Take a fresh look at your lifestyle.

البعد الإنساني في العمارة النجفية رسالة الإنسانية بين المرسل والمتلقي

0 1٬103

د. عبد الله سعدون المعموري
قسم الهندسة المعمارية/ الجامعة التكنولوجية

م. محاسن هادي خلف
استشاري وباحث/ وزارة الإعمار والإسكان

 

                         لكل مدينة من مدن العالم طابع معماري، يعكس ذوق سكانها، ودرجة الرقي المعماري التي وصلت إليها.
مدينة النجف الأشرف شأنها كشأن باقي المدن ظهرت فيها ملامح للعمارة منذ أن أصبحت مسكناً، ثم تطورت مع الزمن بفعل التماس مع أفكار القادمين إليها الذين حملوا معهم أنماطاً للعمارة كانت سائدة في بلدانهم التي قدموا منها. وكان الجهد المعماري ينصب على مرقد الإمام علي(عليه السلام) باعتباره أبرز علامة في المدينة، فقد تجلت فيه صوراً للإبداع الفني متمثلة بالخط والزخرفة وأساليب البناء المتميزة.
ودراستنا هذه للعمارة النجفية في بعدها الإنساني تدور في ثلاثة محاور، اثنان منها تتركز على شخصية الإمام
علي(عليه السلام) الذي أكسب النجف قيمتها الحضارية، أما المحور الثالث فيدور حول البعد الإنساني في العمارة النجفية.

المحور الأول:
البعد الإنساني في شخصية الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)
الإنسان في اللغة، إنسُ: البَشَر، الواحد إنْسِيٌّ وأَنَسِيٌّ أيضاً بالتحريك، والجمع أَناسِيٌّ. والأَنْس: أنْسُ الإنسانِ بالشيء إذا لم يسْتَوْحِشْ منه. وقال تعالى: (وأَناسيَّ كثيراً). وكذلك الأَناسِيَةُ. ويقال للمرأة أيضاً إنْسانٌ، ولا يقال إنْسانةُ(1). وإنسانية الإنسان هي في منحه كل ما يحتاج إليه لإقامة الحياة الكريمة من دون إفراط ولا تفريط.

يمكن تلخيص حياة الإمام علي(عليه السلام) بثلاث مراحل كبرى جعلت منه رمزا للإسلام الأصيل في أتقى صوره وأبهى تجلياته؛ منها 23 سنة من الجهاد من أجل رفعة الإسلام ونشر الرسالة، و25 سنة من الصبر من أجل الوحدة وتأسيس علوم الدين، وخمس سنوات من الجهاد من أجل العدالة والإنسانية وتقديم نموذج فائق المثالية في الحكم والسياسة لكي تبقى القيم العليا التي أسس عليها الإسلام وحدة قياس ومرجعية تحدد بناءً على استقامتها درجات الانحراف عن الصراط المستقيم. فالإمام علي(عليه السلام) هو تجسيد للقيم الإنسانية ومن الإجحاف بحقه أن نختصر شيئاً من حياته ومناحيها التي تحتاج إلى مجلدات، ولكن اختزال بعض الصورة في مجال الدراسة هو غايتنا وليس الاقتصار عليها.

وقد وجد علماء وأدباء وفلاسفة ومفكرين في الشخصية الإمام علي(عليه السلام) الفذة مثالاً للعدالة الإنسانية وقدرته على صيانة القيم الإنسانية والرسالة الإلهية العليا، كان(عليه السلام) وما يزال لكل مسلم ولكل إنسان سفينة العبور إلى أمة إسلامية مترفعة عن كل أنواع العصبيات الجاهلية والمذهبية والفئوية. وكان لعلي(عليه السلام) أخلاق قلّ أن اجتمعت بإنسان، فقد كان من تورعه عن البغي مع قوته البالغة وشجاعته النادرة أنه لم يبدأ أحداً قط بقتال، فقال للإمام الحسن(عليه السلام): لا تدعوَنّ إلى مبارزة، فإن دعيت إليها فأجب، فإن الداعي إليها باغ، والباغي مصروع ببغيه.
أما مروءته فكانت أندر بين ذوي المروءة من شجاعته بين الشجعان، فقد نهى جنده وهم ناقمون أن يقتلوا مدبراً أو يجهزوا على جريح، أو يكشفوا ستراً أو يأخذوا مالاً.

كانت هذه المروءة سنته مع خصومه من استحق منهم الكرامة ومن لم يستحقها، وهي أندر مروءة عرفت من فارس مقاتل في غر القتال، ومما زادها كرامة ونبلاً، إلا سلامة صدره من الضغن على أعدى الناس له، فقد نهى أهله وأصحابه أن يمثلوا بقاتله عبد الرحمن بن ملجم الخارجي أو أن يقتله أحد غيره.

