Take a fresh look at your lifestyle.

أمل الآمل في ملتقى آمال وأفكار مجلة (ينابيع)

0 502

أ. د. محمد باقر فخر الدين
معهد أبحاث الأجنة وعلاج العقم/ جامعة النهرين

 

           وإذ يشرع كادر مجلة (ينابيع) مشكوراً بإصدار نتاجه الفكري في كل عدد من الأعداد الجديدة والتي يأمل القائمون على إخراجها نقل الأفكار العلمية وغيرها لإبداء التواصل المستمر بين مفردات الحياة وإعطاء الواقع حيزه الفعلي وتبسيط أو تذليل الصعوبات للوصول إلى سدة الحقيقة بما يضمن الدقة والأمانة وسرعة التواصل البناء.

دعونا أيها القراء الكرام نرى كم ينبوعاً وأملاً من مجلة (ينابيع) نرجو ونلتمس، وأي أمل نحصل من المجلة بما يخدم القراء ويزيدهم إدراكاً لواقع الحياة، فللحياة ينابيع نستلهم منها أفكار وتأملات.. ندرك منها حقائق وأسانيد متوارية عن أفكارنا وأذهاننا لربما بسبب واقع الحياة الصعب أو تلاشي الوقت الملائم لإدراك الحقيقة لذا فلتكون مجلة (ينابيع) أمل الجميع للمستقبل.

فكل إصدار مطبوع تشترك فيه ثلاثة محاور أساسية مترابطة فيما بينها هي الفكرة والمبدع (المفكر أو الباحث) والمتلقي، ولذلك تشترك هذه المحاور بأكملها للوصول إلى هدف فعال ذو غاية متخصصة يفترض بأنها نبيلة الغايات ويؤدي نقص أي محور إلى شلل المحورين المتبقيين وبالتالي عدم الإفادة منهما. ونتناول فيما بعد كل محور على انفراد وبشيء من التفصيل وبحوار فكري مبسط وبناء تتجاوب فيه كل أركان ومرتكزات الحياة وهو المبدع (القائمون بالعمل مهما كان نوعه) والمتلقي (القراء الكرام) والرابط بينهما (الفكرة وينبوع الأمل)، وبما يبتعد عن السطحية في الطرح والجدل الحواري كما يبتعد عن الفلسفة المعقدة:

1- الفكرة
الفكرة عبارة عن تساؤل ذهني يسبقه إشكال أو حصول مشكلة ذات حدث آني أو مستمر أو مشكلة متسلسلة الحلقات، وقد تشمل فرد أو أكثر وعلى مستوى اجتماعي واحد أو أكثر. فالفكرة في الأغلب تنتج أملا يخص هدفاً لفرد أو عائلة أو مجموعة متخصصة وتعطي بموجبها الوسيلة أو الحل الأمثل في ذلك الوقت كما يعتقد.

إن الفكرة ونتاجها قد تكون ذاتية أي تهم الشخص نفسه وبعبارة أخرى فكرة ذاتية، أو قد تكون الفكرة أوسع وأعمق وأكبر من أن تكون ذاتية. وقد تكون الفكرة ذات واقع آني تخص فترة وجيزة نظراً لوجود مسبب بسيط أو سطحية الفكرة وعلى العكس من ذلك سعة تطبيق الفكرة والأخذ بها لفترات زمنية متباعدة.

وعلى أي حال فالفكرة التي تطرح على أرضية النقاش لها مسبباتها وأهدافها ونتائجها، والعامل المحدد لما ذكر مسبقاً هو جدوى الفكرة ومخرجاتها وبكلمة أخرى الأمل من الفكرة التي هي الينبوع الرئيس والأهم لمجلة (ينابيع). لذلك قد تكون مسببات الفكرة للخروج إلى واقع أفضل ويعطي الأمل لمن هم بحاجة إليه أو تكون إحدى مسببات الفكرة هي للدخول إلى عالم غامض وإضاءة مسار معين أو بث منهج يخدم المصلحة العامة (أو الشخصية) أو حتى إحداث بريق لمنطق معين مما يعطي الأمل لمن يريد أن يبتغيه، وبذلك تكون الفكرة مسبار يغوص في عالم واسع الامتدادات.

