاوية البيعة أو الحرب، قال معاوية: يا جرير ألحق بصاحبك وكتب إليه بالحرب، ثم تهيأ معاوية للخروج إلى صفين وعبأ جيشه لمقاتلة الإمام(5).

شرع الإمام(عليه السلام) بالاستعداد العسكري لإخضاع معاوية وفرض سيطرة الخلافة على بلاد الشام، فعبأ جيشاً لإرساله إلى الشام ودفع الراية إلى ولده محمد بن الحنفية، وولى عبد الله بن عباس على الميمنة وعمر بن أبي مسلمة على الميسرة ودعا أبا ليلى بن عامر بن الجراح فجعله على مقدمة الجيش، وخطب في أهل المدينة وحثهم على القتال(6).

وما أن علم الإمام بتمرد عائشة وطلحة والزبير ووصولهم البصرة وأعلانهم الحرب عليه حتى عدل عن معالجة موقف معاوية وأتجه نحو البصرة.
وبعد انتهاء معركة الجمل في 20/جمادى الآخرة/36هـ(7) وقيل في 15/جمادى الآخر/36هـ(8) تحرك الإمام من البصرة إلى الكوفة ووصلها في 12/ رجب/ 36هـ واتخذها مقراً لحكمه لتوسعها بين الأمصار الإسلامية(9).

خروج الإمام إلى صفين
وبعد أن مكث في الكوفة ثمانين يوماً تهيأ الإمام للخروج إلى قتال معاوية، فخرج بجيشه من الكوفة يوم الأربعاء 5/شوال/36هـ(10)، ثم عبر جسر الكوفة وصلى ركعتين في مسجد أبي سبرة(11)، ثم وصل دير أبي موسى على فرسخين من الكوفة، قال نصر بن مزاحم في كتابه وقعة صفين/134 والدينوري في الأخبار الطوال/167 أنه(عليه السلام) مرّ بالنخيلة قبل أن يصل دير أبي موسى.

وإذا علمنا أن معسكر الإمام في النخيلة الواقعة على المشارف الشمالية لمدينة الكوفة القديمة يقع بالقرب من مدينة الكفل الحالية حيث تقول الرواية: إنه مرت جنازة على علي(عليه السلام) وهو بالنخيلة فقال: ما يقول الناس في هذا القبر، فقال له أحدهم: هذا قبر هود النبي(عليه السلام)، فقال(عليه السلام): هو يهود بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم بكر يعقوب(12).

ويقول الشيخ محمد حرز الدين في مراقد المعارف: 1/ 295: مسجد النخيلة قرب مرقد ذي الكفل في ناحية الكفل ملاصق لمرقده، وفي مسجد النخيلة محراب وهو الموضع الذي صلى فيه الإمام علي(عليه السلام) عند خروجه لحرب صفين، ويقول الحموي في معجم البلدان:5/278: النخيلة: موضع قرب الكوفة على طريق الشام، وهي الموضع الذي خرج إليه علي لما بلغه ما فعل بالأنبار من قتل عامله فيها، وفي مسيره إلى حرب صفين.

ومن هنا نعلم أن دير أبي موسى بين الكفل والحلة، أي أن الإمام خرج من الكوفة ثم عبر النهر الحالي الذي يمر بمدينة الكفل ووصل النخيلة قرب مسجد ذي الكفل في الجانب الآخر للفرات ثم وصل مسجد أبي سبرة ودير أبي موسى.

يقول نصر بن مزاحم: كان علي قد سرّح وهو بالنخيلة زياد بن النضر الحارثي وشريح بن هاني أمامه نحو معاوية في إثني عشر ألفاً وأخذ شاطئ الفرات من قبل البر مما يلي الكوفة ـ أي طريق النجف ـ كربلاء. حتى بلغوا عانات (عانة حالياً) فبلغهما أخذ علي طريق الجزيرة، وبلغهما أن معاوية أقبل بجنود الشام من دمشق لاستقبال علي فقالا: لا والله، ما هذا لنا برأي، أن نسير وبيننا وبين أمير المؤمنين هذا البحر ـ ولعلهما يقصدان بحيرة الحبانية وهور أبي دبس أو منخفضات منطقة الجزيرة ـ فذهبا ليعبر الفرات من عانات فمنعهم أهلها فعبروا من هيت، ثم لحقوا علياً بقرية دون قرقيسياء (دير الزور حالياً) ثم أرسلهما إلى جند الشام وألحق بهما مالك الأشتر أميراً عليهما ريثما يصل هو إليهم(13).