اقترنت شجاعة الإمام علي(عليه السلام) وقوته الجسدية بقوته الخلقية لثقته في نفسه واعتزازه بها، لأنها جزء من شجاعة الفارس، وهي الثقة المطلقة في صراحتها واستقامتها، لأن صاحبها لم يتكلف مداراتها، وقد حملها من ميدان الشجاعة والقتال إلى ميدان العلم والتعليم حين كان يقول: (سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تهدي مئة وتضل مائة إلا أنبأتكم بناعتها وقائدها وسائقها ومناخ ركابها ومحط رحالها).

وكان إلى جانب ذلك صادقاً صريحاً، فما استطاع أحد قط أن يحصي عليه كلمة مخالفاً فيها الحق الصراح في سلمه وفي حربه، وبين أصحابه أو بين أعدائه، ولعله كان أحوج إلى المصانعة بين النصراء مما كان بين الأعداء، لأنهم أرهقوه باللجاجة واعنتوه بالخلاف، فما عدا معهم قول الصدق في شدة ولا رخاء حتى قال فيه أقرب الناس إليه، وفيه قال عمر بن عبد العزيز: أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب.

وقد أبى(عليه السلام) أن ينزل في القصر الأبيض في مدينة الكوفة إيثاراً للخصاص التي يسكنها الفقراء، وربما باع سيفه ليشتري بثمنه الكساء والطعام، وعلى زهده الشديد كانت فيه سماحة ينبسط فيها، وكان على قسط وافر من الفهم والذكاء والمشورة حتى قال: (والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس).

هذه صفات تنتظم في نسق موصول، رجل حرّ وفارس شجاع، شجاع لأنه قوي، وصادق لأنه شجاع، وزاهد مستقيم لأنه صادق، ومثار للخلاف لأن الصدق لا يدور بصاحبه مع الرضى والقبول والفوز، وأصدق الشهادات لهذا الإنسان النبيل الصادق أن الناس قد اثبتوا في حياته أجمل صفاته المثلى، وهي مفتاح شخصيته التي يمكن أن تسميها آداب الفروسية عند العرب بأجلى معانيها النبيلة، وتظهر شخصيته في أمور أخرى تجري مجراها فتتم الفروسية، منها: الفقه والنزوع إلى الزهد والابتعاد عن الدنيا واستنباط حقائق الأمور، وطبيعة الفروسية وطبيعة الجهاد من معدن واحد، ألا وهو مكارم الأخلاق، وما آداب الفتوة إلا بعض آدابه حتى قيل فيه: لا فتى إلا علي، ولا سيف إلا ذو الفقار.

كما نرى شخصية الإمام علي(عليه السلام) في نهج البلاغة شخصية فذة، فارس شجاع ومؤمن ثائر بليغ، فهو رجل العقيدة القوية والإيمان الحي الذي تقوده العقيدة إلى القيام بجميع شعائر الدين وحمل الآخرين على اتباع هذا السبيل، وتقوده عقيدته الحية إلى الاستقامة، لا تعرف التواء ولا مواربة، بل تمضي في سبيل العدل والواجب من غير مراعاة للخواطر ولا محاباة للوجوه. وفي الحقل الأدبي والأخلاقي كان علي(عليه السلام)

مثالاً عالياً في الأخلاق والنزاهة والتجرد، جريئاً لا تأخذه في الحق لومة لائم، وفي الحرب والوغى، لا يخشى موتاً ولا يرهب عدواً، ولكن شجاعته لم تحجر قلبه ولم تقسّ نفسه، فكان رقيق العاطفة، عميقها، تظهر في مواقف كثيرة لاسيما عند استشهاد السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) إذ ظهر أن حزنه سرمد وليله مسهد.
وكان يكره الرياء ويحب الصراحة ويشجع على الحق، وقد انفض من حوله أقرب الناس إليه بسبب خصاله تلك وأخذوا يؤيدون معاوية. وتتجلى فضائل الإمام علي(عليه السلام) ومناقبه وزهده كثرة وانتشاراً ومن أهم الأشياء التي استحق بها الفضل هي: السبق إلى الإيمان، والهجرة، والنصرة للرسول(صلى الله عليه وآله) والقربى منه، والقناعة وبذل النفس، والعلم بالكتاب والتنزيل، والجهاد في سبيل الله، والورع والزهد، والقضاء والحكم، والفقه والعلم، والمؤاخاة لرسول الله(صلى الله عليه وآله)، والمناداة به يوم الغدير،

إضافة لمسلكه في الكلام والمعرفة البديهية بوسائل التعبير حيث جمعت بين الطبع والسجية معاً، ولغة عربية صقلها وليّنها العهد الجديد والحضارة والدين الجديد، مما أكسبه ثروة فكرية أدبية واسعة، مما يجعل له محلاً رفيعاً في عالم الدين والأدب والاجتماع إضافة لميادين الحياة الأخرى العديدة التي عزّ وجودها في غيره. ونشأ الإمام علي(عليه السلام) على الحرية، حرية المعتقد فهو لم يعبد الأصنام وفتح عينيه على مهيئات الرسالة. وحرية الرأي في القول والعمل وظل ملتزماً بها حتى ساعة استشهاده(2).