إن المقياس الحقيقي لهدف أو أهداف الفكرة بما هو مطلوب من الفكرة أساساً والأمل المعقود عليها عندما يتاح لنتائج الفكرة أن تطبق على أرض الواقع وتتداخل مع نتائج الفكرة مدخلاتها من الأهداف الحقيقية بما يضمن صلاحية العمل بها، وقد تتداخل نتائج عدة أفكار لتصب في خدمة واقع معين أو المجتمع سواء عينة منه أو بأغلب قطاعاته. وقد يكون العكس هو تداخل عدة أهداف تؤدي إلى فكرة ذات أمل واحد أي أن الأمل هو تحصيل حاصل يأتي من أهداف متنوعة غير نوعية. وعلى النظير من ذلك لا يأتي الأمل الكبير بتاتاً كتحصيل حاصل لفكرة أو عدة أفكار متجمعة لدى (ينابيع) المجلة، وإنما يأتي بعد حصول رغبة عارمة لفكرة ذات منهج قويم تحتاج إلى صياغة براقة بأهدافها ومعانيها.

إن نتيجة كل فكرة هي الهدف الحقيقي لفكرة المبدع وتخدم هذه النتيجة المتلقي الذي كان الأساس كسبب للفكرة والتي شكلت محور تفكير المبدع، ويعتمد استغلال النتيجة على الكيفية التي يتم بها إطلاق سراحها من قبل المبدع واستقرارها على أرضية الواقع ومدى تقبلها من قبل المتلقي. لذلك يجب تنفيذ برنامج متكامل لاستغلال الفكرة من قبل كل من المبدع والمتلقي على السواء ويتضمن هذا البرنامج تفهم عام وواسع بين المبدع والمتلقي وكذلك معرفة آلية التفاهم بين كل منهما على السواء، وبالتالي يحصل الجميع على أمل للمتلقي وأمل للمبدع بأن تطبيق نتاج فكرته واقع غير محال.
وهنا يتبادر إلى الذهن تساؤل بسيط من لدن قراء مجلة (ينابيع)؟
فهل كل فكرة هي أمل؟ أو بمعنى آخر هل أن كل أمل يكون فكرة؟

وحقيقة الإجابة قد تكون باتجاهين متناقضين هما نعم. إذا كانت الفكرة ذات هدف سامي أو بناءة والأمل أسمى، وعلى النقيض من ذلك تكون الإجابة كلا.. إذا كان الهدف وضيع أو دنيء أو غير أخلاقي من فكرة هدامة أو تتصف بالخبث!
فعلى سبيل المثال وليس الحصر، فمسببات فكرة تشخيص العقم البشري وعلاجه نظراً لوجود مرضى مصابين بالعقم بشقيه الذكري والأنثوي والذي يهدف إلى الوصول بمرضى العقم إلى الحالة الأفضل وبما يمكن من إحداث الحمل لدى الزوجة وهو بدوره يعد النتيجة الأمثل لفكرة علاج العقم، وبالتأكيد هو الأمل الواسع لكل من المبدع (هنا القائمون بالتشخيص والعلاج) والمتلقي (مرضى العقم).

2- المبدع (المفكر أو الباحث)
تتصف كلمة المبدع بكونها واسعة المعاني والمعطيات التي يمكن أن تنطبق على أي فرد يتصف بإمكانيته إحداث تغيير على المستوى الذهني أو العضلي أو غيرهما، ونأخذ وظيفة المبدع هنا بتفسيرها وشكلها الواسعين والذي نعني به أي من الاتجاهين فهناك إبداع يصب في صالح الخير أو يصب في خانة الشر، ويعتمد ذلك أصلاً على مسببات الفكرة وأهدافها وقانونيتها، وكذلك عوامل أخرى تتعلق بالمبدع منها الحالة النفسية وظروف المجتمع والتوجه العام للمتلقي وغيرها. ومن المناسب هنا أن نشير إلى أن هناك أفكاراً قد تلقى رواجاً منقطع النظير في مجتمعات معينة وتلقى فتوراً واسعاً في مجتمعات أخرى اعتماداً على البنية الفكرية والعقائد التي تميز هذه المجتمعات، إضافة إلى حجم ما يعانيه المجتمع من هذه المشكلة أو نتاجاتها أو كليهما معا.