ثم خرج الإمام(عليه السلام) حتى وصل برس على شاطئ الفرات فصلى بالناس المغرب(14).
وبرس منطقة تقع بين حمام أبي بردة وحمام عمر (وليس لهما أثر حالياً) إلا أن برس هي منطقة بورسببا الأثارية (وهي موضع بأرض بابل فيه آثار لبخت نصر وهو تل مفرط في العلو يسمى صرح البرس / الحموي 1/ 384، وهو ما يشاهد حالياً على يسار الذاهب من الكفل إلى الحلة.

يقول ابن أعتم الكوفي: بعد أن سار الإمام وسار الناس معه فإذا هو بنخل من وراء النهر فاقتحم النهر وعبر إلى تلك الناحية وصلى الغداة فيها(15). ويسمي المنقري هذه المنطقة المتشابكة الأشجار (قبة ـ قبين)، ولعل النهر الذي عبره الإمام هو نهر الحلة الذي كان كبيراً قبل تفرغ نهر الهندية منه، والإمام عبر نهر الكوفة عند خروجه منها الذي يقع قرب الكفل، ولعل عبوره النهر كان جنوب مدينة الحلة الحالية ـ كما سنرى ـ .

يقول ابن أعثم: ثم وصل أرض بابل، وتقول الروايات أنه حرك فرسه ولم يصل بها لأنها أرض خسف بها(16)، ويقول نصر بن مزاحم: ويقول الإمام لمخنف بن قيس ـ وكان يسايره ـ في بابل: إن بابل أرض قد خسف بها فحرك دابتك لعلنا نصلي العصر خارجاً منها، ثم حرك دابته فلما جاز جسر الصراة نزل وصلى بالناس صلاة العصر(17).

ولما كانت آثار بابل في الجانب الأيسر لنهر الحلة الحالي والإمام عبر النهر من منطقة كثيفة الأشجار وسار مسافة ثم وصل الآثار ولم يصل بها وهو يسير في الجانب الأيسر من نهر الحلة، أما الصراة: فيقول الحموي: هو نهر يستمد ماءه من الفرات، وقد بنى الحجاج الثقفي عنده مدينة النيل، وتسمى منطقة سورا وتقع جنوب بغداد شمال شرق مدينة الحلة.

ويستمر الإمام في مسيره في الطريق الرئيسي لجيوش الإسلام المتجهة إلى الشرق، يقول ابن أعثم وابن مزاحم: ثم خرج الإمام حتى أتى دير كعب فأقام باقي يومه وليلته(18) ولم أعثر على ما يشير على موقع هذا الدير إلا أنه لابد أن يقع في الطريق إلى المدائن قريب الصويرة حالياً.

ثم خرج الإمام فبات بساباط المدائن، والمدائن هي عاصمة الدولة الساسانية التي كانت تحكم العراق قبل الإسلام، يقول ابن أعثم: إن الإمام أشرف على ساباط المدائن(19).
ويكمل نصر بن مزاحم الرواية فيقول (إن الإمام أصبح بمظلم ساباط (أي بساتينها) ثم أمر الحارث بن الأعور (الذي عينه قائداً لشرطته) فصاح بأهل المدائن: من كان من المقاتلة فليوافِ أمير المؤمنين صلاة العصر، ويقول أيضاً: وعندما كان الإمام في المدائن بعث منها معقل بن قيس الرياحي في ثلاثة آلاف وقال له: خذ على الموصل ونصيبين ثم إلقني في الرقة)(20).
لكن الدينوري يقول: إن علياً عقد لمعقل بن قيس في ثلاثة آلاف رجل وهو في الأنبار وأمره أن يسير على الموصل ونصيبين حتى يوافيه بالرقة فسار حتى وافى حديثه الموصل)(21).

هذه الطلائع بقيادة معقل بن قيس هي التي أوهمت الطبري بأن الإمام سلك طريق الموصل وهو قاصد إلى صفين فيقول (إن علياً إتجه من المدائن إلى الموصل ثم إلى نصيبين فالرقة)(22) فطريق الإمام إلى صفين كان عبر الجزيرة محاذياً للفرات وليس على الموصل.

يواصل المنقري رحلة الإمام(عليه السلام) فيقول: ثم مضى أمير المؤمنين بجيشه من المدائن حتى نزل بأرض الجزيرة، وقد أتاه وفد بني تغلب فيها(23). ولكن الدينوري وابن أعثم الكوفي يقولان إنه(عليه السلام) نزل الأنبار)(24)،
وتقع الأنبار القديمة على الجانب الأيسر لنهر الفرات مقابل مدينة الرمادي الحالية، أما قبيلة تغلب فتسكن الجزيرة وهي المنطقة الشاسعة الممتدة إلى حدود الشام، فلا يبعد أن الإمام التقى وفدهم قبل أو بعد مروره بالأنبار.