وقد صدق الأديب المسيحي بولس سلامة عندما أوجز الكلام في إنسانية الإمام علي(عليه السلام) بعد أن رأى أن السلم عنده منهاج متكامل في الحياة وليس على مستوى الحرب فقط، فقال: (سدرة المنتهى في الكمال الإنساني علي بن أبي طالب(عليه السلام)). ولذلك نرى دائماً وأبداً أنه إذا كانت إرادة السماء قد شاءت أن يكون نداؤها الأخير للإنسان قد تمثل نغماً قدسياً في رسالة الإسلام، فقد شاءت إرادة الحق أن يكون الإمام علي(عليه السلام) ضمير الرسالة وإمام الفضيلة وسيد السلام. ولقد رأى جبران خليل جبران الكمال الإنساني بكل معانيه وأبعاده متجلياً في ثلاث من شخصيات العالم هم: عيسى، محمد، علي. وجبران يعتقد أن علياً هو أول عربي بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) عرف الذات الأحدية ولم يفارقها في حبه، وإخلاصه، وصدق سريرته، وفي خطبه النورُ الساطع الدليل على ذلك، وفي سلوكه الديني، والاجتماعي والإنساني أيضاً، وأن الذين أحبوا علياً قد لبوا دعوة فطرتهم السليمة التي لم تفسدها السياسة، وشهوات الدنيا الآثمة، وعلي في عقيدة جبران (جوهرة بين الحصى)، أي أنه تفرد بمعان جعلت منه الإنسان الكامل.
وما نذكر جبران وأشباهه إلا لنؤكد ذلك في نفوس الآخرين وإلا فهو لا يحتاج إلى مثل جبران لتقييم شخصيته الكريمة وذاته النزيهة.

ويبرز عباس محمود العقاد صورة لموقف قريش من علي قد تكون أدق وضوحاً وأرسخ وثاقة فيقول: (إن قريشاً كانت تحقد على الإمام، وتنحيه عن الخلافة)، ويرى أن سبب ذلك الحقد الدفين فيقول: (فقد بطش علي بنفر من جلة البيوت القرشية في حروب المسلمين والمشركين، وقتل من أعلام بني أمية وحدهم: عتبة بن أبي ربيعة جد معاوية، والوليد بن عتبة خاله، وحنظلة أخاه، وجميعهم من قتلاه يوم بدر.. عدا من قتلهم في الوقائع والغزوات الأخرى، فحفظ أقاربهم له هذه التِّرات بعد دخولهم في الإسلام، وزادهم حقداً أنهم لا يملكون الثأر منه لقتلاهم من الكفار)(3).

وعلى الإسلام السلام أن يبغض علياً من أجل قتل الكفار وأعداء الإسلام.
ويقول المؤرخ والمحقق الفرنسي كاراديفو في كتابه (مفكرو الإسلام): (وعلي هو ذلك البطل الموجَعُ، المتألم، والفارس الصوفي، والإمام الشهيد، ذو الروح العميقة القرار التي يكمن في مطاويها سرّ العذاب الإلهي)، ويرى في علي فارساً غالباً، ولكنه فارس صوفي، أي إن فروسيته نهلت من معين المعارف الإلهية حتى الارتواء، فهو لا يرفع سيفه النبيل، ويهوي به إلا ليقتل شيطاناً من طواغيت الاستكبار المشرك، والطبيعة الجاهلية، البطرة، ليعز كلمة الله، ويجعل الناس يعيشون تحت ظلالها جنات الإخاء والمحبة والمفاسد التي اتخذ منها إبليس جنوداً ليحجب الإنسان عن ربه وإنسانيته.

وعلي(عليه السلام) إمام رفعه إلى مقام الإمامة الأقدس ـ بعد حكم الله تعالى ـ كفاءاته العلمية والدينية والأخلاقية وسموه الروحاني. ويعتبر العقاد إن ثقافة الإمام هي: ثقافة العَلَم المفرد، والقمة العالية بين الجماهير في كل مقام، وإنها هي ثقافة الفارس، المجاهد في سبيل الله، يداول بين القلم والسيف، ويتشابه في الجهاد بأسه وتقواه، لأنه بالبأس زاهد في الدنيا مقبل على الله، وبالتقوى زاهد في الدنيا مقبل على الله، فهو فارس يتلاقى في إقباله على الله تعالى دينه ودنياه. ويقول: (كان علي المسلم حق المسلم في عبادته، وعلمه، وقلبه وعقله، حتى ليصح أن يقال، إنه طبع على الإسلام، وأن الدين الجديد لم يعرف قط أصدق إسلاماً منه، ولا أعمق نفاذاً فيه)(4).