إن المبدع الذي يطرح أفكاراً متنوعة الأهداف نظراً لاختلاف مسبباتها فهل يتوجب عليه أن يتمسك بفكرته بدون تجديد. فالمبدع الموهوب عليه أن يعرف كيف يسوق الفكرة ويروج لها والتي لها مؤيديها والمنادين بها وكذلك متقبليها والمبدع الذي يطرح فكرة في مجلة ينابيع عليه أن يلصق بها المتلقي التصاقاً بعد أن يفكر فيها جلياً ويصل بالفكرة إلى أمل أو حتى بصيص أمل يخدم وضعه ومصالحه وتوجهاته على تنوعها. ومن هذا المنطلق يتبادر إلى الذهن استفسار نوعي هل يجب على مجلة (ينابيع) أن تكون ينابيعاً للأفكار دائماً، وأي من الأفكار التي تطرح وتسوق إلى المتلقي والمجتمع.

إن التجديد في الأفكار التي تطرحها مجلة (ينابيع) يجعل من المستقبل أكثر انفتاحاً وأملا ً لكل من المبدع والمتلقي على السواء بما يؤمن التوسع في كل من الأهداف والاستنتاجات والتوصيات وسعة الأفق والخيال والأمل، أما من جانب آخر فالإبطاء أو التوقف عن تجديد الأفكار يؤدي إلى جمود لكل من المبدع والمتلقي غير منقطع النظير وبالتالي تتردى الأفكار إلى درجات متواضعة وتنحدر إلى مهاوي لتكون ضمن عصور قد عفا عليها الزمان وولى عنها الدهر إلى الأبد.

إن المبدع وأفكاره يمكن أن تضع المجتمع في موضع استقرار كون نتائج إبداعه تصب في خدمة أفراد المجتمع بشكل مباشر أو غير مباشر، في حين أن هنالك أفكاراً شاذة وبمجرد طرحها تسبب خلافاً متعدد الاتجاهات والأطراف بما يغير من الخارطة الفكرية أو تصادر حقوقاً لعقائد أي كانت نتيجة التغاضي عن أعراف وتقاليد المجتمع. فاكتمال أفكار المبدع لدرجة تقربها إلى أفق الكمال (إلى حد ما) على الرغم من صعوبة الأمر إلا أنه يعطي المبدع استحقاقاً عالياً وبجدارة في المجتمع بشكل عام والمتلقي بشكل خاص لكونه يمنح الأمل لكل من المتلقي والمجتمع.

إن الأمل الذي يتفكر فيه المبدع لا يقل مستوى عن ما يشعر به المتلقي، فالمفكر يشعر بـ(أمل) أو آمال لكثير من المتلقين في حين قد لا يرتقي إحساس المتلقي إلا بـ(أمله) في أغلب الأحيان. وهذا يتطلب من ينابيع المجلة طرح أفكار وآمال عديدة تتنوع بمضامينها وأهدافها لتتعانق مع متطلبات وأذواق المتلقين (القراء) وبالتالي حصول انسجام وتواصل غير منقطع النظير.

إن إظهار المبدع أفكاراً عديدة ومتنوعة على الرغم من اختلاف أهميتها ومستوى تطبيقها يؤدي بالمتلقي إلى انتهاج أكثر من فكرة ووسيلة وبما يلائم الهدف والأمل الذي يرغب به ولو بأقل تقدير. وبالتالي فهدف الفكرة هو الرابط لفكرة المبدع مع أمل المتلقي وهنا الأمل كبير جداً ويكون كمصب لمجلة (ينابيع) التي تضم بين طياتها نتاج الكثير من المبدعين ولفترات زمنية طويلة متتالية تهدف إلى حل مشكلة عميقة وتنخر في جسد الفرد والعائلة والمجتمع في العديد من الاتجاهات، وتساهم بإحداث إشكالات مزمنة في وضع المجتمع.