وقد مرّ بنا أن مقدمة جيش الإمام بقيادة الحارث بن النضر وشريح بن هاني حينما رجعوا من هيت التقوا الإمام في قرية دون قرقيسياء (دير الزورحاليا) والتي تقع عند التقاء نهر الخابور بنهر الفرات في منطقة الجزيرة. ولا يزال الإمام يسير على الجانب الأيسر لنهر الفرات.

ولما كان الخابور يصب في الفرات عند ضفته اليسرى فقد احتاج الإمام أن يعبر النهر ليواصل مسيره فيعبر الخابور ويستمر في طريقه أو يعبر الفرات إلى الجانب الأيمن وهو ما سنرى.
من منطقة قرقيسياء (دير الزور) يختلف المؤرخون في الطريق الذي سلكه الإمام:
أ ـ يقول الدينوري في الأخبار الطوال/167: إنه نزل على البليخ (أي المدينة) فأقام ثلاثاً، ثم أمر بجسر فعقده وعبر الناس، وقطع الفرات، ثم وصل صفين، وهي قرية خراب من بناء الروم منها إلى الفرات غلوة (أي رمية سهم)(25).
ب ـ ويقول ابن أعثم: ثم سار الإمام حتى نزل هيت ورحل منها ونزل بموضع يقال له: الأقطار، فبنى هناك مسجداً ثم عبر الفرات وشقّ البلاد حتى خرج إلى بلاد الجزيرة، ثم سار يريد الرقة، ثم نزل البليغ، ثم سار علي حتى عقدوا له جسراً فعبر الفرات(26).
وهيت مدينة ليست بعيدة عن الأنبار وهو نفس الطريق الذي سلكته طلائع جيش الإمام(عليه السلام) ولعل ابن أعثم كان يريد هذا الجيش الذي التحق بالإمام في قرقيسياء بعد أن عبر الفرات عند هيت وقطع الجزيرة.

ج ـ يقول نصر بن مزاحم: ثم سار أمير المؤمنين (من قرقيسياء) حتى أتى الرقة وكان أهلها عثمانيين، ويقال إن نزوله بالرقة بمكان يقال له البليخ على جانب الفرات، ثم يفصل سير الإمام فيقول: ثم أن علياً قال لأهل الرقة أجسروا لي جسراً (أي أنه لا يزال يسير على الجانب الأيسر من الفرات) لكي أعبر من هذا المكان إلى الشام، فأتوا، فمضى من عندهم ليعبر على جسر منبج التي (تقع قرب الفرات) وخلف مالك الأشتر الذي هددهم فبعثوا إليه: إنا ناصبون لكم جسراً فأقبلوا، فأرسل مالك إلى علي(عليه السلام) فجاء ونصب له الجسر فعبر عليه الجيش(27).

وهناك رواية عن حبّة العرفي الذي صاحب الإمام في سيره إلى صفين تفيد بمرور الإمام بمنطقة البليخ وكان فيها دير لراهب يقال له شمعون، أخبر الإمام علياً بأن عنده كتاب فيه ذكر النبي(صلى الله عليه وآله) ووصية علي بن أبي طالب فكلّمه الإمام(عليه السلام) حتى أسلم وصحبه إلى صفين وبعد انتهاء الحرب افتقده الإمام فوجده بين القتلى فصلى عليه ودفن(28)، ولما عبر الإمام الفرات عند مدينة الرقة إلى الجانب الغربي منها، وفي سهل فسيح وجد أن معاوية قد سبقه إلى سهل صفين وهو في الضفة الغربية لنهر الفرات فعسكر الإمام مقابل جيش معاوية(29).

وهنا يمكننا أن نستفيد من مجمل هذه الروايات أن الإمام(عليه السلام) غادر مدينة قرقيسياء (دير الزور) التي تقع عند التقاء نهر الخابور بنهر الفرات واستمر في الجانب الأيسر لنهر الفرات حتى وصل نهر البليخ، ونهر البليخ يصب في الفرات من جانبه الأيسر عند منطقة الرقة أي قريباً من مدينة الرقة، فأراد الإمام أن يعبر النهر إلى جانبه الأيمن ليلاقي جيش معاوية المعسكر في الجانب الأيمن من النهر فرفض أهل الرقة أن يجسروا له ثم أذعنوا بعد أن هددهم مالك الأشتر وجاز الجيش كله على الجسر وجاز الخليفة آخرهم(30) وبهذا تكون البليخ والرقة منطقة واحدة.

