Take a fresh look at your lifestyle.

علماء مغمورون.. الشيخ عباس الرميثي أنموذجاً (1328 – 1379ﻫـ)

0 1٬808

حسين جهاد الحساني
مركز الأمير لإحياء التراث الإسلامي
مكتبة الإمام أمير المؤمنين العامة

       عندما نحاول الاقتراب من سيرة بعض العلماء فلابد لنا من جرأة حقيقية وتحقيق موضوعي لدراسة ما عن تلك الشخصيات.
فالتاريخ ظل بمنأى عن ذلك إذ لم يجرأ المؤرخون والباحثون على إيجاد صيغ علمية لاستنتاج ما ظل في طي النسيان وفي ظلامة التاريخ، فضلاً عن أن هناك كثير من الأحداث والوقائع والأعلام حفظ تاريخهم سبب أنه قد تم تدوينها وتوثيقها وتسطيرها في المخطوطات والكتب المطبوعة، وانتقلت من جيل إلى جيل حتى وصلت إلى جيلنا الحاضر وبدوره يسلمها لمن يأتي من بعده من الأجيال.
وبالطبع هناك أحداث هامة ووقائع مهمة أعلام عظام طويت سيرتهم طي النسيان وحملتهم يد الظلم وذلك لعدم تدوينها وتسجيلها في صفحات التاريخ، ولهذا السبب لم تحفظ ولم يتم الإفادة منها لكونها لم تذكر في جهة ما، ولم تتناقلها الأجيال فاندثرت على مر العصور.
ومن تلكم الشخصيات برز مترجمنا الشيخ (عباس الرميثي) التي مدت إليه يد التاريخ الظالم لتركنه على رفوف هذه الظلامة البشعة وليدخل في صفحة النسيان التي لحقت غيره من العلماء…
لذا فقد كانت لمجلة ينابيع القدح المعلى في استذكار وإحياء مثل هذه الشخصيات العظيمة علنا نستذكر قرائنهم في صحفات هذا التاريخ الظالم.

سيرته العائلية
هو الشيخ عباس بن عبود بن الحاج خلف بن الحاج هلال المالكي الرميثي نسبة إلى مدينة الرميثة.
ولد شيخنا الجليل سنة 1328هـ من أبوين شريفين فوالده الحاج عبود من الشخصيات المعروفة في مدينة السماوة ووالدته هي العلوية الطاهرة من البو سيد نور، مع أن والده قد تزوج من امرأة أخرى، فأنجب الوالد من العلوية الأولى أخوين لمترجمنا هما الحاج عيد والحاج كاظم، ولهم عدة أخوات من أمهما العلوية الجليلة، أما أخوته من زوجة والده الأخرى فهما اثنان أيضاً.
أما مترجمنا فقد تزوج من اثنين أيضاً، الأولى وهي أم محمد فقد أنجبت له ثلاثة أولاد، وهم: محمد وهو تاجر أقمشة في بغداد الآن، وعلي وهو مقاول أيضاً في بغداد، ومحمد كاظم مقاول أيضاً، وأربع بنات، أما الثانية وهي أم حسين، فقد أنجبت ولدان وأربع بنات، وأولاده هم: حسين فقد وافاه الأجل، ومهدي فقد سقط تحت وطأة الطاغية صدام فأعدمه إذ كان طالباً في حينها.

سيرته العلمية
لاح في الأفق توجهه الديني والعلمي منذ نعومة أظفاره وتحديداً عندما كان عمره بين العاشرة والثانية عشرة، عندما كان يترك محل والده في الرميثة ليتوجه إلى الشط ليتوظأ منه ثم يذهب إلى مسجد المنطقة ليبدأ بقراءة القرآن وأداء الصلاة.
ثم هاجر الى النجف في أوائل شبابه بصحبة جده بعد وفاة والده، وسكنا بيتاً في محلة الحويش بعد أن اشتراها له جده من شخص يدعى بـ(داود). فبدأ بدراسة أوليات ومقدمات العلوم عند علماء عصره آنذاك…