يحمل الإمام علي(عليه السلام) فكراً إنسانياً ثورياً فاعلاً يرقى في تطوير المجتمع إلى تحقيق ما تحلم به الإنسانية من حياة فاضلة كريمة، وأنه استشهد في سبيل ما كان يريد أن يجعله واقعاً حياً، لذلك فهو إمام شهيد صاحب نفس وضّاءة تختزن سراً إلهياً قدوسياً، هو سر قبول تحمل العذاب حتى الموت لإنقاذ الإنسان من الظلمات إلى النور.

المحور الثاني:
رسالة الإمام علي(عليه السلام) الإنسانية بين المرسل والمتلقي
يحمل الإمام علي(عليه السلام) رسالة إلى الإنسانية تحاذي الرسالة الإسلامية وتنهل من قيمها أعلى القيم الأخلاقية والإنسانية ليرتقي بالفكر الإنساني ولتنعكس قيمه الإنسانية الكامنة في عمق روحه ومتجذرة في أصل تكوينه البشري على كل من جاوره حياً وعاصره إماماً، أو من كان يتشرف بمجاورته وانتمائه له ضريحاً شريفاً ارتقى ليمثل رمزاً بكل أبعاده الإنسانية وصار كل ما حوله من مصنعات وحرف هي محاكاة لعمارة ذلك الضريح ومناجاة روحية معه، فمثل الإمام(عليه السلام) المرسل لرسالة تحمل شفرة عميقة يفك رموزها متلقي تنسم منذ عهد طفولته الأولى نسائم تهب صباحاً، واعتاد انتهاج نهجاً خطته غابرات الأيام متمثلة في قيم إنسانية رسمها الإمام في كل مسلك من مناحي الحياة.

تميزت رسالة الإنسانية عند الإمام علي(عليه السلام) ببلاغة اللغة أولاً وجزالة اللفظ، فقد كان فقيهاً متحدثاً لا يباريه أحد أبداً، فاللغة وطبيعتها و نوعها هي خاصية كل نوع من المخلوقات على حدة، أي أن لكل امة لغة تتخاطب بواسطتها، زقزقة أو صهيلاً أو مواءً، ولها صفات بيئية بيولوجية معينة تجعلها مختلفة عن باقي الأمم، فلقد قسم الله تعالى المخلوقات إلى أمم أمثالنا (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ

أما إنسانية الإنسان فهي تتجلى فقط بقدرته على الكتابة والرسم وفي قدرته أيضاً على استقراء هذه الرسومات، والقران الكريم حدد هذه النقطة بشكل دقيق فجاء في الآية الكريمة (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)، وقال ابن خلدون: (تعتبر اللغة من جملة الصنائع لأننا نرى جودة الخط في المدن) أي نسب اللغة إلى الجانب الإنساني منها وهو الكتابة فقط وأنها تتجلى في أرقى درجاتها مع الإنسان عندما تصل لأن تكون إشارات ورسومات مكتوبة أيضاً يمكن للإنسان أن يقرأها، مما يتيح له القدرة على التعلم وتوريث العلم كتابة ً دون أن يكون المعلم لهذا العلم على قيد الحياة، وهذا ما جسده إمامنا العظيم في كتابته للقرآن الكريم بخط يده مجسداً الإبداع الإنساني للرسالة الإسلامية وقد وجِدت مخطوطات عدة بخط يده، وما تزال تحتفظ مكتبة جامعة Yale الأمريكية بمخطوطات نادرة منها.

ويعد هذا التميز والتفرد الذي مثله الإمام علي بتدوين القرآن الكريم كتابة هو من مظاهر الإبداع الإنساني عنده إلى جانب الجدة والمرونة في الابتكار حيث إن الالتزام بقيم إنسانية عليا تمكن الإنسان من رؤية (الرمز الخالد في الأثر الزائل) إلا أن هذا الالتزام يجب أن لا يكون سلبياً كمحاكاة عمياء، لذلك فان الحسّ التاريخي بحضور الماضي هو الذي يجعل الإنسان تقليدياً في تميزه وفي الوقت نفسه من أبناء عصره، وبالتالي ضمان ديمومة الإبداع من خلال التوريث لشيء سرمدي في حقيقته كالقيم الإنسانية، فالإبداع الفني من حيث أهمية الالتزام بالقواعد لكن بشرط أن يتم ذلك بطرق متفردة ونبيلة، وفي ذلك تأكيد على ارتباط القيم الإنسانية بالإبداع الفني، وقد ورد في المذهب الأفلاطوني الذي عد الفن المبتعد عن التمويه (تقليد المحسوسات)،

أعلى من الذي يميل إلى التمويه ولا يؤكد الجانب الإنساني، ووفقاً لذلك، فالإنسانية تعد المقياس الأكبر للفنون وقوة الإبداع الفني فيها وقد تجسد هذا بوضوح للمتلقي للقيم الرائعة في رسالة الإمام علي(عليه السلام) الإنسانية، فالتفرد والتميز عنده كظاهرة يرتبط بقيم وأعراف تنطلق من واقع أخلاقي إنساني مرتبط بالخالق سبحانه، حيث لا يمكن أن يتحقق الإبداع بعيداً عن مرجعية إيمانية تلهم الإنسان بمفاهيم ومقاييس جديدة لإبداعات الأجيال الماضية، وبالتالي استمرارية الحضور الحي لهذه الأجيال،

