الشيخ محمد حسن أبو المحاسن الكربلائي من الأسماء المضيئة في عالم الفكر الإسلامي، وأحد شعراء العراق الوطنين الذين ساهموا مساهمة فاعلة في الدعوة للثورة على الحكم البريطاني الغاشم، وهو أحد الأصوات الجريئة في ثورة العشرين حتى كان لسانها المعبر عنها ألماً وأملاً وحزناً وقرحاً، وقد سجلت له مواقفه ابان تلك الثورة كثيراً من الخطب الوطنية والقصائد القومية التي قالها في الدفاع عن الوطن وعن حدة المسلمين خدمة قضاياهم.
ولادته ونشأته
هو الشيخ محمد حسن الملقب بـ(أبي المحاسن) بن الشيخ حمادي بن محسن بن سلطان بن كاطع الجناجي، وهم بطن من عشيرة آل علي التي تسكن قرية (جناجة) التابعة لقضاء الهندية (طويريج)، وعشيرة آل علي من بني مالك، وهي قبيلة عربية كبيرة تنتهي في نسبها إلى مالك الأشتر، التي منها الشاعر الشيخ محمد حسن المتوفى سنة 1344هـ(1)، ومن جهة الأم ينتسب إلى أسرة السادة (آل نصر الله) خلافاً لما يراه بعض المتأدبين الذين حاولوا تغيير هذه الحقيقة في الكتابة مؤخراً عن الشاعر المذكور.
ولد في كربلاء سنة 1293هـ في زقاق السادة بمحلة باب بغداد ونشأ بها واغترف العلم من المناهل التي وردها في حوزة كربلاء العلمية، ومن أساتذته الشيخ كاظم الهر(2) والسيد محمد حسين المرعشي الشهرستاني(3) والسيد عبد الوهاب آل وهاب(4).
هذه الصفوة وغيرها أثرت في حياته تأثيراً غير قليل وطبعوا نظرته إلى الحياة بطابع خاص، ولذلك فلا عجب أن رأى صروح العلم ومنارات النور ترتقي في هذه المدينة الخالدة.
ينبغي أن نعرف أن آراء أبي المحاسن وأفكاره صورة صادقة لمكانه وزمانه.
أما عن ثقافته وعلمه فقد قرأ مختلف أنواع العلوم الشرعية والنحوية وتضلع في علوم العربية كما نهل من دواوين فحول الشعراء (الجاهليين والإسلاميين والعباسيين)، وإذا كان لأساتذته فضل في توجيه ملكته وطاقاته وصقلها، فأن جهده لا يعدم بما حفظ وقرأ فلا يمل ملازمته للمكتبات، يتصيد الشاردة والواردة ليزيد من سعة اطلاعه ومعرفته حتى برز فنال من الرعاية ما ينمي جهده، فمكنه ذلك من الإحاطة الواعية الشاملة. أحب دراسة خصائص اللغة العربية فقرأ في كتب فقه اللغة القديمة والحديثة، وكان يجد متعة ما بعدها متعة في دراسة الثقافة الإسلامية، واشتهر بولعه للنادر من المخطوطات وهيامه بجمعها. ومارس قرض الشعر منذ حداثته واستمر في نظمه عبر مسيرة حياته فكانت له مهارة في الأداء والعناية اللازمة.
من السجن إلى وزارة المعارف
على أن الذي يعيننا قبل كل شيء هو أن نسجل أن أبا المحاسن كان أحد أقطاب ثورة العشرين.
يقول البصير: وشاءت الظروف أن تكون كربلاء خلال سنتين 1919 و1920 مركز نشاط سياسي كبير بسبب إقامة الإمام الشيخ محمد تقي الشيرازي رجل الحركة العراقية الوطنية الأكبر فيها فساهم المترجم له في هذا النشاط وكان انضمامه إلى حزب سياسي سري ألّفه الشيخ محمد رضا كبير أنجال الإمام الشيرازي، فلما خبت نار الثورة وأعيد احتلال كربلاء في خريف سنة 1920 ألقي القبض على المترجم وأرسل إلى الحلة حيث سجن بضعة أسابيع ثم أطلق سراحه وعاد إلى السكون والانزواء.
وفي تشرين الثاني من سنة 1923 دعي المرحوم جعفر العسكري إلى تأليف الوزارة على أثر استقالة السعدون من الاضطلاع بتبعات الحكم فرشح أديب وطني ذو صلة ببعض المقامات السياسية العالية صاحب الترجمة لمنصب وزارة المعارف في هذه الوزارة ولقي ترشيحه أذناً صاغية فعين وزيراًٍ للمعارف(5).
وفي آب من سنة 1924م انسحبت الوزارة العسكرية الأولى من منصة الحكم، فانسحب المترجم له من ميدان العمل نهائياً فقضى بقية أيامه متنقلاً بين كربلاء وقريته جناجة، حيث خرج إليها مع عائلته فراراً من حوادث كربلاء وأقام بين أسرته ورهطه في القرية.