أساتذته في التدريس
بعد أن أكمل مقدمات العلوم، حضر على علماء عصره ولازم حلقات مشاهير المدرسين وكان في مقدمتهم الحجة الشيخ محمد رضا آل ياسين، وقد لازم أستاذه آل ياسين ملازمة شديدة إلى أن وافاه الأجل عام 1370هـ وحضر عند السيد حسين الحمامي والسيد عبد الهادي الشيرازي، ولازم هذا السيد الجليل بعد وفاة أستاذه الأول آل ياسين، وكان السيد يحترمه وينوه بعلمه ويشير إليه. وقد حدثني أحد أقربائه بأنه أيضاً قد لازم آية الله العظمى النائيني في درسه…

علمه ودراسته
بعد أن أتم جميع دراسته من مقدمات وسطوح وخارج اكتملت البنية الأساسية لشخصية الشيخ العلمية، حتى أصبح من العلماء العرب البارزين في فقهه وجودة نظره وذلك لكثرة اطلاعه على أغلب موسوعات الفقه حتى إنه حفظ جميع أجزاء كتاب جواهر الكلام للشيخ الجواهري، وأصبحت حلقته الدراسية من أفضل الحلقات، ودرسه اتصف بالتجديد في الآراء الفقهية مما أثار في وقته جدلاً وتوجهاً عالياً في حضور دروسه، ويصف لنا الشيخ عبد الحسين نعمة، وهو أحد تلامذته إذ يقول: (تتلمذت عند هذا الشيخ الصافي الذهن المتمكن في كل ما درسه ودرسه، إذ كانت دراسته الفقهية نموذجاً جديداً عن الدراسة، حتى كان شرطه لنا قبل البدء بالدرس أن نهيئ الأدلة من كتاب وسنة وإجماع وأدلة عقلية وغيرها، إذ كان الشيخ يقرأ المسألة محل الدرس ثم يطبق الكتاب ويضعه جانباً ويبدأ الاستدلال على المسألة، ويكون الشيخ واحداً منا يناقش ويستدل ويدافع تارة عن رأيه وأخرى عن رأي المؤلف.
فمن ذلك علمنا كيفية الاستدلال عن الحكم واستنباطه من مظانه.. وهذا ما أشار إليه الشيخ باقر القرشي حفظه الله، إذ قال: إنه كان أفضل فقيه في عصره…

تلامذته
لا ريب أن لمثل هذه الشخصية العلمية المتجددة في وقته تلامذة كثر إذ لم نستطع أن نعدهم أو نحصيهم، إلا أننا استطعنا استجماع قوانا البحثية في معرفة أهمهم، فقد كان في مقدمتهم آية الله العظمى المرجع الكبير الشهيد محمد باقر الصدر، إذ بدأ التلمذة تحت يديه منذ صغره.
وقد أشار الشيخ(رحمه الله) إلى نبوغ هذا السيد الجليل، فضلاً عن أن الشيخ كان يستعين به للتعليق على بعض رسائله وتقريراته، وقد تأثرت شخصية السيد الشهيد بشخصية أستاذه من حيث تجديده في العلوم الفقهية وكيفية طرحه للآراء الجديدة في الحوزة العلمية في النجف الأشرف وكذلك تتلمذ عليه شخصيات علمية عالية القدر كان لها شأنها في الحياة العلمية والفكرية والاجتماعية، من أمثال: الشيخ محمد حسن آل ياسين، السيد محمد بحر العلوم، العلامة الكبير السيد علوي بن السيد أحمد البحراني والشيخ عبد الحسين نعمة بن الشيخ محمد علي نعمة، الشيخ باقر بن الشيخ موسى آل أبي خمسين، والسيد ناصر السيد هاشم السلمان، والسيد إسماعيل الصدر، والشيخ أسد حيدر، والشيخ أحمد الطرفي، والشيخ محمد علي الخمايسي، والشيخ عبد الأمير قبلان، والشيخ محمد جواد مغنية، وغيرهم من تلامذته والتي لم تسعفنا المصادر في إحصائهم وكتابتهم…