كما أن الخلود للنتاجات المتفردة والمبدعة يأتي لكونها تساهم في عملية التطور وتحدث اختلاف وفرق واضح، وبالتالي يمكن تحقيق البقاء والحفظ والتغلب على حالة الفناء المادي، فالحفظ كظاهرة حقيقية يتعارض مع النسيان المطلق كحقيقة سيكولوجية، حيث يكفي حضور المؤثر المناسب لاسترجاع ما ضاع من الذاكرة، لذلك سميت الذاكرة عند فلاسفة العرب بالحافظة، و(الحفظ الإلهي) هو القول بأن إبداع العالم وبقاءه متوقفان على فعل الله تعالى، فهو يخلقه ويبقيه ويحفظه في كل لحظة.

لذا يمكن القول إن هناك نوعين من الحفظ، الأول يتحقق بالإرادة الإلهية، والآخر يرتبط بالحضور الإنساني، ويعد التوثيق أحد الآليات التي يتحقق من خلالها الحفظ.
والإمام علي(عليه السلام) هو القرآن الناطق مثلما أن القرآن هو الإمام الصامت ومن الانطلاقة القرآنية والتعاليم السماوية، نستطيع أن نستكشف رؤية الإمام علي(عليه السلام)

لمبدأ الإنسانية في تعامله مع الآخر، فمن المعروف عنه أنه كان دائم الاهتمام بموضوع احترام الذات وعدم تهميش الآخر وإقصائه وهذه الحقيقة المؤكدة في البعد الإنساني نجدها جلية مشرقة في قاموس الإمام الإنساني على مدى امتداد فترة خلافته وما قبلها. فرغم كونه القائد الحق، ورغم كونه المبدوء دائماً بالحرب، فإنه لا يواجه عدواناً بالسيف حتى يبدأ بالوعظ والإرشاد والنصح والهداية يحاجج من جيّش الجيوش عليه وأقبل بالعدوان إليه لاحترامه للإنسان كقيمة عليا وقيمة الإنسان الممنوحة له من الله سبحانه في استخلافه للأرض وتسخير الطبيعة لخدمته، فالإسلام حركة حضارية شاملة تربط بين مسألة الإيمان ومسألة الإبداع، بين التلقي عن الله تعالى والتوغل قدما في مسالك الطبيعة ومنحنياتها وخفاياها، بين تحقيق مستوى روحي عالٍ للإنسان على الأرض وبين تسخير قوانين الكيمياء والفيزياء والرياضيات لتحقيق الدرجة نفسها من التقدم والسمو على المستوى المادي. ولم يفصل الإمام علي(عليه السلام)
في رسالته الإنسانية بين هذا وذاك بل إنه يقف موقفاً شمولياً مترابطاً يرفض التقطيع والتجزيء في تقييم الموقف الحيوي وقد انعكس هذا بوضوح كامل عبر مسيرة حياته ورقي أفكاره وعقيدته التي تحتفظ بتوازنها المبدع بين الطرفين من أجل تحقيق التداخل والتكامل والتوازن بين القيم الروحية والقيم المادية.
يعد المكان وأشياؤه عند الإمام علي(عليه السلام)
ليس فقط امتدادات في الفراغ ذو إحداثيات هندسية تُعَرّفها وإنما موجودات ذات طبيعة حية وخصائص متميزة ومتفاضلة فقد قال(عليه السلام): (إذا مات العبد يبكي عليه مصلاه في الأرض ومصعد عمله من السماء ثم قرأ (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ))(5)، كيف يمكن للمكان الجامد اللاواعي أن يبكي أو يفتخر أو يشهد ويشارك الذات الواعية في خصائصها؟ ولا شك إننا نجد صعوبة في إدراك طبيعة العلاقة المكانية التي يصورها هذا الحديث ضمن إطارنا الفكري الذي تحدده العلوم الحديثة والتي تدفعنا لاعتبار المكان بصفته الفيزياوية الجامدة غير الواعية مقابل الذات الإنسانية الواعية،

هذه العلاقة المعنوية لإدراك المكان ليس فقط بصفته الفلسفية المجردة وإنما أيضاً كامتداد للأحوال الإنسانية التي تجعل من هذا الفراغ المجرد الثابت مكانا ذا طبيعة متلونة متحولة، فالإنسان جزء من وحدة المكان ويتوافق معه لأنه لا يدرك الأشياء والمكان في ذاته وإنما يدرك العلاقات القائمة فيه، فالمكان وما يحتويه ليس فقط امتدادات في الفضاء ذات إحداثيات هندسية معّرفة وإنما موجودات ذات طبيعة وخصائص إنسانية متميزة(6).
ويرى البعض أنّ الإمام علي(عليه السلام) قد استشهد بالطريقة المعروفة على يد ابن ملجم لعنه الله نتيجة الإفراط في تعامله الإنساني مع الآخرين الذين استغلوا نزعته الإنسانية للقضاء عليه وعلى تلك النزعة التي لا تروق لهم ولا لمخططاتهم وهذا ما أكده المستشرق الاسكتلندي وليم موير (1819ـ1905) في كتاباته المتعددة عن تاريخ الإسلام والمسلمين.