وهنا يمكن أن نصف سهل صفين الذي وقعت عنده المعركة فهو يقع قرب مدينة الرقة بفرسخين حيث يترك النهر منطقة أحراش وأشجار ومناطق مغطاة بالماء عسكر على حافاتها جيش معاوية واستقبل السهل بوجهه وأما جيش الإمام فقد استقبل جيش الشام تاركا الصحراء خلفه، وهنا فقد أمسك جيش معاوية بالمنطقة وسيطر على المنافذ التي تؤدي إلى الاستسقاء من الفرات ومنع الماء عن جيش علي(عليه السلام)، فطلب الإمام من معاوية أن يسمح لجيشه بالاستقاء فأبى معاوية وجيشه ذلك، وأضرّ الضمأ بجيش الإمام فازداد الضغط على الإمام لكسر الحصار وإلا ماتوا عطشاً، فأذن الإمام لهم بالهجوم على شاطئ الفرات، وتم إزاحة جيش معاوية عن ضفة النهر، ولكن الإمام لم يقابله بالمثل بل سمح لجيش معاوية بأخذ الماء من النهر دون معارضة(31).

ولابد من الإشارة هنا إلى قضية مهمة تتعلق بهذه النقطة، وهي تشكيك بعض الكتاب في منع معاوية جيش علي من الماء ويقولون: كيف يمنع هنا الصحابي الجليل الماء عن جيش علي ويتركه ليموت عطشا وفيهم المهاجرون والانصار، وإنما قالوا: إن معاوية كان منعه للماء منعاً صورياً، وأنه قال لأبي الأعور السلمي قائد جيشه: خلِّ بين إخواننا وبين الماء(32).

ونحن هنا ننقل ما قاله ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ: 3/ 145 ما نصه: (وكان معاوية قد سبق عليا فنزل منزلاً اختاره لجيشه بسيطا واسعاً، وأخذ شريعة الفرات وليس هناك شريعة غيرها، وجعلها في حيزه، وبعث عليها الأعور السلمي ليحميها ويمنعها، فطلب أصحاب علي شريعة غيرها فلم يجدوا، فأتوا علياً فأخبروه بفعلهم وعطش الناس، فدعا صعصعة بن صوحان فأرسله إلى معاوية يقول له بعد كلام طويل: وهذه أخرى قد فعلتموها، منعتم الماء عن الناس، والناس غير منتهين، فابعث إلى أصحابك فليخلوا بين الناس وبين الماء، فقال معاوية: سيأتيكم رأيي، وسرّب الخيل إلى ابي الأعور ليمنعهم الماء، فقاتلوا، ثم صار الماء بيد أصحاب علي فقالوا: والله لا نسقين أهل الشام، فأرسل علي إلى أصحابه: أن خذوا من الماء حاجتكم وخلّوا عنهم، فأن الله نصركم ببغيهم وظلمهم.

كانت معركة كشف جيش معاوية عن الماء أولى المعارك وبداية حرب صفين التي وقعت في ذي الحجة/36هـ وما أن حل المحرم من عام 37هـ حتى سادت هُدنة بين الجيشين احتراماً لشهر محرم الحرام، بعث خلالها الإمام(عليه السلام) مندوبين عنه إلى معاوية وهم: بشير بن محصن الأنصاري، وسعيد بن قيس الهمداني، وشبث بن ربعي وقال لهم: ائتوا الرجل ـ أي معاوية ـ وأدعوه إلى الله وإلى الطاعة والجماعة، فما كان جواب معاوية إلا السيف والحرب، وطالت المفاوضات، فقال معاوية للمندوبين، انصرفوا من عندي فليس بيني وبينكم إلا السيف(33).

والتحم الجيشان يوم الأربعاء الأول من صفر/37، وكانت الحرب سجالاً حتى ليلة9/صفر حيث قتل الصحابيان: عمار بن ياسر وأويس القرني، وكانت ليلة الهرير 12/صفر/37هـ ثم انتهت الحرب في صبيحتها يوم 13/صفر برفع المصاحف والدعوة إلى التحكيم، وفي يوم الأربعاء 15/صفر/او يوم 17/صفر كتبت صحيفة المهادنة بين علي(عليه السلام)
ومعاوية على أن يجتمع مندوبا الطرفين في دومة الجندل/في شهر رمضان، وبذلك اعتبرت حرب صفين منتهية.