تأسيس جماعة العلماء
بعد ثورة تموز عام 1958 انتشرت بعض الجماعات والحركات والأحزاب العلمانية وغير الدينية والتي تدعو إلى بث روح الفرقة والتمزق بين أفراد المجتمع الواحد وذلك عن طريق نشر بعض الآراء والمعتقدات والتي تخالف الشريعة الإسلامية من ناحية والعرف الاجتماعي من ناحية أخرى.
لذلك قامت مجموعة من العلماء سميت نفسها باسم (جماعة العلماء) في النجف الأشرف للوقوف ضد هذه الأفكار والمعتقدات إذ أصدرت هذه الجماعة مجموع من المنشورات الدينية عندما لمسوا وجوب القيام بالدعوة إلى توحيد الكلمة ونبذ الفوارق بين طبقات المجتمع وإزالة الترسبات والعوائق التي تركتها تلك العهود المظلمة.
إذ تأسست هذه الجماعة من مجموعة من أساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف في مقدمتهم كان شيخنا الجليل ولعله كان أفضلهم من الناحية الفقهية المشهود له بها في حينه، والغريب عند مراجعتي للمصادر والتي تشير إلى تأسيس هذه الجماعة لم ألحظ إلا القليل جداً منهم من يذكر أن لهذه الشخصية الجليلة كان لها دوراً مهماً في تأسيس هذه الجماعة، وهذه أيضاً من الظلامات التي وقعت لهذا الشيخ، مما قلل من شأنه من تأسيس هذه الجماعة، فضلاً عن ذلك فإنه لم يذكر بصورة أكبر بسبب أن الأجل قد وافاه بعد تأسيس هذه الجماعة بعام تقريباً…

آثـــاره
لم يترك شيخنا المترجم من آثاره ما يدلنا عليه أكثر إلا رسالة عملية كما أشار الى ذلك أحد أقربائه، إذ يقول: إنه أرجع جماعة من أهل بيته في المسائل التي يحتاط بها إليه، وذلك عن طريق الرسالة العملية الموجود عنده، فضلاً عن ذلك فإن مكتبته العامرة وهي أثره الثاني فقد بيعت بعد وفاته بوساطة الشيخ أحمد الطرفي والشيخ حميد السماوي، حتى تصرف هذه الأموال على عائلته، ولا نعرف لعل في مكتبته تلك العديد من مخطوطاته من تقريرات لأساتذته وغيرها من المؤلفات أكلتها يد الحاجة والمعيشة…

وفــاته
في أواخر أيامه لازمه المرض واشتد عليه كثيراً إذ أخذ منه مأخذاً بعد عناء في الدراسة والتدريس والحياة العامة التي كان يعيشها، وقد لازمه في المستشفى آخر أيام عمره السيد الشهيد الصدر والسيد محمد بحر العلوم (دام ظله) كما تحدث لي بذلك أحد أقربائه وهو الحاج حسن بن كاظم الرميثي وهو ابن أخ الشيخ مباشرة.
لذلك فقد توفي الشيخ في المستشفى يوم 15 شوال سنة 1379هـ وشيع تشييعاً مهيباً ودفن بالصحن الشريف بحجرة رقم (49).
وقد أرخ وفاته الشاعر السيد محمد الحسيني الحلي إذ قال:
أبكـيـت عين العـلم حزناً وقد
قـرّت بلقيــا الله عينـــاكـــا
ما في الثرى مثواك بل أرخوا:
بالخـلــد يا عبـاس مثواكــا
وقال في تاريخ آخر:
قد كـان فقدك حادثاً جللاً
أبكى العلا والعـلم والعملا
وجـمت مدارسـه وأذهـلها
أن الردى قد جندل البطلا
صـك الغـري فهز جــانبه
أسفـاً لنجـم منـذ قد أفلا
ومصــاب عبــاس مؤرخه:
(قد أفجع العلماء والفضلا)
فسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حياً .

نشرت في العدد 31

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.