المحور الثالث:
البعد الإنساني في العمارة النجفية
تعد العمارة محتوى فعاليات الإنسان، ومن أهم مصنعاته عبر التاريخ بكل ما تتضمنه بنيتها من العناصر الشكلية والعلاقات التي تربط بينها والقواعد التنظيمية التي تحكمها في التنظيم الفضائي وأنماط الحركة والتكوينات الشكلية التي تجسد حياة ساكنيها بما تتضمنه الأخيرة من قيم إنسانية ومعتقدات وأعراف ومفاهيم روحية تساهم في أنسنة الفعل المعماري. ويمثل المسكن البيئة العمرانية المصغرة التي يصنعها الإنسان لسد متطلباته الأساسية، وحيث إن لكل مجتمع خصوصية تميزه عن غيره لذا تختلف البنية الشكلية تبعاً للبنية الوظيفية وطبيعة الاستخدام للبيئة المعمارية والحضرية كما تختلف تبعاً لمتطلبات الخصوصية والتقاليد والعقائد والقيم التي لا غنى لدى المعماري عن معرفة دورها الكبير في صياغة وتشكيل النتاج المعماري المنسجم مع متطلبات الحاجة، فالعمارة امتداد مكاني ـ زماني يستوعب البعد الإنساني المتكامل ويمتلك قدراً من الثبات النسبي لمكوناته المادية كونها خاضعة للقيم والأعراف والمعتقدات.

وقد أبدع المعمار الفطري العربي المسلم في هذا الجانب واستثمر العناصر المتاحة من عقيدة وقيم أخلاقية وتقاليد وموروثات شعبية لينتج عمارة مميزة، فمدينة كمدينة النجف الأشرف يرتبط تخطيطها وعمرانها أساساً بالمقياس الإنساني كما يتميز التكوين الحضري التقليدي بتجانس العناصر وتكاملها وهيمنة المرقد الشريف على خط سماء المدينة إلى وقتٍ قريب حيث إن القادم يرى أن المرقد هو أعلى تكوين فيزياوي فيها، وقد امتازت هذه المدينة شأنها شأن المدن العربية الإسلامية بطراز معماري خاص يتمثل بشوارعها الضيقة وأسواقها القديمة وتماسك نسيجها المعماري ومبدأ التراص بين المنازل والخصوصية والانتقال من الفضاء الخاص إلى شبه الخاص ثم إلى الفضاء العام والمعالجات المناخية ليس على مستوى البيت النجفي فقط بل حتى على مستوى الشوارع والأزقة والشناشيل والالتحام بين المرقد الشريف للإمام

علي(عليه السلام) والنسيج الحضري وتفوقت عن بقية المدن بوجود إشعاع فكري علَوي يستبطنه الساكنون من نخبة ومجتمع في العقل اللاواعي لإنتاج مصنعاتهم وفنونهم ومنها العمارة، وقد كان لعمق الأبعاد الإنسانية في شخصية الإمام علي(عليه السلام) تأثير واضح غيبي على عمارة الضريح الشريف أنساق أثره على بقية العمائر المجاورة وامتد حتى شمل أطراف المدينة النجفية مما حمل العمارة النجفية بعداً إنسانياً واضحاً.

وقد مرت عمارتها بثلاث أطوار هي: الأول، عمارة عضد الدولة البويهي الذي امتد من سنة 338 هـ إلى القرن التاسع الهجري، حيث شيد أول سور يحيط بالمدينة ثم شيد السور الثاني بعده. والثاني الطور الذي يقع بين القرن التاسع وأواسط القرن الثالث عشر الهجريين حيث أصبح عمرانها قديماً بسبب الحروب بين الأتراك والفرس. والثالث الذي يبدأ من أواسط القرن الثالث عشر الهجري وفيه حدثت الكثير من التغييرات العمرانية والثقافية والتي تستدعي الدراسة والتحليل لبحث الآفاق المستقبلية للمدينة المقدسة بما يوفر النقلة النوعية في إدخال التفاصيل المعمارية الوظيفية المنبثقة من إدخال عناصر معمارية ومواد إنشائية طالما نسبت للعمارة الحديثة، والتعامل الفكري مع الطروحات المختلفة وصياغتها ضمن مشاريع معمارية متجانسة بدمج البناء الجديد في الطوبوغرافيا وبنية المدينة ليتكامل معها، وليتكامل كذلك مع البنية التاريخية والاجتماعية للمكان،