3- المتلقي
يوصف المتلقي بكونه فرد أو أكثر يهتم بـ(أمل) خاص به أو يشمل مجموعة معينة يتخذ موقعاً لمحتوى ينابيع مجلة (ينابيع)، ويتبادل كل من المتلقي والمبدع الفكرة والأمل فهما الرابط الأمثل لحصول التفاهم بينهما، لذلك من المهم أن تكون الفكرة منظمة جداً وعلى قدر عالي من التوازن لكي تكون نتائجها ذات مصداقية عالية وتضمن أن تشكل أملا ً صريحاً ومقبولاً لكثير من المتلقين. ويحتاج المتلقي إلى ضمانات وتأكيدات بعدم حصول ضرر لاحق نتيجة تطبيق الفكرة وان كانت هي الحل الأول أو الأمثل له وهذه مسؤولية كبيرة تتحملها أهداف ومضامين مجلة (ينابيع) لتكون ينبوعاً صافياً لكل القراء على اختلاف أذواقهم ومشاربهم. ومن كل هذا وذاك يتضح لنا أن تكون الفكرة جذابة وبمنطق معقول وبأهداف جدية وذات لمسات متجددة تتناسب ورؤى العصر يطرحها مبدع يشعر بالمتلقي بعمق بما يمكنه من الولوج إلى أفكار المتلقي أو حتى دغدغة أفكاره على أقل تقدير ليكون المبدع ناجح على المستوى الاجتماعي وفكرته لن تكون كحدث عارض لفترة وجيزة وإنما منهاج عمل لفترة ليست بالقصيرة للمتلقي الذي يشعر بتماشي مخطط الفكرة مع منهاج إرادته وطموحه وهو هدف مجلة (ينابيع) وبالتالي الأمل الذي يأمله أو إمكانية الحصول عليه سواء كان الأمر سهلاً أو بمشقة.

أما المتلقي فهو يمتلك كل الأحلام كما يمتلك كل التساؤلات ليخرج بـ(أمل) محدد وواضح تتركز فيه كل اهتماماته وإرادته عند اقتنائه لمجلة (ينابيع) وآمالها. ويصنف المتلقي بكونه أما طموح أو كسول. فالمتلقي الطموح يحتاج إلى قراءة متطورة ومتنوعة ذات إبداع تفرزها وتنسجها فكرة عميقة بمسبباتها وأهدافها. ويتميز المتلقي الطموح بالجرأة عند استقبال الفكرة ولذلك قد يكون الفائز الأول بـ(الأمل) والهدف الخاص لمجلة (ينابيع) والتالي تنتهي أزمته التي تخص موضوعاً علمياً معيناً. أما المتلقي الكسول فهو يحتاج إلى قراءة مكثفة للفكرة المطروحة ولذلك يظهر هنا دور المبدع الذي عليه أن يعثر على الطريقة الأمثل لكي يقنع المتلقي للأخذ بمقترحات الفكرة وبمشروع متكامل ويظهر له الأمل بشكل منظور ورائع وممكن تحقيقه من دون حصول أضرار أو إشكالات أو تخفيضها إلى أدنى المستويات، وفي حالة عدم استغلاله لهذه الفكرة فلن يحصل على الأمل الذي يحتاج إليه وبكلام آخر يجب أن تكون مجلة (ينابيع) متناغمة مع آمال القراء وتوفر لهم ينابيع متنوعة من الإرادة والوسائل والمضمون بما يجعل القراء أقرب إلى التوحد والاندماج وبالتالي الارتقاء بالفرد والمجتمع كمتلقي.

ومن كل ما سبق يتضح أن المتلقي يحتاج إلى قيادة بارعة يتولاها المبدع وأفكاره بينابيع (الأمل)، وكلما كان الأمل أكبر وأفضل كلما كان المتلقي مشدوداً إليه بقوة وحزم. فـ(الأمل) الذي يربط عدداً من المتلقين يكون أصعب ويحتاج إلى فكرة مبدع متطورة وتلائم مطالب المتلقين عموماً بشكل أو بآخر وتدعمهم للوصول إلى الهدف الحقيقي لهم وبالتالي تحقيق استقرار معنوي للمتلقي عبر تحقيق مطالبهم.

فتأمل عزيزي القارئ كم أملا ً لك من ينابيع أفكار متنوعة نتجت من بحار أفكار المبدعين المتأملين عند ملتقى مجلة (ينابيع)، فبارك الله بجهود وينابيع المبدعين لنشرهم ثقافة الوعي والعمل الناجح والأمل وسيجزيهم الله كل الجزاء والحسنات والثواب. إليك.. عزيزتي مجلة (ينابيع) الغراء حبي لك منحني حب التفكير والتفكر.. رغبتي فيك ألهمتني رغبة في العلم والتوسع في العطاء..
وخير ما أختتم فيه كلامي هو دعائي لك بالعمر المديد ودوام التجدد وقوة الشباب في العطاء وان تعتمري أزهى ألوان الحياة كما تحملين أرقى الإبداعات، ففيك علمت أن للحياة وللإيمان وللإرادة وللحب (ينابيع) .

نشرت في العدد 31

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.