رجوع الإمام إلى الكوفة
يقول الطبري في تاريخه: عن أبي مخنف عن عبد الرحمن بن جندب: لما انصرفنا من صفين أخذنا غير الطريق الذي ذهبنا فيه، أخذنا على طريق البر على شاطئ الفرات(34). وكان هذا السير ولاشك بأمر منه(عليه السلام) يقول نصر بن مزاحم: فلما رجعنا من صفين قال علي: خذوا بنا على طريق البر على شاطئ الفرات(35).
وتقول بعض المصادر: ثم وصل الإمام بجيشه إلى هيت، وهي بلدة بين العراق والشام فبات فيها(36).

ثم سار أمير المؤمنين(عليه السلام) بجيشه حتى وصل كربلاء من جهتها الغربية، وتوجد الآن عين ماء عميقة الغور بالقرب من بحيرة الرزازة تنسب إلى الإمام علي(عليه السلام) يقول ابن اعثم: ثم نظر علي إلى شاطئ الفرات وأبصر هناك نخلاً فقال: يا ابن عباس: أتعرف هذا الموضع؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، فقال: أما وأنك لو عرفته كمعرفتي لم تكن تتجاوزه حتى تبكي كبكائي، قال: ثم بكى الإمام بكاءً شديداً وجعل يقول: أوّاه، مالي ولآل أبي سفيان، ثم التفت إلى الحسين(عليه السلام) فقال: أصبر يا أبا عبد الله فلقد لقي أبوك منهم مثل الذي تلقى من بعدي(37).
يقول المتقي الهندي: وروي أنه(عليه السلام) حينما أتى كربلاء قال: يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم شهداء إلا شهداء بدر(38).
ويتابع الإمام(عليه السلام) طريقه من كربلاء: يقول الطبري: ثم خرج بنا ـ والقول لأبي مخنف ـ الإمام حتى جزنا النخيلة فرأينا بيوت الكوفة، وقد مرّ الإمام على دروب بني عوف فيها(39).
وهذا مجمل طريقه(عليه السلام) من الكوفة إلى صفين ثم عودته إلى الكوفة في شهر ربيع أول/37هـ.

نشرت في العدد 31


1ـ البداية والنهاية/ ابن كثير الدمشقي/ 7/253.
2ـ بحار الأنوار/ المجلسي/95/189.
3ـ البداية والنهاية/ 7/277.
4ـ فقيد الأمة وفقيه الأئمة/ 264.
5ـ وقعة صفين/ نصر بن مزاحم/ 52ـ56.
6ـ تاريخ الرسل والملوك/الطبري/ 5/239.
7ـ التنبيه والاشراف/ أبو الحسن المسعودي/255.
8ـ الكامل في التاريخ/ابن الاثير:3/236.
9ـ تاريخ الطبري/3/545.
10ـ مروج الذهب/ المسعودي/2/384.
11ـ الفتوح/ ابن أعثم/2/461.
12ـ وقعة صفين/ محمود عباس العاملي/ 102.
13ـ وقعة صفين/ نصر بن مزاحم/ 134.
14ـ الفتوح/ ابن اعثم الكوفي/ 2/ 461.
15ـ ن. م/ 2/ 462.
16ـ ن.م /2 /462.
17ـ وقعة صفين/ نصر بن مزاحم/ 135.
18ـ ن.م/ 143.
19ـ الفتوح/ ابن اعثم/ 2/ 464.
20ـ وقعة صفين/ 143.
21ـ الاخبار الطوال/ 167.
22ـ تاريخ الرسل والملوك/ 5/ 296.
23ـ وقعة صفين/ 146.
24ـ الأخبار الطوال/ 167 ـ الفتوح / ابن اعثم/ 2/ 464.
25ـ الأخبار الطوال/ الدنيوري/ 167.
26ـ الفتوح/ ابن اعثم/ 2/ 488.
27ـ وقعة صفين/ 146.
28ـ مناقب أمير المؤمنين/ محمد بن سليمان / 1/ 144، وقعة صفين/ محمود عباس العاملي/ 102.
29ـ وقعة صفين/ نصر بن مزاحم/ 147.
30ـ وقعة صفين/ نصر بن مزاحم/ 146.
31ـ الكامل في التاريخ/ ابن الاثير/ 3/ 145.
32ـ سيرة أعلام النبلاء/ ابن سيرين/ 2/ 41.
33ـ تاريخ الطبري/ 3/ 569.
34ـ ن. م: 5/60.
35ـ وقعة صفين/ ابن مزاحم/ 528.
36ـ الفتوح/ ابن اعثم/ 2/ 465.
37ـ الفتوح/ ابن اعثم/ 2/ 462.
38ـ كنز العمال/ المتقي الهندي/ 7/ 106.
39ـ وقعة صفين/ نصر بن مزاحم/ 528.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.