فالتعامل مع أي مبنى كحلقة في النسيج العمراني المتضافر مع الأبنية المحيطة به، ويعبر من تراكمات الماضي متجهاً إلى المستقبل، فالبناء التجميعي للعمائر، وتدريجها وتداخلها تضفي نوعاً من التواضع، والاتصال البصري بين الفراغات والمباني تسهله الفتحات والممرات ومحاور للنظر، والأسطح والأدراج والانسيابية مع الشوارع، لتدعو بذلك للمؤانسة في المكان. وإيلاء البيئة المحيطة والطبيعة أهمية لما لها من دور وانعكاس في الأعمال المعمارية، حيث يستفاد من حركة الشمس والريح لتؤمِّن محيطاً صحياً، والجمع والموازنة بين التقاليد والحداثة ليضفي حيويةً على المكان(7)

.
تأثرت عمارة المدينة المقدسة بالأبعاد الإنسانية لعمارة الضريح المقدس للإمام علي(عليه السلام) عبر العناصر والعلاقات والزخارف والتكوينات الشكلية والنسيج الحضري المرتبط به وما من مبنى شيد إلا وكانت مرجعيته عمارة المشهد العلوي المقدس، مع ملاحظة أن عالم البشر الواقعي يمثل المدنس أما عالم السماء المثالي فإنه يمثل المثالية وهو المقدس، وإن الفرق بين المبنى الجميل والمبنى الجليل، هو أن الأخير يمتاز بالعظمة من خلال القياس والضخامة وطبيعة المواد وتأثير الظل والضوء، والألوان فضلا عن رؤية النتاج بشكل متكامل وواضح، وقد رُوعي في المشهد الشريف أمران: الأول، في شكل البناء بحيث أنه كلّما وصل الظلّ إلى نقطة معينة عُرف أنّ الشمس قد زالت، لا يختلف ذلك صيفاً أو شتاءً.

والثاني، أنّ الشمس كلّما طلعت فإنها تشرق على الضريح المقدس مباشرةً، سواءً في الصيف أو في الشتاء. وهذا يحتاج إلى الكثير من الدقة والمعرفة في قوانين الهندسة والفلك. وقد ورد في نص لمنظمة اليونسكو (إن مدينة النجف الأشرف تعد المدينة الإسلامية الوحيدة المحافظة على نسيجها الحضري نتيجة الإهمال المستمر من قبل الحكومات المتعاقبة عليها) وإن النسيج الحضري للمدينة كالمحلات القديمة يعد من أجمل معالم المدن الدينية، حيث لا توجد مدينة إسلامية مهيأة لتكون أفضل من دولة الفاتيكان أكثر من مدينة النجف القديمة. وبذا فإن عمارة المشهد الشريف قد مثلت نمطاً علوياً إلهياً في التناغم الإنساني مع الطبيعة والكون، ومحققا الراحة واليقين والطمأنينة في مدى ملازمة الظاهر للباطن من خلال تميز وبلاغة عمارته، والإطلاق الزماني والمكاني لما فيه من تحقيق القيم الإنسانية متمثلةً بالإنصاف والاعتدال والترابط والوحدة والتنوع واحترام الآخر وكينونته.

إن التعامل مع أي مبنى كحلقة في النسيج العمراني المتضافر مع الأبنية المحيطة به، ويعبر من تراكمات الماضي متجهاً إلى المستقبل، فالبناء التجميعي للعمائر، وتدريجها وتداخلها تضفي نوعاً من المقياس الإنساني والاتصال البصري بين الفراغات والمباني، تسهله الفتحات والممرات ومحاور للنظر، والأسطح والأدراج والانسيابية مع الشوارع، لتدعو بذلك للمؤانسة في المكان من خلال ما حققته عمارة الضريح المقدس من أنسنة للفعل المعماري على مستوى التخطيط الحضري والبناء المنفرد واستعمال النقوش والزخارف والخط.

وإن مدينة النجف بمختلف أنماطها وطرزها كانت ولا تزال تعكس استجابة مادية لمتطلبات الإنسان، وتقف في مقدمتها العلاقة بين مقياس الحاوي والمحتوى من حيث علاقة أبعادها الأفقية والعمودية، حيث يمثل الحاوي في هذا الحال الفضاءات الحضرية، بينما الإنسان بأبعاده الفيزيائية وأحاسيسه الإنسانية المحتوى لهذه الفضاءات، وقد أدى المقياس الإنساني لفضاءات مدينة النجف القديمة دورا مهما في تحديد طبيعة إحساس المتلقي بكيفية انسجام وتناسق العناصر التخطيطية وقدرته على إدراكها وفهمها، وتؤكد المدينة القديمة على المقاييس الإنسانية للوحدات البنائية وشارع المدينة فلم يحدث الانفصال بين الساكن ومدينته.

وإن المقياس الإنساني هو واحد من المبادئ المهمة في تخطيط المدينة القديمة، فمكوناتها صممت بما يتلاءم والمقياس الإنساني، وتتمثل هذه العلاقات مع جميع مستويات بنية المدينة الحضرية، فشبكة الحركة في أزقة وشوارع تتحدد أبعادها بإمكانية استيعاب حركة المشاة المريحة والآمنة، كما أن التكوين المعماري للضريح الشريف والفضاءات العامة في أفنية مفتوحة وأسواق بأبعادها الأفقية والعمودية هي ذات مقياس إنساني، في حين تكون تفاصيل الواجهات من فتحات ومداخل وعناصر أخرى كالشناشيل هي ذات أبعاد متناسبة في المقياس الإنساني، ولهذا فإن العلاقة بين المدينة القديمة والإنسان كانت تتميز بنوع من الحميمية والألفة تحتضن الإنسان وتستوعبه، عكس كثير من أجزاء المدينة المعاصرة التي تكون خارجة عن المقياس الإنساني. وإن إحدى علاقات البيئة كالمقياس والتناسب والتي نراها واضحة ومحددة بمدينة النجف، ساهمت في خلق تلك الرغبة للتخلص من تأثيرات المناخ غير المرغوبة، فمقياس الأبنية وتناسباتها ثابتة تقريبا مما أضفى جوا من التناسق والانسجام بين أجزاء بنية النسيج الحضري للمدينة المقدسة.

وأثرت عمارة الضريح المقدس بأبعادها الإنسانية وقيمها المفاهيمية الثابتة الكامنة في التكوين الشكلي لها بخلق حالة من التفرد والتميز لعمارة مدينة النجف وذلك لما لها من قيم وحقائق أساسية غير متغيرة تعاود الظهور بشكل متواتر في كل تقاليد جديدة، وتقابل الحقائق الزائلة التي تنقصها الديمومة ولا تظهر في التقاليد الجديدة رغم انها عند الظهور تكون ذات صيت وشهرة، وعادة ترتبط بالموضة الجديدة والمؤقتة، والتي يطلق عليها البعض تسمية قيم (كلاسيكية) بالمفهوم العام للمصطلح، ومن الناحية الفكرية هناك توجهين حول طبيعة مرجعية القيم المفاهيمية الثابتة؛ ارتبط الأول بالتاريخ والموروث المعماري كأنماط تاريخية وثقافية ووفقاً لهذا فان التفرد والتميز لعمارة مدينة النجف لم يأتي من خلال قطع الاستمرارية مع الماضي كالتاريخ، والتراث، والأعراف،

بل بالتمسك بما يمكن أن يطلق عليه التقاليد الكلاسيكية المتمثلة بعمارة الضريح المقدس بما يعزز القدرة على الإبداع ويضمن ديمومته، بما لا يعني النسخ أو التقليد الحرفي بل بالمحاكاة الواعية وذلك لكون المفاهيم المنتخبة لعمارة الضريح إنما هي قيم مرتبطة بالجوهر وليس بالمظهر، ومجموعة من الأفكار والقواعد الثابتة التي لا تتغير، رغم تنوع واختلاف النتاجات المتولدة عنها، مما يعني استثمار فكرة النمط Type كمفهوم يرتبط بالمبادئ والقيم المفاهيمية الثابتة، وبالتحديد مفهوم النمط الأعلىArchetype المتمثل في عمارة الضريح الشريف الذي يتضمن قوانين ضمنية توجه العملية الإبداعية المولدة لما هو جديد ومتفرد من الأفعال المعمارية وتوجيهها نحو الأنسنة لتحقيق الأصالة والاستمرارية الحضارية لها ومن ثم الديمومة والبقاء . وارتبط الثاني بالقيم المطلقة (اللازمانية واللامكانية) وتبعا لهذا الارتباط فان التفرد لعمارة مدينة النجف يأتي من خلال البحث عن الحقائق المطلقة الخالدة التي تسمو فوق القيم المحلية والثقافية المتوارثة تاريخياً ذلك لمصدريتها المطلقة .

نشرت في العدد 31


(1) الجوهري، الصّحّاح في اللغة، باب أنس.
(2) قرة، د. عبود، إنسانية الإمام علي(عليه السلام)، مقال منشور على الانترنت.
(3) العقاد، عباس محمود، عبقرية الإمام علي(عليه السلام)، دار الهلال، مصر، ص104ـ 105.
(4) المصدر السابق، ص22ـ31.
(5) سورة الدخان / الآية 29.
(6) المعموري، عبد الله سعدون، الوظيفة الأخلاقية للعمارة (أطروحة دكتوراه)، الجامعة التكنولوجية، قسم الهندسة المعمارية، 2008م، ص170.
(7) مجلة ميزوبوتاميا، مركز دراسات الأمة العراقية، العدد 5ـ6 ، تموز، 2005م، ص312ـ318.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.